تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج المجلد 4

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله [امام خمینی]/ محمد الفاضل اللنکرانی.

مشخصات نشر : قم: حوزه العلمیه قم، مکتب الاعلام الاسلامی، مرکز النشر، 14ق.= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 6500 ریال (ج.3) ؛ 10000 ریال (ج.5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1415ق. = 1373.

يادداشت : چاپ قبلی: جامعه مدرسین قم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = -1368.

يادداشت : چاپ اول: 1374.

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1418ق.=1376).

مندرجات : .- ج. 3 و 5. کتاب الحج

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 74-6482

[تتمة القول في تروك الإحرام]

[الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة]

الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة فإن أمنى فعليه بدنة و الأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ (1).

______________________________

(1) ظاهر المتن ان الحرمة الإحرامية يكون موضوعها هو عنوان الاستمناء الذي هو أعم مما إذا تحقق الأمناء بسببه و مما إذا لم يتحقق غاية الأمر ان ثبوت البدنة و الكفارة انّما هو في خصوص صورة الأمناء و قد خالفه في ذلك مثل المحقق (قده) في الشرائع حيث انه ذكر في محرمات الإحرام عنوان الاستمناء و ذكر في باب الكفارات:

و في الاستمناء بدنة، و ظاهره ثبوت الكفارة في مطلقه و قد نفى صاحب الجواهر (قده) وجدان الخلاف في المقام

ثم استدلّ ببعض الروايات التي يأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى و ظاهره انّ المستند هي الرواية دون الإجماع و التسالم.

و عليه فاللازم أوّلا ملاحظة ان الروايات الواردة في هذا المجال هل يستفاد منها انّ متعلق الحرمة الإحرامية هو عنوان الاستمناء الذي يكون مضيّقا من جهة اعتبار القصد و إرادة الانزال و خروج المني فيه و موّسعا من جهة أخرى و هي عدم اعتبار الانزال خارجا و خروج المني عقيب القصد و الإرادة أو لا يستفاد منها ذلك فنقول ما يستفاد منه الحرمة و الكفارة روايتان:

إحديهما: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي رواها الشيخ و الكليني قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الرابع عشر ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 16

..........

______________________________

و ثانيتهما: موثقة إسحاق بن عمار التي رواها عنه صباح الحذاء و هو من الموثقين بالخصوص عن أبي الحسن عليه السّلام ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم، بدنة و الحج «1».

و الروايتان و ان كان يستفاد منهما الحرمة الإحرامية من طريق ثبوت الكفارة لأن ثبوتها في مورد لا ينطبق عليه بفعل الثانوية القوية مثل الاضطرار و الإكراه يكشف عن ثبوت الحرمة التكليفية كما مرّت الإشارة إليه غير مرّة إلّا أنّه لا يستفاد منهما كون المتعلق عنوان الاستمناء الذي عرفت اشتماله على جهتين لأن موردهما صورة تحقق الأمناء خارجا أوّلا

و لا اشعار فيهما فضلا عن الدلالة بثبوت القصد و ارادة الانزال ثانيا و لا تكون الملازمة و لو الغالبية بين الملاعبة مع الأهل و الانزال و كذا العبث بالذكر معه حتى يقال ان تعلق القصد بهما يستلزم تعلّق القصد به أيضا إلّا ان يقال بالفرق بينهما فإن الملاعبة مع الأهل يترتب عليه التمتع و التلذذ و لو لم يتحقق الأمناء فيمكن ان تكون مقصودة في نفسها بدونها و هذا بخلاف البعث بالذكر الذي لا يترتب عليه شي ء من دون تحقق الأمناء.

و على أيّ حال فالروايتان لا تنطبقان على المدعى لأنه لا مجال لدعوى إلغاء خصوصية الأمناء عن موردهما فان القيود المأخوذة في كلام السائل و ان كان لا دلالة لها على المدخلية في ترتب الحكم بخلاف القيود المذكورة في كلام الامام عليه السّلام إلّا انه لا يستفاد عدم المدخلية و ثبوت الحكم مع فقدان بعضها إلّا مع استفادة العرف عدم المدخلية بوجه كما في قوله: رجل شك بين الثلاث و الأربع و مثله، و في المقام لا مجال لدعوى عدم مدخلية الأمناء لو لم نقل بظهورهما في الاتكاء على هذا القيد.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

ثم انه وردت روايات دالة على نفي الكفارة في بعض موارد الأمناء لا بدّ من ملاحظتها و الجمع بينها و بينهما فنقول:

منها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: ليس عليه شي ء «1».

و منها موثقة أخرى لسماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم تنعت له المرأة الخلقة فيمني، قال:

ليس عليه شي ء «2».

و منها رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى انزل قال ليس عليه شي ء «3».

أقول: هذه الروايات الثلاثة الدالة على عدم ثبوت الكفارة مشتركة في ان مواردها لا يكون المقصود بشي ء منها الأمناء و لا يتحقق صدورها ناشيا عن هذا القصد نوعا و ان ترتب عليها الأمناء من دون قصد و عليه فمقتضى الجمع بينها و بين الروايتين الدالتين على ثبوت الكفارة بعد عدم اختصاصهما بموردهما الذي هو العبث بالأهل أو بالذكر هو حملهما على صورة قصد الأمناء و قد عرفت ان العبث بالذكر يكون غالبا مقرونا بهذا القصد لعدم تحقق تلذذ و تمتع بدونه بخلاف العبث بالأهل لكنه أيضا بقرينة هذه الروايات محمول على هذه الصورة و ان لم يكن بنفسه ظاهرا في الاختصاص.

و بالجملة بعد اشتراك جميع الروايات الخمسة في تحقق الأمناء في مواردها و اختلافها في أمرين ثبوت الكفارة و عدمها و كون موارد هذه الروايات الثلاثة لا يقصد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ج 4.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 18

..........

______________________________

بها الأمناء نوعا يكون مقتضى الجمع ما ذكرنا من حمل ما دلّ على ثبوت الكفارة على وجود قصد الإمناء أيضا و لا مجال لدعوى اختصاصه بموردهما لأن المتفاهم العرفي مدخلية القصد و الأمناء دون خصوصية العبث بالأهل أو بالذكر بل لو تخيّل بقصد الأمناء فأمنى أو نظر الى تمثال مرأة جميلة بهذا القصد فأمنى و مثلهما يكون مقتضى الروايتين

ثبوت الكفارة الكاشفة عن الحرمة الإحرامية و ان لم يكن حراما في نفسه كالعبث بالأهل و يؤيد عدم الاختصاص اختلاف نفس الروايتين في المورد لأنه من البعيد ان يكون الملاك في كل منهما مغايرا لما هو الملاك في الآخر كما أنه يؤيّده ان الأصحاب لم يفهموا منهما ذلك.

نعم سيجي ء ان بعضهم خصّ الحكم بلزوم اعادة الحج من قابل الذي يدل عليه الموثقة بخصوص موردها و هو العبث بالذكر، و يأتي البحث إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا وجه لتقويم المعارضة بين الطائفتين نظرا الى اشتراكهما في تحقق الأمناء و عدم تقيد شي ء من مواردهما بصورة القصد كما انه على هذا التقدير يكون الجمع بينهما بالتفصيل بين صورتي القصد و عدمه يكون جمعا تبرعيّا لا شاهد له بخلاف ما ذكرنا فان مرجعه الى حمل المطلق على المقيّد الذي هو خارج عن دائرة التعارض عند العرف و العقلاء.

كما انه ظهر مما ذكرنا أيضا انّ عنوان الاستمناء المذكور في كلمات الفقهاء قدّس سرّه هنا و في باب الكفارات لا يكون مذكورا في شي ء من الروايات الواردة في هذا الباب سواء قيل باعتبار تحقق الأمناء فيها زائدا على القصد أو قيل بعدم اعتباره بل المحرّم هو ما يقصد به الأمناء و تحققت بعده و عليه فيرد على المتن ان التفكيك بين الحرمة الإحرامية و بين الكفارة بالحكم بكون متعلق الاولى لا يعتبر فيه الأمناء بخلاف الثانية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 19

..........

______________________________

لا يعلم له وجه.

و قد انقدح انّ الاستمناء المحرم في باب الإحرام و الموجب لثبوت كفارة البدنة هو ما يكون متعقبا بالامناء، و امّا البطلان الموجب للزوم الحج

عليه من قابل فهو مورد للاختلاف فالمحكي عن الشيخ في التهذيب وجوب القضاء و هو المحكي عن المهذب و الوسيلة و الجامع و العلّامة في المختلف و قد استظهر عن التنقيح اختياره كالشهيدين و الكركي بل في الأوّل نسبته إلى الأكثر.

و عن ابن إدريس و الحلبي و جماعة بل ربما نقل عن الشيخ في الخلاف و الاستبصار عدم وجوب القضاء و جعله المحقّق في الشرائع أشبه.

و العمدة في الدليل على الوجوب موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة المصرّحة بثبوت البدنة و الحج عليه من قابل و لا مناقشة في اعتبارها إلّا على مبنى مثل صاحب المدارك ممّن لا يكتفي بمجرد الوثاقة في الاعتبار و الحجّية و لذا حمله على الاستحباب.

نعم ذكر العلّامة في المختلف: «و قال أبو علي بن الجنيد: و على المحرم إذا أنزل الماء امّا بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي يجامع في حديث الكلبي عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام».

و هذه الرواية على تقدير ثبوتها صحيحة لأن المسمع المذكور و هو أبو سيار الملقب بكر دين بكسر الكاف لكن لم نظفر بهما في مثل الوسائل من الجوامع الحديثية و حمل العبارة على كون المراد مفاد صحيحة أبي سيار المفصّلة المتقدمة في باب النظر و القبلة و اللمس خلاف الظاهر جدّا مع انه على تقدير ثبوتها بهذه العبارة لا ظهور فيها في لزوم الحج عليه من قابل زائدا على الكفارة التي هي البدنة و ان كانت فيها المماثلة المشعرة بذلك خصوصا مع اشتمالها على النظر الذي لا يقتضي الإفساد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 20

..........

______________________________

بوجه. نعم صحيحة عبد الرحمن بن

الحجاج المتقدمة التي وقع فيها التعبير بالكفارة خالية عن الإشعار أيضا لعدم معهودية إطلاق الكفارة على اعادة الحج و تكراره في القابل.

فالدليل- على ما ذكرنا- ينحصر بالموثقة الصريحة في ذلك لكنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه انّ المعارضة متحققة بينها و بين الصحيحتين الواردتين في المواقعة فيما دون الفرج الصريحتين في عدم لزوم الحج عليه من قابل.

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج، قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل .. «1».

ثانيتهما: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يقع على اهله قال: ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و ان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل. الحديث .. «2»

نظرا الى ان موردهما و هو الجماع فيما دون الفرج امّا يكون أغلظ من الاستمناء أو انه فرد منه كما ان الموثقة لا صراحة لها في الاستمناء و ان كانت تجامع معها في بعض الأحوال.

هذا و لكن بعد ما عرفت من انّ مورد الموثقة صورة الأمناء المصرّحة بها و ان مقتضى الجمع بينها و بين الروايات الثلاثة المتقدمة النافية للكفارة رأسا هو حمل مورد الموثقة على صورة قصد الإمناء أيضا يظهر انه لا مجال لدعوى ثبوت المعارضة بينها و بين الصحيحتين حتى ترجّحا عليها أو يرجح الى الأصل على فرض التكافؤ و ذلك لاعتبار خصوصيتين في مورد الموثقة مع عدم إشعار في الصحيحتين باعتبار واحدة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب السابع، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب السابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 4، ص: 21

..........

______________________________

منهما فضلا عن كلتيهما فان المواقعة فيما دون الفرج لا تلازم قصد الأمناء و لا تحققها بوجه و محط النظر فيهما انما هو نفس عنوان المواقعة فيما دون الفرج كما ان مورد النصوص الواردة في الجماع الحقيقي نفس هذا العنوان و لو لم يقصد به الإنزال أو لم يتحقق خارجا و عليه فلا معارضة بوجه.

فالإنصاف انه لا محيص عن الأخذ بالموثقة و الفتوى على طبقها، نعم المحكي عن الشيخ الذي هو الأصل في القول بوجوب القضاء و الحكم به هو الاقتصار على موردها و هو اللعب بالذكر و قد قوّاه صاحب الرياض نظرا إلى انه لا موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع التي ذكرها الإسكافي لما عرفت من عدم ظهورها في البطلان و ان كان موردها لا يختص باللعب بالذكر و اختار الاختصاص أيضا بعض الاعلام من المعاصرين في رسالته في المناسك و لكن الظاهر عدم الاختصاص و شمول الحكم لجميع موارد الاستمناء المتعقب للإمناء و لا يرى وجه للفرق بين الصحيحة و الموثقة من جهة إلغاء الخصوصية من مورد الأولى و تعميم الحكم الصورة التخيل و النظر الى التمثال و استماع صوتها بالشرطين و عدم إلغاء الخصوصية من مورد الثانية كما صنعه بعض الاعلام حيث انه أصرّ على عدم الاختصاص بالإضافة إلى الاولى و أفتى بمفاد الثانية في خصوص موردها.

و يؤيد عدم الاختصاص التشبيه في الصحيحة العبث بالأهل بالجماع فإنه لو كان المقصود مجرد ثبوت البدنة و عدم لزوم الحج عليه من قابل لكان هناك أمور اخرى أهون من الجماع و مع ذلك يترتب عليه كفارة البدنة فالتشبيه بالجماع يؤيد عدم كون الحكم المترتب عليه مجرد البدنة.

و كيف كان

فالظاهر عدم الاختصاص و ثبوت الأمرين في جميع الموارد و مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 22

[الخامس: الطيب بأنواعه]

اشارة

الخامس: الطيب بأنواعه حتى الكافور صبغا و اطلاء و بخورا، على بدنه أو لباسه، و لا يجوز لبس ما فيه رائحته و لا أكل ما فيه الطيب كالزعفران، و الأقوى عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني، و الأحوط الاجتناب (1).

______________________________

التنزل فمقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك كما في المتن ثم انه هل يختص الحكم في باب الاستمناء بالرجال و لا يعمّ النساء أو يعمّ النساء أيضا و لا يبعد ان يقال بالثاني فإنه و ان كان العنوانان المذكوران في الروايتين و هما العبث بالأهل أو بالذكر لا يصدقان في مورد النساء بخلاف عنواني التزوّج و التزويج المذكورين في الأمر المتقدم إلّا ان الظاهر على ما هو المتفاهم عند العرف كون الملاك هو قصد الأمناء و تحقق الأمناء بعده و لا خصوصية للعنوانين.

و يؤيّده عدم ثبوت الإضافة إلى الرجال في العبارات و ان كان تفسير الاستمناء بخصوص ما كان باليد كما عن الفاضلين في بعض كتبهما ربما يؤيّد الاختصاص لكنه مضافا الى الإيراد عليهما بأنه لا وجه لهذا التفسير كما في الجواهر بل هي عامة لما كانت باليد أو بغيرها من أيّة وسيلة كما في المتن لا دلالة على الاختصاص كما لا يخفى فالظاهر شمول الحكم للنساء أيضا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الأولى:

هل المحرّم في باب الإحرام هو عنوان الطيب بجميع أنواعه و بنحو العموم أو الإطلاق أو خصوص جملة من أنواعه فنقول بعد كون أصل الحرمة في الجملة مجمعا عليه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين بل النصوص متواترة فيه كما في الجواهر انه

قد نسب في محكي الذخيرة العموم الى أكثر المتأخرين بل في المنتهى كذلك إلى الأكثر بل في الرياض أيضا نسبته إلى الشهرة العظيمة و قد اختاره المتن و استظهره المحقق في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

الشرائع و قوّاه صاحب الجواهر في شرحها.

لكن المحكي عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة ما ظاهره الاختصاص بستّة أنواع: المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس، بل عن خلاف الشيخ الإجماع على أنّه لا كفارة في غيرها، نعم عدم وجوب الكفارة أعمّ من عدم الحرمة بخلاف الثبوت حيث انه يكشف عن ثبوتها كما مرّ غير مرّة. و الورس بفتح الواو و سكون الراء نبات كالسمسم ينحصر باليمن و يؤخذ لحرمة الوجه و بعض الأمور الأخر و سحيقه كسحيق زعفران.

و المحكيّ عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و الإشارة حصره في خمسة بإسقاط الورس بل في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها، و هو لا يدل على عدم ثبوت الحرمة لغيرها كما لا يخفى.

و اختار بعض الاعلام قدّس سرّهم الخمسة بإسقاط الكافور من تلك الستة.

و عن الصدوق في المقنع بل المحكيّ عن التهذيب و ابن سعيد حصره في أربعة:

المسك و العنبر و الزعفران و الورس و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه ان هذا القول في غاية الندرة حتى ان الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط الى العموم و في الخلاف إلى الستّة.

و اللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات الواردة في الباب و ينبغي قبل ذلك التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: انه لا مجال لاحتمال كون الطيب في زماننا هذا له مفهوم آخر

غير الطيب في زمن صدور الروايات حتى نفتقر في الحكم ببطلانه الى استصحاب القهقرى و ذلك لعدم خصوصية لهذا العنوان بين العناوين المشابهة له فالطيب من الألفاظ العربية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

التي وضع لمعنى مخصوص و لا سبيل الى احتمال تغيّر معناه الموضوع له بوجه.

الأمر الثاني: انه لا شبهة في ان تفسير الطيب كما يأتي في بعض الروايات لا يكون من قبيل التعريف الواقع في اللغة غير المرتبط بباب الاحكام فان هذا المعنى ليس من شأن الأئمة عليهم السّلام في مقام بيان الحكم و ان كانوا هم أعرف من كل لغويّ بالمراد من اللفظ لكن مقام بيان الحكم لا يلائم مع ذلك فكما ان تفسير الصعيد في بعض الروايات لا يرجع إلّا الى كون المراد من الصعيد الواقع في آية التيمم ما ذا، من دون ان يكون مرجعه الى توضيح اللغة بالنحو المتداول في كتب اللغة كذلك تفسير الطيب أيضا ببعض الأنواع لا يكون مرجعه إلّا الى ان ما ترتب عليه الحكم في باب الإحرام ما ذا غاية الأمر انّ هذا النحو من التعبير انما يكون لسانه بنحو الحكومية كقوله لا شك لكثير الشك على ما قرّر في محلّه.

و بعد هذين الأمرين نقدّم البحث عن الروايات التي استدل بها على عدم العموم فنقول:

عمدتها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تمسّ شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن و أمسك على أنفك من الريح الطيبة، و لا تمسك عليها من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة، و اتّق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشي ء من

ذلك فليعد غسله، و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران، غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة إلّا المضطرّ الى الزيت أو شبهه يتداوى به «1». و حكى عن التهذيب: «فعليه غسله» مكان: «فليعد غسله» و هو الظاهر و العجب من صاحب الوسائل حيث انه جعل هذه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

الرواية أربع روايات أوردها في باب واحد و الذي دعاه الى ذلك الاقتصار في اثنتين منهما على صدر هذه الرواية و في الثالثة على ذيلها مع ان الراوي عن معاوية في اثنتين هو صفوان مع فضالة أو مع ابن أبي عمير و في الآخرتين هو إبراهيم النخعي و من الواضح هي الوحدة المشتملة على ما نقلنا.

و منها: موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود «1».

و منها: موثقة عبد الغفار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و الورس .. «2» و قد رواها في الوسائل في أبواب تروك الإحرام عن الشيخ بهذا النحو و لكنه رواها في أبواب آداب الحمام عن الكليني و فيها العود مكان «3» الورس ..

و الظاهر كما مرّ ان هذا النحو من التعبير ناظر الى الحكم المترتب على الطيب في الشريعة و هو ليس إلّا الحرمة الإحرامية المعهودة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين و لسانه لسان الحكومة و انّ الطيب المحرّم على المحرم و ان كان مذكورا بنحو الإطلاق في دليل التحريم

أي الدليل المحكوم لكن المراد به خصوص الأنواع الأربعة.

و قد اشترك جميع هذه الروايات في ان المراد هي أربعة أنواع لكن الاختلاف بينها انّما هو في النوع الرابع و انه هل هو الورس أو العود فمقتضى رواية معاوية بن عمّار و رواية عبد الغفار على أحد نقليها ان الرابع هو الورس و مقتضى رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الغفار على النقل الآخر ان الرابع هو العود.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 15.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 16.

(3) أبواب آداب الحمام، الباب السابع و التسعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 26

..........

______________________________

و على أيّ حال فهذه الروايات مختلفة من هذه الجهة.

و ربما يقال كما قاله جملة من المحققين بأنه لا تعارض بينها في الحقيقة لأن دلالة كل من الطرفين على حرمة خصوص المذكورات فيها انّما هي بالصراحة و على عدم حرمة ما عداها انّما هي بالظهور فيتصرف في ظهور كل منهما بنصّ الآخر بمقتضى قاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص فإن صحيحة معاوية بن عمّار و ان كانت مشتملة على اداة الحصر و متعرضة لعنوان الأربعة مضافا الى كون الأنواع المذكورة فيها أربعة إلّا ان كل ذلك لا يوجب صراحتها في عدم حرمة عنوان خامس غير العناوين الأربعة المذكورة فيها بل مقتضى الوضع و كون كلمة «انّما» موضوعة للحصر لا يتجاوز عن الظهور كظهور الأسد في معناه الحقيقي المستند الى الوضع و كذا عنوان «الأربعة» و عدّ العناوين كذلك فإن شيئا منهما و كذا المجموع لا يوجب الصراحة في نفي الخامس بل لا يكون في البين إلّا مجرّد الظهور، و

كذا الروايتان الآخرتان فإنهما و ان كانتا بلسان الحكومة و ناظرتين الى تفسير عنوان الطيب الذي وقع متعلقا للحرمة الإحرامية في أدلّة التحريم إلّا ان دلالتهما لا تبلغ حدّ الصراحة في جانب النفي و ان كانت صريحة بالإضافة إلى جانب الإثبات فمقتضى الجمع هو الحكم بكون المحرّم هو العناوين الخمسة.

و من أضاف إليها الكافور فمستنده ما دلّ على يمنع الميّت المحرم منه فالحيّ أولى و ان كان مخدوشا لمنع الأولوية فإن المحرم إذا عرض له الموت لا يبقى له وصف المحرمية بوجه بل الظاهر انه حكم تعبدي لا يجوز التعدّي عن مورده.

هذا و يمكن المناقشة في الجمع المذكور بعدم كونه مقبولا عند العقلاء و العرف موجبا لخروج الطرفين عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 27

..........

______________________________

مثل مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة.

نعم ما يترتب على الجمع المزبور هو وجود الضعف في دلالة هذه الأخبار في مقابل الأخبار الدالة على حرمة مطلق الطيب و لا بدّ من ملاحظتها أيضا ثم النظر فيما يقتضيه الجمع فنقول:

منها: صحيحة محمد بن إسماعيل- يعني ابن بزيع- قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من ريحه «1».

و الظاهر انه لا يستفاد منها حرمة الطيب بنحو الإطلاق لأنّ الحاكي لفعل الامام عليه السّلام هو الرّاوي لا امام آخر حتى يمكن التمسك بإطلاق كلامه في مقام الحكاية إذا كان بصدد بيان الحكم كما نبّهنا عليه مرارا و من الظاهر ان الطيب المكشوف بين يدي الإمام عليه السّلام كان نوعا خاصا فلا دلالة لهذه الرواية على الإطلاق.

و منها رواية

سدير قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا شيئا من الطيب .. «2» و في نسخة من الوسائل: و لا يطعم شيئا من الطيب و الظاهر ان «لا» في هذه النسخة للنهي لا زائدة و على كلتا النسختين فلا شبهة في كون المراد لا ينبغي هي الحرمة لحرمة الزعفران.

و منها رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تمسّ ريحانا و أنت محرم، و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران «3». و نقل مثلها عن الشيخ في الوسائل و جعلهما روايتين و أوردهما في باب واحد.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 28

..........

______________________________

و منها مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذّذ به و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته «1».

و قد رواها في الوسائل عن الكليني هكذا و لكنه رواها عن الشيخ مسندا و جعلها رواية أخرى أورد كلتيهما في باب واحد مع وضوح وحدة الرواية و كون الاختلاف في المتن يسيرا جدّا حيث لا تكون الرواية الثانية مشتملة على قوله: و لا بريح طيبة و ذكر فيها مكان «قدر سعته»: بقدر شبعه يعني من الطعام، و الظاهر ان قربهما في الكتابة يوجب الظن بكون أحدهما تصحيف

الآخر.

و منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث ان المرأة المحرمة لا تمسّ طيبا «2». و من الواضح عدم اختصاص الحكم بالمرأة المحرمة لأنه لا قائل بالفرق بينها و بين الرجل في هذا الحكم و المناقشة في السند باعتبار اشتماله على سهل بن زياد مدفوعة بكون استناد المشهور الى مثلها جابرا لضعفها.

و منها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا كنت متمتعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت «3». و الظاهر ان المراد من الصفرة الزعفران و الورس و لا تشمل الرواية غيرهما.

و منها رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ- ثم ليقضوا تفثهم قال: التفث حفوف الرجل من الطيب فإذا قضى نسكه حلّ له الطيب «4».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 12.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 29

..........

______________________________

و المراد من الحفوف بعد العهد بسبب الإحرام من تطييب الرجل الذي كان معمولا في تلك الأزمنة و عليه فالمراد من الآية انه بعد قضاء مناسك الحج يجوز لهم العود الى ما كانوا عليه و الرواية ظاهرة في حرمة الطيّب حال الإحرام و ان حليته متوقفة على قضاء النسك.

و منها مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و كان علي بن الحسين عليهما السّلام إذا تجهّز إلى مكّة قال لأهله: إيّاكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب و لا الزعفران نأكله أو نطعمه «1».

و لكنه، حيث

يكون الحاكي لفعل الامام عليه السّلام هو غيره من الرواة فلا دلالة في الحكاية على كون العلّة في النهي هي حرمة الطيب مطلقا و من الممكن ان يكون بعض أنواعه مكروها غير محرّم عنده عليه السّلام و كانت الكراهة هي العلّة في النهي كما لا يخفى.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّٰه و يتوب اليه «2». و هذه الرواية من أحسن الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمشهور و لا مجال لحملها على الكراهة بوجه حيث انّها لا تجتمع مع ثبوت الكفارة خصوصا كفارة الدّم.

و منها رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل مسّ الطيب ناسيا و هو محرم قال: يغسل يده و يلبّي «3».

و السؤال ظاهر في كون حرمة الطيب على المحرم مفروغا عنها عند السائل و انما السؤال عن خصوص حال النسيان و الجواب تقرير له، مضافا الى ظهوره في وجوب

______________________________

(1) أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 18.

(2) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

غسل اليد بعد زوال النسيان.

و منها رواية الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام وضّأني الغلام و لم أعلم «بدستشان» فيه طيب، فغسلت يدي و انا محرم، فقال: تصدّق بشي ء لذلك «1».

قيل: دستشان معرب دست شود و يحتمل كونه مصحف الأشنان الذي وقع التعرض له في بعض الروايات، و يحتمل ان يكون مجموع الكلمة

فارسيّا قد استعمل لكون السائل من الفرس.

و منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يمسّ الطيب و هو نائم لا يعلم. قال: يغسله و ليس عليه شي ء. و «سألته خ ل» عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب و المحرم لا يعلم ما عليه، قال: لا شي ء يغسله أيضا و ليحذر .. «2».

و منها رواية أخرى للحسن بن زياد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي و انا محرم؟ فقال إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه، و قال: تصدّق بشي ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك «3».

و من المحتمل قويّا ان تكون هذه الرواية هي رواية الحسن بن زياد المتقدمة و عليه فيظهر ان الكلمة في تلك الرواية أشنان لا الاحتمالات الأخر و اشتمال هذه على بعض الأمور الأخر لا ينافي الاتحاد بوجه.

و منها مرسلة المفيد قدّس سرّه في المقنعة و هي معتبرة أيضا قال: قال عليه السّلام: كفارة مسّ

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 31

..........

______________________________

الطيب للمحرم ان يستغفر اللّٰه .. «1».

و منها غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

ثمّ ان صاحب الجواهر قدّس سرّه تبع المحقق صاحب الشرائع في جعل القول بالعموم هو الأظهر و قال بعد توصيف القول بالأربعة بكونه في غاية الندرة: «و منه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من

الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور و العود لما عرفت فيكون مجازا بالنسبة الى ذلك و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله و حمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة بل لعلّه أولى و ان كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لا يلزم إلّا أحدهما، و اما إذا لزم المجاز على كلّ تقدير فلا ريب في انّ اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى و العمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونهما و اشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها و اشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب لمعنى الإحرام و لما ورد في دعائه من إحرام الايف و غيره فيكون الظنّ بها أقوى ..».

و محصله- مع تقريب منّا- انه في الدوران بين المجاز و التخصيص و ان كان الترجيح مع الثاني امّا لعدم كون التخصيص مستلزما للمجازية كما قد حقق في الأصول لأنّه تصرف في الإرادة الجدية و مانع عن جريان أصالة التطابق بين الإرادتين:

- الاستعمالية و الجدية- و لا يستلزم التصرف في الإرادة الاستعمالية بحيث يكون كاشفا عن ان المستعمل فيه غير العموم، و امّا لكونه أغلب من المجاز نظرا إلى انه ما من عام إلّا و قد خصّ كما اشتهر إلّا ان مورد هذا الترجيح، ما إذا لم يكن التخصيص في مورد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقيّة كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 32

..........

______________________________

مستلزما للمجازية أيضا و امّا في صورة

الاستلزام فالترجيح مع عدمه لبقاء أصالة المعموم على حالها و المقام من هذا القبيل للزوم التصرف في روايات الأربعة جميعا حتى الصحيحة المشتملة على أداة الحصر الظاهر في الحصر الحقيقي خصوصا مع التعرّض لعنوان «الأربعة» لأنك عرفت ان مقتضى الجمع بين هذه الروايات جعل الأنواع المحرّمة خمسة و بضميمة الكافور ستة و عليه فالتخصيص أيضا يوجب الحمل على خلاف الظاهر فلا يبقى مجال لترجيح التخصيص على المجاز مع استلزام الطرفين له، امّا التخصيص فلما عرفت، و امّا العموم فلأن حمل هذه الروايات على تأكد الحرمة و أشديتها أو على كون المراد من الطيب المذكور هو الطيب المحرّم الموجب للكفّارة على خلاف الظاهر فالمجازية لازمة على كلا التقديرين و الترجيح مع المجاز الذي لا ينافي انحفاظ أصالة العموم خصوصا مع وجود الشهرة المؤيدة و سائر المؤيدات المذكورة في كلامه.

و قد أورد على هذا الكلام بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه بما حاصله: «انه لا يلزم من تخصيص العمومات بالحصر المذكور في صحيحة معاوية بن عمّار مجاز أصلا لا في العام لعدم كون التخصيص مستلزما للمجازية في العام و لا في الحصر نظرا الى لزوم حمله على الإضافي بالنسبة إلى العود و الكافور لأن أدوات الحصر كألفاظ العموم تدلّ على حصر متلوّها فان قيل ما جاءني إلّا زيد يكون مفاد «ما و إلّا» حصر المجي ء في زيد، و ان قيل إلّا زيد و عمرو يكون الحصر ثابتا في اثنين و هكذا فأداة الحصر نظير ألفاظ العموم حيث انه لا فرق فيها بين ان يقول: أكرم كلّ رجل، و بين ان يقول أكرم كل رجل عالم و عليه فكلمة «انّما» في الصحيحة انما تفيد الحصر

و امّا كون المحصور فيه خصوص الأربعة فمنوط بعدم دليل على حرمة غيرها و معه يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 33

..........

______________________________

المحصور فيه أزيد من الأربعة فاتضح انه لا يلزم في صورة التخصيص مجاز أصلا كما انه على تقدير عدمه و الحمل على الأغلظية أو خصوص ما يوجب الكفارة و ان كان يرد عليه انه بلا شاهد لعدم وضوح كونه جمعا عرفيّا لكنه لا يوجب المجازية بوجه فالمجاز لا يلزم على شي ء من التقديرين».

و الجواب عن هذا الإيراد امّا في صورة التخصيص فلأنّ أداة الحصر و ان كانت تدلّ على حصر متلوّها كما أفاده قدّس سرّه إلّا انّها إذا استعملت مع متلو واحد- مثلا- فقال:

ما جاءني من العدم إلّا زيد ثم أخبر بكلام منفصل باشتراك عمرو مع زيد في المجي ء من دون ان يكون في الخبر اشعار بالعدول عمّا أخبر به أوّلا و انه قد نسي مجي ء عمرو مثلا فهل يمكن ان يقال بان هذا الخبر الثاني لا ينافي ظاهر ما اشتمل على أداة الحصر و يكون مثل ما إذا أخبر أوّلا بمجي ء زيد من دون الاشتمال على أداة الحصر، الظاهر انه لا مجال للالتزام بذلك، لأنّ مرجعه الى توقف دلالة القول الأوّل على حصر المجي ء في خصوص زيد على عدم مجي ء دليل آخر على مجي ء عمرو- مثلا- و من الظاهر عدم إمكان الالتزام بذلك خصوصا في مثل الصحيحة التي تكون مشتملة على عنوان «الأربعة» زائدا على كلمة «إنّما» فإن مقتضى ما أفاده عدم ظهور الصحيحة في نفسها في الحصر في الأربعة و توقف دلالتها عليه على عدم ثبوت عنوان خامس أو أزيد فالإنصاف ان التخصيص يستلزم خلاف الظاهر

من هذه الجهة.

و امّا في صورة انحفاظ العام و عدم التخصيص فالظاهر ان حمل النهي على الأغلظية مخالف لما هو ظاهره لأن مفاده أصل الحرمة لا تأكّدها كما ان تخصيص مورده بخصوص ما يوجب الكفارة أيضا كذلك و تجري مثل ذلك فيما اشتمل على تفسير الطيب بالأربعة من الروايات المتقدمة فإن الظاهر كون اللام في «الطيب» إشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

الى ما هو المحرم في حال الإحرام المعهود عند المسلمين لما عرفت من كون حرمة الطيب في الجملة في حال الإحرام من الأمور المسلّمة بين الفريقين و حمله على الطيب الذي يكون آكد في الحرمة و أغلظ فيها أو الذي يكون موجبا للكفارة من بين الأنواع المشتركة في أصل الحرمة الإحرامية خلاف الظاهر جدّا فانقدح انه لا يرد اشكال على صاحب الجواهر قدّس سرّه من هذه الجهة.

هذا، و الذي يقتضيه التحقيق في مقام الجمع بين الطائفتين من الروايات الواردة في المقام هو حمل الطائفة الدالة على حرمة الطيب مطلقا و بجميع أنواعه على الكراهة و تخصيص الحرمة بخصوص العناوين الخمسة الواردة في الطائفة الثانية و ذلك لأنّ لسان هذه الطائفة امّا لسان الحصر و ان كان المحصور فيه زائدا على الأربعة المذكورة لاقتضاء الجمع بين روايات نفس هذه الطائفة لذلك كما في صحيحة معاوية بن عمّار.

و امّا لسان التفسير و الحكومة و مرجعه الى بيان ان الطيب الذي تكون حرمته في حال الإحرام معهودة عبارة عن الأربعة المذكورة فيه و ان كان مقتضى الجمع بين الدليلين الحاكمين هو وجود عنوان خامس إلّا انّ زيادة عنوان آخر لا يوجب التزلزل في أصل الحكومة و لا رفع اليد عن

مفاد كلمة «إنّما» الذي هو عدم عمومية الحرمة لجميع أنواع الطيب فمقتضى الجمع الدلالي الذي يوجب الخروج عن عنوان «المتعارضين» و لا تصل النوبة إلى المرجحات حتى الشهرة الفتوائية هو الحكم باختصاص الحرمة بالأنواع الخمسة و حمل ما دلّ على النهي عن المطلق على الكراهة و اللازم على هذا التقدير حمل ما دلّ على ثبوت الكفارة في مطلق الطيب على كون المراد واحدا من تلك الأنواع الخمسة و كيف يجتمع لسان الحكومة الموجود في أكثر هذه الطائفة مع عموم النهي كما انه لا يجتمع معه لسان الحضر الموجود في الصحيحة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

و يؤيد ما ذكرنا التدبّر في نفس صحيحة معاوية بن عمار المشتمل صدورها على النهي عن مسّ شي ء من الطيب و كذا الدهن الذي يكون المراد به بقرينة الذيل هو الدهن الطيّب و ذيلها على أمرين: أحدهما حصر المحرم من الطيب في الأربعة، و ثانيهما كراهة الادهان الطيبة لغير المضطر. و من الواضح انّ المراد من الكراهة في مقابل الحرمة هي الكراهة المصطلحة فهل الجمع بين المصدر المذكور في الرواية و بين الذيل الذي أشير إليه، يستلزم التهافت و التنافي أو انّ مقتضاه كون الذيل قرينة على ان المراد بالصدر هي الكراهي كما انه قد صرّح بها بالنسبة إلى الدهن و هل يمكن حمل الكراهة الواقعة في مقابل الحرمة على الحرمة فلا محيص عن حمل النهي في المصدر على الكراهة.

و يؤيده التعليل بأنّه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة فإنه لو لم تكن الرواية مشتملة على الذيل المذكور الموجب لحمل النهي في الصدر على الكراهة لما كان هذا التعبير منافيا للحرمة بوجه إلّا ان

الاشتمال على الذيل كما انّه أوجب حمل الصدر على الكراهة كذلك يوجب حمل التعليل على ما يناسب الكراهة.

كما أنه يؤيد ما ذكرنا جعل الكفارة قبل بيان الأنواع المحرّمة هو التصدق بصدقة بقدر ما صنع مع ان كفارة الطيب المحرم كما دلّ عليه بعض الروايات المتقدمة، هو الدم و عليه الفتوى فاللازم ان يقال بان هذه الكفارة كفارة المكروه و لا تكون واجبة بل مستحبة. فالتدبّر في نفس هذه الصحيحة يرشدنا الى الجمع الذي ذكرنا و إلّا يلزم التهافت أو الاضطراب في الرواية.

بقي الكلام في هذه الجهة في معنى الطيب و مفهومه سواء قلنا بتعلّق الحرمة بعنوانه بنحو الإطلاق أو قلنا بثبوت الكراهة في غير العناوين الخمسة المحرّمة فإنّه على هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

التقدير أيضا لا بدّ من معرفة معنى الطيب فنقول:

الظاهر انه من العناوين التي يرجع في تشخيص معناها و فهم المراد منها الى العرف و اللغة، لعدم ثبوت معنى خاص له في الشريعة و تعرّض جملة من أعيان الفقهاء لتعريفه و تفسيره لا يرجع الى ثبوت معنى مخصوص له فيها بل بيان لما هو المتفاهم منه عند العرف و لا بأس بالإشارة إلى نقل جملة منها فنقول:

قال العلّامة قدّس سرّه في محكي التذكرة: «انه ما تطيب رائحته و يتخذ للشمّ كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد و الأدهان الطيّبة كدهن البنفسج و الورس، و المعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيّب أو يظهر فيه هذا الغرض».

و قال الشهيد الأوّل: «يعني به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة أو الى مزاج المستعمل له غير الرياحين».

و قال في المسالك: «هو

الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشمّ غالبا غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور».

و العمدة ما عرفت من ان المعيار هو المعنى العرفي و اللغوي و التعاريف المزبورة ناظرة اليه و سيأتي الكلام في بعض المصاديق إن شاء اللّٰه تعالى. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

الجهة الثانية: في تنقيح متعلق الحرمة من الأفعال المتعلقة بالعناوين الخاصة أو بالطيب بنحو الإطلاق و لنقدم في هذه الجهة أمرا و هو انه ربما يقال كما في تقريرات بعض الأعاظم قدّس سرّهم بكون أدلّة المقام ظاهرة في تعلق الحكم ابتداء بنفس الأعيان فتصير نظير قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ .. غاية الأمر لا بدّ من الالتزام بعدم كون المراد ذلك لعدم إمكان تعلق الحكم بنفس الأعيان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

و يرد عليه بطلان ما أفاده لعدم كون أدلّة المقام نظيرا للآية المزبورة، و ذلك لأن صحيحة معاوية بن عمّار المشتملة على الحصر ناظرة إلى نفي ثبوت الحرمة فيما عدا الأربعة المذكورة فيها، و امّا تعلّق الحرمة بنفس العناوين المتعددة التي وقعت موردا لتعرضها، فلا دلالة لها عليه أصلا. و بعبارة أخرى مفادها تضييق دائرة متعلق الحكم التحريمي و تخصيصها بالأربعة.

و امّا كون الأربعة بذواتها متعلقة للحرمة فلا يستفاد منها بوجه. و أوضح منها الروايات الدالة على تفسير الطيب التي قد عرفت ان لسانها لسان الحكومة، و التوضيح فان مفادها انّ الطيب الذي يكون محرّما في حال الإحرام و تكون حرمته معهودة عبارة عن الأربعة المذكورة فيها و امّا كون المتعلّق نفس العناوين فلا دلالة لها عليه أصلا فالمقام لا يكون نظيرا للآية

المذكورة حتى يجري فيه احتمال كون حذف المتعلق مفيدا للعموم.

نعم على القول بحرمة الطيب بإطلاقه يكون بعض الروايات المتقدمة الدالة على هذا الحكم مشعرة بتعلق الحكم بعنوانه و ان كان أكثرها دالة على التعلّق بالفعل المتعلق به مثل المسّ المذكور في كثير منها.

و كيف كان فالتحقيق في أصل هذه الجهة ان يقال انه لا شبهة في خروج بعض الأفعال المتعلّقة بالطيب المحرّم عن دائرة الحرمة كالنظر اليه و بيعه و شرائه و مثل ذلك من الأفعال التي لا يفهم العرف كونها أيضا محرّمة و لم يقع الفتوى بها من أحد. كما ان الظاهر انه لا ينبغي الارتياب في كون الاستشمام و تعلق الشم بالطيب المحرّم محرّما لأنه القدر المتيقن الذي يدلّ عليه مفهوم الطيب و معناه كما مرّ في التعاريف المتقدمة فإن كونه عبارة عمّا يتخذ للشمّ غالبا أو انه ذو الريح الطيبة يرشد الى ان تعلق الحرمة به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 38

..........

______________________________

يرتبط بهذه الجهة قطعا فحرمة الشم هو القدر المتيقن، كما ان القدر المتيقن من تعلّق الحرمة بالميتة في الآية الشريفة هو حرمة أكل لحمها و الاستفادة منها من هذه الجهة بل ما نحن فيه أولى من الآية، لأن الأكل لم يؤخذ في مفهوم الميتة و معناها، لا في معناها العرفي و لا في معناها الشرعي بناء على ثبوت معنى شرعي لها و امّا الطيب فقد عرفت انه قد أخذ في مفهومه الاتخاذ للشمّ و عليه فلا شبهة في ان هذا العنوان محرم و لا يبقى مجال للبحث فيه و الترديد في انه هل يصدق على الشمّ عنوان «الاستعمال» أو لا يصدق كما في بعض الكلمات،

فإنه لا فرق فيما ذكرنا بين الصدق و عدمه خصوصا مع عدم دلالة شي ء من الروايات على تعلّق الحرمة بعنوان الاستعمال كما هو الظاهر.

هذا و مقتضى رواية زرارة المتقدمة الدالة على ثبوت الكفارة على من أكل طعاما فيه طيب هو كون الأكل أيضا مما تعلق به التحريم في باب الطيب من دون فرق بين القول بحرمة مطلق الطيب كما عليه المشهور أو بحرمة بعض أنواعه كما رجّحناه و احتمال كون الأكل في الرواية لا مدخلية له بل ذكره انّما هو لأجل استلزامه للشمّ مدفوع مضافا الى منع الاستلزام لإمكان كونه فاقدا لحاسة الشمّ أو ممسكا لأنفه في حال الأكل بأنّ ظاهر الرواية كون الأكل له الموضوعية و المدخلية و لا وجه للحمل على خلاف الظاهر و عليه فتتسع دائرة متعلق الحرمة، و يجب الحكم بكون الأكل أيضا محرّما كالشمّ على ما عرفت.

انّما الاشكال و البحث في مسّ الطيب و قد ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريراته انه لا ينبغي الإشكال في حرمته من جهة الاخبار الناهية عن مسّ مطلق الطيب كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم: لا تمسّ شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن .. و في صحيح حريز: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 39

..........

______________________________

و نحوهما غيرهما من الاخبار فحرمة المسّ لا تختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب و يصدق عليه انه منه يحرم مسّه للأخبار المتقدمة.

و عن التذكرة التصريح بذلك حيث قال: «شمّا و مسّا علق به البدن أو عبقت به الرائحة و احتقانا و اكتحالا و

استعاطا لا لضرورة و لبسا لثوب مطيب و افتراشا له بحيث يشمّ الريح أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه» بل قال: «لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية».

و الذي يقوي في النظر بعد التأمل في صحيحة معاوية بن عمّار انّ المسّ المنهي عنه فيها في صدر الرواية و شروعها لا يراد به ما يقابل الشمّ بل ذكره انّما هو لأجل كون الاستفادة من الطيب بشمّه انّما تتحقق نوعا بمسّه على البدن أو الثوب خصوصا في مثل المرأة التي وقع السؤال في بعض الروايات المتقدمة عن مسّها الطيب فانّ مسّها للطيب انما يكون غالبا لأجل كونه مطلوبا لزوجها و موجبا لحصول الرغبة الزائدة إليها و مؤثرا في كمال التمتع منها.

و يؤيد ما ذكرنا في مفاد الصحيحة انه لو كان المسّ له موضوعية مستقلة في مقابل الشمّ لكان اللازم رعاية لمناسبة الحكم و الموضوع التعرض في الطيب أوّلا لحكم الشمّ الذي قد عرفت انه الفعل الظاهر المتعلق به مع انه لم يقع التعرض له في الرواية كذلك كما ان الظاهر ان قوله: فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة تعليل لجميع الأحكام المذكورة لا لخصوص قوله و أمسك أنفك من الريح الطيبة و على تقدير كون المسّ عنوانا مستقلا في تعلّق الحكم به لكان الأولى ذكر العلّة له لأنه بعيد عن الأذهان بخلاف الشمّ الذي تكون علّة حرمته ظاهرة.

هذا مع انّ حمل الصدر على تحريم مسّ مطلق الطيب و الذيل على انحصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

الحرمة في الأربعة من دون تعرّض للشم فيها مستبعد جدّا بل الظاهر في الجمع بين الصدر و الذيل ما قدّمنا و انّ

المسّ لا موضوعية له بحيث لو لم يستلزم الشمّ لجهة يكون محرّما أيضا.

و لأجل الجمود على ظاهر الأدلة الحاكم بحرمة المسّ و انه لا فرق فيه بين الحدوث و البقاء وقع الكلام بينهم في انه إذا تطيب بعد الإحرام هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب ان يزيله بآلة أو أمر غير المحرم بالإزالة لئلا يمسّ الطيب فالمحكي عن الدروس انه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة و المحكي عن التهذيب و التحرير التصريح بجواز إزالته بمباشرته و بنفسه و هو الموافق للروايات المتعددة الواردة في هذه المسألة و لا مجال لحملها على حال الضرورة و هو يؤيد ما ذكرنا من عدم كون المسّ بعنوانه محرّما كما في الموارد الأخرى التي وقع متعلقا للحكم كمسّ الميت الذي يترتب عليه وجوب الغسل فان تحقق مسمّاه يكفي في إيجاب الغسل فهل يكون المقام أيضا كذلك نعم لو وقع التدهين بالدهن الطيب يكون هذا محرّما موجبا للكفارة بل يظهر من محكي المنتهى ان عليه إجماع أهل العلم و لكن التدهين بنفسه عنوان آخر من الأمور المحرّمة للمحرم في عرض الطيب و سائر الأمور، و امّا المسّ المجرد عن الشم و عن التدهين فالظاهر انه لا يمكن الالتزام بحرمته خصوصا لو قلنا بحرمة الريحان أيضا زائدا على الطيب كما أفيد في المتن في المسألة الآتية و قد وقع معطوفا على الطيب في مثل صحيحة حريز المتقدمة فإن اللازم- ح- الالتزام بكون مجرّد مسّ الريحان و لو لم يكن مستلزما لشمّه محرما أيضا مع انه من الواضح عدم إمكان الالتزام به.

ثم ان العناوين الثلاثة الواقعة في المتن من الصبغ و الاطلاء و البخور يكون المراد بالأوّل بناء

على كسر الصّاد هو الإدام المائع الذي يتخمر فيه الخبز و قد ورد في قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 41

[مسألة 10- يجب الاجتناب عن الرّياحين]

مسألة 10- يجب الاجتناب عن الرّياحين أي كلّ نبات فيه رائحة طيبة إلّا بعض أقسامها البرّية كالخزامى- و هو نبت زهرة من أطيب الأزهار على ما قيل- و القيصوم و الشيح و الإذخر، و يستثنى من الطيب خلوق الكعبة و هو مجهول عندنا فالأحوط الاجتناب من الاجتناب من الطيب المستعمل فيها (1).

______________________________

تعالى وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ و بناء على فتح الصاد يكون المراد به هو الصبغ بمعنى إيجاد اللون و هو يكون مستلزما لاستشمام رائحته كما ان الأول يكون مستلزما لأكله. و امّا الاطلاء فهو بمعنى المسح الملازم للشمّ و البخور بمعنى التبخير كذلك.

الجهة الثالثة: في عدم حرمة الزنجبيل و الدارصيني امّا بناء على اختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فواضح و امّا بناء على ما ذهب اليه المشهور من الإطلاق فلأجل عدم كونهما من أنواع الطيب بعد ما عرفت من مدخلية الاتخاذ للشمّ غالبا في معناه نعم سيأتي من المبسوط كلام يظهر منه انّ جميع هذه الأمور يصدق عليه عنوان الطيب و ان كان بين أنواعه اختلاف في الحكم فانتظر ..

(1) يقع الكلام في المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في الرياحين و لنقدم قبل التعرض لحكمها كلاما محكيّا من الشيخ في المبسوط فنقول قال فيه: «الطيب على ضربين: أحدهما «ماظ» تجب فيه الكفارة و هي الأجناس الستّة التي ذكرناها: المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و العود و الورس.

و الضرب الآخر على ثلاثة أضرب:

أولهما: ينبت للطيب و يتخذ منه الطيب مثل الورد و الياسمين و الجبزي (و الخبزي خ

ل) و الكازي و النيلوفر فهذا يكره و لا يتعلق باستعماله كفارة إلّا ان يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة.

و ثانيها: لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح و السفرجل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

و النارنج و الأترج و الدارصيني و المصطكي و الزنجبيل و الشيح و القيصوم و الإذخر و حبق الماء و السعد و نحو ذلك، و كل ذلك لا تتعلق به كفارة و لا هو محرم بلا خلاف و كذلك حكم أنوارها و أورادها و كذلك ما يعتصر منها من الماء و الأولى تجنب ذلك للمحرم.

الثالث: ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي و لا تتعلق به كفارة و يكره استعماله و فيه خلاف».

و مراده من الكراهة في الموردين هو مجرد الحرمة الخالية عن الكفارة الكراهة المصطلحة فإنّ الشيخ كما مرّ يقول في المبسوط بمقالة المشهور و هي حرمة مطلق الطيب غاية الأمر أنّه يخصّص الكفّارة بخصوص الأجناس الستة التي ذكرها كما انه يعمّمها للتدهين. و ظاهره انّ المقسم لجميع هذه الضروب الأربعة هو عنوان الطيب فاللازم ان يقال بعدم كون مراده هو الطيب بالمعنى العرفي الذي قد عرفت تعريفه في كلمات جماعة من الفقهاء- فإنه لا يشمل الجميع كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ الروايات الواردة في الرياحين على طائفتين:

إحداهما: ما تدلّ على الحرمة بنحو الإطلاق و هي ثلاث روايات:

الأولى: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عليه السّلام قال: لا تمسّ ريحانا و أنت محرم، و لا شيئا فيه زعفران، و لا تطعم طعاما فيه زعفران «1». و هذه الرواية كما

أنّها معتبرة من حيث السّند ظاهرة من حيث الدلالة على ان مسّ الريحان و شمّه حرام في حال الإحرام و انّ الريحان مغاير للطيب و لا يكون من مصاديقه كما ان الظاهر انّ المراد بالريحان هو الريحان العربي الذي هو عبارة عن مطلق النبات الذي يكون فيه رائحة طيبة لا الريحان الفارسي الذي هو نوع خاص مثل النعناع و غيره و لا فرق في الريحان المطلق بين البرّي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 43

..........

______________________________

و بين ما ينبته الآدمي.

الثانية: مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا يربح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته «1».

الثالثة: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع شبعه يعني من الطعام .. «2»

و لا شبهة في اتّحاد الروايتين و ان كلمة «شبعه» تصحيف ل «سعته» أو بالعكس لقربهما في الكتابة و لأجل الاتحاد استشكل في اعتبار سند الرواية لأجل ترددها بين كونها مسندة أو مرسلة كما انه بناء على ما اخترناه من عدم حرمة مطلق الطيب لا بدّ من حمل النهي فيها على الكراهة بخلاف الصحيحة الأولى الظاهرة في الحرمة لكون الزعفران من الأنواع التي لا شبهة في حرمته.

نعم بناء على مختار المتن من حرمة مطلق الطيب تكون الروايتان ظاهرتين من حيث الدلالة على الحرمة و ان كان ربما يقع

الإشكال في الدلالة بناء عليه من جهة الكفارة المذكورة فيهما حيث ان كفارة استعمال الطيب كما سيأتي هو دم شاة إلّا ان يحمل قوله: فمن ابتلى على غير صورة العمد و الالتفات و يأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و كيف كان ففي الصحيحة الأولى كفاية لما عرفت من خلوها عن المناقشة من حيث السند و الدلالة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 44

..........

______________________________

ثانيتهما: ما تدلّ على جواز شمّ جملة من الرياحين و هي صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيخ و أشباهه و أنت محرم «1». و قد رواها المشايخ الثلاثة عنه.

و هل المراد بقوله: و أشباهه هي أشباه المذكورات من خصوص النباتات البرية التي لها رائحة طيبة فتدلّ على عدم حرمة خصوص تلك النباتات أو ان المراد به مطلق الرياحين أعم من البريّة و غيرها.

فعلى الأوّل يكون مقتضى الجميع بين الطائفتين حمل الطائفة الأولى على النباتات غير البرية كالريحان الفارسي و النعناع و غيرهما و الحكم بعدم حرمة خصوص النباتات البريّة التي لها رائحة طيبة و هذا هو الطريق الذي سلكه الماتن قدّس سرّه.

و على الثاني يكون مقتضى الجمع هو حمل الأولى على الكراهة لأنه بعد دلالة الثانية على نفي البأس عن مطلق الرياحين لا بدّ من حمل الأولى على الكراهة و الحكم بعدم حرمتها على المحرم زائدة على الطيب و يؤيده قوله عليه السّلام في بعض الروايات المتقدمة في الطيب فإنه لا ينبغي للمحرم

ان يتلذذ بريح طيبة و قد اختار هذا الوجه بعض الاعلام قدّس سرّهم.

هذا و لكن الظاهر هو الطريق الأوّل و لو بناء على المختار من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع و ذلك لأنه لو كان المراد من أشباهه مطلق الرياحين لكان التعرض لما ينبته الآدمي ممّا هو محل الابتلاء نوعا أولى و لا ملاءمة بينه و بين التعرّض للعناوين الخاصة من النباتات البرية و إفادة إطلاق الحكم و عمومه بمجرد قوله «و أشباهه» مع ان حمل الصحيحة الأولى على الكراهة مع عطف الزعفران على الريحان مسّا و طعاما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

لا مجال له بعد وضوح ثبوت الحرمة في الزعفران.

و امّا ما أفاده البعض المتقدم من انه لا يحتمل ان الريحان أشدّ من سائر أفراد الطيب و العطور فيردّ عليه بعد كون مثل هذه الاحكام من الأحكام التعبدية التي لا طريق الى استكشاف ملاكها إلّا بالظنون غير المعتبرة انّ مثل هذا الإيراد يرد على نفسه أيضا فإن سائر أفراد الطيب و العطور ربما يكون أشدّ في الجهة المطلوبة من الطيب من الأنواع الخمسة التي خص الحكم بالحرمة بها.

نعم ما أورده على صاحب الحدائق بعد حكاية اضافة الريحان إلى الأنواع الخمسة عنه الظاهرة في كون مراده هو الريحان الفارسي من ان الريحان في لغة العرب اسم لكل نبات له رائحة طيبة و يجمع على رياحين فالرواية الأولى ظاهرة في حرمة مطلق الريحان في نفسها صحيح لا مجال للخدشة فيه.

و قد انقدح مما ذكرنا صحة ما أفيد في المتن من التفصيل في الرياحين و ان قلنا باختصاص حرمة

الطيب ببعض الأنواع.

الأمر الثاني في استثناء خلوق الكعبة و المحكي عن المغرب و المعرب انه ضرب من الطيب مائع فيه صفرة، و عن النهاية انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة. و عن ابن خبر له في منهاجه: «ان صفته زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشند درهمان، قرنفل و قرفد من كلّ واحد درهم يدقّ ناعما و ينخل و يعجن بماء و رد و دهن و رد حتى يصير كالرّهشي في قوامه، و الرهشي هو السمسم المطحون قبل ان يعصر و يستخرج دهنه».

و الظاهر انه كان معروفا في زمن صدور الروايات و انه كان طيبا مركّبا من أنواع الطيب و من أجزائه الركنية الزعفران كما ان طلى الكعبة به يرشد الى اشتماله على بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

الأدهان و المناسب كونه دهن الورد كما عن المنهاج.

هذا و لكن أفاد الماتن قدّس سرّه ان خلوق الكعبة مجهول عنده بمعنى انه لا يعلم كونه من أي قسم من أقسام الطيب و انه مركب من أزيد من قسم واحد أو غير مركّب بعد كون استثنائه مقتضى النص و الفتوى بل في المنتهى و محكيّ الخلاف الإجماع عليه و ظاهر المتن انه مع الجهالة يكون مقتضى القاعدة لزوم الاحتياط عن الطيب المستعمل في الكعبة حيث انه فرّع الاحتياط عليها و يرد عليه انه على هذا التقدير يكون مقتضى القاعدة عدم لزوم الاحتياط و ذلك لأنّ أدلّة استثناء الخلوق بمنزلة المقيد للأدلّة الدالة على حرمة الطيب بقول مطلق بناء على مختاره أو خصوص الأنواع الخمسة بناء على ما اخترناه و

إذا كان الدليل المقيد مجملا بحسب المفهوم و كان دائرا بين المتبائنين- مثلا- دون الأقل و الأكثر لا مجال للرجوع إلى أصالة الإطلاق أو أصالة العموم في شي ء منهما بل تجري أصالة البراءة فإذا قال المولى أكرم العلماء ثم قال بدليل منفصل لا يجب إكرام زيد العالم و كان زيد العالم مرددا بين زيد بن عمرو و زيد بن بكر لكون كليهما عالمين تجري أصالة البراءة عن وجوب إكرام كل منهما لمعارضة أصالة العموم في كل واحد مع أصالة العموم في الآخر و ليس هنا علم الجمالي بثبوت التكليف في البين و لا ما يقوم مقامه مثل البنية بل ليس في البين إلّا أصالة العموم و هي في كل واحد منهما معارضة مع الأخرى و لازم التعارض التساقط و الرجوع الى أصالة البراءة و المقام من هذا القبيل.

و كيف كان فالروايات الواردة في هذا الباب متعددة مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 47

..........

______________________________

ثوب المحرم قال: لا بأس و لا يغسله فإنه طهور «1». و المراد بالطهور بعد كون مقتضى صيغته هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره و بعد وضوح عدم كون المراد هنا التطهير من النجاسة الخبيثة التي يجب الاجتناب عنها في الصلاة و غيرها هو ما يوجب زوال الأوساخ و القذارات العرفية الملتصقة بالكعبة لأجل كثرة استلامها و مسّها من الطوائف المختلفة من المسلمين مع اختلافهم في رعاية النظافة و عدمها فالخلوق يوجب زوال تلك الأوساخ و عدم التلطّخ بها بعد الزوال سريعا لأنه ليس مثل الماء بل أمر باق يمنع عن التلطّخ كذلك

و عليه فمرجع التعليل إلى انه ليس المراد من طلي الكعبة بالخلوق هو حصول الريح الطيبة لها بل الغرض كونه مطهّرا لها عن الأوساخ العرفيّة و لأجله لا بأس بأن يصيب ثوب المحرم و لا يجب عليه غسله و في هذه الأزمنة يستعمل ما الورد في هذه الجهة و تستعمل كلمة «شست شو» بالفارسية التي هي عبارة عن المطهرية عن الأوساخ.

و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال: لا يضرّه و لا يغسله «2». و يستفاد من هذه الرواية كون الزعفران من الأجزاء الركنية للخلوق و الظاهر ان الوجه فيه اشتمال الزعفران على خصوصيتين الرائحة و اللون الجالب، و احتمال كون الزعفران في الرواية أمرا آخر غير مرتبط بالخلوق في غاية البعد.

و صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن خلوق الكعبة و خلوق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

القبر يكون في ثوب الإحرام فقال: لا بأس بهما، هما طهوران «1». و قد أفتى باستثناء خلوق القبر أيضا ابن سعيد استنادا الى هذه الرواية و الظاهر بمقتضى ما ذكرنا ان المراد هي القبور التي كانت مزارا لجماعة من المسلمين و كانت الزيادة لانتقال بعض الأوساخ إليها لارتفاعها عن سطح الأرض، كما كانت متعارفة في تلك الأزمنة و في بلادنا في هذه الأزمنة أيضا.

و موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس

به و هو طهور فلا تتّقه ان تصيبك «2».

و موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به و هو طهور فلا تتّقه ان تصيبك «3».

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال ان بثوبي منه لطخا «4».

انه بملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم و مورد الجميع و ان كان هي اصابة الخلوق أو الزعفران الذي فيه ثوب المحرم و انه لا بأس بهما و لا يجب غسل ما أصاب منه اليه إلّا انّه يستفاد منها انه لا مانع من شمّ الطيب الذي في الخلوق لأنه و ان أريد به الطهورية بالمعنى الذي ذكرنا إلّا انه لا يخلو من الرائحة الطيبة لا محالة فاستلام الكعبة و مسّها يلازم الشمّ عادة و لا مجال لاحتمال كون مفاد الروايات مجرد نفي البأس عن اصابة الثوب و لا دلالة لها على جواز الشم أيضا فإن المتفاهم العرفي منها كون الخلوق مستثنى بجميع الأفعال المحرّمة المتعلقة بالطيب لا خصوص اصابة الثوب و إلّا يلزم ان تكون اصابة البدن أيضا محرّمة لخروجها عن مورد الروايات

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 4.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و العشرون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 49

[مسألة 11- لا يجب الاجتناب عن الفواكه الطيبة]

مسألة 11- لا يجب

الاجتناب عن الفواكه الطيبة كالتّفاح و الأترج أكلا و استشماما،.

______________________________

مع ان وضوح خلافه لا شبهة فيه.

ثمّ انّ قوله عليه السّلام فإنه طهور في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان الظاهر في كونه علّة للحكم بعدم وجوب الاجتناب يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالخلوق لدوران الحكم سعة و ضيقا مدار العلّة كذلك فكل طيب يكون متّصفا بالطهورية لا يلزم الاجتناب عنه و عليه فماء الورد المستعمل في تطهير الكعبة في هذه الأزمنة يكون مستثنى من الطيب المحرّم بناء على مقالة المشهور لوجود العلّة فيه و هذا بخلاف التجمير الذي يحمل على الخلوق و يكون زائدا عنه فان هذه الروايات لا دلالة لها على جواز شمّه لعدم كونه طهورا بالمعنى الذي ذكرناه.

و عليه فيشكل حكمه بل المحكي عن المسالك انه حرّم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره اقتصارا على المنصوص.

قال: لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها و عندها- ح- و انّما يحرم الشمّ و لا كذلك الجلوس في سوق العطّارين و عند المتطيّب فإنّه يحرم.

هذا و لكن يردّ عليه مضافا الى انّ التجنب عن شمّه عسر و مناف لاحترام الكعبة لاستلزامه الإمساك بالأنف و القبض عليه بل يستفاد من الأدلة الدالة على جواز الجلوس عندها بل استحبابها عدم لزوم القبض على الأنف خصوصا مع عدم إشعار شي ء منها بذلك.

انّ الرواية الواردة في جواز شمّ المحرم الطيب من ريح العطارين بين الصفا و المروة ربما يستفاد منها جواز شمّ طيب الكعبة بالأولوية أو بإلغاء الخصوصية و هي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 50

و

ان كان الأحوط ترك استشمامه (1)

______________________________

فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1».

و دعوى انه لا مجال للتعدي عن موردها في غاية الاستبعاد نعم الظاهر اختصاص الحكم بالجواز في الموردين بما إذا لم يكن غرضه من الذهاب الى المسعى أو الجلوس عند الكعبة هو الاستشمام و الالتذاذ من الريح الطيبة الموجودة فيهما بل كان الغرض الجلوس عند الكعبة الذي هو أمر مستحب بل جائز، و لو فرض عدم استحبابه بل ربما يحتمل اختصاص مورد الرواية بما إذا كان في حال السعي أو في أثنائه و لو كان جالسا لأجل التعب، و امّا لو لم يكن كذلك بل كان غرضه العبور من بين الصفا و المروة مع عدم إرادة السعي فلا يجوز بل يجب الإمساك على الأنف- ح- هذا و لكن دعوى ثبوت الإطلاق في الرواية من هذه الجهة غير بعيدة و مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك.

و كيف كان فالظاهر عدم حرمة شمّ طيب الكعبة و ان لم يكن حلوقا و لا طهورا.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في جواز أكل الفواكه الطيبة الريح و يدلّ عليه رواية عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يأكل الأترج قال: نعم، قلت له رائحة طيبة قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب «2»: و مورد السؤال و ان كان هو أكل الأترج إلّا ان الجواب الثاني يدلّ على ضابطة كليّة و هي ان ما كان الغرض المهمّ منه هو الأكل و يعدّ من الأطعمة لا بأس بأكله و ان كان له رائحة طيبة فتدلّ على جواز أكل جميع الفواكه المتّصفة بهذا الوصف و على

جواز أكل الرياحين التي تقدم وجوب الاجتناب عنها و ان حرمة الأكل تختص بما كان طيّبا كالزعفران الذي وقع التصريح بثبوت الكفارة على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 51

..........

______________________________

أكله في بعض الروايات المتقدمة في الطيب.

ثم ان صاحب الوسائل أورد في هذا الباب مضافا الى رواية عمّار روايتين آخرتين مع ان الأولى منهما لا تكون رواية بل هي نقل فتوى ابن أبي عمير و الثانية رواية مرسلة رواها ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه فقال: يمسك على شمّه و يأكله «1». و اتحاد هذه الرواية مع فتواه يكشف عن كون الفتوى أيضا انما هي بعينها الرواية المرسلة و قد مرّ غير مرّة ان مراسيل ابن أبي عمير كسائر المراسيل و لا تكون حجّة.

و النبق هي ثمرة السّدر يشبه العنّاب قبل ان تشتد حمرته و المراد من قوله: و ما طاب ريحه، هو ما طاب ريحه من الفواكه التي هي أطعمة معدّة للأكل لا مطلق ما طاب ريحه، و المراد من قوله: يمسك على شمه، يحتمل ان يكون المراد هو الإمساك في حال الأكل و يحتمل ان يكون المراد هو الإمساك على شمّه مستقلا بحيث كان الغرض منه هي حرمة الاستشمام و لو لم يكن مقرونا بالأكل كما إذا أخذ تفّاحا لأجل شمّه دون أكله و لكن حيث ان الرواية غير معتبرة لا تصلح لإفادة حكم إلزامي و كيف كان لا شبهة في جواز أكل

الفواكه المذكورة و لو لم يكن في المقام إلّا هذه الرواية لكان المستفاد منها جواز الاستشمام الملازم للأكل لقرب عضويهما فاللازم ملاحظة الأمر الثاني.

الأمر الثاني: في جواز استشمام الفواكه الطيبة الريح و عدمه و قد عرفت ان الاستشمام تارة يكون مقرونا بالأكل و ملازما معه و اخرى يكون مستقلّا خاليا عن الأكل كما في المثال المتقدم.

و الظاهر انه لو قلنا بانحصار دائرة حرمة الطيب بخصوص الأنواع الخمسة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 52

..........

______________________________

المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة استشمام الفواكه المذكورة لأنّه و ان كان قد ورد في روايتين الأمر بالإمساك من الريح الطيبة إلّا انه لا بدّ بناء على هذا القول من الحمل على الاستحباب و الروايتان هما صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة في الطيب التي ذكرنا ان ذيلها قرينة على كون النهي عن مسّ مطلق الطيب اما يراد به خصوص الأنواع المذكورة في ذيلها أو محمول على الكراهة و على كون الأمر بالإمساك كذلك و يؤيد الاحتمال الثاني التعليل بقوله عليه السّلام: فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة.

و صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة و لا يمسك على أنفسه من الريح الخبيثة «1». و على ما ذكرنا تصير الصحيحة الأولى قرينة على حمل هذه الصحيحة أيضا على الاستحباب و قد انقدح انه بناء على هذا القول الذي اخترناه يكون الإمساك المزبور مستحبا لما عرفت.

و امّا بناء على عموم دائرة حرمة الطيب كما اختاره المتن تبعا للمشهور فالظاهر انه لا محيص

عن الحكم بوجوب الإمساك و رواية عمار بن موسى لا تكون بإزاء ما دلّ على الوجوب لأن محط النظر فيها سؤالا و جوابا هو مجرد الأكل و لا ملازمة بين جوازه و بين جواز الاستشمام و ان قلنا بان المتفاهم العرفي منها هو جواز الاستشمام أيضا إلّا ان هذه الدلالة انما هي مع عدم وجود الدليل على وجوب الإمساك و المفروض وجوده ثم انه على تقدير الدلالة، فغايتها الدلالة على جواز الاستشمام الملازم مع الأكل و امّا الاستشمام مستقلّا فلا دلالة لهما على جوازه بوجه و مما ذكرنا ينقدح الاشكال على المتن حيث انه جمع بين الحكم بحرمة مطلق الطيب و بين جعل الاحتياط في ترك الاستشمام استحبابيّا فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 53

[مسألة 12- يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا و المروة]

مسألة 12- يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا و المروة فيجوز ذلك (1).

[مسألة 13- لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفسه]

مسألة 13- لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفسه، و لا يجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبثية نعم يجوز الفرار منها و التسخي عنها (2).

______________________________

(1) الدليل على جواز ما مرّت الإشارة إليه في بحث استثناء خلوق الكعبة من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1». و قد رواها المشايخ الثلاثة و أفتى الأصحاب على طبقها و قد مرّ ان القدر المتيقن من موردها بل لعلّه المتفاهم عند العرف منها ما إذا كان في حال السعي الشاملة للجلوس للاستراحة عند التعب لإدامة السعي أيضا و امّا المرور من السوق في غير تلك الحال فشمول الرواية له مشكل و الاحتياط الوجوبي يقتضي الترك كما انه لو كان غرضه من الذهاب الى السوق المزبور مجرد الاستشمام لا تشمله الرواية و مورد الجواز هو استشمام الريح المنتشرة في فضاء السوق المذكور فلو أخذ قارورة من أحد الدكاكين و استشمها لا يجوز قطعا.

ثم انه على تقدير الإطلاق و عدم الاختصاص بحال السعي لا يبعد ان يقال بعدم اختصاص الحكم بالسوق الواقع بين الصفا و المروة الذي كان في الأزمنة السالفة و لا يكون منه أثر في هذه الأزمنة بل يشمل سائر أسواق العطارين الواقعة في طريق الحجاج و المحرمين نوعا.

(2) لا خفاء في انه لو اضطر إلى الاستفادة من الطيب بالإضافة الى بعض استعمالاته كالأكل أو الشرب لا يكون سائر الاستعمالات غير

المضطر إليها جائزا بسبب الاضطرار المذكور لأن محدودة رفع الحكم التحريمي انّما هي ما اضطر اليه من فعله

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

و لا مجال لتوهم ان يكون الاضطرار موجبا لتوسعة الرفع بالنسبة إلى الخارج عن دائرته، و عليه فالاضطرار إلى الأكل. لا يسوّغ الاستشمام أيضا بل يجب عليه إمساك أنفه تحرّزا عن الشم غير المضطر اليه و هذا من الوضوح بمكان فان الاضطرار إلى أكل الميتة لأجل حفظ النفس لا يجوز إلّا الأكل بالمقدار الذي يتوقف حفظ النفس عليه و لا يسوغ به أزيد من ذلك المقدار و لذا نرى في جملة من الروايات الإرجاع في مقام العلاج و المداواة الى الأدهان غير المشتملة على الريح الطيبة ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدّمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت «1».

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2». و المراد بالأخير هو الشحم المذاب.

و نرى في بعض الروايات تجويز الاستعاط بالطيب في خصوص صورة الضرورة و هي رواية إسماعيل بن جابر التي رواها الشيخ بطريقين و الصدوق بإسناده عنه و قد جعله في الوسائل ثلاث روايات مع انه من الواضح كونها واحدة و ان كان بينها اختلاف من حيث العبارة و هي على نقل الصدوق قد وقع التصريح في موردها بالاضطرار حيث انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم إذا اضطر الى سعوط فيه مسك من ريح تعرض له

في وجهه و علّة تصيبه فقال استعط به «3».

هذا و امّا عدم جواز إمساك الأنف من الرائحة الخبيثة فقد دلّ عليه من الروايات

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 55

[مسألة 14- لا بأس ببيع الطيب و شرائه و النظر اليه]

مسألة 14- لا بأس ببيع الطيب و شرائه و النظر اليه لكن يجب الاحتراز عن استشمامه (1).

______________________________

المتقدمة صحيحة معاوية بن عمّار التي فصلنا الكلام فيها في البحث الذي كان موردا للاختلاف بين المشهور و غيره و هو ان الحرام هل هو مطلق الطيب أو خصوص بعض أنواعه و كذا صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم المتقدمة أيضا و قد وقع في كلتيهما الجمع بين لزوم الإمساك على الأنف من الريح الطيبة و حرمة الإمساك على الأنف من الريح الخبيثة فإن قلنا بان المحرّم في باب الطيب هو مطلقة فالأمر و النهي في الجملتين باقيان على ظاهرهما من الوجوب و الحرمة و ان لم نقل بذلك بل باختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فاللازم كما ذكرنا حمل الأمر على الاستحباب خصوصا مع التعليل في الصحيحة الأولى بأنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و عليه فهل مقتضى وحدة السياق حمل النهي أيضا على الكراهة أو ان اشتمال كل من الجملتين على حكم خاص يمنع عن التصرف في الظهور الذي لم ينهض دليل على التصرف فيه و الظاهر هو الثاني خصوصا لو قلنا بمثله في جملة واحدة كما في قوله اغتسل للجمعة و الجنابة فإن قيام الدليل على استحباب الأوّل لا يوجب ثبوت

الاستحباب للثاني أيضا فتدبّر.

(1) قد مرّ البحث في ذلك فيما تقدم في تنقيح متعلق الحرمة في الأفعال المضافة إلى الطيب و ذكرنا ان مثل هذه الأفعال خارج عن دائرة المتعلق و يدلّ على جواز النظر خصوص صحيحة محمد بن إسماعيل يعني ابن بزيع قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته (ريحه خ ل) «1». فإنّها ظاهرة في الاقتصار على الإمساك على الأنف من دون اضافة غمض العين و عدم النظر خصوصا مع كون الغرض من الكشف هو النظر اليه فتدلّ على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 56

[مسألة 15- كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط]

مسألة 15- كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط، و لو تكرّر منه الاستعمال فان تخلّل بين الاستعمالين الكفارة تكرّرت و إلّا فإن تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، و ان تكرّر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفارة الواحدة (1).

______________________________

عدم حرمته بوجه.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى:

في أصل ثبوت الكفارة في استعمال الطيب في الجملة و لا شبهة فيه نصّا و فتوى و ستأتي النصوص الدالة عليه إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية:

ظاهر المتن تبعا لأكثر الأصحاب ثبوت الكفارة في جميع أنواع استعمال الطيب من الشمّ و الأكل و غيرهما بعنوان واحد و قد صرّح بذلك المحقق في الشرائع حيث قال:

«فمن تطيّب كان عليه دم سواء استعمله صبغا أو اطلاء، ابتداء أو استدامة أو بخورا أو في الطعام» و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه بعده: بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى الإجماع عليه بل حكى عن

التذكرة و التحرير زيادة عناوين اخرى حتى انه قال في الأولى لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية و كيف كان فاللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات فنقول انّها في بادئ النظر على طوائف أربع:

الطائفة الأولى ما ظاهره ثبوت كفارة الدم أو دم شاة في مورد الأكل و في هذه الطائفة روايتان:

إحداهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّٰه و يتوب اليه «1». و لا يبعد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

دعوى إلغاء الخصوصية من عنوان «الأكل» في هذه الرواية لو لم يكن في البين ما يدلّ على الخلاف و لذا استفيد منها أصل الحرمة بالإضافة إلى مثل الشمّ أيضا.

ثانيتهما صحيحة أخرى له قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1». فإن قوله:

أكل طعاما .. مطلق شامل لأكل الطعام الذي فيه الزعفران أو غيره من أنواع الطيب المحرّم و لا مجال لدعوى اختصاصه بخصوص أكل الصيد لكن لا يجري فيه الدعوى المذكورة في الصحيحة المتقدمة فتدبّر.

الطائفة الثانية ما يتوهم فيه المعارضة للطائفة الأولى و ان كفارة الدم لا تكون ثابتة في مورد الأكل و هي موثقة الحسن ابن هارون عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له

أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت «و انا محرم» قال: إذا فرغت من مناسك و أردت الخروج من مكّة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت، و لما دخل عليك في إحرامك ممّا لا تعلم «2». و لكن ذيل الرواية لو لم نقل بظهور السؤال في نفسه في عدم كون أكل الخبص المشتمل على الزعفران مع التعمد و الالتفات الى حرمته و يؤيده قوله: حتى شبعت، ظاهر بل صريح في ان ما دخل عليه في إحرامه كان ناشيا عن الجهل و عدم العلم و انّه لو كان عالما بذلك لم يقع منه الأكل المذكور فلا تعارض الطائفة المتقدمة بوجه بل يحمل الأمر بالتصدق بالتمر الذي اشتراه بدرهم على الاستحباب لعدم تحقق مخالفة التكليف الفعلي و يمكن توجيهه بما وجهنا به الأمر بالاستغفار

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 58

..........

______________________________

و التوبة في صحيحة زرارة الأولى ممّا تقدم و كيف كان فهذه الطائفة لا تعارض الطائفة الأولى بوجه.

الطائفة الثالثة ما يتوهّم صحة الاستدلال به لثبوت كفارة الدم في غير مورد أكل الطيب أيضا و هي روايتان:

إحداهما صحيحة معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و ان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه .. «1»

و يرد على الاستدلال بها مضافا الى ان الظاهر عدم كونها رواية عن المعصوم عليه السّلام و لو بنحو الإضمار بل كونها فتوى معاوية بن عمار، و الفتوى لا تصلح للاستناد إليها، ان الأظهر عدم كون

دهن بنفسج من الطيب أصلا و ان الحرمة التي تكشف عنها الكفارة إنّما يكون متعلقها الأدهان الذي هو عنوان مستقل من محرّمات الإحرام و سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى و لأجله يرد على صاحب الوسائل عدم انطباق عنوان الباب و هو ثبوت الكفارة في أنواع استعمال الطيب على هذه الرواية.

و يدلّ على عدم كون دهن البنفسج من أنواع الطيب رواية أبي الحسن الأحمسي قال سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال: اجعل عليه بنفسج و أشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيبة «2».

ثانيتهما ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال لكلّ شي ء خرجت من حجّك فعليه «فعليك خ ل» فيه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

دم يهريقه «تهريقه خ ل» حيث شئت «1». و حكى عن الكتاب المذكور مكان «خرجت»: «فيه خرجت».

هذا و الظاهر ان الرواية مضافا الى ضعف سندها لما عرفت مرارا من عدم توثيق عبد اللّٰه بن الحسن لا مجال للاستدلال بها لأنه على تقدير كون النسخة «خرجت» و كون المراد بالخروج من الحج هو إكمال الحج و الفراغ عنه يكون مفاد الرواية ان كل شي ء صار ارتكابه موجبا لثبوت الدم و لزوم إهراقه يجوز لك ان تهريقه أيّ مكان شئت و لا خصوصية لمكّة و منى لأنّه على هذا التقدير يكون قوله: فعليه فيه دم تتمة للموضوع و

له دخل في ثبوته و لا مجال لتوهم التمامية بمجرد قوله لكل شي ء خرجت من حجّك.

نعم على تقدير كون النسخة «جرحت» التي يكون معناها عروض الجرح و النقص في الحج و لو بارتكاب بعض ما لا يجوز ارتكابه فيه أو كون المراد بالخروج هو الخروج عن الطريق التي يجب عليه طيّها و المشي عليها حيث انه يطلق على العاصي انه الخارج من أطاعه أو أمر اللّٰه و نواهيه يمكن ان يقال بكون الرواية مسوّقة لإفادة ثبوت الدم بسبب الجرح أو الخروج بالمعنى المذكور لتمامية الموضوع بمجرد قوله جرحت من حجّك أو خرجت منه بهذا المعنى و لا ينافيه الدلالة على ثبوت حكم ثان و هو جواز اراقة الدم حيث شاء و ايّ مكان أراد.

كما انه على هذا التقدير أيضا يمكن ان يكون تتمة للموضوع و ناظرا الى موارد ثبوت الدم فتكون الرواية مسوّقة لإفادة حكم واحد و لا دلالة لها على ان الدم في أي مورد ثابت بل لا بدّ من نهوض الدليل عليه.

و كيف كان فالرواية مخدوشة سندا و دلالة و لا تصلح لإفادة ثبوت الدم بنحو

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

الضابطة في جميع موارد التخلف و ارتكاب شي ء من محرّمات الإحرام حتى يكون المقام من مصاديقه لفرض عدم اختصاص الحرمة بأكل الطيب كما عرفت.

الطائفة الرابعة ما يتوهم دلالتها على ان كفارة الطيب مطلقا أكلا و استشماما و غيرهما من الاستعمالات، هو التصدق دون الدم و هي روايات متعددة.

الأولى صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام فمن ابتلى بشي ء من ذلك فعليه غسله و

ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء إلخ «1».

و لكن الظاهر عدم دلالتها على كون الكفارة هو التصدق امّا على ما اخترناه من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع فلما مرّ سابقا من لزوم حمل الأمر بالتصدّق في استعمال مطلق الطيب الذي وقع النهي عنه قبل ذلك في الرواية على الاستحباب خصوصا مع انه لا مناسبة بين الأمر بالتصدق أوّلا ثم الحكم بالحرمة و بيانها كما في الرواية فلا محيص على هذا القول عن الحمل على الاستحباب.

و اما على ما اختاره المتن تبعا للمشهور من عموم حرمة الطيب بجميع أنواعه فالظاهر أن قوله: فمن ابتلى بشي ء من ذلك يكون المتفاهم منه عرفا صورة الجهل أو النسيان و لا يشمل صورة العمد كما في مثل حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة فإن التعبير بالإعادة و عدمها انما يكون مورده المصلّي الذي يريد الامتثال و الإتيان بالصلاة مع الاجزاء و الشرائط و سائر الخصوصيات غاية الأمر أنه منعه عن ذلك الجهل و النسيان و صار موجبا للإخلال ببعض ما يكون معتبرا فيها و المقام من هذا القبيل و ان لم يكن بذلك الوضوح.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 61

..........

______________________________

الثانية صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقصد ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام «1». و يردّ على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدمة على كلا المبنيين هذا مضافا الى ثبوت الاشكال هنا

من حيث السند لأن الرواية بعينها هي مرسلة الحريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام «2» و لا اختلاف بينهما إلّا يسيرا و قد مرّ ان تردد رواية واحدة بين الإرسال و الاسناد يخرجه عن الحجية و الاعتبار.

الثالثة موثقة الحسن بن زياد التي رواها الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له: الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي و انا محرم؟ فقال: إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه و قال تصدّق بشي ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك «3».

و الظاهر ان مورد السؤال صورة النسيان و يدلّ عليه أمران:

أحدهما: قوله عليه السّلام: إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم .. فانّ ذكره قبل الحكم بالتصدق بشي ء كفارة لا مناسبة له أصلا إلّا على تقدير كون المراد انه عند إرادة الإحرام انظروا المزاود و اعزلوا الذي لا تحتاجون اليه لئلا يتحقق الاستعمال المحرّم في حال النسيان.

ثانيهما: ان هذه الرواية بعينها رواها الصدوق بإسناده عن الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام وضّأني الغلام و لم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي و انا محرم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 11.

(2) الوسائل، أبواب تروك الصلاة، الباب الثامن عشر، ح 6.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

فقال تصدّق بشي ء لذلك «1».

فان الظاهر كون قوله: بدستشان مصحف به أشنان و احتمال كونه باللغة الفارسية التي تستعمل في بعض الروايات أحيانا كما استظهره بعض الاعلام قدّس سرّه في غاية الضعف بل لا يجتمع مع قوله: فيه طيب فتدبّر كما ان احتمال كونه

معرب «دست شو» أيضا كذلك بل المطمئن به لو لا المقطوع كونه مصحف أشنان المذكور في رواية الكليني و عليه فالتصريح بعدم العلم في هذه الرواية مع اتحادها مع السابقة يفيد كون المورد صورة عدم العلم و التعمّد. نعم ربما يناقش في صحة إسناد الصدوق الى الحسن المذكور لعدم تعرّضه له في المشيخة و التحقيق في محلّه.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ العمدة في باب الكفارة هي الطائفة الأولى و قد عرفت انه لا تبعد دعوى إلغاء الخصوصية من عنوان الأكل الوارد في موردها و ان المراد مطلق استعمال الطيب المحرّم و عليه فلا يبعد الذهاب الى ما عليه المشهور من ثبوت كفارة الدم مطلقا في الأكل و غيره و على تقدير التنزل فالحكم في الأكل انما هو على سبيل الفتوى و في غيره على نحو الاحتياط الوجوبي.

و منه يظهر الاشكال على المتن حيث انّه جعل ثبوت الدم بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقا من دون فرق بين الأكل و غيره مع انّ الطائفة الأولى الدالة على ثبوته في الأكل لا مجال للمناقشة فيها سندا و لا دلالة هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.

الجهة الثالثة:

في تكرر الكفارة بتكرر استعمال الطيب و عدمه فنقول قد فصّل في المتن بين صورة تخلل الكفارة بين الاستعمالين فحكم بثبوت التكرر و بين صورة عدم التخلل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 63

..........

______________________________

فاحتاط وجوبا ثبوت التكرر فيما إذا كان في أوقات متعددة و نفي البعد عن كفاية الكفارة الواحدة فيما إذا كان في وقت واحد و الظاهر ثبوت هذا التفصيل في جميع موارد ثبوت الكفارة و

لا يختص بالطيب و ان مستنده القاعدة دون الرواية و ان وردت الرواية في بعض الموارد كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فالظاهر انه لا شبهة في التكرر في صورة التخلل لأن السبب الثاني محرّم موجب للكفارة و لا مجال لتوهم كون الكفارة الواقعة قبل تحققه كفارة له أيضا و لا دليل في مقابل الإطلاقات الدالة على الحرمة و الكفارة على عدم كون السبب الثاني حراما أو على عدم كونه موجبا للكفارة كما ان الظاهر اتفاق الفتاوى على التكرر في هذه الصورة، و امّا صورة عدم التخلل، فالمستفاد من الفتاوى ثبوت التكرّر فيها في الجملة لكن ظاهر الكلمات مختلف من جهة انّ الملاك في التعدد و عدمه، تعدد المجلس و عدمه أو ان الملاك تعدد الوقت و وحدته، ظاهر المتن الثاني كما عن جماعة من الفقهاء منهم الشيخ الطوسي في كتابي المبسوط و الخلاف:

قال في محكي الأوّل: «الثالث الاستمتاع باللباس و الطيب و القبلة فإن فعل ذلك دفعة واحدة بأن لبس كل ما يحتاج اليه أو تطيب بأنواع الطيب أو قبّل و أكثر منه لزمه كفارة واحدة فإن فعل ذلك في أوقات متفرّقة لزمه عن كلّ دفعة كفارة سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفر».

و في محكي الثاني: «تتكرر الكفارة بتكرر اللبس و الطيب إذا فعل ثم صبر ساعة ثم فعل ثانية و هكذا كفر عن الأوّل أو لا» و استدل بأنه لا خلاف انه يلزمه بكلّ لبسة كفارة فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة و بالاحتياط.

و ظاهر المحقق في أواخر الكفارات من الحج، الأول قال: «و لو تكرر منه اللبس أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 64

..........

______________________________

الطيب

فان اتّحد المجلس لم تتكرّر و ان اختلف تكرّرت» و حكى مثله عن النهاية و الوسيلة و المهذب و الغنية و السرائر.

و يظهر من المسالك اتحاد القولين حيث انه ذكر بعد عبارة الشرائع: هكذا أطلق الأصحاب و من المدارك عدم الاتحاد و ثبوت قولين بل عن المنتهى ثبوت التكرر و لو مع اتحاد الوقت إذا اختلف صنف الملبوس حيث قال: و من لبس قميصا و عمامة و خفين و سراويل وجب عليه لكل واحد فدية لأن الأصل عدم التداخل. فإن حرمة القميص و السراويل من جهة واحدة و هي كونهما مخيطين بخلاف العمامة المستلزمة لستر الرأس و الخف المستلزم لستر ظاهر القدم كلّا أو جلّا.

و كيف كان فالبحث في المسألة تارة يقع من جهة القاعدة و اخرى من جهة بعض الروايات التي يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بها لبعض فروض المسألة.

فنقول بعد كون الظاهر اتفاق الفتاوى في باب الإحرام على كون الأنواع المتعددة الموجبة للكفارة و الماهيّات المتنوعة المستلزمة لها يترتب عليها تعدد الكفارة حسب تعددها و ان الخلاف و الاشكال في المقام انّما هو في افراد طبيعة واحدة و مصاديق ماهية فأرده و ان كانت مختلفة من جهة الصنف كالسراويل و القميص بالإضافة إلى لبس المخيط للرجال و أصناف الطيب المحرم كالزعفران و المسك أو أصناف استعماله كالاستشمام و الأكل انه قد حققنا في الأصول انّ مقتضى القاعدة في مبحث التداخل هو عدمه على حسب ما يكون المتفاهم عند العرف من مثل القضية الشرطية الظاهرة في سببية الشرط لثبوت الجزاء فان المنسبق الى أذهان العرف من مثل قوله إذا بلت فتوضأ هو كون كل مصداق من طبيعة البول سببا لوجوب الوضوء و عليه فمقتضى

القاعدة المبتنية على فهم العرف الذي هو الملاك في ظهور الألفاظ هو عدم التداخل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

إلّا ان الذي لا بدّ من التعرض له في هذا المقام هو ان المعيار في تشخيص وحدة الفرد و تعدده و كون الواقع هو مصداقا واحدا أم متعددا هو العرف أيضا فكل مورد حكم العرف فيه بالتعدد يترتب عليه تعدد الكفارة و كل مورد حكم فيه العرف بالوحدة لا يترتب عليه إلّا كفارة واحدة لأنّ السبب يكون من الموضوعات الخارجية التي يكون تشخيصها بيد العرف و نظره. و عليه فالظاهر انه ليس من شأن الفقه و الفقيه بيان انه في أيّ مورد يتحقق التعدد و في أيّ مورد لا يتحقق و ان الملاك هو اتّحاد المجلس أو اتّحاد الوقت أو أمر آخر بل اللازم المراجعة إلى العرف و الحكم على طبق نظره، هذا بلحاظ القاعدة.

و امّا بالنظر الى الروايات فما يمكن ان يستدلّ أو يستأنس بهما لحكم المقام روايات لا بدّ من التعرض لها و ان لم يقع الاستناد إليها إلّا الى بعضها في الكلمات و الكتب حتى الجواهر.

فمنها موثقة الحسن بن هارون المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت «و انا محرم» قال إذا فرغت من مناسكك و أردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم .. «1».

فان موردها و ان كان صورة الجهل كما مرّ و الصدقة المأمور بها فيها و ان كانت مستحبة إلّا ان ظهورها في كون الأكل المذكور فيه واحدا غير متعدد

و ان ادامه الى ان شبع و لازمة أكل لقمات متعددة متعاقبة لا مجال لإنكاره و هذا هو الذي يساعد عليه العرف فإنه لا يرى الأكل المزبور إلّا واحدا و هذا بخلاف ما إذا تحقق أكل الخبيص

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 66

..........

______________________________

المذكور مرات متعددة تحقق بينهما الفصل.

و منها صحيحة زرارة المتقدمة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم .. الحديث «1». و يستفاد منها وحدة الكفارة و ان كان السبب فردين لكون الأكل مستلزما للاستشمام غالبا لعدم تعارف القبض على الأنف عند الأكل و عدم إشعار في الرواية بتعدد الكفارة فتدلّ على ان اجتماعهما لا يترتب عليه إلّا كفارة واحدة نعم في خصوص صورة التقارن المفروض فيها فلو فرض وقوعهما في زمانين مختلفين لا دلالة في الرواية على الوحدة.

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها، قال عليه لكل صنف منها فداء «2». و ذكر في الجواهر انه لا محيص عن العمل به بعد ان كان جامعا لشرائط الحجية و انه يعم لبسها دفعة و دفعات.

أقول مقتضى إطلاقها و ان كان هو ما أفاده إلّا انه لا بدّ من تقييدها بما إذا كان اللبس دفعات متعددة و ذلك لدلالة الروايتين السابقتين على عدم التعدد مع الوقوع دفعة واحدة و ان كان الصنف مختلفا كالأكل و الاستشمام على ما هو مقتضى الصحيحة فلا مجال للأخذ بإطلاقها.

و منها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام.

يقول: من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعليه متعمدا فعليه دم شاة «3».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع، ح 1.

(3) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 67

[السادس: لبس المخيط للرجال]

اشارة

السادس: لبس المخيط للرجال كالقميص و السراويل و القباء و أشباهها، بل لا يجوز لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج و المصنوع من اللّبد، و الأحوط الاجتناب من المخيط و لو كان قليلا كالقلنسوة و التكّة، نعم يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الذي فيه النقود (1).

______________________________

و ظاهرها وحدة الكفارة مع وحدة اللبس و ان كان الملبوس متعدّدا و على تقدير الإطلاق و الشمول لصورة التعدد المتحققة بالدفعات لا بدّ من تقييدها بصورة الوحدة لما تقدم.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا صحة ما في المتن مع تبديل الاحتياط الوجوبي بالفتوى نظرا الى نهوض دليل معتبر على التعدد في الأوقات المختلفة.

ثم انه ذكر صاحب الجواهر انه لم يجد في الروايات أثرا من اتحاد المجلس و عدمه مع انه ورد في رواية تعبير انه إن كان فعل ذلك- يعني قلّم أظافير يديه و رجليه جميعا- في مجلس واحد فعليه دم و ان كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان «1». و الظاهر ان المراد به هو الوقت الواحد.

(1) يقع الكلام في هذا الأمر في مقامات:

المقام الأوّل في أصل حرمة لبس المخيط على الرجال و قد حكى

نفي وجدان الخلاف في تعلّق الحرمة بهذا العنوان عن جملة من الكتب الفقهية بل عن التذكرة و موضع من المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، و ظاهره إجماع علماء الفريقين لكن الظاهر عدم تعلّق الحكم بهذا العنوان في شي ء من الروايات الواردة في الباب كما قاله الشهيد في محكي الدروس من انه لم يقف الى الآن على رواية بتحريم عين المخيط انّما نهى عن القميص و القباء و السراويل و تبعه صاحب الجواهر في ذلك.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

أقول بناء على ذلك يشكل الحكم بالحرمة بهذا النحو لأنه لو كان المستند فيه هو الإجماع المتقدم فيرد على الاستناد اليه مضافا الى انّ المفيد قدّس سرّه في محكي المقنعة لم يذكر اجتناب المحرم المخيط و انما ذكر انه لا يلبس قميصا، و الى ان الإجماع المنقول لا يكون حجّة كما قرّر في محلّه، انه على تقدير ثبوت الإجماع و تحققه يحتمل بل يظن قويّا ان مستند المجمعين هي الروايات الواردة في مثل القميص بضميمة استنباط عنوان كلي و هو المخيط لا ان يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام و فتواه بثبوت الحرمة و تعلقها بعنوان المخيط، و بالجملة فلا مجال للاستناد إلى الإجماع هنا بل لا بدّ من ملاحظة الروايات فنقول انّها على أقسام ثلاثة:

القسم الأول ما ظاهره حرمة لبس مطلق الثياب أو عمومها كالروايات التي تقدم بعضها الواردة في كيفية الإحرام الدالة على إحرامه بجميع أعضائه و جوارحه من النساء و الثياب و الطيب، و الروايات الدالة على ان ميقات الصبيان هو فخّ الذي يكون بينه و بين

مكة فرسخ واحد تقريبا و هو المكان الذي وقعت فيه حادثة فخ الفجيعة التي تكون بعد واقعة كربلاء أفجع الحوادث و التعبير فيها انه يجرّد الصبيان في ذلك المكان إذا أحرم بهم وليّهم، و كذا الروايات الواردة في حال شروع الإحرام الآمرة بالتجرد في إزار و رداء و كذا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة أنفا الواردة في محرم احتاج الى ضروب من الثياب الظاهرة في عدم الجواز مع عدم الاحتياج و ان كانت الكفارة ثابتة على كلا التقديرين، و لو كان في البين هذا القسم فقط لكان مقتضاه حرمة لبس الثياب مطلقا إلّا ان يناقش في بعضها بكون الثياب إشارة الى ما هو المحرّم منها على المحرم لا مطلقها فتدبّر.

القسم الثاني ما دلّ على حرمة لبس عناوين خاصة كالقميص مثل الرواية المتقدمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 69

..........

______________________________

سابقا الحاكية لقصة رجل دخل محرما في مسجد الحرام ملبيّا و عليه قميص حيث حكم عليه أبو عبد اللّٰه عليه السّلام بالإخراج من الرأس لأنه كان لبسه له قبل التلبية و تحقق الإحرام «1».

فإن دلالتها على حرمة لبس القميص ظاهرة خصوصا مع قوله عليه السّلام أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه.

و كالقباء مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اضطرّ المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء .. «2»

و كالسراويل مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل إلّا ان لا يكون لك أزرار، و لا خفين

إلّا أن لا يكون لك نعلان .. «3»

و كالثوب المزرور أي المشتمل على الزّر الذي هو بالفارسية بمعنى التكمة و كالدرع الذي يعبّر عنه بالمدرعة و الظاهر ان الخصوصية الموجودة فيه أمران أحدهما انه يلبس فوق جميع الثياب و عليها و ثانيهما اشتماله على الكمين و لأجلها يعبّر عمّا يستفاد منه في الحرب بالدرع و الدليل عليهما هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و بعض الروايات الأخر.

و القسم الثالث ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب إلّا الدّرع و هي صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عمّا يكره للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلّا ثوبا يتدرعه «4». و الظاهر ان المراد من الكراهة في السؤال هي الحرمة فالجواب راجع الى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الأربعون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثلاثون، ح 2.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

نفي الحرمة في غير الدرع.

هذا و الظاهر ان القسم الأخير لا مجال للأخذ به بوجه لأنه لا وجه مع دلالة القسم الثاني على حرمة عناوين خمسة على تخصيص الحكم بالحرمة، بخصوص الدرع خصوصا بعد ظهور الاتفاق على حرمة مثل القميص و القباء و السراويل و عليه فان التزمنا بتخصيص عموم هذا القسم بجميع تلك العناوين يلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّه لا يبقى تحت العام إلّا أفراد قليلة مثل الأزرار المخيط و ما يشبه المخيط بناء على جوازه و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و ان لم نلتزم بالتخصيص

لا مساغ للأخذ به بعد تطابق النص و الفتوى فاللازم إخراج هذا القسم و الالتزام بكونه معرضا عنه فيبقى القسم الأوّل.

فنقول بعد الإغماض عن المناقشة التي أشرنا إليها بالنسبة إلى القسم الأوّل و هي انه يحتمل في بعض رواياتها ان لا يكون لها دلالة على عموم حرمة لبس الثياب على الرجل المحرم بل كانت إشارة إلى الثياب المحرّمة المعهودة المبينة في محلها و وجه الإغماض عدم جريان هذه المناقشة في الروايات الآمرة بالتجرّد في إزار و رداء و كذا الروايات الدالة على تجريد الصبيان في ميقات فخ و على هذا التقدير يكون مقتضى هذا القسم حرمة مطلق الثياب سواء كانت مخيطة أم غير مخيطة و دعوى انصراف الثوب الى خصوص المخيط ممنوعة خصوصا بعد ملاحظة استعماله في ثوبي الإحرام فتدبّر.

و بعد الإغماض عن المناقشة التي تجري في بعض روايات القسم الثاني و هي ما يدل على حرمة الثوب المزبور نظرا الى ان ظاهرها عدم حرمة لبس الثوب الذي له إزار بل ظاهرها حرمة زرّ الإزار فإن قوله: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه ظاهره ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

و سيأتي مثله في الروايتين أو أزيد الواردتين في الطيلسان الذي له إزار الدالتين على حرمة أن يزرها المحرم و وجه الإغماض استفادة كون الحرمة لأجل كون وجود الإزار مستلزما للمخيطيّة و كذا ما يدلّ على حرمة لبس الدرع الظاهر في كون المانع الأدراع لا المخيطيّة، انه لا شبهة بملاحظة اتفاق الفتاوى قطعا على ان لبس الثوب غير المخيط لا يكون محرّما على الرجل المحرم بوجه فلا بد من تخصيصها بذلك و الحكم بان العموم في القسم

الأوّل يختص بالثوب المخيط و امّا القسم الثاني فإنه و ان ورد فيها عناوين خاصّة إلّا ان الجامع بينها حيث يكون هو عنوان المخيطية فيحتمل ان يكون المحرم هو ذلك العنوان العام فيكون مقتضاه ثبوت الحرمة في الأثواب المخيطة الخارجة عن تلك العناوين أيضا. نعم يحتمل ان يكون المحرم خصوص تلك العناوين كما اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان احتاط وجوبا بالإضافة إلى غيرها، و مع الشك لا محيص عن الرجوع الى عموم القسم الأوّل و الحكم بثبوت الحرمة للبس مطلق الثوب المخيط كما اختاره في المتن تبعا للمشهور و عليه لا يبقى مجال لدعوى عدم قيام الدليل على حرمة غير العناوين الخمسة و لا لما أفاده الشهيد في عبارته المتقدمة في صدر المسألة.

نعم يبقى الكلام في أمور ثلاثة مذكورة في المتن:

الأمر الأوّل: لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج أو المصنوع من اللبد و قد حكم في المتن بعدم جوازه و الوجه فيه بناء على الطريق الذي سلكناه واضح فان مقتضى عموم القسم الأوّل من الروايات بعد منع انصراف الثياب المذكورة الممنوعة فيها الى الثياب المخيطة هي حرمة مطلقها و لم ينهض دليل في مقابله على جواز لبس ما يشبه المخيط كالمثالين المذكورين و قيام الدليل على جواز لبس غير المخيط و ما يشابهه لا يقتضي ذلك و عليه فكما ان مقتضى أصالة العموم حرمة لبس المخيط مطلقا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 72

..........

______________________________

من دون ان تختص بالعناوين الخمسة المذكورة في القسم الثاني كذلك مقتضاها حرمة لبس ما يشبه المخيط بعد عدم قيام الدليل على الجواز.

و امّا بناء على القول باختصاص الحرمة بتلك العناوين الخمسة فالوجه فيه صدق

مثل عنوان القميص و السراويل و القباء على المنسوج منها فإنه لا ينبغي الارتياب في انّه كما ان القميص المخيط قميص كذلك، القميص المنسوج المتداول في هذه الأزمنة و حتى يستعمل فيه في الفارسية هذا العنوان و لا مجال لدعوى اختصاصها بخصوص المخيط منها بحيث يخرج ما يشبه المخيط منها، نعم لازم هذا المبنى الاقتصار على خصوص هذه العناوين فيما يشبه المخيط أيضا فلو فرض ثبوت عنوان سادس يكون مشابها للمخيط لا دليل على حرمته بخلاف المبنى الذي اخترناه.

نعم لو قيل بأن الأصل في دليل هذا الأمر هو الإجماع على حرمة لبس المخيط كما استدلّ به صاحب الجواهر و يؤيده عدم ورد هذا العنوان في شي ء من الروايات حتى لا يكون للإجماع أصالة و استقلال لكان لازمة الاقتصار على القدر المتيقن و هو خصوص المخيط و عدم تسرية الحكم الى ما يشابهه أيضا. و لكن قد عرفت المناقشة في الاستناد إلى الإجماع فالأقوى ما في المتن من عدم جواز لبس ما يشبه المخيط مطلقا.

الأمر الثاني: المخيط القليل كالقلنسوة و التكّة و احتاط في المتن وجوبا بالاجتناب عنه من دون ان يقع موردا للفتوى و الظاهر انه لا فرق في الحكم بالحرمة بين ما إذا كانت خياطة الثوب كثيرة و بين ما إذا كانت قليلة فان المراد بالثوب المخيط كما صرح به بعض الاعلام قدّس سرّهم هو ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه، بمعنى كون الخياطة لها دخل في الهيئة التركيبية التي يشمل الثوب عليها بحيث لو لم تتحقق الخياطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 73

..........

______________________________

لا تتحقق تلك الهيئة و هذا المعنى لا فرق فيه بين صورتي الكثرة و

القلّة بوجه و لعلّ وجه الشبهة ورود بعض الروايات في الطيلسان المشتمل على الإزار الدالّة على جواز لبسه مع عدم شدّ إزاره فتوهم ان الجواز فيه انما هو لأجل كون الخياطة فيه قليلة لأجل أن التصاق الزّر فيه به انما هو بالخيط و امّا أصله فهو خال عن الخياطة و التفصيل فإنه ثوب من صوف أو سداه منه ملبد أو منسوج و ربما يقال انه معرب تالشان.

مع ان الطيلسان ليس ثوبا مخيطا بوجه لما عرفت من معنى الثوب المخيط و على تقديره لا فرق بين شدّ إزاره و عدمه مع انّ الروايات الواردة تدلّ على التفصيل بين الصورتين.

منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال: نعم و في كتاب علي عليه السّلام لا تلبس طيلسانا حتى ينزع إزاره فحدّثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه .. «1».

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام مع زيادة قوله عليه السّلام فامّا الفقيه فلا بأس ان يلبسه .. «2»

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و ان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه «3».

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا دليل على جواز لبس الثوب المخيط و ان كانت خياطته قليلة كما انه ظهر ان لبس الطيلسان جائز مع عدم شدّ إزاره من دون فرق بين صورتي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 74

..........

______________________________

الاختيار و الضرورة و ان حكى عن صاحب الوسائل انه قيّد الجواز بالضرورة في عنوان الباب فيما قبل هذه الطبعة الحديثة منها.

الأمر الثالث: الهميان المخيط الذي يحفظ فيه النقود فإنه قد استثنى من حرمة لبس المخيط على ما هو المتسالم عليه عند الفقهاء و يدل عليه روايات متعددة:

منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم و يلبس المنطقة و الهميان «1». و السؤال في نفسه محتمل لأن يكون محطّه اشتمال الدراهم على التماثيل و ان يكون محطّه كون محل حفظه مثل الهميان المخيط.

و الجواب ناظر الى الجواز من كلتا الجهتين و قوله عليه السّلام فيه و يلبس المنطقة و الهميان هل المراد منه جواز لبس كلا العنوانين فيجوز شدّ المنطقة لأجل التحفظ على الإزار لا النقود أم المراد من المنطقة هي الهميان و يؤيد الثاني صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال: لا، ثم قال: كان أبي يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فإنّها من تمام حجّة .. «2»

و الذي يسهّل الخطب انّ المتداول في هذه الأزمنة ما يحفظ فيه النقود منطقة لا أمرا آخر.

و منها رواية يعقوب بن سالم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام يكون معي الدراهم فيها تماثيل و انا محرم فاجعلها في هميان و أشدّه في وسطي فقال لا بأس أو ليس هي نفقتك

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4،

ص: 75

..........

______________________________

و عليها اعتمادك بعد اللّٰه- عزّ و جلّ «1».

و منها رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ فقال نعم، و ما خيره بعد نفقته «2». و الظاهر ان المراد بالجملة الأخيرة التي هي بمنزلة التعليل انه بعد ذهاب نفقته بسبب عدم التحفظ عليه بجعله في الهميان و شدّه في وسطه لا يبقى له خير و لا سبيل له إلى إتمام الحج و قضاء المناسك نوعا.

ثم ان الظاهر اختصاص مورد الجواز بما إذا انحصر الهميان في المخيط و امّا الهميان المتداول في هذه الأزمنة الذي لا يكون مخيطا بل مصنوعا بالجهات الصناعية الفاقدة للخياطة فالظاهر انه مع وجوده و التمكن من تحصيله لا تصل النوبة إلى الهميان المخيط لأنه من الواضح انّ الحكم بالجواز في الروايات انّما هو لأجل كون الهميان في زمن صدورها منحصرا بالمخيط إلّا ان يقال بان الهميان المتداول فعلا و ان لم يكن مخيطا إلّا انه يشبه المخيط و الفرض انه لا فرق في أصل الحكم بالحرمة بينهما كما عرفت. ثم انه يستفاد من التعليل الوارد في مثل رواية يونس المتقدمة جواز لبس ما يسمى بالفارسية ب «فتق بند» لمن كان يبتلى بالفتق و يحتاج إلى شدّة لأنه بدونه لا يكون له القدرة على إتمام العمل و قضاء المناسك و لا فرق بينه و بين الهميان لو لم نقل بأنه أولى كما لا يخفى.

ثمّ ان هنا عنوانا لم يتعرض له في المتن باعتبار عدم كونه مخيطا و لا ما يشبه المخيط و هو شدّ العمامة على البطن و الروايات فيه مختلفة فظاهر رواية أبي بصير المتقدمة عدم الجواز.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك

الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 76

[مسألة 16- لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز]

مسألة 16- لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز لكن الأحوط الكفارة، و لو اضطر الى لبس المخيط كالقباء و نحوه جاز و عليه الكفارة (1).

______________________________

و في صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: المحرم يشدّ على بطنه العمامة، و ان شاء يعصّبها على موضع الأزرار و لا يرفعها الى صدره .. «1»

و هل المفروض في هذه الصحيحة الفروض الثلاثة: الشدّ على البطن و التعصيب على موضع الإزار و الرفع الى الصّدر و عليه فالرواية تدلّ على جواز الأولين بعد وضوح كون المراد من قوله: يشدّ، هو الجواز لا الوجوب، لأنه في مقام توهّم الحظر و على حرمة الفرض الثالث أو انّ المفروض فيها عنوانان الشدّ على البطن الشامل للصّدر و التعصيب على موضع الإزار بحيث كان قوله: و لا يرفعها .. تتمة للجملة السابقة دون ان تكون متعرضة لبيان الحكم، و معناه انه يجوز له ان لا يرفعها الى صدره بل يعصبها على موضع الإزار فيه وجهان.

مقتضى الوجه الأوّل جعل هذه الصحيحة مقيدة لرواية أبي بصير الدالّة على عدم الجواز مطلقا و تصير النتيجة اختصاص المنع بما إذا رفع العمامة إلى الصدر و امّا إذا شدّها على ما دونه فلا مانع منه.

و مقتضى الوجه الثاني جعل الصحيحة قرنية على كون المراد من النهي في رواية أبي بصير هي الكراهة فشدّ العمامة على البطن بالمعنى الأعم الذي يشمل الرفع الى الصدر مكروه غير محرّم.

ظاهر صاحبي الحدائق و الوسائل هو الأوّل و لكنه استظهر

بعض الاعلام قدّس سرّهم الوجه الثاني و الظاهر هو الأوّل فتدبّر.

(1) وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين و لنقدم الفرع الثاني فنقول: لو اضطر الى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

لبس المخيط فلا إشكال في ان الاضطرار يرفع الحرمة بمقتضى حديث رفع ما اضطروا إليه كسائر المحرمات التي يضطر إليها كما ان ظاهر الحديث رفع الكفارة أيضا لكن المتسالم عليه بين الأصحاب، ثبوتها و نفي صاحب الجواهر وجدان الخلاف فيه، بل ذكر ان الإجماع بقسميه عليه و الظاهر انّ مستند المجمعين الروايات الواردة في هذا المجال نعم ربما يستدل بقوله تعالى فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بعد كون المراد بالنسك هو دم شاة نظرا الى عموم قوله من كان منكم مريضا الشامل لمثل اللبس و التطيّب أيضا.

و لكن تفريعه على قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، الوارد في مورد الإحصار يمنع عن الاستدلال به للمقام خصوصا بعد عدم ثبوت التخيير في كفارة اللبس و لم يعرف قائل به.

و امّا الروايات فمنها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1». و دعوى كونها مطلقة من حيث الاضطرار و عدمه و عليه فيكون حديث الرفع حاكما عليها مدفوعة بإباء الرواية عن

التقييد و لو بنحو الحكومة لظهورها في التعرض لجميع فروض المسألة صورها و لازم التقييد عدم التعرض لفرض الاضطرار نعم تجري هذه الدعوى في رواية سليمان بن العيص (الفضيل خ ل) قال سألت أبا عبد اللّٰه عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال: عليه دم .. «2»

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 78

..........

______________________________

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها قال: عليه لكل صنف منها فداء .. «1»

و أورد على الاستدلال بها بعض الاعلام قدّس سرّهم بأن الحاجة أعم من الاضطرار لصدقها على الحاجة العرفية أي الغاية العقلائية و ان لم تبلغ مرتبة الاضطرار.

و الجواب عنه مضافا الى ان عنواني الحاجة و الاضطرار المأخوذين في الصحيحة و حديث الرفع عنوانان عرفيّان و الظاهر اتحادهما و عدم كون عنوان الحاجة أوسع من عنوان الاضطرار، انه لا تنبغي المناقشة في دلالة الصحيحة على ثبوت الجواز في موردها مع انّ مجرد الحاجة غير البالغة حدّ الاضطرار لا يجوّز اللبس بوجه، فثبوت الجواز يكشف عن كون المراد من الحاجة هو الاضطرار و قد انقدح مما ذكرنا تمامية الاستدلال بالرواية و لا تصل النوبة إلى الإجماع حتى يناقش في اعتباره كما مرّ.

هذا و امّا الفرع الأوّل و هو شدّ الفتق بالمخيط فقد حكم فيه بالجواز في صورة الاحتياج و احتاط وجوبا بالإضافة إلى الكفارة و قد تقدم انّ المستفاد من التعليل الوارد في بعض روايات جواز شدّ الهميان المخيط هو جواز شدّ الفتق به أيضا

لتوقف إتمام الحج و قضاء المناسك عليه كتوقفه على بقاء النفقة و تحفظها في الهميان لو لم نقل بان المقام أولى. و الظاهر على هذا التقدير مضافا الى الجواز التكليفي عدم ثبوت الكفارة فيه كعدم ثبوتها في الهميان.

و- ح- يرد على المتن انّ المراد بالجواز فيه هل هو الجواز بالإضافة إلى الحكم الاوّلي و كونه مستثنى كالهميان، فلا وجه- ح- للحكم بثبوت الكفارة و لو بنحو الاحتياط الوجوبي أو الجواز بطريق الحكم الثانوي الثابت بمثل حديث الرفع. و عليه فالمراد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 79

[مسألة 17- يجوز للنّساء لبس المخيط بأيّ نحو كان]

مسألة 17- يجوز للنّساء لبس المخيط بأيّ نحو كان، نعم لا يجوز لهنّ لبس القفازين (1).

______________________________

بالاحتياج الذي وقع التعبير به في هذا الفرع هو الاضطرار المعبّر عنه به في الفرع الثاني فالظاهر- ح- ثبوت الكفارة بنحو الفتوى كما صرّح به طبقا لما هو المتسالم عليه بينهم، و عليه فالجمع بين الجواز و بين الحكم بالكفارة بنحو الاحتياط الوجوبي لا مجال له و الحقّ ما مرّ من ثبوت الجواز بنحو الحكم الأولي و عدم ثبوت الكفارة إلّا على سبيل الاحتياط الاستحبابي و يجري فيه ما تقدم في الهميان.

(1) قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بعدم جواز لبس الرجال المخيط: «و في النساء خلاف و الأظهر الجواز اضطرارا و اختيارا» و في الجواهر عقيبه: «بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لا يبعد دعوى الإجماع معها لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون اخبار و معروفية نسبه ..» أقول كونها متون الاخبار لا يوجب القدح بل يوجب الاعتضاد.

و كيف كان فقد قال في محكي

النهاية: «و يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرّجل، و يحلّ لها جميع ما يحلّ له ثم قال بعد ذلك:

و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الأفضل (الأصل خ ل) ما قدّمناه و امّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كل حال» و قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط بالنسبة إلى القميص بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط مع ان تردد التعبير بين الأفضل و الأصل يورث الشك لأنّ الأول ظاهر في الجواز و مع ذلك فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في المسألة و قبل التعرض لها ينبغي التنبيه على أمر و هو انّ الروايات الدالة على حرمة لبس المخيط أو خصوص أنواع خاصة منه لا مجال لإلغاء الخصوصية منها بالإضافة الى النساء سواء كان بصورة الخطاب إلى الراوي الذي يكون رجلا أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

بصورة بيان حكم عنوان المحرّم فإنه بعد ما علم من الشرع اختلاف النوعين في السترين الستر التكليفي النفسي و الستر الشرطي في مثل الصلاة لا يبقى مجال لإلغاء الخصوصية فيما يرتبط بهذه الجهة لا مطلقا بل في خصوص جانب النفي كما في المقام و امّا في جانب الإثبات كلبس ثوبي الإحرام فقد مرّ لزوم رعاية ذلك بالإضافة الى النساء و لو على سبيل الاحتياط الوجوبي و عليه فالروايات الدالة على النهي عن لبس مثل السراويل أو القميص في حال الإحرام لا تشمل النساء بوجه.

و كيف كان فهنا عناوين متعددة قد وقع التصريح في الروايات بجواز لبس النساء لها:

منها السراويل الذي نفي اللباس عن لبسه حتى الشيخ في النهاية في عبارته المتقدمة

و يدل عليه صحيحة محمد بن عليّ الحلبي انّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل؟ قال: نعم انما تريد بذلك الستر .. «1»

و منها القميص و يدلّ عليه مثل رواية يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم لا بأس به، و تلبس الخلخالين و المسك .. «2»

و منها الغلالة بكسر الغين و هي ثوب رقيق يلبس تحت الثياب و المتعارف لبس الحائض لها لأنها تتقي ثيابها من النجاسات و قد ادّعى المحقق في الشرائع الإجماع على جوازه لها و قد صرّح به الشيخ أيضا في النهاية الظاهرة في المخالفة في أصل المسألة يدلّ عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال تلبس المحرمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 81

..........

______________________________

الحائض تحت ثيابها غلالة «1».

و اما ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب لهنّ ما دون القفازين فروايات:

منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2».

و القفاز كرمان و هو شي ء يعمل لليد يحشى بقطن و يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها و حكى عن بني دريد و فارس و عباد انه من جنس الحلّي لليدين و الرجلين و يؤيده التعرض لهما في مورد النساء

فقط مع انه لو كان الغرض منهما التحفظ عن البرد لا يكون فرق بينها و بين الرجل و يؤيده أيضا شيوع استعمالهما في هذه الأزمنة في النساء أيضا لغرض التزيّن.

و كيف كان فالرواية ظاهرة في جواز لبس الثياب كلّها للنساء إلّا المصبوغة بالطيب لأجل كون الطيب من محرمات الإحرام مطلقا و في حرمة لبس القفازين عليهن في حال الإحرام.

و منها رواية أبي عينية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة؟ فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير الحديث .. «3»

و قد تقدم البحث في جواز لبس النساء للحرير في بحث ثوبي الإحرام و الظاهر ان حرمة البرقع لكونه ساترا للوجه الذي يجب على المرأة أسفاره في حال الإحرام لأنه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 82

[مسألة 18- كفارة لبس المخيط شاة]

مسألة 18- كفارة لبس المخيط شاة فلو لبس المتعدد في كل واحد شاة، و لو جعل بعض الألبسة في بعض و لبس الجميع دفعة واحدة فالأحوط الكفارة لكل واحد منها، و لو

______________________________

لا فرق بينه و بين النقاب من هذه الجهة و العجب ان صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد ان حكى عن التذكرة الفتوى بحرمة البرقع قال: «و لكن لم يحضرني الآن موافق له على تحريم ذلك» و على ما ذكرنا فلا ارتباط لحرمة البرقع بالمقام.

و منها رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام انه كرّه للمرأة

المحرمة البرقع و القفازين .. «1»

و الظاهر انّ المراد من الكراهة ليس هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة بل خصوص الحرمة أو الأعم منها و من الكراهة فيحمل على الحرمة بقرينة الروايات الأخر الظاهرة في الحرمة و عليه لا مجال لاحتمال الكراهة في القفازين كما حكى عن بعض متأخري المتأخرين.

و منها صحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين الحديث «2».

أضف الى ما ذكرنا استمرار سيرة المتشرعة من النساء على لبس المخيط في حال الإحرام و من الواضح اتصال هذه السيرة بزمان الأئمة المعصومين عليهم السّلام و عدم إنكارهم لها مع ان التستر المطلوب منهنّ لا يتحقق نوعا بدون لبس المخيط فلا إشكال في الجواز أصلا.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 83

اضطر الى لبس المتعدد جاز و لم تسقط الكفارة (1).

[مسألة 19- لو لبس المخيط كالقميص- مثلا- و كفّر ثم تجرد عنه]

مسألة 19- لو لبس المخيط كالقميص- مثلا- و كفّر ثم تجرد عنه و لبسه ثانيا أو لبس قميصا آخر فعليه الكفارة ثانيا، و لو لبس المتعدد من نوع واحد كالقميص أو القباء فالأحوط تعدد الكفارة و ان كان ذلك في مجلس واحد.

[السابع- الاكتحال بالسّواد ان كان فيه الزينة]

اشارة

السابع- الاكتحال بالسّواد ان كان فيه الزينة و ان لم يقصدها، و لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الذي فيه الزينة، و لو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته (2).

______________________________

(1) في هاتين المسألتين وقع التعرض لأمرين:

أحدهما ان كفارة لبس المخيط شاة و يدل عليه الروايات المتقدمة في شرح المسألة السادسة عشر الواردة في ثبوت الكفارة في صورة الاضطرار و انه لا فرق بين الصورتين من جهة الكفارة و ان كان بينهما فرق من جهة الحرمة و الجواز و من تلك الروايات صحيحة محمد بن مسلم الواردة فيمن احتاج الى ضروب من الثياب الدالة على مفروغية ثبوت الفدية التي يكون المراد بها الشاة في صورة الاختيار.

ثانيهما تعدد الكفارة و عدمه و قد تقدم البحث عنه أيضا في المسألة الخامسة عشر مفصّلا فراجع و العجب من المتن انه هناك قد فصّل في كفارة استعمال الطيب مع التكرر و عدم تخلل الكفارة بين ما إذا كان في أوقات مختلفة و بين ما إذا كان في وقت واحد و هنا احتاط بالتعدد و ان لبس الجميع مع جعل بعض الألبسة في بعض دفعة واحدة أو كان ذلك في مجلس واحد مع ظهور كون مراده من الوقت و المجلس واحدا و لا مجال لتوهّم الفرق بين المخيط و بين الطيب من هذه الجهة و قد ذكرنا ما هو مقتضى التحقيق عندنا من جهة مقتضى القاعدة و الجمع بين

الروايات فراجع.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 83

(2) قال المحقق في الشرائع في عداد محرمات الإحرام: «و الاكتحال بالسواد على قول أو بما فيه طيب و يستوي في ذلك الرجل و المرأة» و ظاهره الترديد في حرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

الاكتحال بالسواد و الفتوى بحرمته بما فيه طيب و الأوّل محل خلاف فقد حكم القول بالحرمة عن المفيد و الشيخ و سلّار و بني حمزة و إدريس و سعيد و غيرهم، و القول بالكراهة عن الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع بل عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة عليه و الثاني هو المشهور شهرة عظيمة قد ادعى الإجماع عليه و اللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في هذا المقام:

منها صحيحة معاوية بن عمار التي رواها عنه فضالة و صفوان جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا «1». و هي تدلّ بمفهوم الجملة الأولى على ثبوت البأس الظاهر في الحرمة في الاكتحال بما كان فيه طيب يوجد ريحه و بمنطوق الجملة الثانية على حرمة ما إذا اكتحل بقصد الزينة و لا محالة يكون ما يكتحل به زينة إذ لا معنى لقصد الزينة بما ليس بزينة فالقصد لا ينفك عنها بخلاف العكس و يحتمل ان يكون المراد من الجملة الثانية النهي عن الاكتحال بما وضع للزينة سواء كان قصدها الزينة

أم لا.

و منها صحيحة أخرى لمعاوية رواها عنه فضالة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة «2».

و منها مضمرة زرارة عنه عليه السّلام قال: تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلّا الكحل الأسود للزينة «3». و الاستثناء قرنية على كون المراد هي المرأة في حال الإحرام مع انه حكى عن المصدر: «المرأة المحرمة» كما انه رواه الصدوق في المقنع مرسلا بلام واحدة،

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 85

..........

______________________________

و يجري على تقدير اللازمين الاحتمالان المتقدمان في الرواية الأولى السابقة و على تقدير لام واحدة يتعين الاحتمال الأول كما لا يخفى و منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد انّ السواد زينة «1». و هذه الرواية بلحاظ اشتمالها على التعليل تدلّ من جهة على سعة دائرة حرمة الاكتحال بالسّواد لما إذا قصد به الزينة و ما إذا لم يقصد به ذلك كما انه تدل من جهة أخرى على عموم الحكم للاكتحال بكل زينة و ان لم يكن سوادا.

و منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «2». و ليس معناها النهي عمّا فيه زعفران و ان توقف العلاج عليه كما يوهمه بعض الفتاوى فإنه ليس بأولى من الاضطرار الى استعمال الطيب شمّا أو أكلا بل المراد عدم الاكتحال بما فيه الزعفران

مع التمكن من التداوي بغيره.

و منها رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحل بكحل فارسي «3». و حكى عن المصدر التعبير بالاكتحال في كلا الموردين.

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: سألته عن الكحل للمحرم فقال: امّا بالسّواد فلا و لكن بالصبر و الحضض «4». و الحضض دواء قيل انه يعقد من أبوال الإبل و قيل عصارة شجر، منه مكّي و منه هندي.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 6.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 86

..........

______________________________

و منها مرسلة أبان عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب .. «1»

و منها رواية عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سأله رجل ضرير و انا حاضر فقال: اكتحل إذا أحرمت؟ قال: لا، و لم تكتحل؟ قال اني ضرير البصر و إذا أنا اكتحلت نفعني و ان لم اكتحل ضرّني قال: فاكتحل قال فإني أجعل مع الكحل غيره قال: و ما هو؟ قال أخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي فإذا فعلت ذلك نفعني و إذا تركته ضرّني قال فاصنعه «2».

و منها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث: ان المرأة المحرمة لا تكتحل إلّا من

علّة .. «3»

و هذه الرواية كالسابقة ظاهرة في حرمة مطلق الاكتحال في غير حال الضرورة.

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يكتحل المحرم عينيه ان شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس .. «4»

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلّا كحل أسود لزينة «5».

و منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة تكتحل و هي محرمة؟

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 10.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 11.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 12.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 87

[مسألة 20- لا تختص حرمة الاكتحال بالنّساء]

مسألة 20- لا تختص حرمة الاكتحال بالنّساء فيحرم على الرجال أيضا (1).

______________________________

قال لا تكتحل قلت بسواد ليس فيه طيب قال: فكرهه من أجل أنه زينة و قال إذا اضطرّت اليه فلتكتحل «1».

هذه هي الروايات الواردة في الباب و المستفاد من ملاحظة مجموعها ثبوت الحرمة في موردين بلا شبهة: أحدهما الاكتحال بالسواد مع قصد الزينة ثانيهما الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه مع عدم وجود الاضطرار في شي ء من الموردين.

و امّا المورد الثالث و هو الاكتحال بالسواد مع عدم قصد الزينة فالمستفاد من التعليل في بعض الروايات و من إطلاق النهي عن الاكتحال بالسواد في البعض الآخر هي الحرمة أيضا و قد

وقع التصريح به في المتن.

كما ان المورد الرابع و هو الاكتحال بغير السواد الذي يكون فيه الزينة فقد احتاط وجوبا فيه بتركه و الاجتناب عنه مع ان مقتضى التعليل بكون السواد زينة كما في صحيحة حريز و في الرواية الأخيرة بعد ظهور كون المراد من الكراهة الحرمة و هو الحكم بالحرمة و لعلّ منشأ التنزل الى الاحتياط الوجوبي هي دلالة مثل صحيحة زرارة على استثناء خصوص الكحل الأسود من الحكم بجواز الاكتحال و لكن الظاهر هو لزوم الأخذ بمقتضى التعليل خصوصا إذا كان مقرونا بقصد الزينة لصلاحيته لتقييد إطلاق مثل رواية زرارة و امّا المورد الخامس و هو ما إذا لم يكن بالسواد و لا بما فيه طيب و لا بما فيه زينة فلا إشكال في جوازه لتقييد المطلقين بغيرهما مما ذكر.

(1) الوجه في عدم اختصاص حرمة الاكتحال بالنساء و ان كانت جملة من الروايات المتقدمة واردة فيهنّ مضافا الى إطلاق عنوان «المحرم» في بعضها ورود بعض الروايات في الرجل المحرم و تصريح الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار المتقدمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 88

[مسألة 21- ليس في الاكتحال كفارة]

مسألة 21- ليس في الاكتحال كفارة لكن لو كان فيه الطيب فالأحوط التكفير (1).

[مسألة 22- لو اضطر الى الاكتحال جاز]

مسألة 22- لو اضطر الى الاكتحال جاز (2).

[الثامن: النظر في المرأة من غير فرق بين الرجل و المرأة]

اشارة

الثامن: النظر في المرأة من غير فرق بين الرجل و المرأة، و ليس فيه الكفارة لكن يستحبّ بعد النظر ان يلبّي، و الأحوط الاجتناب عن النظر في المرأة و لو لم يكن للتزيين (3).

______________________________

بكلا العنوانين.

(1) امّا عدم ثبوت الكفارة في الاكتحال بغير الطيب فلعدم الدليل عليها إلّا رواية علي بن جعفر المتقدمة التي يستدلّ بها على ثبوت الكفارة لكلّ خلاف المشتملة على كلمة مرددة بين «خرجت» و «جرحت» «1». و قد تقدمت المناقشة في الاستدلال بها سندا و دلالة في المسألة الخامسة عشر فراجع.

و اما الاكتحال بما فيه الطيب فان قلنا باعتبار وصف وجدان الريح فيه كما ذكرنا فالظاهر ثبوت الكفارة فيه لا من باب الاكتحال بل من باب شمّ الطيب الذي قد عرفت ثبوت الكفارة فيه كما انه ان قلنا بحرمة مسّ الطيب و لو بالإضافة إلى الباطن كما في الاحتقان بالطيب فالظاهر فيه أيضا ثبوت الكفارة من ذلك الباب و امّا لو لم نقل بحرمة مسّ الطيب أو قلنا بها بالإضافة إلى خصوص الظاهر فلا مجال للحكم بثبوت الكفارة و لو بنحو الاحتياط الوجوبي و مما ذكرنا ينقدح النظر فيما في المتن فإنه على تقدير لا بدّ من الفتوى بالتكفير و على تقدير آخر لا وجه له نعم الحكم به بنحو الاحتياط الاستحبابي لا مانع منه أصلا.

(2) الوجه فيه واضح.

(3) من محرّمات الإحرام النظر في المرآة و الكلام فيه يقع من جهات:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 89

..........

______________________________

الجهة الأولى في أصل حرمته في الجملة في مقابل الكراهة مطلقا فنقول: قال المحقق

في الشرائع: و كذا- يعني لا يجوز في حال الإحرام- النظر في المرآة على الأشهر. و نسبه في محكي المدارك بل غير واحد إلى الأكثر لكن عن جملة من كتب القدماء كالجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية انه مكروه كالمحقق في النافع بل ربما نسب الى الخلاف لكن استدلاله على الكراهة مضافا الى الإجماع بطريقة الاحتياط يدلّ على ان مراده من الكراهة هي الحرمة لأنها ربما تستعمل فيها.

و كيف كان فالظاهر انه لا مجال لدعوى الكراهة بعد كون جميع ما ورد في الباب من الروايات الثلاثة أو الأربعة ظاهرة في الحرمة أعم مما عبر فيها بالجملة الإنشائية و ما عبّر فيها بالجملة الخبرية و ليس في مقابلها ما يقتضي الحمل على الكراهة فلا محيص عن الأخذ بظاهرها و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى في الجهة الآتية.

الجهة الثانية في انّ المحرم هل هو النظر في المرآة مطلقا أو انه يختص بما إذا كان النظر للزينة ظاهر الكلمات هو الأول لكن المحكيّ عن الذخيرة تقييد الحكم بالقيد المذكور و يستفاد من صاحب الوسائل ذلك أيضا حيث انه قيّد عنوان الباب بذلك و اللازم ملاحظة الروايات فنقول:

منها صحيحة حمّاد يعني ابن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنّه من الزينة .. «1»

و أصل الحكم المذكور في الصدر و ان كان مطلقا و ظاهره حرمة النظر في المرآة كذلك إلّا ان التعليل بقوله فإنّه من الزينة يوجب التضييق و الاختصاص بما إذا كان الغرض من النظر الزينة لا أمرا آخر فان الظاهر ان مرجع الضمير في قوله: فإنّه هو النظر

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام،

الباب الرابع و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

لا المرآة بداهة أنّ المرآة لا تكون بنفسها زينة بل النظر إليها ربما يكون لغرض التزيين و إلّا فنفس النظر أيضا لا يكون زينة و ليس النظر كالاكتحال الذي تقدم الذي يكون زينة بنفسه. و عليه، فلا مجال لاحتمال كون مرجع الضمير هي المرآة كما ان الظاهر في مثل المقام مما تكون العلّة عنوانا معلوما لدى العرف و معرّفا في اللغة، ان لا تكون أمرا تعبديا حتى ترجع الى حكم الشارع بثبوت العلّة تعبّدا و ان كان على خلاف ما هو الثابت عند العرف و اللغة.

و على ما ذكرنا فالعلّة المذكورة في الرواية توجب اختصاص الحكم بالحرمة بما إذا كان الغرض من النظر في المرآة الزينة فاحتمال كون العلّة أمرا تعبديا غير موجب لتضييق دائرة الحكم كما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّهم لا سبيل إليه أصلا كما ان ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم من انه لو قيل بالإطلاق و عدم دخل الزينة في الحكم فمعناه ان مجرد النظر إلى الزينة حرام و هذا ليس بحرام قطعا إذ لا نحتمل ان النظر إلى الزينة كالنظر إلى الحلّي و نحوه حرام شرعا، من عجائب الكلام إذ لو فرض ثبوت الإطلاق و عدم اقتضاء التعليل للتقييد يكون مقتضاه إطلاق حرمة النظر في المرآة و لا ارتباط لذلك بالنظر الى المرآة الذي لم يقع التعرّض له في الرواية بوجه و مرجع الإطلاق إلى انه لا فرق في الحرمة المذكورة بين ان يكون النظر في المرآة لغرض التزيين و بين ان يكون لغرض آخر كالسائق الذي ينظر في المرآة ليرى خلفه من السيارات

و غيرها.

و منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا تنظر في المرآة و أنت محرم لأنه من الزينة «1». و البحث فيها كالبحث في الصحيحة المتقدمة من دون فرق.

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 91

..........

______________________________

في المرآة للزينة «1». و الظاهر كون اللام للغاية لا للتعليل و عليه فظهورها في الاختصاص أقوى من السابقتين.

و منها صحيحة أخرى له قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فإن نظر فليلب «2». و هي على تقدير كونها رواية أخرى و ان كان يحتمل قويّا اتحادها مع السابقة و ان كان بينهما الاختلاف في التعبير يكون ظهورها أقوى من الجميع لعدم جريان احتمال التعليل فيه بوجه كما لا يخفى.

إذا عرفت الروايات الواردة في الباب فاعلم ان المحكي عن السبزواري صاحب الذخيرة ان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد هو حمل المطلق منها على ما ظاهره التقييد بصورة ما إذا كان الغرض من النظر الزينة.

و أورد عليه صاحب الجواهر بما يرجع الى انه حيث لا منافاة بين المطلق و المقيد هنا لا مجال للحمل المذكور و عبّر عن هذا بعض الأعاظم قدّس سرّهم بأنه حيث يكونان مثبتين أي غير مختلفين في الإثبات و النفي لا تجري قاعدة الحمل المذكورة و لكنك بملاحظة ما عرفت من التحقيق في معنى الروايات و انّها بين ما يكون مشتملا على التعليل المقتضى للتضييق و بين ما وقع فيه التقييد بما إذا كان الغرض

من النظر الزينة يظهر لك انه ليس في المقام مطلق أصلا حتى يتكلم في لزوم حمله على المقيد و عدمه بل الروايات بأجمعها تدلّ على مدخلية القيد امّا من طريق التعليل و امّا من طريق التقييد.

نعم يبقى الكلام- ح- فيما أفاده في المتن من ان مقتضى الاحتياط الوجوبي ترك النظر في المرآة و لو لم يكن للتزيين فإنه بعد عدم دلالة الروايات على الإطلاق و كون

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

مقتضى أصالة الجواز هو عدم الحرمة لا مجال لإيجاب الاحتياط و يمكن ان يكون الوجه فيه عدم القول بالتفصيل قبل صاحب الذخيرة من دون فرق بين القائلين بالحرمة في أصل المسألة و بين القائلين بالكراهة ففي الحقيقة يكون الإجماع المركب على خلافه و- ح- يشكل التفصيل و ان كان تقتضيه النصوص المتقدمة فتدبّر.

ثم انه ذكر في الجواهر انه لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة و الظاهر انه لا مجال لهذا الاستثناء بناء على مختاره من ثبوت الحرمة بنحو الإطلاق سواء كان المراد به هو الفرق بين الناظرين من جهة اعتياد النظر للزينة و غيره أو كان المراد به هو الفرق بين المرائي من جهة كونها معدة للنظر إليها للزينة أو موضوعة للنظر إليها لغيرها كما في المثال المتقدم و هي المرآة التي يرى فيها السائق السيارات الأخر.

الجهة الثالثة في عدم اختصاص هذا المحرم بالرجال و اشتراك النساء معهم فيه و الدليل عليه مضافا الى ظهور أكثر الروايات المتقدمة في ان الموضوع للحكم هو عنوان

المحرم و ان الحرمة انّما هي مترتبة على نفس الإحرام إحدى صحيحتي معاوية بن عمار الواردة في المرأة المحرمة و التعرض لها انّما هو لأجل ارتباطها مع المرآة نوعا فلا يكون له مفهوم أصلا كما لا يخفى.

الجهة الرابعة في عدم ثبوت الكفارة في هذا المحرّم و الوجه فيه عدم دلالة شي ء من الروايات المتقدمة الدالة على أصل الحكم على ثبوت الكفارة في صورة المخالفة نعم قد مرّ انّ مقتضى بعض الروايات و هي رواية علي بن جعفر عليه السّلام ثبوت الكفارة في جميع موارد التخلف لكن تقدمت المناقشة فيها من حيث السند و كذا من حيث الدلالة لتردّد العبارة بين قوله: خرجت و بين قوله: جرحت و الدلالة انّما هي على التقدير الثاني و هو غير ثابت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 93

[مسألة 23- لا بأس بالنظر الى الأجسام الصقيلة و الماء الصافي]

مسألة 23- لا بأس بالنظر الى الأجسام الصقيلة و الماء الصافي ممّا يرى فيه الأشياء، و لا بأس بالمنظرة ان لم تكن زينة و إلّا فلا تجوز (1).

______________________________

الجهة الخامسة قد عرفت ان ظاهر الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمّار وجوب التلبية و لكن حيث ان المتسالم عليه هو عدم الوجوب فلا بد من حمل الأمر على الاستحباب و الكلام في هذه الجهة انّما هو في انّ الاستحباب هل يكون ثابتا بنحو الإطلاق فلا فرق فيه بين العالم و الجاهل و الناسي كما ربما يقال أو انّ مورده خصوص العالم العامد الذي يكون فعله محرّما بالحرمة الفعليّة.

الظاهر هو الثاني، لأن التلبية انّما لأجل التدارك و الجبران و ان كان مستحبة و الجاهل و الناسي لم يتحقق منهما المخالفة المقتضية للتدارك فتدبّر و ان شئت قلت ان قوله عليه السّلام

في الرواية: فإن نظر فليلب بصورة التفريع ظاهر في النظر المتعلق للحكم بالحرمة المذكور في صدر الرواية فيختص بصورة العلم و العمد.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول: النظر الى مثل المرآة من الأجسام الصيقلية و الماء الصافي و غيرهما مما يرى فيه الأشياء و لكنّه لم يعدّ للنظر كالمرآة و الظاهر ان كل من تعرض لهذا الفرع قد نفى البأس عن النظر إليه في حال الإحرام و مقتضى الإطلاق انه لا بأس و لو كان الغرض الزينة و الوجه فيه انّ عنوان المحرّم هو النظر في المرآة و لا مجال للتعدي إلى غيرها و ان كان يرى فيه الأشياء خصوصا بعد عدم كونه معدّا للنظر.

و لكن يمكن المناقشة فيه بانّ ما اشتمل من الروايات المتقدمة على التعليل كصحيحتي حمّاد و حريز يشمل هذه الأشياء أيضا لجريان العلّة فيها و العلّة تعمّم كما انها تخصّص و عليه فمقتضى العلّة ان كل نظر يكون من الزينة بالمعنى الذي ذكرنا و هو كونه مقدمة لها و بقصد التزيين يكون محرّما نعم ما اشتمل منها على حرمة النظر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 94

[التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ و الجورب]

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ و الجورب و غيرهما، و يختص ذلك بالرجال و لا يحرم على النساء، و ليس في لبس ما ذكر كفارة، و لو احتاج الى لبسه فالأحوط شقّ ظهره (1).

______________________________

المرآة للزينة أو لزينة لا يدلّ على الحرمة في غير المرآة لعدم الدليل على التعدي.

الفرع الثاني: النظر بسبب المنظرة و الظاهر انه لا ارتباط لهذا الفرع بالمقام أصلا لأنّ المنظرة انما تكون وسيلة للنظر بها و رؤية البعيد و

القريب بسببها على اختلاف الأعين و اختلاف المناظر و هذا لا يرتبط بالنظر في المرآة بوجه بل يكون داخلا في بحث الزينة التي سيأتي التكلّم فيها إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم ان الظاهر ان المراد بقوله في المتن: «ان لم تكن زينة»، هو عدم كون الغرض منها الزينة لا نفس عدم كونها زينة و يأتي البحث في هذه الجهة أيضا في محلّه.

(1) قال المحقق في الشرائع في عداد محرمات الإحرام: «و لبس الخفين و ما يستر ظهر القدم» و قال في الجواهر في شرحه: «اختيارا كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و النافع و القواعد و الإرشاد و غيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين بل في المدارك إلى الأصحاب بل في الغنية نفى الخلاف قال فيها: و ان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خفّ أو غيره بلا خلاف بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه».

و المستند هي الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام:

منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل إلّا ان لا يكون لك إزار و لا خفّين إلّا ان لا يكون لك نعلان «1».

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 95

..........

______________________________

له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطرّ الى ذلك. و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما «1».

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه

عليه السّلام في رجل هلكت و لم يقدر على نعلين قال: له ان يلبس الخفين ان اضطرّ الى ذلك فيشق «و ليشقه خ ل» عن ظهر القدم الحديث «2».

و منها رواية رفاعة بن موسى انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلبس الجوربين قال نعم و الخفين إذا اضطر إليهما «3».

و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر القدم «4».

إذا عرفت ذلك فالكلام في مفاد الروايات يقع من جهات:

الجهة الأولى: انّ العنوان المحرم المأخوذ فيها، هو لبس الخفين و الجوربين فهل الحكم يختص بهما أو يتعدى عنهما الى غيرهما مما يشابههما. ظاهر العبارات المتقدمة و صريح المتن عدم الاختصاص بل هو معقد الإجماع الذي ادّعاه صاحب الغنية بل اتفاق المسلمين لكن المحكي عن المقنع و التهذيب الاقتصار على الخفّ و الجورب بل عن كشف اللثام و النهاية الاقتصار على الخفّ نعم في محكي المبسوط و الخلاف و الجامع اضافة الشمشك و عطفه على الخفّ، و الشمشك بضم الشين و كسر الميم يكون ظاهرا معرّب چمشك أو چمش و هو حذاء يستر ظاهر القدم و باطنه فقط

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 4.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

من دون ان يستر من السّاق شيئا و من هذه الجهة يغاير الخف و الجورب اللذين يستران من السّاق

أيضا شيئا و قد أفتى الأصحاب في كتاب الصلاة بعدم جواز الصلاة في الشمشك و لا النعل السندي بخلاف النعل العربية التي تجوز الصلاة فيها، بل تكون مستحبة.

و كيف كان فقد ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه في الحج انه بعد ما كان المذكور في الروايات هو العنوانان المتقدمان لا مجال لدعوى ظهور اللفظ في المثال و كون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم لكونه منوطا بإلغاء الخصوصية و كون العنوانين مذكورين من باب المثال و لا سبيل لنا إلى إحراز ذلك و لم يحصل لنا القطع بوحدة المناط و الظن بها بعد عدم حجيته لا يغني من الحقّ شيئا فإذا لا وجه للتعدي عن العنوانين بل اللازم الاقتصار عليهما كما عرفت في بعض الكلمات.

و قد وقع العنوانان موضوعا للحكم بالحرمة في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان احتاط وجوبا بالاجتناب عن كل ما يستر ظهر القدم هذا و الظاهر هو عدم الاختصاص لأنه مضافا الى ثبوت الشهرة العظيمة الفتوائية عليه كما عرفت في الكلمات نقول انّ المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة انّ الحكم الثابت في هذا المقام هو حكم واحد بمعنى انّه ليس لبس كل واحد منهما موضوعا لحكم تحريمي مستقل بحيث كان هنا محرّمان في باب الإحرام و ملاحظة اشتراك العنوانين في الجهات المتعددة و الخصوصيات المتكثرة و هي الساترية لظاهر القدم و لباطنه و لمقدار من السّاق و هو كون المتعلق للحرمة هي تلك الجهات و الخصوصيات لا نفس العنوانين. نعم قد علم من الخارج ان الساترية لباطن القدم لا تكون دخيلة في ذلك لأن النعل العربية يجوز الإحرام فيها قطعا مع أنّها ساترة

لباطن القدم فتبقى الساترية للظاهر و لمقدار من السّاق و عليه فكل ما يكون واجدا للوصفين لا يجوز لبسه في حال الإحرام فيخرج الشمشك أيضا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 97

..........

______________________________

لما عرفت لكن يستفاد من الجواهر شبهة تحقق الإجماع على عدم مدخلية الساترية للسّاق فيكون موضوع الحكم- ح- ما يستر ظهر القدم كما في المتن و غيره.

الجهة الثانية: انه حيث يكون الخف و الجورب ساترين لجميع ظهر القدم فمقتضى التعدّي عنهما الى غيرهما الحكم بحرمة كلّ ما يستر الجميع و امّا ما يستر البعض فقط و لو كان هو الأكثر فلا دليل على حرمته، فما عن الرّوضة من ان الظاهر ان بعض الظهر كالجميع إلّا ما يتوقف عليه لبس النعلين، لا مجال له أصلا لعدم الدليل على ان حكم البعض حكم الكلّ و لعلّه توهم ان الحكم انحلالي كما في باب العموم الاستغراقي الذي يكون لكل فرد من الأفراد حكم مستقلّ و له موافقة و مخالفة كذلك مع ان الظاهر في المقام تعلّق حكم واحد بستر الجميع على سبيل العموم الاستيعابي و لا يكون له إلّا موافقة واحدة و مخالفة كذلك.

ثم انه لم يعلم انّ مراده من المستثنى خصوص ما يتوقف عليه لبس النعلين أو مقدار ذلك و لو كان في غير النعلين.

الجهة الثالثة: انه هل يكون الحكم مختصّا بالرجال أو يعم النساء أيضا ظاهر مثل المحقق في الشرائع و هو كثير من الفتاوى حيث لم يقع في كلامه تقييد الحكم بالرجل عدم الاختصاص و الإمكان اللازم التقييد كما في لبس المخيط.

و يدلّ على العموم انّ الموضوع للحكم بالحرمة في الروايات هو عنوان «المحرم» بنحو الإطلاق أو العموم و

على كلا التقديرين يشمل النساء و ظاهره انّ الحرمة مترتبة على نفس الإحرام من دون فرق بين ان يكون المتصف به هو الرجل أو المرأة نعم في بعض الروايات، ذكر عنوان «الرجل» كما في رواية أبي بصير و لكنه ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّهم انه لا يتحقق في المقام ضابطة باب الإطلاق و التقييد المقتضية لحمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 98

..........

______________________________

الأول على الثاني لعدم التنافي الموجب للحمل و كونهما مثبتين و قد حكى ذلك عن المبسوط و النهاية و أظهر منهما الوسيلة، نعم جزم بالاختصاص الشهيد حاكيا له عن الحسن.

و لكن يدلّ على الاختصاص مضافا الى ان السيرة العملية في النساء و المتشرعات عدم رعاية هذا الأمر بل ستر الجميع بالجورب و نحوه و لم يعلم الاعتراض عليهن بوجه و الى ان مذاق الشرع في باب النساء ربما لا يلائم مع إظهار ظاهر القدم مثل صحيحة عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «1».

نظرا الى ظهور المستثنى في جواز لبس النساء ما شاءت من الثياب و دلالة المستثنى على كون القفازين اللذين هما لباس اليدين ثيابا و إلّا يلزم ان يكون الاستثناء منقطعا و هو خلاف الظاهر و من المعلوم انه لا فرق بين لباس اليدين و لباس الرجلين كالجوربين من هذه الجهة أصلا فتخصيص المستثنى بلباس اليدين ظاهر في كون لباس الرجلين و القدمين داخلا في المستثنى منه كما ان استثناء الحرير دليل على ان المستثنى منه عام من حيث المادة و الهيئة نعم قد عرفت الخلاف في جواز لبس النساء للحرير في

حال الإحرام و ان كان الظاهر الاتفاق على الجواز في حال الصلاة.

و يؤيد الاختصاص ما ربما يحتمل أو يقال في أصل المسألة من ان حرمة لبس الخف و الجورب سواء قيل بالاختصاص أو بالتعدي انّما هي من أجل كونهما مخيطا أو شبه مخيط لا لأجل نفس العنوانين و قد تقدم في باب حرمة لبس المخيط الاختصاص بالرجال و لكن هذا الكلام أو الاحتمال مردود بظهور الفتاوى و النصوص في كون لبس

______________________________

(1) أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 99

..........

______________________________

الأمرين محرّما مستقلا و غير مرتبط بلبس المخيط و ان كان الخف مخيطا و الجورب شبه مخيط لكن الحرمة ليست لأجل ذلك بل لأجل العنوانين بنفسهما أو من جهة كونهما ساترين لظهر القدم.

نعم لازم ما ذكرنا، ان لبس أحد الأمرين يوجب تحقق عنوانين محرّمين و لا بأس بالالتزام به و ترتيب آثار كليهما من الكفارة و غيرها كما لا يخفى.

و كيف كان الظاهر ما في المتن بالاختصاص كما في لبس المخيط و ان كانا أمرين مستقلين من الأمور المحرّمة في باب الإحرام.

الجهة الرّابعة: في ثبوت الكفارة في لبس ما يستر ظهر القدم و عدمه صريح المتن و ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التعرض لثبوت الكفارة في المقام و هو العدم نعم حكى عن جماعة القول بثبوت الكفارة كما انّ ظاهر الروايات المتقدمة الواردة في أصل المسألة أيضا ذلك لعدم التعرّض له فيها أصلا و لكن الظاهر انّ ثبوت الكفارة لو لم يكن أقوى لكان مقتضى الاحتياط الوجوبي.

و ذلك لأن رواية علي بن جعفر المتقدمة التي ربما يمكن ان يستدلّ بها لثبوت الكفارة في كل محرّم

إحرامي و ان كانت ضعيفة من حيث السّند و غير تامة من حيث الدلالة للدوران بين «خرجت» و «جرحت» إلّا ان هنا روايتان صحيحتان و ان كان الظاهر وحدتهما و كونهما رواية واحدة تدلان على ثبوت دم شاة في المقام و هما صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه، أو قلّم ظفره، أو حلّق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 100

..........

______________________________

و صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

و الظاهر كما عرفت وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوي عن زرارة في كلتيهما هو علي بن رئاب، و الراوي عن ابن رئاب هو الحسن بن محبوب، و مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه الشمول للمقام كما انه يشمل لبس المخيط و قد مرّ انه لا مجال للمناقشة في إطلاق الثوب على مثل الخف و الجورب بعد إطلاقه على القفازين في صحيحة عيص المتقدمة، لأنه لا فرق بين لباس اليدين و الرجلين من هذه الجهة، و إطلاق الدم في الرواية الثانية ينصرف الى دم الشاة كما في جميع الروايات المطلقة الواردة في الكفارة و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت الكفارة في

المقام.

الجهة الخامسة: في انه لا مجال للإشكال في جواز لبس الخفين في صورة الاضطرار الذي من مصاديقه عدم وجود النعلين له و يدلّ على الجواز مضافا الى انه مقتضى حديث الرفع كثير من الروايات الواردة في خصوص المقام، لكن حيث ان بعضها يدل على أمر زائد و هو لزوم شقّ ظهر القدم في صورة لبس الخفين فالبحث يقع في أمرين:

أحدهما انّ الشق المذكور هل هو واجب أو مستحب. فنقول امّا من جهة الفتاوى فقد ذكر المحقق في الشرائع بعد نقل القول بوجوب الشق: و هو متروك، و هو كما في الجواهر يشعر بالإجماع على العدم كما حكى التصريح به عن ابن إدريس لكن المحكىّ عن المبسوط و الوسيلة و الجامع لابن سعيد و العلّامة في المختلف و الشهيدين في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

الدروس و المسالك و المحقق الكركي في حاشية الشرائع، هو القول بالوجوب و ظاهر المتن، ثبوته بنحو الاحتياط الوجوبي، و كيف كان فالظاهر ثبوت الشهرة على العدم.

و امّا من جهة الروايات فمقتضى ظهور روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم المتقدمتين الوجوب و بهما يقيّد إطلاق سائر الروايات الواردة في المقام و لا مجال لدعوى انّ وقوع المطلقات في مقام البيان يمنع عن عروض التقييد لها فانّ جميع موارد حمل المطلق على المقيّد يكون المطلق فيها واردا في مقام البيان لأنه لا مجال لحمل الكلام الذي كان مجملا أو مهملا على التقييد، فلا تنبغي المناقشة من هذه الجهة أصلا.

نعم الإشكال في الروايتين انّما هو من جهة السّند فإن الراوي عن أبي بصير هو علي بن أبي

حمزة البطائني الكذاب المعروف و الرواية الثانية رواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم و سنده اليه ضعيف كما قرّر في محلّه و حيث انّ الشهرة على عدم الوجوب كما عرفت فلا يكون في البين جابر لضعف الخبر و لعلّ من قال بالوجوب تخيّل ان رواية محمد بن مسلم صحيحة كما وقع التعبير عنها بها في تقريرات بعض الأعاظم قدّس سرّهم و كيف كان فلا مجال للفتوى بالوجوب و لا لجعله مقتضى الاحتياط الوجوبي، بل غاية الأمر الاستحباب لقاعدة التسامح في أدلّة السّنن.

ثانيهما في المراد من عنوان الشقّ سواء كان واجبا أو مستحبّا فنقول بان العنوان المأخوذ في الفتاوى و الكلمات مختلف، فعن الشيخ في المبسوط: يشقّ ظهر قدميهما.

و عن الخلاف يقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين، و مثله ما عن ابن الجنيد حيث قال: يقطعهما إلى أسفل الكعبين. و عن ابن حمزة انه يشقّ ظاهر القدمين، و ان قطع الساقين كان أفضل. و ظاهره ان المراد بالطرف الثاني الذي جعله أفضل هو القطع من دون شقّ فيدلّ- كما في الجواهر- على ثبوت المغايرة بين العنوانين، غاية الأمر ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

التخيير و كون القطع أفضل الفردين.

لكن فيها ان ظاهر المنتهى و التذكرة كون الشّق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه العامة بل حكى عن الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى و التذكرة القطع بوجوب هذا القطع، و عن موضع آخر من المنتهى انه أولى خروجا من الخلاف و أخذا بالتقيّة.

و كيف كان فالعنوان المأخوذ في روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم هو الشقّ الذي ظاهره عدم قطع شي ء من الخفين،

بل إزالة الهيئة الاتصالية بالإضافة إلى ظهره من دون ان ينقص منه شي ء لكن في رواية مرسلة: لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا و احتاج ان يلبس خفّا دون الكعبين «1». كما ان في النبوي العامي: فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين «2». و مقتضى هاتين الروايتين قطع الساق من الخفين، بل مقدار من ظهرهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. و من الواضح ثبوت المغايرة بين العنوانين فان قلنا بالاستحباب فلا مانع من كون المستحب أحد الأمرين أخذا بنحو التخيير بجميع الروايات الواردة في هذه الجهة.

و ان قلنا بالوجوب يشكل الأمر فإن المستند- ح- ليس إلّا رواية محمد بن مسلم التي وقع التعبير فيها بشقّ ظاهر القدم و حمل الشقّ على القطع أو الأعم منه ممّا لا سبيل اليه، بعد عدم اعتبار سائر الروايات، بل لا محيص عن الالتزام بلزوم الشقّ بالمعنى الذي ذكرنا. نعم لو قطع الساق و بعض الظهر لا يبقى إشكال في جواز الاكتفاء به، لعدم كونه ساترا لظهر القدم، لكن البحث انّما هو في لزومه و لو على نحو الوجوب التخييري.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الأربعون، ح 2.

(2) السنن الكبرى للبيهقي 5: 51.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 103

[العاشر: الفسوق و لا يختص بالكذب]

العاشر: الفسوق و لا يختص بالكذب بل يشمل السباب و المفاخرة أيضا، و ليس في الفسوق كفّارة بل تجب التوبة عنه، و يستحب الكفارة بشي ء و الأحسن ذبح بقرة (1).

______________________________

ثم انّ هنا شبهة و هي انّه على تقدير كون الواجب هو الشقّ بالمعنى المذكور يكون لازمة عدم تحقق ستر ظاهر القدم و مع عدمه لا معنى

لتعليق جواز لبس الخف مقيّدا بالشقّ بعدم وجدانه النعل.

و بعبارة أخرى لا يكون جواز لبسه مشروطا بالاضطرار بل يجوز في حال الاختيار و وجدان النعل أيضا، مع انك عرفت ثبوت التعليق في الفتاوى و النصوص.

و الجواب امّا على مبنى كون العنوانين و هما الخفّ و الجورب لهما موضوعية و مدخلية في ثبوت أصل الحكم بالحرمة كما اختاره بعض الأعاظم على ما تقدم فواضح لأن الشقّ و ان كان يوجب خروج ظاهر القدم عن المستورية إلّا انه لا يوجب زوال عنوان الخفيّة- مثلا- فهو بعد الشق أيضا يكون خفّا لا يجوز لبسه إلّا في حال الضرورة.

و امّا على المبنى الآخر الذي اخترناه و هو عدم ثبوت الموضوعية للعنوانين و كون المحرّم هو كل ما يستر ظهر القدم و لو كان مثل الشمشك فالجواب ان يقال امّا بعدم كون الشقّ مستلزما لخروج ظاهر القدم عن المستورية فإن مرجع الشقّ إلى إزالة الهيئة الاتصالية المتحققة في ظهر الخفّ، و هذا لا يوجب ظهور ظاهر القدم بوجه.

و امّا بانّ الشقّ و ان كان مستلزما لما ذكر إلّا انه يكفي في المنع كون الخف موضوعا لستر ظاهر القدم، و من شأنه ان يكون كذلك فهذا المقدار يكفي في ثبوت متعلق الحرمة و ان لم تكن مستوريّة بالفعل فتدبّر.

(1) قد نفى صاحب الجواهر وجدان الخلاف في حرمته قال بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منه مستفيض كالنصوص مضافا الى الكتاب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 104

..........

______________________________

و مراده من الكتاب قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» و التعبير فيه و ان كان بصورة الجملة النافية لكن المراد منه النهي الذي

هو مفاد الجملة الإنشائية و دلالته على النهي أقوى من دلالة صيغة «لا تفعل» كما قد قرر في محلّه و قد حمل بعض المشايخ من المعاصرين قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام على مثل هذه الآية و ان المراد منه النهي التكليفي عن الضرر و الضرار استشهادا بهذه الآية.

و كيف كان فلا تنبغي المناقشة في كون المراد من الآية هو النهي و التحريم و موردها و ان كان هو الحج خصوصا بقرينة تفريعه على قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ .. إلّا ان الظاهر و لو بقرينة عدم الفصل قطعا انه لا فرق بين الحج و بين العمرة و فيها بين عمرة التمتع و العمرة المفردة فالحرمة المذكورة مرتبطة بالإحرام كسائر محرمات الإحرام.

ثم انّ المهم في هذا الأمر معنى الفسوق و مفاده و ظاهر الكلمات انه محلّ اختلاف جدّا.

فعن المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجامع و النافع و ظاهر المقنعة و الكافي و صريح الشرائع و المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم بل المنسوب الى المشهور ان الفسوق هو الكذب و قد اختاره صاحبا الحدائق و المدارك و كون الكذب محرّما في غير حال الإحرام أيضا يوجب تأكد الحرمة في حال الإحرام أيضا يوجب تأكد الحرمة في حال الإحرام و شدّتها.

و عن الجمل و العقود انه الكذب على اللّٰه تعالى.

و عن الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة أنه الكذب على اللّٰه تعالى و رسوله أو

______________________________

(1) البقرة: 193.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

أحد الأئمة- عليهم الصلاة و السلام- كما في باب الصوم.

و عن جمل العلم

و العمل و المختلف و الدروس انه الكذب و السباب و اليه يرجع ما عن الحسن من انه الكذب و البذاء و اللفظ القبيح.

و عن تبيان الشيخ الطوسي و فقه القرآن للراوندي ان الاولى حمله على جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها. و الظاهر انّ مرادهما منها محرّمات الإحرام مطلقا و لو لا الروايات الواردة في تفسير الفسوق لكانت الآية بنفسها شاهدة على بطلان هذا القول لانّه لا يبقى- ح- مجال لعطف الفسوق على الرفث و لا لعطف الجدال على الفسوق إلّا بضرب من التوجيه. و اختار صاحب الجواهر ان الفسوق عبارة عن الكذب و السباب و المفاخرة مثل ما في المتن.

و حكى انه قد حكى الشهيد قدّس سرّه في بعض حواشيه انه عبارة عن المفاخرة خاصّة.

و المهمّ ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال فنقول المعتبرة منها روايتان:

إحداهما صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه الحديث «1».

ثانيتهما صحيحة معاوية بن عمّار و هي على ما رواه الشيخ بطريقين صحيحين عنه قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّٰه و ذكر اللّٰه و قلّة الكلام إلّا بخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه إلّا من خير كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ- فان اللّٰه يقول: فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 106

..........

______________________________

الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه بلى و اللّٰه «1».

و على ما رواه الكليني أيضا بسندين صحيحين أيضا عنه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و ذكر مثل ما في رواية الشيخ و زاد: و قال اتّق المفاخرة، و عليك بورع يحجزك عن معاصي اللّٰه فان اللّٰه- عزّ و جلّ- يقول ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: من التفث ان تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكّة و طفت بالبيت تكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة، قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري و بلى لعمري قال ليس هذا من الجدال و انّما الجدال لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «2».

قال في الوسائل بعده و رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمّار مثله من قوله:

اتق المفاخرة إلى قوله فكان ذلك كفارة لذلك.

و ليس في نقل الصدوق بل و لا في نقل الكليني اشعار فضلا عن الدلالة بكون لزوم اتقاء المفاخرة مرتبطا بلزوم الاجتناب عن الفسوق حتى تكون المفاخرة داخلا في معناه أيضا و يؤيده عطف قوله: و عليك بورع يحجزك عن معاصي اللّٰه على قوله: اتق المفاخرة و عليه فصحيحة معاوية بن عمار على النقلين الأولين ظاهرة في ان المراد بالفسوق هو الكذب و السباب فقط كما ان الصحيحة المتقدمة ظاهرة في ان المراد به هو الكذب و المفاخرة فبينهما التعارض حسب الظاهر.

و حكى عن المدارك ان الجمع بين الصحيحين يقتضي المصير الى الفسوق هو الكذب خاصة لاقتضاء إحديهما نفي المفاخرة و الأخرى نفي السباب و

لكنه عن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 107

..........

______________________________

الحدائق أنهما متفقتان في الكذب و متعارضتان في المفاخرة و السباب و لازم التعارض التساقط و الأخذ بما هو المتفق عليه بينهما و هو الكذب.

و يؤيده بعض الروايات الظاهرة في ان الفسوق هو الكذب خاصة و ان كانت مخدوشة من حيث السند مثل رواية زيد الشحام الضعيفة بالمفضل بن صالح قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال قال: امّا الرفث فالجماع، و امّا الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ، و الجدال هو قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و سباب الرجل الرجل «1».

و مرسلة العيّاشي في تفسيره عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «2».

و يغلب على الظن ان هذه المرسلة هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و ان لم تكن مشتملة على ذكر السباب و ما عن الفقه الرضوي من ان الفسوق الكذب فاستغفر اللّٰه عنه و تصدّق بكف من طعام «3».

و يرد على صاحبي الحدائق و المدارك انّ المعارضة بين المنطوق من الصحيحتين و المفهوم من الأخرى لا بين المنطوقين لأنّهما مثبتان و لا منافاة

بينهما بل التنافي بين المفهوم الذي هي قضية سالبة مع المنطوق من الآخر و الدلالة على المفهوم انّما هي من جهة الوقوع في مقام التحديد و التعريف الظاهر في سلب الغير و نفيه، فمفهوم احدى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 9.

(3) المستدرك، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 108

..........

______________________________

الصحيحتين خروج المفاخرة و مفهوم الأخرى خروج السباب و حيث ان الدلالة المفهومية انّما هي بالظهور و من باب الإطلاق فاللازم رفع اليد عنها بالمنطوق الذي هو الأظهر و من باب التقييد، و عليه فيتحصّل انّ الفسوق يكون عبارة عن الأمور الثلاثة الكذب و السباب و المفاخرة كما في المتن تبعا لصاحب الجواهر.

ثم ان المفاخرة تكون على قسمين، لأنها تارة تكون لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين و بيان وجود منقصة فيهم أو سلب رذيلة عن نفسه مع الاستلزام المذكور و هذا يكون محرّما في غير حال الإحرام أيضا.

و اخرى تكون لمجرد إثبات الفضيلة أو سلب الرذيلة عن نفسه من دون نظر الى الغير و لا يكون فيه الاستلزام المذكور فيه أصلا.

ربما يقال كما حكى عن العلّامة في المختلف انّ القسم الأوّل من المفاخرة مرجعه الى السباب و لا تكون منفكة عنه فلا تكون مغايرة معه.

و لكن الجواب منع عدم الانفكاك فإن جملة من الفضائل لا تكون إثباتها للنفس و لو كان مستلزما لتنقيص الغير و حطّا من شأنه و ماسّا لكرامته لا ينطبق عليه عنوان السباب الذي كان له معنى عرفي خاص فإن إثبات الاجتهاد- مثلا-

لنفسه بنحو يكون مستلزما لسلب هذه المرتبة عن الغير و فرض كون السلب عنه منقصة بالإضافة إليه لا يعدّ سبابا بوجه.

كما انه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ان القسم الثاني من المفاخرة فلو فرض صدق عنوانها عليه لا بدّ من إخراجه من المفاخرة الممنوعة في حال الإحرام لأنه لا يحتمل حرمة هذا النحو من المفاخرة مع ان الصحيحة في مقام تفسير الفسوق و الخروج عن الجادة المستقيمة و هذا القسم من المفاخرة ليس من الفسوق و لا ينطبق عليه هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 109

..........

______________________________

العنوان.

و يرد عليه ان منشأ عدم الاحتمال ان كان هو مجرد عدم الحرمة في غير حال الإحرام فكثير من محرمات الإحرام لا يكون محرّما في غير حال الإحرام بل ربما يكون مستحبا كالنظر في المرآة و غيره و ان كان هو عدم انطباق عنوان الفسوق عليه.

فالروايتان ظاهرتان في عدم كون المراد بالفسوق معناه اللغوي و العرفي الذي يرجع الى جميع المعاصي المخرجة للفاعل أو التارك عن حجر الشرع و الجادة المستقيمة الإلهية. و عليه فلا مانع من ان تكون المفاخرة بهذا النحو داخلة في الفسوق المحرم في حال الإحرام و ان لم تكن محرمة في نفسها فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الأمر في ثبوت الكفارة فيه و عدمه و ظاهر الجواهر مضافا الى عدم حكاية القول بالثبوت من أحد ادّعاء القطع بالعدم، لكن ذهب صاحب الوسائل إلى الثبوت حيث قال في عنوان الباب الثاني من أبواب بقيّة كفارات الإحرام: باب انه يجب على المحرم في تعمّد السباب و الفسوق بقرة و المحكي عن الحدائق أيضا الوجوب لكن في صورة اجتماع السباب و الكذب لا عند

انفراد كل منهما على الآخر.

و مستند الوجوب صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول:- في حديث- و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحجّ «1».

و لا خفاء في ظهورها في ثبوت كفارة البقرة في السباب و الفسوق و ظاهرها الثبوت في كل واحد منهما مستقلّا و منفردا لا عند اجتماعهما سيّما على القول بان عطف الفسوق على السباب انّما هو من قبيل ذكر العام بعد الخاص الذي يوجد حتى في الاستعمالات القرآنية كذكر الخاص بعد العام، فإنه على هذا التقدير مجال لاحتمال

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

مدخلية الاجتماع بوجه.

نعم على القول بان ظهور العطف في المغايرة يقتضي ان يكون المراد بالفسوق هو الكذب لما مرّ في بعض الروايات من تفسيره بخصوص الكذب مستشهدا بآية النبإ، يمكن القول بمدخلية الاجتماع في الثبوت لكنه أيضا خلاف الظاهر و ما هو المتفاهم عند العرف.

و تظهر ثمرة الاحتمالين أيضا في ثبوت الكفارة في المفاخرة التي هي القسم الثالث من أقسام الفسوق فإنه على التقدير الأول تثبت الكفارة فيه بخلاف التقدير الثاني و كيف كان فلا إشكال في دلالة الرواية على ثبوت الكفارة كما انها تدلّ على عدم تحقق الفساد للحج بسبب الفسوق و ان الفساد انّما يترتب على الرفث خلافا لما حكى عن المفيد قدّس سرّه من ان الكذب مفسد للإحرام.

و في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل اللّٰه له حدّا يستغفر اللّٰه و يلبّي «1». قال في الوسائل بعد

نقل هذه الرواية: هذا محمول على عدم التعمّد لما مرّ من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلّا في الصّيد.

هذا و لكن الظاهر عدم تمامية هذا الحمل لأنّ ظاهر الرواية عدم تحقق جعل الحدّ من اللّٰه تعالى في مورد الفسوق و هذا لا يلائم مع الجاهل الذي لا يكون خارجا عن دائرة الجعل على تقديره بل يكون الحكم مرفوعا و موضوعا فالرواية الدالة على عدم الجعل ظاهرة في عدم ثبوت الكفارة رأسا مضافا الى ان التعبير بالابتلاء و الحكم بوجوب الاستغفار لا يلائمان مع الجهل فلا تنبغي المناقشة في ظهور الرواية في العدم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 111

[الحادي عشر: الجدال]

اشارة

الحادي عشر: الجدال و هو قول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه، و كل ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان إذا كان في المقام إثبات أمر أو نفيه، و لو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، و الأحوط إلحاق سائر أسماء اللّٰه تعالى كالرحمن و الرحيم و خالق السماوات و نحوها بالجلالة، و امّا القسم بغيره تعالى من المقدسات فلا يلحق بالجدال (1).

______________________________

مطلقا، غاية الأمر وجوب الاستغفار و التلبية التي لم يقل أحد بوجوبها.

و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم ان الصحيح حمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب لصراحة صحيح الحلبي في عدم الوجوب كما تحمل لذلك صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام المروية عن قرب الاسناد أيضا الدالة على التصدّق بشي ء على الاستحباب فقد روى علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه موسى عليه السّلام و كفارة الفسوق شي ء يتصدق به إذا فعله و هو

محرم. و في نسخة اخرى: و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «1».

أقول الظاهر انه لا مجال لحمل صحيحة سليمان بن خالد على الاستحباب بعد عدم كون التعبير فيها بصيغة أفعل أو بالجملة لخبرية الواردة في مقام بيان التكليف و إفادة حكم إنشائي و ذلك لظهورها في ثبوت الاشتغال الذي هو حكم وضعي و لا معنى فيه للحمل على الاستحباب.

فالحق ان يقال بثبوت المعارضة في البين و عدم إمكان الجمع الدلالي بين الصحيحين و حيث ان الشهرة العظيمة المحققة الفتوائية توافق صحيحة الحلبي فاللازم الأخذ بها و طرح الأخرى. نعم لا مجال للشبهة في حسن الاحتياط و ان مقتضاه ذبح بقرة كما في المتن.

(1) قد وقع التعرّض في هذا الأمر لجهات:

الجهة الاولى: في أصل حرمة الجدال و كونه من محرّمات الإحرام و الظاهر انه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

لا ريب فيه نصّا و فتوى و الأصل فيه قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ بالتقريب المتقدم في الفسوق.

الجهة الثانية: في معنى الجدال المحرّم بعد كون معناه اللغوي و العرفي هو المخاصمة و المنازعة و قد ورد بهذا المعنى في الكتاب في مواضع متعددة مثل قوله تعالى وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و لكن الروايات المستفيضة الواردة في هذا المجال تدلّ على ان المراد من الجدال المحرّم في الحج هو قول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و في بعضها كلمة «إنّما» الدالة على الحصر و انه ليس الجدال غيره. و اللازم البحث في ان المحرم هل هو نفس هذا القول على

الإطلاق و في كل مورد أو انه يحرم في موارد خاصة فنقول:

انّه لا شبهة في عدم كون نفس التلفّظ بهذا اللفظ محرّما إذا لم يكن في مقام الخصومة و النزاع بل و لا في مقام إثبات أمر أو نفيه بحيث كان من قبيل الأذكار المستحبة التي يستحب التلفظ بها فكما ان التلفظ بكلمة لا إله إلّا اللّٰه- مثلا- مستحب كذلك التلفظ بهذا القول في حال الإحرام يكون محرّما و ذلك لأنّه مضافا الى عدم فهم العرف من الروايات المفسّرة له بما ذكر ما يشمل هذه الصورة قد وقع التعبير عن الجدال بالحلف في بعض الروايات الآتية و من الواضح ان الحلف أمر إنشائي يعتبر فيه القصد و لا يكفي مجرّد اللفظ الخالي عن قصد معناه فهذه الصورة خارجة قطعا.

كما انه لا شبهة في كون القول المزبور في مقام الخصومة و النزاع للإثبات و النفي جدالا و انه هو القدر المتيقن من معنى الجدال و لم يناقش فيه أحد.

إنّما الإشكال فيما إذا كان القول المزبور في غير مورد المخاصمة بل واقعا في مقام الجواب عن السؤال- مثلا- كما إذا سئل عنه هل أنت مجتهد فقال بلى و اللّٰه أو سئل عنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

هل تحبّ زيدا- مثلا- قال لا و اللّٰه بحيث لم تكن مخاصمة في البين بل نفي أو إثبات مؤكّد باليمين المزبورة و مقرونا معها، فان قلنا بكون هذه الصورة أيضا جدالا فاللازم الالتزام بثبوت الحقيقة الشرعية للجدال مغايرة لما هو مقتضى المعنى اللغوي أو العرفي أو ان الاستعمال الشرعي يكون بهذه الكيفية، و ان لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية و ان لم نقل بكون

هذه الصورة جدالا يصير الجدال المحرّم على المحرم بعض مصاديق الجدال اللغوي كما في الفسوق.

يظهر من صاحب الغنية القول الأوّل حيث ان المحكي عنه انه قال بعد ذكر ان الجدال من محرّمات الإحرام: «و هو عندنا قول لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه بدليل إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط، و قول المخالف: ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين ليس بشي ء لأنه ليس يمتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي كما تقوله في لفظ الغائط» و مراده من المقيس عليه انه كما ان لفظ الغائط معناه اللغوي عبارة عن الأرض المنخفضة مع ان المراد منه في الشريعة ما يخرج من الدّبر كذلك الجدال.

و يؤيّده بعض الروايات الظاهرة في ان الجدال هي اليمين كما حكاه صاحب الغنية عن المخالف ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بعد تفسير الجدال بقول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه قال: و اعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة ايمان و ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدّق به، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدّق به قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري و بلى لعمري فقال: ليس هذا من الجدال و انّما الجدال قول الرجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «1». و قرينة المقابلة تقتضي بأن المراد بالحلف بثلاثة أيمان هو الحلف صادقا و على أيّ حال

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

فالرواية ظاهرة في ان اليمين

هو الركن الاساسي في معنى الجدال المحرّم على المحرم و مثلها موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه «1». و ليس المراد اختصاص الجدال بصورة الكذب كما هو ظاهر.

الجهة الثالثة: هل يعتبر في الجدال مضافا الى اليمين التي عرفت انّها الركن الاساسي فيه، اشتماله على احدى الكلمتين: لا و بلى أم يكفي فيه مجرد اليمين و لو كانت خالية عنهما، قولان: ظاهر المشهور هو الأوّل و المحكي عن صريح المحقق في النافع و الشهيد في الدروس هو الثاني و هو ظاهر المتن فان المراد بقوله و لو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، هو القسم الخالي عن الكلمتين، و إلّا لا يكون مغايرا مع تفسيره للجدال بقول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه كما هو ظاهر.

و يدلّ على ما هو المشهور، ظاهر الروايات الكثيرة المفسّرة للجدال بالقول المذكور المشتمل على احدى الكلمتين، فإنه لو لم يكن لهما مدخلية في معنى الجدال لما كان وجه لذكرهما في تعريفه خصوصا بعد ما عرفت من مغايرة معناه الشرعي للمعنى اللغوي و العرفي المقتضية للاقتصار على خصوص ماله الدخل في معناه و عدم ذكر ما ليس له مدخلية.

و بالجملة لا شبهة في ان ظاهر الروايات المفسرة بالقول المذكور، مدخلية إحدى الكلمتين خصوصا ما اشتمل منها على مثل كلمة «انّما».

لكنه ربما يقال بانّ مثل الروايتين المتقدمتين أنفا في الجهة الثانية ظاهرة ان الجدال مجرد الحلف من دون مدخلية شي ء من الكلمتين فيه حيث انّ مقتضاهما ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب

بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 115

..........

______________________________

الحلف بثلاثة أيمان ولاء صادقا جدال يترتب عليه الكفارة و بواحدة كاذبا أيضا كذلك.

و الحقّ انّ التأمل فيهما يقضي ببطلان هذا القول فإنّ صحيحة معاوية بن عمار قد اشتمل صدرها و ذيلها على تفسير الجدال بالقول المخصوص و عليه فالمراد بالحلف الواقع في الشرطيتين هو الحلف المعهود المذكور أوّلا المشتمل على احدى الكلمتين لا الحلف المطلق الشامل لما يكون غير مقرون بشي ء منهما و يؤيده سؤال الراوي في الذيل عن ان قول لا لعمري و بلى لعمري هل يكون جدالا أم لا، فإنه ظاهر في ثبوت المفروغية عنده بالإضافة إلى مدخلية إحدى الكلمتين، غاية الأمر انه كان من المحتمل عنده ان تغيير القسم بالجلالة بالقسم المذكور أيضا يوجب تحقق الجدال فأجاب عليه السّلام بالنفي، و امّا الموثقة فلا تكون بصدد تفسير الجدال بل بصدد التفصيل في الجدال الموجب للكفارة بين الصادق و الكاذب من جهة التعدد و عدمه و إلّا فاللازم الالتزام بعدم كون اليمين الصادقة جدالا أصلا إلّا إذا بلغت ثلاثا، و هو مع كونه مخالفا لسائر الروايات، لم يقل به أحد، فاللازم ان يقال بعدم كونهما في مقام بيان معنى الجدال بل ذكره انّما هو تمهيد لثبوت الكفارة المترتبة عليه و التفصيل بين صورتي الصدق و الكذب.

ثم انّ لمعاوية بن عمّار صحيحة أخرى ظاهرها ما ذكرنا من كون المفروغ عنه عنده لزوم اشتمال الجدال على احدى الكلمتين قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يقول لا لعمري و هو محرم قال: ليس بالجدال انّما الجدال قول الرجل: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه،

و امّا قوله: لا ها فإنما طلب الاسم و قوله: يا هناه فلا بأس به و امّا قوله: بل شانيك فإنّه من قول الجاهلية «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 116

..........

______________________________

و قد وقع شرح ذيل الرواية في كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه في كتاب: «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الاخبار» قال ما لفظه: «قوله: لا ها، يمكن ان يكون المراد الحلف ب «لاه» و هو من أسمائه تعالى بل قال سيبويه أن الجلالة اشتقت منه فيكون المراد انّهم يطلبون به اسم اللّٰه تعالى و هو من الجدال، أو هو من الحلف و ليس من الجدال. و يمكن ان يكون «لا» حرف نفي و «ها» حرف تنبيه و المراد انّهم يوردون هذا مكان النداء بالاسم للتنبيه الى ان قال: و في النهاية: ها مقصورة كلمة تنبيه للمخاطب ينبّه بها على من يساق اليه الكلام و قد يقسم بها فيقال: لا ها اللّٰه ما فعلت أي لا و اللّٰه أبدلت الهاء من الواو.

و فيه أيضا: يا هنتاه اي يا هذه و في المذكر هنّ و هنان و هنون و لك ان تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنه و ان تشبع الحركة فتصير ألفا فنقول يا هناه و قيل يا هنتاه يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلّة المعرفة بمكايد الناس و شرورهم انتهى.

أقول: لما كانوا يذكرون يا هناه بمعنى يا فلان في صدر الكلام مكررا كان مظنة لأن يتوهم انه قسم فأزال عليه السّلام ذلك الوهم.

قوله: لا بل شانيك الظاهر انه كان لا أب لشانئك كما في الدروس و قولهم لا أب

لشانئك و لا أبا لشانئك أي لمبغضك قال ابن السكيت: «و هي كناية عن قولهم لا أبا لك» كذا ذكره الجواهري. أقول لعلّ مراده انه أسند عدم الأب إلى مبغضة، و المراد نسبته إليه رعاية للأدب فيكون المراد بالخبر الحلف بهذا كان يقول لا أب لشانئك ان لم يكن كذا اي لا أب لك فآل بكثرة الاستعمال الى ما ترى.

و يمكن ان يكون المراد لا أقسم بشي ء هين، بل اقسم بشانيك و الشأنان العرقان المكتنفان بالرأس، فيكون القسم بعرقي رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم لعمرك،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 117

..........

______________________________

أو يكون لا نفيا لما ذكره المخاطب و يكون حرف القسم في شانئك مقدرا أو يكون المراد أنا شانئك و مبغضك ان لم يكن كذا و اللّٰه يعلم».

الجهة الرابعة: في انه بعد عدم كفاية مجرد اليمين و لو بصيغتها و هي قول: و اللّٰه في تحقق الجدال و لزوم كونها مقرونة به كلمة «لا» أو «بلى» يقع الكلام في لزوم اعتبار نفس احدى هاتين الكلمتين أو يكفي بيان مؤدّاها و لو كلمة اخرى مثل «ما فعلت» في مقام النفي أو «فعلت» في مقام الإثبات صرّح في الجواهر بالثاني حيث قال: «نعم لا يعتبر لفظ لا و بلى نحو قوله عليه السّلام: انّما الطلاق: أنت طالق فإن صيغة القسم هو قول:

و اللّٰه و امّا لا و بلى فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤدّاه و لو بشهادة الصحيح المزبور بل تكفي الفارسية و نحوها فيه و ان لم تكف في لفظ الجلالة فتأمّل جيّدا».

و مراده بالصحيحة ما رواه أبو بصير يعني ليث بن البختري قال: سألته عن المحرم

يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّٰه لا تعمله فيقول: و اللّٰه لأعملنّه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انّما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّٰه عزّ و جلّ فيه معصية «1».

و يرد عليه انّ مجرد كون صيغة القسم هو قول: و اللّٰه كون الكلمتين هما المقسوم عليهما، لا يقتضي عدم اعتبار خصوص اللفظين إلّا على تقدير ثبوت كون الجدال من مصاديق اليمين، غاية الأمر أنها يمين واقعة في مقام النفي و الإثبات مع انّك عرفت في الجهة الثالثة، ان الحلف و ان كان ركنا اساسيا في معنى الجدال لكن مفهومه المستفاد من الروايات المتعددة المفسرة له هو اليمين التي تتعقب احدى الكلمتين و مقرونة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الثلاثون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 118

..........

______________________________

بتقدم أحد اللفظين، و عليه فلا يجوز التعدّي عن ظاهر تلك الروايات في مدخلية نفس اللفظتين في المعنى الشرعي للجدال المركب منها و من اليمين، و امّا التشبيه بقوله عليه السّلام انما الطلاق أنت طالق فيرد عليه انّ التوسعة فيه انّما هي لأجل قيام الدليل على جواز توكيل الغير في إجراء صيغته و لو مع عدم حضور الزوجة و على جواز طلاق الزوج الغائب الذي لا يمكن فيه الخطاب بقوله أنت ففي الحقيقة قيام الدليل صار موجبا للحكم بعدم انحصار صيغته الطلاق بما ذكر و لم يقم في المقام دليل على التوسعة حتى يرفع اليد بسببه عن ظاهر الروايات المفسرة كما هو ظاهر.

و امّا الصحيحة فربما يستدلّ بها على ان الجدال مطلق الحلف باللّه تعالى و ما يسمى يمينا و ان

لم تكن مشتملة على احدى الكلمتين أصلا فضلا عن عدم كفاية ما يؤدّى مفادهما نظرا الى ان تعليل نفي الجدال بأنه انّما أراد إكرام صاحبه دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لو لا إرادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق و اللّٰه كما هو المفروض في السؤال.

و لكن صاحب الجواهر قدّس سرّه أجاب عن هذا الاستدلال، بان التعليل في الصحيح المزبور لا ينافي وجود علّة أخرى، و مراده انه يكفي في جانب النفي عدم وجود شي ء ممّا له مدخلية في الإثبات بخلاف الإثبات الذي يحتاج الى تحقق جميع ماله المدخلية فتعليل النفي بنفي واحد من ذلك لا ينافي وجود علّة أخرى.

و يرد عليه هنا نفس هذا الجواب، و ان التعليل لا يقتضي ما استفاده من عدم اعتبار خصوص اللفظين في مؤدّاة على ان الصحيحة لا تكون في مقام تفسير الجدال حتى يكون لها إطلاق بل في مقام بيان ان الحلف الاكرامي لا مانع منه و لا يترتب عليه ما يترتب على الجدال من الكفارة و الظاهر ان المراد من قوله- ما كان للّٰه فيه معصية- هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 119

[مسألة 24- لو كان في الجدال صادقا فليس عليه كفارة]

مسألة 24- لو كان في الجدال صادقا فليس عليه كفارة إذا كرّر مرتين و في الثالث كفارة و هي شاة، و لو كان كاذبا فالأحوط التكفير في المرّة بشاة و في المرّتين ببقرة و في ثلاث مراتب بدنة بل لا يخلو عن قوّة (1).

______________________________

الجدال المشتمل على احدى الكلمتين الذي يكون محرّما.

و كيف كان فالظاهر اعتبار خصوص اللفظين و منه يظهر ان مثل الفارسية لا يكفي و ان كان مطابقا لمعناه و مرادفا له حقيقة لأن ظاهر الروايات اعتبار

نفس القول المزبور و من خصوصياته، العربية و لا دليل على التعدّي إلى سائر اللغات. نعم مقتضى ما ذكرنا من ان اعتبار يكون واقعا في مقام النفي أو الإثبات ان يكون المحرم عارفا بهذه الخصوصية و ان لم يكن عالما باللغة العربية بوجه. كما ان مما ذكرنا ظهر ان تبديل لفظ الجلالة بسائر أسماء اللّٰه تعالى كالمذكورات في المتن يقدح في تحقق الجدال، فضلا عن القسم بغيره تعالى من المقدسات في الشريعة كالقرآن و الرسول و الأئمة عليهم السّلام.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في حكم الجدال الصادق من جهة ثبوت الكفارة فيه و عدمه و قد استفاضت الروايات الدالة على عدم الثبوت إذا لم يتجاوز عن مرتين و الثبوت إذا تجاوز عنهما و انّها هي شاة و قد تقدمت في تفسير الجدال صحيحة معاوية بن عمار و موثقة أبي بصير الظاهرتين في ترتب الكفارة على ما إذا بثلاثة أيمان صادقا و انّها لا تترتب على الأقل من الثلاث و من هذه الروايات صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «1».

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: قلت: فمن ابتلى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 120

..........

______________________________

بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطئ بقرة «1».

و منها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

لكن في

مقابلها اطلاقان:

أحدهما إطلاق ما دلّ على ثبوت الشاة في الجدال من دون فرق بين الثلاث و غيره و هي صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول في الجدال شاة الحديث «2».

ثانيهما إطلاق ما دلّ على عدم ثبوت الكفارة في الجدال كذلك و هي صحيحة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقول: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و هو صادق، عليه شي ء؟ قال: لا «3».

لكن الروايات المفصّلة مقيدة لكلا الإطلاقين و شاهدة لحمل الإطلاق الأول على الثلاث و الثاني على الأقل كما لا يخفى.

المقام الثاني: في حكم الجدال الكاذب و المشهور فيه بين الأصحاب كما في الجواهر بل قيل انه لا خلاف يعتدّ به فيه، هو التفصيل المذكور في المتن الذي جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي بل نفى خلوّه عن القوة و هو انّ في المرّة الأولى، شاة و في المرة الثانية، بقرة و في المرّة الثالثة بدنة، و لكن لا يستفاد من النصوص التي بأيدينا هذا التفصيل بل يدلّ عليه فقه الرّضا و المحكي من رسالة علي بن بابويه التي كان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 121

..........

______________________________

الأصحاب قد رجعوا إليها عند إعواز النصوص لكن فقه الرضا لم يثبت اعتباره بل لم يثبت كونه رواية حتى ينجبر ضعفه في مثل المقام بموافقة فتوى المشهور، و الرسالة المذكورة انما كانت مرجعا عند إعواز النصوص مع ان النصوص في المقام موجودة، بل كثيرة،

و لا بدّ من ملاحظتها فنقول:

امّا ثبوت الشاة في المرّة الأولى فيدلّ عليه مضافا الى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد الدالّ على ان في الجدال شاة، صحيحة معاوية بن عمار و موثقة أبي بصير المتقدمتان الظاهرتان في التفصيل بين الجدال الصادق و الجدال الكاذب و انه يكون ثبوت كفارة الدم في الأوّل فيما إذا حلف بثلاثة ايمان و في الثاني بيمين واحدة.

نعم مقتضى إطلاق رواية أخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا جادل الرّجل و هو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور «1»، ثبوت الجزور في المرة الأولى أيضا لكن حيث انّ الرواية قد رواها الشيخ بإسناده عن العباس بن معروف و في هذا الإسناد أبو المفضّل و ابن بطة و هما ضعيفان فلا تصلح الرواية للاستناد إليها و لا تكون شهرة جابرة في هذا الفرض فاللازم الحكم بثبوت الشاة.

و امّا المرة الثانية فمقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت شاتين فيها لدلالتها على ثبوت الشاة عند تحقق طبيعة الجدال و المرة الثانية جدال آخر يترتب عليه شاة كالمرة الأولى، و ليس مثل المقام من الأحكام الوضعية داخلا في بحث التداخل و عدمه كما هو ظاهر.

نعم يدلّ على ثبوت البقرة في المرة الثانية ما رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: من جادل في الحج فعليه إطعام ستة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأول، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 122

..........

______________________________

مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقا أو كاذبا فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة لأنّ اللّٰه تعالى قال فَلٰا

رَفَثَ و لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج. الرفث الجماع و الفسوق الكذب و الجدال قول لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه و المفاخرة «1».

بتقريب ان الرواية و ان كانت مرسلة من حيث السند و معرضا عنها من حيث المفاد من جهات مختلفة إلّا انّه يمكن ان يقال بان قوله: و على الكاذب بقرة أي في المرة الثانية مجبور باستناد المشهور اليه و موافقته للشهرة الفتوائية كما في الجواهر و لا يعارضها رواية أبي بصير الدالّة بإطلاقها على ثبوت الجزور في المرة الثانية أيضا بعد ما عرفت من ضعفها و عدم الانجبار لها في هذه الجهة.

و اما المرة الثالثة فمقتضى طائفة من الروايات ثبوت البقرة فيها مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «2».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟ قال إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطئ بقرة «3».

و مقتضى إطلاق رواية أبي بصير ثبوت الجزور في هذه المرّة أيضا و هي في هذه الجهة موافقة لفتوى المشهور و ان كان تعبيرهم انّما هو بالبدنة و تعبير الرواية بالجزور و بينهما الفرق من بعض الجهات.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 6.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

كما ان مقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت ثلاث شياة في هذه المرتبة.

و- ح- ان قلنا بعدم كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند بوجه فاللازم ان يقال بثبوت شاتين في المرة الثانية و ثبوت البقرة في المرة الثالثة لعدم حجيّة مرسلة العياشي هناك و عدم اعتبار رواية أبي بصير هنا و إطلاق الصحيحة يقيد بالطائفة الدالة على ثبوت البقرة في خصوص المرّة الثالثة و هذا هو الذي اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم.

و ان قلنا بكون الشهرة الفتوائية جابرة فاللازم الالتزام في المرة الثالثة بثبوت الجزور بعد الالتزام بكون الشهرة المزبورة جابرة لضعف سند رواية أبي بصيرة و قادحة في الطائفة الدالة على ثبوت البقرة و موجبة لحمل إطلاق رواية أبي بصير على خصوص المرة الثالثة لعدم ثبوت الجزور في غيرها و الالتزام بكون الشهرة مؤثرة بهذا المقدار مشكل و لأجله يشكل الفتوى على طبقها خصوصا بعد ما عرفت من اختلاف تعبير الرواية و تعبير المشهود و عليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي في هذه المرة الجزور، كما ان تأثير الشهرة في المرة الثانية في جبران ضعف سند المرسلة و حذف الأحكام الكثيرة المذكورة فيها مضافا الى اضطراب متنها لعدم كون الآية الشريفة التي استشهد بها فيها دالة على مسألة الكفارة بوجه لأن مفادها مجرد حرمة العناوين الثلاثة المذكورة فيها في الحج و امّا ترتب الكفارة فلا اشعار فيها إليه أصلا، مشكل أيضا بل مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثبوت البقرة فيها و لو أريد الاحتياط التام فاللازم الجمع بين البقرة و الجزور في المرة الثالثة و بين البقرة و الشاة بل الشاتين في المرة الثانية.

و امّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه في مناسكه من ان مقتضى الاحتياط

الكامل ثبوت البدنة في الكاذب مطلقا و في جميع المراتب، فيرد عليه انه لا وجه لذلك، فإن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 124

..........

______________________________

رواية أبي بصير ان كانت معتبرة، يجب الفتوى على طبقها و ان لم تكن معتبرة فلا وجه للحكم بالجزور في المرة الأولى بعد كون مقتضى إطلاق صحيحة سليمان بن خالد و دلالة روايات خاصة ثبوت الشاة و كذا في المرة الثانية بعد كون مقتضاه ثبوت شاتين و لم ينهض دليل على كفاية الجزور عن الشاة في صورة تعيّنها و ان كان الجزور أكثر قيمة و أعظم نفعا مع ان رفع اليد عن الطائفة الدالّة على ثبوت البقرة في المرة الثالثة مع كونها روايات صحيحة كيف يكون مقتضى الاحتياط فالظاهر ان مقتضى الاحتياط التام ما ذكرنا لا ما أفاده قدّس سرّهم.

نعم ذكر صاحب الجواهر في ذيل كلامه في بحث الجدال الذي يأتي التعرّض له إن شاء اللّٰه تعالى في بحث تخلل التكفير انه ان لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص و الفتوى وجوب الشاة بالمرّة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثالث إلّا ان يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة.

و ظاهره دلالة نفس النصّ و الفتوى على ذلك مع قطع النظر عن الاحتياط الذي عرفت و لكن سيأتي الكلام فيه عند ذلك البحث فانتظر.

«تتميم» هل يعتبر في الجدال الصادق الذي تترتب الكفارة على المرتبة الثالثة منه على ما عرفت التتابع و وقوع الثلاث متواليات و في مورد واحد و موضوع فأرد، بأن كان الإثبات في الجميع راجعا إلى شي ء واحد و النفي في الجميع أيضا كذلك، أم لا

يعتبر بل الملاك مجرد الجدال الصادق ثلاث مرّات من دون فرق بين صورتي التوالي و عدمه و بين صورتي وحدة الموضوع و تعدّده.

قال في الجواهر بعد نقل الميل إلى الأوّل عن بعض متأخري المتأخرين و انه حكاه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

عن العماني: إلّا انه نادر يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على خلافه خصوصا بعد ان كان المحكي عنه يعمّ الصادق و الكاذب قال: من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل و عليه دم. و لم يفصل.

و كيف كان فظاهر بعض الروايات المتقدمة كصحيحة معاوية بن عمّار و رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال إذا حلف بثلاث ايمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1»، هو اعتبار التتابع بل و وقوعها في مقام واحد، و لكن جملة من الروايات الواردة فيه المتقدمة خالية عن شي ء من القيدين.

قال في الجواهر ما حاصله: ان قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد و ان كانت تقتضي حمل المطلق على المقيّد إلّا ان قوّة النصوص المطلقة على وجه لا تكافئها المقيدة توجب الأخذ بالمطلقة و حمل المقيدة على ارادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال و تعدده بالنسبة إلى المجادل فيه و نحو ذلك.

و مراده من قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد هنا بعد كونهما مثبتين هو ان مفهوم النصوص المقيدة يقيد إطلاق منطوق النصوص المطلقة كما ان مراده من قوة النصوص المطلقة هو اعتضادها بالفتوى و الشهرة المحققة و- ح- يرد عليه انه ان كان المراد كون الشهرة مرجّحة لإحدى الطائفتين

المتعارضتين على الأخرى فالجواب انّ المطلق و المقيد ليسا من الخبرين المتعارضين أو المختلفين الذي هو الموضوع في الاخبار العلاجيّة مثل مقبولة ابن حنظلة لثبوت الجمع الدلالي بينهما فاللازم ان يقول امّا بكون الشهرة المذكورة قرينة على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية هنا لأن ثبوت

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الأوّل، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 126

..........

______________________________

المفهوم لها انّما هو بالظهور و القرينة المذكورة شاهدة على خلافه فلا مفهوم لها هنا.

و امّا ان يقول بأنّ إعراض المشهور عن النصوص المقيدة صار موجبا لسقوطها عن الحجّية و الاعتبار فلا يكون في البين إلّا النصوص المطلقة.

و التحقيق انه لا إشكال في عدم اعتبار القيدين بناء على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما اخترناه في المباحث الأصولية لعدم التنافي بين الطرفين بعد كونهما مثبتين.

و امّا بناء على ثبوت المفهوم فقد أفاد بعض الاعلام قدّس سرّهم بأنه لا دلالة له على عدم ثبوت الكفارة مع انتفاء أحد القيدين نظرا الى ان الشرط إذا كان متعدّدا أي مركّبا تدلّ القضية بالمفهوم على نفي الحكم عند نفي أحدهما كما إذا قال: إذا جاء زيد من السفر و كان مجيئه في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرض انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما إذا كان الشرط واحدا.

و إذا كان الشرط غير متعدد بل كان أحدهما مقيّدا بالآخر كما إذا قال إذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان الشرط هو المجي ء المقيّد بيوم الجمعة، فلا تدلّ القضية إلّا على انتفاء الحكم عند نفي المجي ء و لا دلالة على الانتفاء عند نفي خصوص القيد بل القضية ساكتة عن ذلك، و

لذا استشكل جماعة في التمسك بمفهوم آية النبأ لحجية خبر العادل نظرا الى ان المفهوم عدم مجي ء الفاسق بالنبإ لا مجي ء غير الفاسق به، و روايات المقام من هذا القبيل نعم لا بدّ من الالتزام بترتب فائدة على ذكر القيد و لعلّ الفائدة في المقام هو التعرّض للفرد الخفي حيث ان المرتكز في أذهان الناس خصوصا العوام منهم، ان المرة الثانية تأكيد للمرة الأولى و لا يرون ذلك تأسيسا و الروايات دلّت على انّ المعتبر تعدد الحلف و ان كان ولاء و واردا في موضوع واحد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 127

[مسألة 25- لو جادل بكذب فكفّر ثم جادل ثانيا]

مسألة 25- لو جادل بكذب فكفّر ثم جادل ثانيا فلا يبعد وجوب شاة لا بقرة، و لو جادل مرّتين فكفّر ببقرة ثم جادل مرّة أخرى فالظاهر ان كفارته شاة، و لو جادل في الفرض مرّتين، فالظاهر أنّها بقرة لا بدنة (1).

[مسألة 26- لو جادل صادقا زائدا على ثلاث مرّات، فعليه شاة]

مسألة 26- لو جادل صادقا زائدا على ثلاث مرّات، فعليه شاة، نعم لو كفّر بعد الثلاث ثم جادل ثلاثا فما فوقها يجب عليه كفارة أخرى، و لو جادل كاذبا عشر مرات أو الزيادة فالكفارة بدنة نعم لو كفر بعد الثلاثة أو الزيادة ثم جادل تكرّرت على الترتيب المتقدم.

______________________________

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للحكم باعتبار التوالي و الورود في مقام واحد أصلا كما هو المفتي به عند الأصحاب مع كون الروايات بمرئي و مسمع منهم.

(1) قال في الجواهر فيما يتعلق بهاتين المسألتين ما لفظه: «و المحكي عن صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه: انّه انما تجب البقرة بالمرّتين و البدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السّابق فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ليس إلّا أو ثنتين فالبقرة، و الضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير فللمرة شاة و للمرتين بقرة و للثلاث بدنة على معنى انه لو حلف يمينا كاذبة فكفّر لها بشاة ثم الثانية و كفّر لها بشاة أيضا ثم الثالثة، اما إذا لم يكفّر و كانا اثنتين فبقرة أو ثلاثا فبدنة و لو كنّ أزيد من ثلاث و لم يكن قد كفّر فليس إلّا بدنة واحدة و كذا في ثلاث الصدق. قلت ان لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص و الفتوى وجوب الشاة بالمرة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة

في الثلاث إلّا أن يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة كما انه يمكن ان يقال ان الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه امّا ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة أخرى و ان لم يكن قد كفر عن الأوّل و إلّا فليس إلّا الشاة الاولى و كذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة و البقرة و البدنة و هكذا فتأمّل جيدا».

و قد ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم بعد نقل كلا القولين انه لا يمكن المساعدة على شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

منهما و قال في بيانه ما يلخّصه ان المستفاد من مثل صحيحة سليمان بن خالد ثبوت الشاة لكل جدال و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين الصّادق و الكاذب و كذا بين المرّات خرجنا عنه في الحلف الصادق بالإضافة إلى المرّة الاولى و الثانية حيث انه لا يجب فيهما شي ء.

و امّا فيما زاد على مرّتين فالواجب هي الشاة و مقتضى الإطلاق وجوبها في المرة الرابعة و الخامسة و هكذا و لا وجه لاحتساب كل ثلاث ثلاث بل العبرة بفوق اثنين و كذا مقتضى الإطلاق انه لا فرق بين التكفير سابقا و عدمه لأن كل جدال موضوع للحكم و امّا الحلف الكاذب فالأوّل فيه شاة و الثاني فيه شاة أخرى على المختار عندنا من دون فرق بين ما إذا كفّر عن الأول أم لا، و تجب البقرة في الثالث على المختار عندنا كذلك و لا يختص الحكم بالثلاث بل موضوع الحكم ما زاد على الاثنين فتثبت البقرة في الثالث و كذلك في الرابع و الخامس و هكذا و لا دليل على احتساب كل ثلاث

لما عرفت من مقتضى العمل بالروايات و لا إجماع في المقام على الخلاف.

أقول امّا في الجدال الكاذب فمقتضى التأمل في الروايات ما أفاده صاحب الجواهر بالإضافة إلى المرة الثانية و الثالثة فإنه لا شبهة بمقتضى الإطلاق و الروايات الخاصة المتقدمة في ثبوت الشاة في المرة الأولى و كذا مقتضى ما رواه العياشي الذي هو الدليل الوحيد المتعرض للمرة الثانية في الجدال الكاذب بقوله عليه السّلام: فان عاد مرّتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة. ان ثبوت البقرة انما يكون موضوعه العود و تكرار الجدال الكاذب و امّا ما ترتب على الجدال الأوّل من الشاة فهو باق بحاله و عليه يكون فيما إذا لم يكفّر عن الأوّل الشاة و البقرة، غاية الأمر ان الشاة ترتبط بالأوّل و البقرة بالثاني و ليس معنى الرواية ثبوت البقرة مع عدم التكفير بشاة كما في قوله تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 129

..........

______________________________

في آية الصيد «وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ» حيث ان معناه لا يرجع الى ان العود يترتب عليه الانتقام و لا يجب معه الكفارة الثابتة قبل العود.

و كذا مقتضى رواية أبي بصير المتقدمة المنجبرة بالشهرة الدالة على ان المحرم إذا جادل فكذب متعمدا فعليه جزور، ثبوت الجزور في مطلق الجدال الكاذب، غاية الأمر عروض التقييد للإطلاق بالإضافة إلى المرة الاولى و كذا المرة الثانية، و امّا بالإضافة إلى المرة الثالثة فتدلّ على ثبوت الجزور في المرة الثالثة من دون فرق بين تحقق التكفير بالإضافة إلى المرتين السابقتين و عدمه. فإذا لم يتحقق، فاللازم ثبوت الشاة و البقرة و البدنة غاية الأمر ان الاولى للأولى و الثانية للثانية و الثالثة للثالثة

كما افاده صاحب الجواهر قدّس سرّه و امّا بالإضافة إلى المرات اللاحقة على الثالثة فظاهر ذيل كلامه جريان حكم الثلاث الأولى فيه، يعني يكون في الرابعة الشاة و في الخامسة البقرة و في السادسة البدنة، و هكذا، مع ان مقتضى إطلاق رواية أبي بصير، ثبوت البدنة في الثالثة و ما بعدها فكما انّ في الثالثة بدنة يكون في الرابعة أيضا بدنة و في الخامسة أيضا كذلك و هكذا و لا فرق بين تخلل التكفير و عدمه فلو كنّا نحن و الروايات و لم يكن هنا إجماع و قلنا بانجبار رواية العياشي و كذا رواية أبي بصير لكان مقتضاها ما ذكرنا هذا في الجدال الكاذب.

و اما الجدال الصادق فمقتضى ما في المتن تبعا للمشهور بل للمجمع عليه احتمالا أن تكرر الكفارة فيه انّما يتحقق بالثلاث بعد التكفير نظرا الى ان الكفارة توجب انّ الواقع كأنّه لم يتحقق و لم يقع كما يناسبه معناها بحسب اللغة الذي هو عبارة عن الستر و الإخفاء و لذا يطلق على الزارع الكافر كما في الكتاب العزيز نظرا إلى أنه يستر البذر في بطن الأرض و جوفها كما ان إطلاق عنوان الكافر على الكافر في مقابل المسلم انّما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 130

..........

______________________________

هو لأجل كونه ساترا للحق و الواقع.

و كيف كان مقتضى كلام المشهور ان موجب التكرّر انّما هو الثلاث بعد التكفير فإذا جادل صادقا و لو عشر مرات من دون ان يكفر أصلا لا يجب عليه إلّا كفارة واحدة و إذا كفّر بعد الثلاث الأوّل فالموجب للتكرّر هو الثلاث الثاني و إذا كفّر بعده فالموجب هو الثلاث الثالث و مع عدم تخلل التكفير

لا تجب إلّا واحدة.

و مقتضى ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في كلامه المتقدم هو ان الاعتبار بالثلاث، سواء تحقق التكفير أم لم يتحقق فإذا لم يكفر عن الثلاث الأول يكون في الثلاث الثاني كفارتان إحداهما للأول و الثانية للثاني هكذا في الثلاث الثالث.

و مقتضى ما ذكره بعض الاعلام قدّس سرّهم انّ الملاك هو تحقق عنوان الزيادة على الاثنتين و عنوان فوقهما و لازم ذلك بعد تقييد إطلاق صحيحة ابن خالد الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجدال و إخراج المرة الأولى و كذا المرة الثانية منه، ترتب الكفارة على العنوان المذكور الذي يكون أول مصاديقه المرة الثالثة، و عليه فكما انه فيها شاة كذلك في المرّة الرابعة و كذا في المرّة الخامسة و هكذا بمعنى ثبوت الشاة في كل مرّة من الثلاث و ما بعدها و يحتمل ضعيفا ان يكون مراده عدم التكرار أصلا من دون فرق بين ما إذا كفّر بعد الثلاث و ما إذا لم يكفّر.

و التحقيق بناء على الطريق الذي سلكناه انّ الدليل في المقام لو كان منحصرا بما ورد في اليمين الثالث في الجدال الصادق، من الروايات المتقدمة، لأمكن الذهاب الى ما أفاده صاحب الجواهر لكن صحيحتي الحلبي و محمد بن مسلم المتقدمتان و ان قلنا بثبوت الاعراض عنهما في اليمين الكاذبة لدلالتهما على ثبوت البقرة في الثالثة على خلاف المشهور إلّا أنه لم يتحقق الاعراض عنهما بالإضافة إلى الجدال الصادق في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 131

[مسألة 27- يجوز في مقام الضرورة لإثبات حق]

مسألة 27- يجوز في مقام الضرورة لإثبات حق أو إبطال القسم بالجلالة و غيرها (1).

______________________________

الزائد على اثنين و عليه تكون الصحيحتان مفسرتين لما وقع فيه التعبير

بالثلاث، و مقتضاهما ان الملاك في ثبوت الكفارة ليس هو عنوان الثلاث و الخصوصية الموجودة فيه بل الملاك هو عنوان الزيادة على الاثنين و الفوقية المضافة إليهما و- ح- لا بدّ من ملاحظة ان من جادل أربع مرّات- مثلا- هل يتحقق منه مصداقان للعنوان المذكور كما انه قد تحققت مصاديق أربعة لطبيعة الجدال و ماهيته أو لا يكون في البين إلّا مصداق واحد.

و الظاهر الذي يساعده فهم العرف هو الثاني فإنه لو أمر المولى عبده بان يجيئه بأزيد من رجلين فلا فرق في تحقق الموافقة و حصول الطاعة بين ان يجي ء بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة أو بأزيد و ليس في الأربعة موافقتان و في الخمسة موافقات ثلاث و هذا من دون فرق في المقام بين تخلل التكفير و عدمه فان كون الكفارة موجبة لصيرورة ما وجد و تحقّق كان لم يوجد و لم يتحقق، أمر يحتاج الى دليل، و مع عدمه يكون مقتضى الإطلاق عدم الفرق في ذلك.

و قد ظهر من ذلك انّ الجمود على مقتضى الروايات مع غمض النظر عن الفتاوى يقتضي الالتزام بعدم ثبوت كفارة واحدة في الجدال صادقا ثلاثا كان أو أزيد تخلّل التكفير أو لا، و قد مرّ انه يحتمله ضعيفا كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم المتقدم.

(1) حكى عن الدروس و غيرها انه استقرب الجواز و انتفاء الكفارة فيما لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل و الظاهر انه ليس المراد من الحقّ مثل الدين الذي له على الغير في مقابل الباطل بهذا المعنى بل المراد من الحق و الباطل ما يرتبط بالشرع من الأمور الاعتقادية و الأحكام العملية و أشباههما و الدليل على الجواز انصراف أدلّة

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 132

[الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد]

الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القمّلة و البرغوث و نحوهما، و كذا هوامّ جسد سائر الحيوانات، و لا يجوز إلقائها من الجسد، و لا نقلها من مكانها الى محلّ تسقط منه، بل الأحوط عدم نقلها الى محلّ يكون معرض السقوط، بل الأحوط الأولى ان لا ينقلها الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه، و لا يبعد عدم الكفارة في قتلها لكن الأحوط الصدقة بكفّ من الطعام (1).

______________________________

حرمة الجدال على المحرم عن مثل هذا الجدال المؤثّر في إثبات الحق و إبطال الباطل و امّا رواية أبي بصير المتقدمة الدالة على الجواز فيما إذا كان المقصود منه إكرام أخيه فلا دلالة لها على الجواز في المقام بلحاظ قوله في الذيل: «امّا ما كان فيه معصية» فلا بناء على المعنى الذي ذكرنا للذيل نعم لو كان المراد منه تخصيص الجدال المحرّم بما كان فيه معصية كالكذب و الغيبة و نحوهما يمكن الاستدلال بها- ح- لكن لازمة عدم حرمة الجدال مطلقا على المحرم مع ان المفروض ثبوتها و ترتب الكفارة في مطلقه مع الخصوصيات المتقدمة فتدبر جيدا.

(1) في هذا الأمر مباحث:

المبحث الأوّل: في قتل القمّلة و المنسوب الى المشهور عدم جوازه على المحرم.

نعم اقتصر جماعة من القدماء على حرمة الإلقاء من دون التعرّض للقتل و لكن الظاهر عدم كون مرادهم جواز القتل. نعم صريح ما حكى عن ابن حمزة التفصيل بين القتل و الإلقاء عن الجسد بجواز الأوّل دون الثاني.

و يدلّ على القول المشهور روايات دالة بالخصوص أو العموم على الحرمة مثل:

صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحكّ المحرم رأسه و يغتسل بالماء قال:

يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة الحديث «1». و من الظاهر انّ الدابة التي يمكن ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 133

..........

______________________________

يتعمّد قتلها بالحكّ ليست إلّا القملة التي تتولد و تتكون في الجسد فالرواية ظاهرة في حرمة قتل القمّلة مع التعمد.

و معتبرة أبي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال لا فداء لها «1». و أبو الجارود و ان كان من الزيدية إلّا انه موثق بالتوثيق العام و كذا بالتوثيق الخاص من الشيخ المفيد قدّس سرّه و لا تنبغي المناقشة في ظهور الجواب في الحرمة فإن التعبير بقوله: بئس لا يناسب الكراهة بوجه.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: اتق قتل الدواب كلّها و لا تمس شيئا من الطيب الحديث «2».

و لا مجال للخدشة في كون القملة من الدواب بعد تعبير صحيحة زرارة المتقدمة عنها بالدابة كما لا يخفى.

نعم ربما يمكن ان يقال بدلالة صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار على عدم الحرمة قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قمّلة؟ قال: لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها «3». و قد رواه بعينها صاحب الوسائل في بعض الأبواب الأخر فتوهم انهما روايتان مع انها ليست إلّا رواية واحدة و ان كان الراوي عن معاوية مختلفا و الظاهر انّ محطّ السؤال ما يلزم على المحرم الذي قتل قملة بعد وقوعه و تحققه و هذا يكشف عن كون الحرمة مفروغا

عنها عند السائل و ان مورد السؤال ما يترتب على فعله من الكفارة فالجواب ناظر الى عدم ثبوت شي ء أي كفارة عليه فعليه فقوله: «و لا ينبغي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

ان يتعمد قتلها» انما يكون تأكيدا لما هو المفروغ عنه عند السائل فاللازم ان يكون المراد من قوله لا ينبغي هي الحرمة و ان أبيت عن ذلك و قلت بأنّ السؤال انّما هو عن الجواز التكليفي و الكفارة معا و الجواب ناظر الى نفي الثاني و ثبوت الأوّل، غاية الأمر ثبوت الكراهة.

فنقول أوّلا منع كون لا ينبغي ظاهرا في نفسه في خصوص الكراهة أو الأعم منها و من الحرمة بل الظاهر كونه ظاهرا في الحرمة إلّا في مورد ثبوت القرينة على الخلاف.

و ثانيا على فرض تسليم ظهورها في عدم الحرمة ليس ظهورها فيه بأقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة و لا في رتبته بل الروايات المتقدمة تصير قرينة على كون المراد من قوله: «لا ينبغي» هي الحرمة كما هو ظاهر.

ثم انه يدلّ على عدم جواز قتل القملة أيضا ما يدلّ على عدم جواز إلقائها من الجسد و رميها منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنها من جسده، و ان أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه «1».

و رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام:

لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمّدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قلت: كم؟ قال:

كفّا واحدا «2».

نظرا الى ان المتفاهم من مثلهما عند العرف عدم جواز القتل أيضا لا للأولوية حتى يناقش فيها بأن الظنية منها لا تجدي و القطعية غير محققة، بل للاستفادة العرفية من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

نفس الرواية خصوصا مع ملاحظة القلّة المذكورة في الصحيحة و هو كونها من الجسد فان مقتضى كون المعيار و الملاك هو النشو من الجسد و التكون منه، هو عدم جواز قتلها أيضا كإلقائها و رميها.

لكن في مقابلهما رواية مرّة مولى خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة فقال: ألقوها أبعدها اللّٰه غير محمودة و لا مفقودة «1». لكن ضعف سند الرواية بجهالة مرّة يمنع عن صلاحيتها للمعارضة مضافا الى ما قيل من انه يمكن ان يكون ألفوها بالفاء من الألفة أي لا تلقوها و ان كان هذا الاحتمال في غاية البعد خصوصا مع قوله عليه السّلام بعده: أبعدها اللّٰه.

نعم هنا بعض الروايات الدالة على جواز قتل القملة في الحرم مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل النمل و البق في الحرم و لا بأس بقتل القملة في الحرم «2».

و مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم «3».

و لكن حيث ان

محل البحث في المقام هو الأمور المحرمة على المحرم و الروايتان واردتان في الحرم و من المعلوم تغاير العنوانين و ثبوت أحكام خاصة بالإضافة إلى المحرم و احكام اخرى بالإضافة إلى الحرم و ان كانا قد يجتمعان في بعض الاحكام، فلا وجه لتوهم المعارضة بين الروايتين الواردتين في الحرم مع الروايات الواردة في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الثمانون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

المحرم كما هو ظاهر.

نعم ربما يستفاد من بعض الروايات جواز القتل مع إرادة القملة إيذاء المحرم مثل مرسلة المفيد المعتبرة، قال: سئل عليه السّلام عن قتل الذئب و الأسد فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم ان إرادة (ده خ ل) و كل شي ء أراده من السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله «1».

و ما رواه ابن إدريس نقلا من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذاه قال: نعم «2».

و لكن الرواية الأولى ظاهرة فيما إذا كان الإرادة متعلقة بالقتل كما يدلّ عليه ذكر الذئب و الأسد و السباع و عليه فالمراد من الهوامّ ما يكون قاتلا كالعقرب و نحوه.

و الرواية الثانية مضافا الى ضعف سندها لجهالة طريق ابن إدريس إلى نوادر البزنطي، موردها البقة و البراغيث و لم يرد فيها ذكر القمّلة و التقييد بصورة الإيذاء لا دلالة فيه على ثبوت الجواز في القملة في هذه الصورة أيضا مع ان الإيذاء لو كان

على حدّ يوجب المشقة و الحرج، لكان مقتضى القاعدة الجواز و ان كان الحكم الاوّلي هي الحرمة كما لا يخفى.

المبحث الثاني: في قتل البقة و البرغوث و غيرهما من هوامّ الجسد غير القملة التي مر البحث فيها تفصيلا و الظاهر انه محل خلاف من حيث الجواز و الحرمة و لا تكون فيه شهرة على المنع كالشهرة المحققة في القملة.

و يدلّ على الحرمة مضافا الى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتقاء قتل الدواب كلها و شهادة بعض الروايات الواردة في القملة بكون مثلها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثمانون، ح 13.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 137

..........

______________________________

دابة، صحيحة زرارة المتقدمة في القملة الدالة على جواز حكّ الرأس للمحرم ما لم يتعمد قتل دابة، نظرا الى ان الإتيان بكلمة الدابة بصورة النكرة من دون إضافتها إلى الضمير حتى يحتمل ان تكون لدابة الرأس خصوصية يقتضي عدم جواز قتل مطلق الدابة سواء كان محلّها الرأس أو غيره.

و قد مرّ انّ الروايات الدالّة على جواز قتلها في الحرم لا ارتباط لها بالمقام الذي يكون البحث فيه عن محرّمات الإحرام نعم هنا رواية ربما يستدلّ بها على الجواز و هي ما رواه زرارة عن أحدهما عليهم السّلام قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه؟

قال: نعم «1».

هكذا في الوسائل و لكن المذيّل حكى عن الكافي ان فيه: إذا إرادة. و هو الظاهر لأنّ إفراد الضمير على النقل الأوّل لا يناسب مع كون السؤال عن البقة و البرغوث كما ان تعليق الحكم بالرؤية مما لا يعرف له وجه.

و عليه فالظاهر كون النسخة الصحيحة: إذا إرادة لكن يرد على الاستدلال بالرواية مضافا الى ضعف سندها بسهل بن زياد ما أشرنا إليه من ان الحكم بالجواز في صورة تحقق الإيذاء غير القابل للتحمل عرفا لا ينافي كون الحكم الاولي بحسب أدلّة المنع هو المنع ضرورة قاعدة نفي الحرج حاكمة على أدلّة محرمات الإحرام أيضا.

و مثلها رواية جميل المتقدمة التي تكلمنا فيها سندا و دلالة و على ما ذكرنا فالظاهر حرمة قتل البقة و البرغوث و نحوهما أيضا.

المبحث الثالث: في قتل هوامّ الغير إنسانا كان أو حيوانا كالحشرات الموجودة في البعير و الشاة و نحوهما و الظاهر بمقتضى عموم صحيحة معاوية بن عمار و إطلاق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 138

..........

______________________________

صحيحة زرارة المتقدمتين حرمة قتلها أيضا و انه لا فرق بين هوام الجسد و بين هوامّ الغير بعد كونها مصاديق لعنوان الدابة كما ان مقتضى إطلاق السؤال في بعض الروايات عن محرم قتل قملة، و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين قمّلة النفس و قمّلة الغير.

نعم التعليل الوارد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على جواز ان يلقى المحرم الدواب كلّها إلّا القملة بقوله فإنّها من جسده، ربما يوهم اختصاص الحكم بما يرتبط بجسد المحرم و امّا ما يرتبط بالغير سواء كان إنسانا أو حيوانا فلا دليل فيه على المنع و لكن الظاهر انه لا مدخلية للإضافة إلى نفس المحرم فتدبّر.

المبحث الرابع: في عدم جواز إلقاء هوامّ الجسد منه و ظاهر المتن كما نسب الى المشهور انه لا فرق في ذلك بين القملة و غيرها لكن

الروايات الدالّة على عدم الجواز، موردها القمّلة، بل لعلّه يستفاد من بعضها الاختصاص بها نظرا الى التعليل الوارد فيها و هي عبارة عن:

رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمّدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما قلت: كم؟ قال:

كفّا واحدا «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقي عنه الدّواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده، و ان أراد ان يحوّل قمّلة من مكان فلا يضرّه «2».

و ربما يقال باستفادة التعميم من العلّة المذكورة في الرواية مع انه عجيب فان المراد من العلّة هو التكون من الجسد و النشوة و التولد منه و هذا منحصر بالقملة، ضرورة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

ان مثل البقة و البرغوث لا يكون كذلك و لو حملت لفظة «من» على التبعيض بلحاظ الارتباط بالجسد الذي يراد به الأعم من الثوب، لا يبقى- ح- للمستثنى منه مورد فان الحكم بالجواز مورده، إلقاء المحرم الدواب عن جسده أو ثوبه كما لا يخفى.

و صحيحة حماد بن عيسى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام: عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما «1».

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاما «2» بناء على ما ذكرنا غير مرة من ان ثبوت الكفارة دليل على

الحرمة التكليفية بالنسبة إلى الحكم الاولي و لكن في مقابلها رواية مرّة مولى خالد المتقدمة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة فقال ألقوها أبعدها اللّٰه غير محمودة و لا مفقودة «3». لكن عرفت ضعفها بمرّة مضافا الى اختلاف النسخة و ان كان هو بعيدا.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا دليل على عدم جواز إلقاء غير القملة من سائر هوامّ الجسد، بل ربما يستفاد من رواية جميل جواز إلقائه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا آذاه؟ قال: نعم «4».

نظرا الى انّ جواز قتلهما يستلزم جواز إلقائهما بطريق اولى و لكن الرواية مضافا الى ضعف سندها كما عرفت، تدلّ على ان عدم جواز القتل في صورة عدم الإيذاء كان مفروغا عنه عند الراوي و عليه فالحكم بالجواز في صورة الإيذاء المستلزم للحرج

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تبقية كفارات الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و السبعون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

و المشقة لا يدلّ على الجواز مطلقا و عليه فالرواية لا دلالة لها على حكم الإلقاء بوجه.

المبحث الخامس: في جواز النقل من مكان الى آخر و عدمه، فنقول ان كان المحلّ المنقول اليه موجبا للسقوط قطعا فهو بحكم الإلقاء بل إلقاء حقيقة و ان كان في معرض السقوط فالظاهر انه بحكم الإلقاء و ينصرف عنه دليل جواز النقل و هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المبحث الرابع المشتملة على قوله: و

ان أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه كما انه لا اشكال بحسب الرواية في جواز النقل الى مكان أحفظ و أحرز من المكان الأوّل، و كذا في جواز النقل الى مكان مساو للمكان الأوّل، و امّا النقل الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه فمقتضى إطلاق الرواية الجواز و ان كان مقتضى الاحتياط الخلاف و دعوى انصراف الرواية عن هذا الفرض ممنوعة.

ثم انه لو قلنا بجواز الإلقاء في غير القملة فجواز النقل فيه مطلقا ظاهر و ان قلنا بحرمة الإلقاء فيه فلا دليل على حرمة النقل إلّا في مورد يكون إلقاء حقيقة دون غيره من بقية الموارد.

المبحث السادس: في ثبوت الكفارة و عدمه و ظاهر المتن نفي البعد عن عدم ثبوت الكفارة و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الصدقة بكف من طعام و مورد نفي البعد الاختصاص بالقتل من جهة الظاهر في ان مورد الشك صورة القتل فقط لا ما يشمل الإلقاء و مثله و العموم من جهة و هي مطلق هو أمّ الجسد من دون خصوصية للقملة من بينها مع انّ الروايات الواردة في الكفارة تدلّ على عكس ذلك و هو الاختصاص بالقملة بمعنى ورودها فيها و عدم الاختصاص بالقتل بل موردها الإلقاء الذي يكون ثبوت الكفارة فيها مستلزما للثبوت في القتل عند العرف و لو لم يكن أولى فإنّ منها:

صحيحة حمّاد بن عيسى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يبيّن القملة عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 141

..........

______________________________

جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاما «1».

و مثلها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم ينزع القملة عن

جسده فيلقيها، قال: يطعم مكانها طعاما «2». و غيرهما من الروايات الواردة في القملة الدالة على ثبوت الكفارة في نزعها و إلقائها بل في بعضها الثبوت في صورة الخطاء و هي رواية حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المتقدمة، لكن بناء على نقل الشيخ في التهذيب قال: المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا و ان قتل «فعل و هو الظاهر» شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده «3».

لكن في مقابلها ما يدل على عدم ثبوت الكفارة و الفداء في قتل القملة المستلزم لعدم ثبوتها في الإلقاء أيضا مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال: لا شي ء عليه في القملة و لا ينبغي ان يتعمّد قتلها «4».

و معتبرة أبي الجارود قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال: لا فداء لها «5».

و الجمع بين الطائفتين امّا يحمل نفي الشي ء و نفي الفداء في قتل القملة بين الطائفتين امّا بحمل نفي الشي ء و نفي الفداء في قتل القملة على نفي ما هو المتداول في باب كفارات الإحرام و الغالب فيه و هو الدّم الذي أقلّه الشاة فلا ينافي ثبوت الإطعام بطعام و بقبضة من يده و امّا بحمل الروايات الدالة على النفي على صورة عدم التعمّد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 3.

(4) الوسائل، أبواب بقية

كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 6.

(5) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 142

[الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة]

الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة، فلو كان للاستحباب أو لخاصية فيه لا للزينة لا اشكال فيه، و الأحوط ترك استعمال الحناء للزينة، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه و ان لم يقصدها بل الحرمة في الصورتين لا تخلو من وجه، و لو استعمله قبل الإحرام للزينة أو لغيرها لا اشكال فيه و لو بقي أثره حال الإحرام، و ليس في لبس الخاتم و استعمال الحناء كفارة و ان فعل حراما (1).

______________________________

و يؤيده قوله عليه السّلام في الصحيحة في الذيل: «و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» كما انه يبعده قوله عليه السّلام في المعتبرة: «بئس ما صنع» و حمل الروايات الدالّة على الثبوت على صورة التعمد، و امّا بجعل الروايات النافية قرينة على التصرف في الروايات المثبتة بحملها على الاستحباب، كما في الموارد المشابهة لكن يبعد هذا الحمل ما أشرنا إليه مرارا من انّه لو كان الإثبات بصيغة افعل لكان حملها على الاستحباب غير بعيد و امّا لو كان بالجملة الخبرية التي هي آكد في الدلالة على الوجوب من الصيغة المذكورة لكان الحمل في غاية البعد.

و بذلك يظهر انّه لو لم نقل بنفي البعد عن ثبوت الكفارة في قتل القملة و إلقائها فلا أقل من الالتزام بكونه مقتضى الاحتياط الوجوبي فتدبّر جيّدا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في حرمة لبس الخاتم و المشهور شهرة عظيمة هي حرمة لبسه للزينة و عدم حرمته لغيرها كالاستحباب أو لخاصيّة فيه أو لحفظه من الضياع و نحوها لكن المحكي

عن النافع و الجامع عدم الحرمة و ثبوت الكراهة.

و الرواية الوحيدة الدالة على الحرمة في اللبس للزينة هي رواية مسمع عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (في حديث) قال: و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزّينة «1».

______________________________

(1) الوسائل، الباب السادس و الأربعون من أبواب تروك الإحرام، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 143

..........

______________________________

و في سندها صالح بن السندي و هو لم يوثق بالخصوص بل له توثيق عام و هو الوقوع في اسناد كتاب كامل الزيارات و لكن لو لم يكن له هذا التوثيق أيضا لكان استناد المشهور إليها جابرا لضعف سندها لأنّها الرواية الوحيدة في الباب الدالة على التفصيل المشهور.

و امّا من جهة الدلالة فالظاهر كون لا يلبسه انّما هو بصيغة النهي و اللام في قوله للزينة لام الغاية و الغرض، لا لام التعليل الذي مرجعه الى ان علّة الحرمة هو كون اللبس بنفسه زينة و ان لم تكن الزينة مقصودة من لبسه كما في بعض الروايات المتقدمة الواردة في مثل الاكتحال بالسواد.

و عليه فالرواية ظاهرة في اختصاص الحرمة بما إذا كان الغرض من اللبس خصوص الزينة لكن في مقابلها بحسب الظاهر روايات متعددة:

منها رواية نجيح عن أبي الحسن عليه السّلام قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «1» فان مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين كون المقصود هي الزينة أو غيرها لكن الرواية ضعيفة بنجيح لأنه لم يوثق بوجه.

و منها صحيحة محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد الصالح عليه السّلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «2».

و منها صحيحة أخرى له قال رأيت علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام و هو

محرم خاتما «3».

______________________________

(1) الوسائل، الباب السادس من أبواب تروك الإحرام، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 144

..........

______________________________

و دلالتهما على جواز لبس المحرم الخاتم في الجملة لا شبهة فيها إلّا انّ في الرواية الأولى اشكالا من جهة ظهورها في كون الحج الواجب على العبد الصالح عليه السّلام انّما هو بعد إمامته و تصدّيه لها مع انّ موطنه الشريف كانت هي المدينة المنورة و من المستبعد جدّا عدم تحقق الاستطاعة الموجبة للحج له قبل ذلك مع قلّة الفاصلة و تحقق الاستطاعة المالية بالمقدار اليسير و لا مجال لحمل طواف الفريضة على الطواف الواجب بالشروع و ان كان أصل العمل مستحبا فان قوله و هو محرم يكفي في الدلالة على ذلك كما ان الحمل على الحج الواجب بالنذر و شبهه لا وجه له بعد ما مرّ مرارا من ان النذر لا يؤثر في صيرورة المنذور متعلقا للوجوب، بل الواجب في مثله هو عنوان الوفاء و الفعل المنذور باق على حكمه قبل تعلق النذر.

و كيف كان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد كون رواية مسمع مقيدة لإطلاق دليل الجواز و كاشفة عن كون عمل المعصوم عليه السّلام انّما هو اللبس لغير الزينة بل للسنّة كما انه بنفسه يناسب السنّة دون الزينة و ان كانت غير محرمة مع قطع النظر عن الإحرام و امّا جعل هذه الروايات قرينة على حمل النهي في رواية مسمع على الكراهة، فلا وجه له خصوصا بعد كون الرواية المطلقة ضعيفة و الروايتان الحاكيتان لفعل الإمامين عليهما السّلام لا إطلاق

لهما فاللازم بمقتضى القاعدة المذكورة، حمل المطلق على المقيد و الالتزام بالتفصيل الذي ذهب اليه المشهور.

ثمّ ان المعيار في كون اللبس للزينة أو لغيرها و المرجع في الفرق بينهما هو القصد كما عن الذخيرة و جماعة من الأصحاب لأنه ليس لكل منهما هيئة خاصة وضعت لأجله بل ليس في البين غلبته بالنسبة إلى أحدهما فإن كثيرا من الناس يلبسون الخاتم للزينة كما ان كثيرا منهم سيما المتدينون المتعبدون يلبسونه للسنّة كما انه يوجد بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 145

..........

______________________________

الأغراض الأخر أحيانا على ما أشرنا اليه، و ليس الفارق إلّا القصد. و عليه فلو كان المقصود خصوص الزينة بحيث لم يكن داع و محرّك غيرها فلا اشكال بمقتضى الرواية في الحرمة كما انه لو كان الداعي و المحرّك خصوص مثل السنّة فلا شبهة في عدم الحرمة.

و امّا لو كان الداعي مركبا منهما امّا بان كان اجتماعهما دخيلا في اللبس بحيث لو لم يكن أحدهما، لم يتحقق في الخارج و امّا بان كان كل منهما داعيا تامّا و مستقلا بحيث، لو لم يكن الآخر لكان مؤثرا في الإيجاد لكن اجتماعهما و عدم ثبوت الرجحان من جهة التأثير أوجب استناد المعلول إليهما معا لعدم إمكان اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد، فهل المستفاد من الرواية الحرمة بلحاظ مدخلية الزينة و ثبوت قصدها و لو في الجملة، أو ان المستفاد منها، العدم بلحاظ ظهورها عند العرف في انه لا يكون في البين إلّا قصد الزينة فيه وجهان لا يبعد القول بالوجه الثاني و على فرض عدم ظهور الرواية في أحد الوجهين و ثبوت الإجمال في البين يكون المرجع أصالة الحليّة في الصورتين

كما لا يخفى.

ثمّ ان مقتضى الجمع بين ما يستفاد من الروايات الواردة في لبس الخاتم للمحرم من التفصيل المذكور و بين مقتضى عموم التعليل الوارد في بعض روايات الاكتحال بالسواد المتقدمة مثل قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في صحيحة حريز: لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السّواد زينة و كذا بعض ما ورد في النظر في المرآة مما يشتمل على التعليل مثل قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة و ان ناقشنا في هذا العموم الثاني فيما سبق انّما هو بأحد أمرين:

الأمر الأوّل: ان يقال بالفرق بين الاكتحال بالسواد و بين لبس الخاتم فإن الأوّل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 146

..........

______________________________

وضع للزينة و يكون الغرض الغالبي منه هي الزينة و قلّما يتفق ان يراد به غيرها كالمداوى أو حفظ البصر عن التأذي عن نور الشمس- مثلا- بخلاف لبس الخاتم الذي لم يوضع للزينة، بل قد عرفت اختلاف الأغراض في لبسه جدّا بل لعلّ كون الغرض منه هي السنّة امرا غالبيّا فيه و عليه فالكبرى المطوية في الصحيحة التي يكون مقتضاها حرمة لبس المحرم كل زينة لا يكون لبس الخاتم صغرى لها بوجه، بل الصغرى هو ما وضع للزينة مثل الاكتحال بالسّواد خصوصا بعد ظهور عدم كون التعليل بأمر تعبدي بل بما هو مورد لقبول العرف و العقلاء.

الأمر الثاني: ان يقال انه على تقدير تسليم كون لبس الخاتم من مصاديق الزينة و صغرياتها لا مانع من الالتزام بتخصيص تلك الكبرى المطوية الظاهرة في حرمة الزينة مطلقا و لو لم يقصد بها الزينة بأدلّة المقام التي مقتضاها التفصيل بين الصورتين،

و لا مجال لتوهم كون الكبرى بلحاظ وقوعها في مقام التعليل لا تصلح لعروض التخصيص لها، ضرورة أن وقوعها في المقام المذكور لا يخرجها عن القابلية له و تطبيقها على الصغرى المذكورة في العلّة انما هو بلحاظ عدم كونها من موارد التخصيص و عليه فالجمع بين أدلّة المقام و بين مقتضى التعليل هو إخراج لبس الخاتم عن العموم و الالتزام بالتفصيل.

و مما ذكرنا ظهر انه لو قطع النظر عن أدلّة المقام و فرضت المناقشة في صحة الاستدلال برواية مسمع التي عرفت انها الدليل الوحيد، لما كان وجه للالتزام بالتفصيل المذكور، بل لا بدّ امّا ان يقال بالجواز مطلقا أو يقال بعدمه كذلك، و عليه فجعل التعليل مستندا مع قطع النظر عن دليل المقام كما يظهر من بعض الاعلام قدّس سرّهم لا وجه له إلّا على تقدير كون المراد هي الحرمة المطلقة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 147

..........

______________________________

ثم ان الظاهر انه لا فرق في حرمة لبس الخاتم على المحرم و جريان التفصيل فيه بين الرجل و المرأة لأن عنوان «المحرم» الذي يراد به الجنس شامل لكليهما، و عليه فلا بد من تقييد إطلاق ما دلّ على الجواز في المرأة المحرمة و هي رواية عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب «1». و الحكم بانّ المراد هو ما إذا كان اللبس لغير الزينة كما لو كان الخاتم المذكور ثمينا جدّا و كان الغرض من لبسه حفظه من الضياع أو كان الغرض شيئا آخر.

الجهة الثانية: في استعمال الحناء و قد عدّه المحقق في الشرائع في عداد مكروهات الإحرام مع التقييد بقصد الزينة الظاهر في عدم

الكراهة أيضا بدون قصدها فقال:

«و استعمال الحناء للزينة و كذا للمرأة قبل الإحرام إذا قارنته» و في المدارك و كشف اللثام و غيرهما على ما حكى اسناد الحكم الأول إلى الأكثر، و لكن المحكي عن المقنعة و الاقتصاد و العلّامة في المختلف، القول بالحرمة.

و الرواية الواردة في استعمال الحناء بعد الإحرام رواية واحدة صحيحة رواها المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الحناء فقال: انّ المحرم ليمسّه و يداوي به بغيره (بعيره ظ) و ما هو بطيب، و ما به بأس «2».

و مورد السؤال و ان لم يكن فيه إشارة إلى المحرم و لم يقع التعرض له إلّا انه حيث يكون استعمال الحناء في غير حال الإحرام أمرا جائزا بل كان استحباب الخضاب ظاهرا لدى المتشرعة، فاللازم- ح- حمل السؤال على المورد الذي كان الجواز فيه محل الشبهة و هو حال الإحرام مضافا الى دلالة الجواب عليه.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الأربعون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 148

..........

______________________________

و امّا الجواب فالظاهر ان قوله عليه السّلام «ان المحرم ليمسّه» حكم مستقل مرجعه الى جواز استعمال الحناء مطلقا للزينة أو لغيرها و ليس عطف قوله: «و يداوي به بعيره» قرينة على كون المراد من المسّ، ما يرتبط بتداوي البعير و معالجته. و يؤيده كون العطف بالواو دون الفاء كما أنه يؤيده بل يدل عليه قوله «و ما هو بطيب» فان نفي كونه من مصاديق الطيب ناظرا الى عدم حرمة مسّه و استعماله كما يحرم مسّ الطيب و

استعماله، وجه الدلالة انه لو فرض كونه من الطيب لكان مسّه لتداوي البعير جائزا أيضا خصوصا مع انحصار طريق التداوي به و استلزامه للمسّ.

و أظهر من الجميع في إفادة إطلاق الحكم بالجواز قوله في الذيل «و ما به بأس» بعد ظهور كون مرجع الضمير هو الحناء الذي نفي كونه من الطيب في الجملة السابقة عليه لا التداوي به بعيره، و عليه فنفي البأس عن الحناء في حال الإحرام ظاهر في جوازه مطلقا سواء كانت زينة أو غيرها، قصد به الزينة أم لم يقصد، و لو لا الرواية الآتية التي يستفاد منها الكراهة لكان مقتضى هذه الرواية عدم الكراهة أيضا، كما انه لو قلنا باختصاص تلك الرواية بالمرأة التي هي موردها كما يستفاد من عبارة الشرائع المتقدمة لا دليل على الكراهة في المقام بالإضافة الى الرجل و تلك الرواية هي ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل «1».

لكن الظاهر عدم اختصاص الحكم في الرواية بالمرأة كما ان الظاهر اختصاصه بمثل الحناء الذي يبقى أثره الى ما بعد الإحرام، فلو فرض زوال أثره عند الشروع فيه لا مجال فيه لدعوى الكراهة كما ورد في بعض الروايات المتقدمة في النيّة و التلبية من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

انه عليه السّلام أكل خبيصا فيه زعفران بعد النية و قبل التلبية، و عليه فإذا كان استعمال الحناء قبل الإحرام بلحاظ بقاء أثره مكروها يكون استعماله بعد الإحرام مكروها بطريق

أولى.

هذا و لكن في دلالة الصحيحة الواردة في المقام شبهة و هي ان المستفاد منها ان الشبهة الموجودة في الحناء الموجبة للسؤال عن حكمه انّما هي احتمال كونه من مصاديق الطيب و افراده، و لذا صرّح عليه السّلام في الجواب بنفي كونه من الطيب مع ان العمدة في الحناء انما هو انطباق عنوان الزينة عليه و كون الاستعمال الغالبي فيه هي الزينة بخلاف لبس الخاتم الذي مرّ انه لم يوضع للزينة و لو غالبا و لأجل ذلك يجري فيه التعليل المذكور في رواية الاكتحال بالسواد بقوله فإنه زينة و ما ورد في النظر إلى المرآة من قوله فإنه من الزينة و لو لا اشتمال رواية المقام على نفي كون الحناء من الطيب لكان الحكم بالجواز في الحناء مخصّصا للتعليل المشتمل على الكبرى المطوية و هي ان كل زينة حرام على المحرم و لازم التخصيص هنا إخراج استعمال الحناء عن الكبرى المذكورة مطلقا سواء كان المقصود به الزينة أو كان المقصود غيرها بخلاف لبس الخاتم الذي عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التفصيل بين قصد الزينة و بين قصد غيرها و امّا اشتمالها على عدم كون الحناء من الطيب فربما يوجب الإشكال في المسألة من جهة احتمال كون الجواز من هذه الجهة فلا ينافي الحرمة من جهة أخرى و لعلّه لذا نفي خلوّ الحرمة عن الوجه في المتن في الصورتين و ان كان يرد عليه انّ مجرد احتمال ذلك لا يقاوم ظهور الرواية في الجواز بعد كون السؤال عن أصل استعمال الحناء نعم الاحتمال المذكور مؤثر في جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك في الصورتين.

كما انه مما ذكرنا ظهر ان الجمع بين كراهة استعمال المحرم للحناء بقصد

الزينة و بين تخصيص الحكم بالكراهة بالمرأة فيما إذا كان الاستعمال قبيل الإحرام و عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 150

[الرابع عشر: لبس المرأة الحلّي للزينة]

الرابع عشر: لبس المرأة الحلّي للزينة فلو كان زينة فالأحوط تركه و ان لم يقصدها، و لا بأس بما كانت معتادة به قبل الإحرام و لا يجب إخراجه لكن يحرم عليها إظهاره للرجال حتى زوجها، و ليس في لبس الحلّي كفارة و ان فعلت حراما (1).

______________________________

إرادته كما عرفت في عبارة الشرائع مما لا يستقيم، فإنه لو كان خبر أبي الصباح المتقدم مختصّا بالمرأة التي هي مورده لا دليل على ثبوت الكراهة بالنسبة إلى الرجال بعد الإحرام لأنّك عرفت ان ثبوت الكراهة بعده انّما هو من طريق الأولوية و المفروض ان مورد الكراهة الأولية خصوص المرأة كما تدلّ عليه عبارته.

الجهة الثالثة: أنه لبس في لبس الخاتم المحرّم و هو ما إذا كان المقصود به الزينة و كذا في استعمال الحناء على تقدير حرمته كفارة لعدم دلالة شي ء من أدلّة الحرمة على ثبوت الكفارة و الدليل العام الدال على ثبوت كفارة الدم في جميع المحرمات قد عرفت ضعفه سندا و دلالة و انه لا ينهض لإثبات ذلك كما مرّ فلا كفارة في المقام بوجه.

(1) الظاهر انه لا إشكال في حرمة لبس المرأة الحلّي للزينة في حال الإحرام و في الجواهر: كما صرّح به غير واحد بل لعلّه المشهور بل في المدارك نفي الاشكال فيه و لو لا الروايات الخاصة الواردة في المقام لكان المستفاد من الكبرى المطوية في التعليل الوارد في الاكتحال بالسواد بقوله عليه السّلام فإنه زينة و كذا في بعض روايات النظر في المرآة حرمة لبس المرأة الحلّي

الذي يكون زينة بنفسه مطلقا من دون فرق بين صورة ما إذا كان المقصود هو التزيّن به أو كان الغرض غيره، لكن وردت في الباب طوائف من الروايات.

الاولى: ما ظاهره حرمة لبس المرأة للحلّي مطلقا من دون فرق بين صورة قصد الزينة و صورة عدمه و كذا من دون فرق بين أنواع الحلّي و اقسامه مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلّي و لا المصبغات إلّا صبغا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

لا يردع «1».

الثانية: ما ظاهره التفصيل، و ان كان بينهما اختلاف في التفصيل أيضا مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المحرمة تلبس الحلّي كلّه إلّا حليّا مشهورا للزينة «2». و ظاهره ان المستثنى من الحكم بالجواز لبس الحلّي المشتمل على خصوصيتين، إحداهما كونه مشهورا اي ظاهرا بارزا كما في مثل قوله شهر فلان سيفه ثانيتهما كون المقصود من لبسه هي الزينة و احتمال كون اللام في قول للزينة للتعليل مضافا الى انه خلاف الظاهر في نفسه يلزم منه الحكم بعموم الحرمة لجميع موارد المستثنى منه لأن مطلق الحلّي زينة فلا يبقى مورد للجواز.

و صحيحة الكاهلي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: تلبس المرأة المحرمة الحلّي كلّه إلّا القرط المشهور و القلادة المشهورة «3». و المراد من القرط بالضم ما يلقى في شحم الأذن و من القلادة ما يجعل على العنق و يعبّر عن الأوّل في الفارسية ب «گوشواره» و عن الثانية ب «گردن بند».

و من الواضح اختلاف الصحيحتين في المستثنى و كون النسبة عموما من وجه فإن الأوّل عام بالإضافة

الى كل حليّ مشهور و خاص من جهة التقييد بقصد الزينة و الثاني عام من جهة عدم التقييد بالقصد المزبور و خاص من جهة الاختصاص بالقرط و القلادة فالقدر المتيقن من مورد الحرمة صورة اجتماع كلا العنوانين، و امّا مادتا الافتراق فمورد للاختلاف لكن حيث انه لم يقل أحد بالتفصيل بين القرط و القلادة و بين غيرهما من

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 151

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

أنواع الحلّي، فاللازم الأخذ بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم و الحكم بثبوت الحرمة بالنسبة الى جميع الأنواع و مرجع ما ذكرنا امّا الى كون الشهرة الفتوائية مرجّحة بعد ثبوت التعارض و امّا الى ان التعارض و ان كان موجبا للتساقط لكن اللازم بعد التساقط الرجوع الى مثل صحيحة الحلبي المتقدمة في الطائفة الأولى الظاهرة في حرمة لبس الحلّي مطلقا.

و الطائفة الثانية: ما يمكن ان يقال بدلالته على الجواز مطلقا مع استثناء صورة الإظهار للرجال و هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلّي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها، انتزعه (اتنزعه ظ) إذا أحرمت أو تتركه

على حاله؟ قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «1».

بناء على كون محطّ نظر السائل هو جواز لبس المرأة الحلّي في حال الإحرام و عدمه و عليه فالجواب دالّ على الجواز و استثناء صورة الإظهار للرجال لكن التأمّل في الرواية يقضي بان محطّ نظر السائل بعد كون المفروغ عنه عنده هي حرمة لبس الحلّي في حال الإحرام و انه لا فرق في ذلك بين القرط و بين الخلخال و المسكة التي هي السوار و غيرهما انّه إذا كان الحلّي على المرأة في حال الإحرام مع كون لبسه مستمرّا في بيتها قبل ذلك و كانت معتادة له فهل يجب عليها الانتزاع أو يجوز ان تحرم فيه و يدلّ على ان مورد السؤال ما ذكرنا قوله، و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها فانّ التعبير ب «كانت» الظاهر في الاستمرار من جهة و اضافة هذه الجملة بعد كون الجملة الأولى دالة على وجود الحلّي في حال الإحرام و لم تكن حاجة الى إضافة الجملة الثانية من جهة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

اخرى شاهد على كون هذه الجملة دخيلة فيما هو محطّ نظر السائل و انّها النقطة المهمة فيما هو مورد السؤال و هو يكشف عن كون أصل الحكم و هو حرمة لبس الحلّي مطلقا مفروغا عنه عند الراوي فالرواية من أدلّة الحرمة و الفرق بينها و بين صحيحة الحلبي كون دلالة هذه الرواية بالعموم و دلالة تلك بالإطلاق.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا فرق بين أنواع الحلّي في الحرمة

و امّا التقييد بقصد الزينة الذي هو مفاد صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر انّه لا معارض لها من هذه الجهة إذ النسبة بعد رفع اليد عن خصوصية القرط و القلادة بينها و بين سائر الأدلّة المانعة هو الإطلاق و التقييد، و اللازم رفع اليد عن الإطلاق بسبب دليل التقييد بل بالصحيحة ترفع اليد عن إطلاق صحيحة ابن الحجاج الدالّ على جواز عدم نزع ما كانت معتادة للبسه في بيتها قبل حجّها و جواز ادامة لبسه من دون فرق بين صورتي قصد الزينة و عدمه. و يحكم بالاختصاص بما إذا لم يكن المقصود من الإدامة و عدم النزع هي الزينة كما يشعر به نفس عنوان الاعتياد، مضافا الى استلزام النزع في بعض الموارد للمشقة و الحرج و الفرق بين صورة الاعتياد و عدمه عدم جريان شبهة الحرمة في الاولى مع عدم القصد بعد تصريح صحيحة ابن الحجاج بالجواز و ظهور الروايات المانعة في عدم الاعتياد أو تقييد إطلاقها على فرضه بالصحيحة.

نعم يقع الكلام في التقييد بقيد الشهرة الذي وقع التصريح به في صحيحتي ابن مسلم و الكاهلي و الظاهر ان المراد بها هي البروز و الظهور في مقابل ما إذا كان مستورا تحت لباس و نحوه كما ان الظاهر ان هذا القيد له دخل في اتصاف الحلّي بكونه زينة واقعا فإن الزينة الواقعية لا تجتمع مع الخفاء و المستورية كما ان أصل اللبس له دخل في تحقق الزينة و حصولها ضرورة انه بدونه لا يكون الحلّي زينة و إطلاقها عليه باعتبار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 154

..........

______________________________

كونها صالحة لأن يتزيّن به لا انه بالفعل تكون زينة، و عليه فالمشهورية كأصل

اللبس لها مدخلية في الاتصاف بكون الحلّي زينة، فالرواية تدلّ على ان لبس الزينة الواقعية إذا كان بقصد التزين يكون ممنوعا و امّا إذا لم يكن مقرونا بالقصد المذكور كما إذا أرادت حفظها من الضياع و نحوه فلا مانع منه و قد عرفت انّه بهذه الرواية يخصّص عموم التعليل المستفاد من رواية الاكتحال المتقدمة و تصير النتيجة انّ الحلّي فيما إذا كانت زينة واقعا يكون لبسه محرّما إذا قصد به الزينة نعم لا ينبغي ترك الاحتياط بترك لبس الزينة مطلقا و المسألة بعد في غاية الإشكال كما في الجواهر.

ثم ان صحيحة ابن الحجاج تدلّ على تقييد الجواز في صورة الاعتياد بما إذا لم تظهرها للرجال في مركبها و مسيرها و مقتضى عموم الرجال الشمول للزوج و المحارم و الأجانب كما ان مفادها جواز الإظهار للنساء و الظاهر ان الإظهار أمر و قصد الزينة أمر آخر فإنّ الإظهار من الأمور الواقعية غير القصدية و النسبة إلى الفاعل لا دلالة لها على كونه من الأمور القصدية بخلاف قصد الزينة الذي يكون تقوّمه بالقصد في مقابل قصد التحفظ عن الضياع و غيره من الأمور الأخر.

نعم في بعض الروايات المانعة اعتبار خصوص قصد التزيّن للزّوج و هي رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب قال: تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلّا من علّة و لا تمسّ طيبا و لا تلبس حلّيا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب «1».

لكن الرواية مضافا الى وقوع سهل بن زياد في سندها يكون

قوله عليه السّلام فيها في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 155

[الخامس عشر: التدهين و ان لم تكن فيه طيب]

الخامس عشر: التدهين و ان لم تكن فيه طيب، بل لا يجوز التدهين بالمطيب قبل الإحرام لو بقي طيبه الى حين الإحرام و لا بأس بالتدهين مع الاضطرار، و لا بأكل الدهن ان لم يكن فيه طيب، و لو كان في الدهن طيب فكفارته شاة حتى للمضطرّ به و إلّا فلا شي ء عليه (1).

______________________________

الذيل و لا تلبس حلّيا قرينة على عدم مدخليّة القيد المذكور في الصّدر و هو التزيّن به للزوج مع انه لا مفهوم له في نفسه، و فرندا ثوب معروف و هو معرّب.

ثم انه حيث لا يكون في شي ء من الروايات الواردة في لبس الحلّي ما يدلّ على ثبوت الكفّارة فيه فلا وجه لاحتمال ثبوتها فيه إلّا بناء على الرواية العامة التي مرّت الإشارة إليها مرارا التي كانت ضعيفة من حيث السند و الدلالة.

(1) قد وقع عنوان هذا الأمر في الشرائع هكذا: «و استعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الإحرام و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام، و كذا ما ليس بمطيب اختيارا بعد الإحرام و يجوز اضطرارا».

و المستفاد من كلا العنوانين انّ ما هو الأصل في هذا الأمر و القدر المتيقن الذي لا يعتريه ريب ما يتعلق بالدهن الذي فيه طيب من التدهين به كما في المتن أو استعماله كما في الشرائع مع انك عرفت انه من الأمور المحرمة على الطيب صبغا و اطلاء و بخورا على بدنه أو لباسه و انه لا يجوز لبس ما فيه رائحته و لا أكل ما فيه الطيب

كالزعفران فيقع الكلام- ح- في الفرق بين الأمرين فهل الفرق بناء على تعبير المتن ان المتعلق للحكم بالحرمة هنا عنوان التدهين و انّ لهذا العنوان أصالة و بناء على تعبير الشرائع ان المتعلق للحكم بها هو الاستعمال المضاف الى الدهن الذي فيه طيب بخلاف ما هناك فان المتعلق له هو الطيب بجميع أنواعه أو ببعضها.

فان كان الفرق ما ذكر يرد على المتن ان الحكم بعدم جواز التدهين بالمطيب قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

الإحرام لو بقي طيبه الى حال الإحرام قرينة على عدم كون عنوان التدهين له موضوعية بل الملاك هو اشتمال الدهن على الطيب الذي قد عرفت ان الرائحة الموجودة فيه متقوّمة لمعناه و مأخوذة في تعريفه و عليه فهو المعيار و الملاك لا عنوان التدهين و ان كان هذا العنوان مأخوذا في معقد الإجماع الذي ادّعاه في محكي المنتهى حيث قال:

اجمع علمائنا على انه يحرم الادهان في حال الإحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد و البان و الزئبق و هو قول عامة أهل العلم و تجب له الفدية إجماعا.

كما انه يرد على الشرائع انّ الاستعمال و ان كان شاملا للأكل أيضا بخلاف الادهان إلّا انه قد مرّ هناك حرمة الأكل أيضا.

و على ما ذكرنا فالظاهر ان يقال بانّ ما هو الأصل هنا هو الادّهان بدهن ليس فيه طيب أصلا و اللازم البحث فيه فنقول ان المشهور كما في الجواهر هي الحرمة بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه لكن ظاهر المحكي عن الجمل و العقود و الكافي و المراسم بل صريح المحكي عن المفيد عدم الحرمة.

و يدلّ على الحرمة صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال

لا تدّهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و ادّهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ «1». و روى مثله علي بن أبي حمزة كما في الوسائل مع اختلاف يسير فان مقتضى إطلاق الذيل الحرمة مطلقا من دون فرق بين ما كان الدهن فيه طيب و بين ما إذا لم يكن و تفريع الإطلاق في الحكم بالحرمة بعد الإحرام على التفصيل المذكور قبل الإحرام يمنع عن احتمال الاختصاص بما فيه طيب كما انّ التعرض للادهان بالدهن قبل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

الإحرام قرنية على كون متعلق الحرمة بعد الإحرام أيضا هو الادهان فلا يشمل مثل أكل الدهن الذي لا يكون فيه طيب كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك الحديث «1». فان عطف الدهن على الطيب الظاهر في المغايرة يقتضي الحكم بحرمة مسّ الدهن و ان لم يكن فيه طيب.

هذا و يظهر من بعض الاعلام قدّس سرّهم تبعا لصاحب الجواهر انّ ما يكون في مقابل دليل المشهور من الروايات المانعة هو طائفتان من الروايات إحداهما ما وردت في مورد الاضطرار الذي لا يرتبط بما هو محل البحث فعلا و ثانيتهما ما وردت في التدهين بعد الغسل قبل الإحرام و هي أيضا غير مرتبطة بالمقام الذي هو الادهان بعد الإحرام مع ان التتبع في الروايات يقضي بان

ما يكون في مقابل دليل المشهور هي بعض الروايات الصحيحة الظاهرة في الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمّار المفصلة المتقدمة في بحث الطيب المشتملة على قوله عليه السّلام: و انّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلّا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به «2». فان التعبير بالكراهة في لسان الروايات و ان لم يكن ظاهرا بنفسه في الكراهة المصطلحة إلّا ان التعبير بها في مقابل الحرمة كما في الصحيحة يوجب ظهورها في الكراهة المصطلحة في الفقه و عند الفقهاء و عليه فالرواية ظاهرة في الحرمة و ليس المراد بالادهان الطيبة ما كانت مشتملة على الطيب المحرم لاستثناء صورة الاضطرار الى الزيت مع انه لا يكون مشتملا على الطيب بوجه فمثل هذه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 158

..........

______________________________

الصحيحة دليل على الكراهة في مقابل المشهور.

لكن على هذا التقدير أيضا لا بدّ من الالتزام بما هو المشهور من الحرمة لأنّ الشهرة الفتوائية هي أوّل المرجحات في الخبرين المتعارضين على ما استفدناه من مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة فلا محيص من الحكم بالحرمة.

بقي الكلام في المقام في أمور:

الأمر الأوّل انه لا يجوز الادّهان بالمطيب قبل الإحرام إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام كما في محكيّ القواعد و النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته إلى الأكثر خلافا للمحكيّ عن الجمل و العقود و المهذب و الوسيلة حيث انّهم ذهبوا الى الكراهة نظرا الى جوازه ما دام محلّا غايته وجوب الإزالة

فورا بعد الإحرام و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه انه كالاجتهاد في مقابلة النص نظرا الى ظهور الحلبي المتقدمة في الحرمة و التفصيل قبل الإحرام بين المطيب و غيره معلّلا للحكم بالحرمة في الأوّل بقوله عليه السّلام: من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم.

و هذا التعليل يجري فيه احتمالان:

إحداهما ان الرائحة تبقى قهرا و لا يمكن الإزالة بحيث تنعدم الرائحة بل يحتاج الانعدام الى مرور زمان و مضي مدّة من الإحرام.

ثانيهما ان الرائحة تبقى لو لم يتصد المحرم للإزالة مقارنا للإحرام و إلّا فمع التصدي لها تنعدم الرائحة و لا يبقى منها شي ء فان كان المراد هو الاحتمال الأوّل فلا يجتمع ذلك مع قول القائلين بالكراهة في مقابل المشهور بوجوب الإزالة ضرورة ان وجوبها مشروط بإمكانها و عليه فحكمهم بوجوب الإزالة شاهد على ان مورد النزاع صورة الإمكان كما هو ظاهر، و ان كان المراد هو الاحتمال الثاني فالظاهر انه لا يجتمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 159

..........

______________________________

مع قول صاحب الجواهر في ذيل البحث حيث انه قال: «ثم لا يخفى عليك ان تحريم الادهان بالمطيب الذي يبقى أثره انما يتحقق مع وجوب الإحرام و تضييق وقته و إلّا لم يكن الادّهان محرما و ان حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح» فان مقتضى هذا الكلام ارادة تطبيق الحكم في الرواية على القاعدة و انّها تقتضي التحريم في صورة وجوب الإحرام كما إذا كان لحجة الإسلام و تضييق الوقت و عدم إمكان التأخير مع انه لو كان المراد صورة إمكان الإزالة عند الإحرام و مقارنة معه لا حاجة الى فرض وجوب الإحرام و تضييق وقته

بل مقتضى القاعدة لزوم الإزالة و لو مع عدم الشرطين فالجمع بين كون مراد القائلين بالكراهة وجوب الإزالة و بين التطبيق على القاعدة بالنحو المذكور كما في الجواهر ممّا لا يستقيم.

هذا و لكن الظاهر ان المراد من التعليل هو الاحتمال الأوّل الذي مرجعه الى بقاء الأثر قهرا و لازمة عدم الحرمة مع عدم بقاء الرائحة من دون فرق بين بقاء العين و عدمه فانّ المحرّم في الادهان بغير المطيب بعد الإحرام انّما هو المعنى المصدري و هو إحداث الادّهان بعد الإحرام لا المعنى الاسم المصدري الذي يرجع الى كون المحرّم هو اتصافه بكونه مدهنا و لو كان حدوثه قبل الإحرام و ذلك لظهور صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على جواز الادهان بغير المطيب قبل الإحرام بأيّ دهن كان في جواز الادهان قبيل الإحرام أيضا و عدم وجوب الإزالة حاله مع انه تبقى عينه نوعا كما لا يخفى هذا مضافا الى الروايات الدالة على جواز الادهان قبل غسل الإحرام و معه و بعده.

الأمر الثاني انه يجوز الادهان بعد الإحرام في صورة الضرورة لأجل التداوي و العلاج و يدلّ عليه روايات متعددة مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 160

..........

______________________________

قال إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمّل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت «1». و في بعض النسخ كما في الجواهر الجراح مكان الخراج كما ان المحكي عن الكافي فليربطه مكان فليبطه و الخراج- كما في مجمع البحرين- بضم المعجمة و كسرها و خفّة الراء ما يخرج في البدن من القروح و الورم و الواحدة خراجة كما انّ البط بمعنى الشقّ و معنى الربط

واضح.

و صحيحة محمد بن مسلم عن إحداهما عليهما السّلام قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2». و الإهالة هو الشحم المذاب.

و امّا رواية أبي الحسن الأحمسي قال سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمّل فقال اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيّبة «3». فلا بد من ان تحمل على عدم انحصار التداوي بما يكون فيه الريح الطيبة و دوران الأمر بينه و بين مثل البنفسج و امّا في صورة التوقف و الانحصار فالظاهر الجواز كما لا يخفى نعم ورد في مورد البنفسج رواية دالة على ثبوت الكفارة يأتي التعرض لها في الأمر الآتي إن شاء اللّٰه تعالى.

الأمر الثالث أنه لا بأس بأكل الدهن بعد الإحرام إذا لم يكن فيه طيب و ذلك لما عرفت من ان المتعلق للحكم بالحرمة في مثل صحيحة الحلبي هو عنوان الادهان حيث قال عليه السّلام فيها: فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ و قد مرّ ان الحكمين المذكورين السابقين على هذه الفقرة الواردين في مورد الادّهان قرنية على كون المراد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

من هذا الحكم تعلق الحرمة بالادهان بعد الإحرام دون عنوان الدهن حتى يشمل الأكل أيضا نعم عبارة الشرائع ظاهرة في حرمة مطلق الاستعمال و هو شامل للأكل لكنه لم ينهض دليل عليه.

الأمر الرابع في ثبوت

الكفارة الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في عدم ثبوت الكفارة في الادهان بدهن ليس فيه طيب و امّا بما فيه طيب فالظاهر ان المشهور فيه ثبوت كفارة الشاة و قد مرّت حكاية الإجماع على لزوم الفدية عن العلّامة في المنتهى و قد وقع التصريح كما في المتن بثبوت الكفارة حتى للمضطرّ به.

و قبل البحث في ذلك نقول انه قد ذكر المحقق في باب الكفارات في كفارة الطيب: «المحظور الثاني الطيب فمن تطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا أو اطلاء ابتداء أو استدامة أو بخورا أو في الطّعام».

و قال في كفارة الادهان: «و من استعمل دهنا طيّبا في إحرامه و لو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول» و عليه فقد أورد عليه بأنه لا يمكن الجمع بين الجزم بلزوم دم شاة في التطيب و بين الترديد الذي يدلّ عليه قوله: على قوله في استعمال الدّهن الطيب.

و قد تصدى بعض الاعلام قدّس سرّهم للتوفيق بين الكلامين بما يرجع محصّله الى انّ الادهان بالدهن الطيب ليس من استعمال الطيب المتعارف المسمّى في عرفنا بالعطور فان الطيب اسم لجسم خاص تكون فائدته الاستشمام و التطيب به و ليس مجرد وجود رائحة طيبة في جسم موجبا لدخوله في عنوان الطيب و العطور فإذا يقع الكلام في تقييد الدهن بكونه طيبا في كلام المحقق فنقول ان الدهن على قسمين قسم لا يعد للأكل بل يتنفر منه الطبع و انما يستعمل للإسراج أو العلاج و نحو ذلك كالدهون المتخذة من النفط و قسم يعدّ للأكل و له رائحة طيبة لطيفة كدهن الزيت و غيره من الدهون المعدّة للأكل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 162

..........

______________________________

التي يقبله الطبع و لكن مع ذلك لا يدخل في عنوان الطيب و العطور فالمراد بالدهن الطيب هو الذي يستعمل في الأكل ثم أخذ في الاشكال على المحقّق بما يأتي البحث فيه.

و يرد عليه مضافا الى انّ دخول العطور المتعارفة في الطيب المحرم على المحرم محلّ خلاف و إشكال فإن القدر المتيقن منه كما اختاره قدّس سرّه بنفسه هو مثل الزعفران و المسك و العنبر و العود كما تقدم البحث فيه مفصّلا.

انّ حمل كلام المحقق في كفارة المقام على استعمال الدهن الذي لا يكون فيه طيب محرم بل يشتمل على رائحة طيبة لطيفة ممنوع جدّا ضرورة انّ الموضوع للكفارة هو الذي ذكره في محرمات الإحرام و جعل تركه من التروك الواجبة في حال الإحرام مع انك عرفت ان عبارته في هذا المقام مشتملة أوّلا على اتصاف الدهن بكونه فيه طيب و من الواضح وجود الفرق بين ثبوت الطيب فيه و بين كونه له رائحة طيبة، و ثانيا على حرمة استعمال الدهن المزبور إذا كانت رائحته تبقى الى ما بعد الإحرام، مع ان الدليل عليه هي صحيحة الحلبي التي وقع التعبير فيها بكون الدهن فيه مسك أو عنبر و هما من الأنواع المسلّمة للطيب التي لا يرتاب فيه و لا مجال لدعوى كون المراد من المحرم الإحرامي غير ما هو الموجب للكفارة هنا انّ المراد من قوله في عداد محرّمات الإحرام و استعمال دهن فيه طيب محرم بعد الإحرام و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام غير ما هو المراد في موجب الكفارة من قوله «و من استعمل دهنا طيّبا»، ضرورة وضوح الاتحاد و ظهوره، فالتوفيق بالوجه المزبور مما لا يستقيم بوجه.

نعم

يقع الكلام في الدليل على ثبوت الكفارة بالادهان بالدهن الذي يكون فيه طيب أي يكون مشتملا على مثل الزعفران و المسك و العنبر خصوصا بعد ما عرفت منّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 163

..........

______________________________

هناك من ان الأكل يكون فيه الكفارة بنحو الأقوى، و غير الأكل لا دليل على ثبوت الكفارة فيه، غاية الأمر الحكم بالثبوت بنحو الاحتياط الوجوبي و من المعلوم ان الادهان لا يشمل الأكل بوجه.

و كيف كان فان قلنا في ذلك البحث بثبوت الكفارة في مطلق استعمال الطيب و الانتفاع به فالحكم بثبوتها في المقام لا يحتاج الى دليل خاص لشمول ذلك الدليل للمقام أيضا نعم يقع الكلام على هذا التقدير في تعميم الحكم بثبوت الكفارة لصورة الضرورة أيضا كما وقع التصريح به في المتن هنا تبعا للسرائر و النهاية.

و ان لم نقل بذلك بل باختصاص الكفارة بخصوص الأكل الذي لا يصدق على الادّهان بوجه فربما يقال ان المستند في ثبوت الكفارة في المقام، ما رواه ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه «1».

قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «و المناقشة بكونه مقطوعا يدفعها الانجبار بالعمل كاندفاع الإضمار بظنّ إرادة الإمام عليه السّلام منه ان لم يكن القطع و كذا دعوى أخصيّته من المدعى و اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الكفارة على الجاهل يدفعها عدم القول بالفصل و عدم خروج الباقي عن الحجية و- ح- فلا مناص عن القول بوجوبها فيه».

و لكن يرد على الاستدلال بالرواية وجوه من الإشكال أكثرها

غير قابل للجواب أصلا:

الأوّل: انّ ما ذكر لا يكون رواية لمعاوية بن عمار بل ظاهره كون ما ذكره فتوى منه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 164

..........

______________________________

اجتهادا، و له نظائر كثيرة خصوصا بعد ملاحظة ثبوت الاجتهاد في ذلك الرمان و أمر الإمام عليه السّلام بعض أصحابه بالجلوس في المسجد و الإفتاء للنّاس و عليه فالظاهر كون المنقول غير الرواية، بل هو النظر و الرأي و إذا لم تكن رواية فهي غير قابلة للانجبار لأن الشهرة الجابرة انّما تكون جابرة للرواية للضعيفة من بعض الوجوه و لا تكون جابرة للفتوى إلّا على تقدير القول بحجية الشهرة الفتوائية في نفسها و هي مع انها غير ثابتة كما حقق في محلّه توجب ان تكون هي المستند في المقام دون الرواية.

الثاني: انّ دهن بنفسج ليس فيه طيب و لا له رائحة طيبة كما قد وقع التصريح به في رواية الأحمسي المتقدمة في ذيل الأمر الثاني و لم يقل أحد بثبوت الكفارة في الدهن الذي لا يكون فيه طيب و لا له رائحة طيبة أصلا.

الثالث: اشتماله على ثبوت الكفارة على الجاهل أيضا و هو مما لا يقول به الأصحاب كما عرفت في عبارة الجواهر المتقدمة أنفا. نعم لو أغمض النظر عن الإشكالات المذكورة، لكانت دلالة الرواية على ثبوت الكفارة في صورة الضرورة و التداوي واضحة، و منه يظهر الثبوت في صورة الاختيار بطريق أولى كما لا يخفى.

ثم انه استدلّ صاحب الجواهر قدّس سرّهم في ذيل كلامه لوجوب الكفارة برواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى في كتابه «فَمَنْ كٰانَ

مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انّما عليه واحد من ذلك «1».

و لكن الرواية مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن عمر بن يزيد، واردة في تفسير

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 165

[السادس عشر: ازالة الشعر، كثيره و قليله حتى شعرة واحدة]

اشارة

السادس عشر: ازالة الشعر، كثيره و قليله حتى شعرة واحدة عن الرأس و اللحية و سائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما بأيّ نحو كان و لو باستعمال النورة سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره و لو كان محلّا (1).

______________________________

الآية الشريفة التي موردها الإحصار بقوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و ما بعده تفريع عليه و لا تشمل مثل المقام مع انّ الكفارة المخيّرة بين الأمور الثلاثة لم يقل به أحد فيما نحن فيه فلا مجال للاستدلال بها هنا.

(1) لا خلاف في حرمة إزالة الشعر على المحرم في حال الاختيار بل قال في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه بل في التذكرة و المنتهى إجماع العلماء و الظاهر انه لم ينهض دليل لفظي على حرمة هذا العنوان بنحو الإطلاق بل هي مستفادة من ملاحظة مجموع ما ورد في الباب فنقول:

امّا ما يدل على حرمة الحلق المضاف إلى الرأس فهو قوله تعالى «وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»، و مورده و ان كانت صورة الإحصار التي

يدل عليها قوله تعالى قبله «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»، لكن الظاهر انّ حرمة حلق الرأس لا تكون حادثة بسبب الإحصار بل المراد ان الإحصار لا يوجب ارتفاع الحرمة المتحققة بالإحرام بل هي باقية الى ان يبلغ الهدى محلّه فتدلّ الآية على انّ حرمة حلق الرأس من أحكام الإحرام و اثاره سواء كان إحرام الحج أو إحرام العمرة.

و امّا ما يدلّ على حرمة حلق غير الرأس بالمطابقة أو بالملازمة من طريق ثبوت الكفارة فهي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلّا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 166

..........

______________________________

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو تقطع الشعر «1». و هما و ان كانتا متعارضتين في جواز الحجامة و عدمه إلّا ان المقصود هنا استفادة حرمة الحلق المضاف الى غير الرأس منهما و هما مشتركتان في ذلك و غيرهما من الروايات الدالة على ذلك.

و امّا ما يدلّ على حرمة غير عنوان الحلق أيضا من العناوين الأخر فمثل صحيحة حريز التي عطف فيها القطع على الحلق و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا، فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «2».

و لا يخفى ان صاحب الوسائل أورد هذه الرواية بصورة أربع روايات في باب واحد مع انه من الواضح وحدتها.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3». و الوجه في لزوم الحكّ بالأظافير عدم تحقق تغطية الرأس التي هي من محرّمات الإحرام من دون فرق بين الجميع و بين البعض و كذا بين الستر بأعضاء البدن أو بأشياء أخر.

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحكّ الجسد ما لم يدمه «4». و لكنها ضعيفة بمحمد بن عمر بن يزيد.

و موثقة الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يريد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 5.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشي ء مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1». فإن السؤال في نفسه يدلّ على مفروغية حرمة الإزالة اختيارا و ان مورد الشبهة هو السقوط من غير اختيار في حال الوضوء و الجواب ظاهر في ان الدافع للحرمة هو الحرج غير المجعول في الشريعة و لولاه لكانت باقية بقوّتها.

و كذا الروايات الدالّة على ثبوت الكفارة مثل صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال: يطعم شيئا «2».

و غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة في الكفارة.

و المستفاد من جميع ما ذكرنا حرمة

الإزالة سواء كانت بنحو الحلق أو النتف أو القطع أو الإلقاء أو غيرها كالقصّ و استعمال النورة و حتى مثل الإحراق كما انه يستفاد مما ذكرنا انه لا فرق بين الرأس و اللحية و الإبط و مكان الحجامة و غيرها من سائر أعضاء البدن.

بقي الكلام فيما أفاده في المتن في الذيل بقوله: سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره و لو كان محلّلا فنقول:

امّا إذا كان الغير محلّا فهو و ان كان محلّ خلاف من حيث الجواز و عدمه حيث انّ المحكي عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف الجواز في التهذيب عدم الجواز إلّا انه قد ورد فيه رواية صحيحة رواها الكليني و الشيخ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «3». و روى في الوسائل رواية أخرى مرسلة معتبرة عن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 168

[مسألة 28- لا بأس بإزالة الشعر للضرورة كدفع القملة و إيذائه للعين]

مسألة 28- لا بأس بإزالة الشعر للضرورة كدفع القملة و إيذائه للعين- مثلا-

______________________________

الصدوق قال: قال عليه السّلام لا يأخذ الحرام من شعر الحلال «1». و لكن الظاهر عدم كونها رواية أخرى بل اتحادها مع الرواية الأولى كما ان الظاهر ان المراد من الأخذ المنهي عنه أو المنفي الذي تكون دلالته على الحرمة أقوى من النهي معناه الكنائي الذي يرجع الى الإزالة. و عليه فلا مجال للإشكال في الدلالة على الحرمة بالإضافة إلى المحل.

و امّا بالنسبة إلى المحرم الذي نفس في الجواهر الخلاف بل

الإشكال في عدم جوازه بل حكى عن المدارك الإجماع عليه، فالدليل عليه هي الأولوية القطعية لأنه لا مجال لاحتمال كون الحكم في المحلّ أشدّ من المحرم.

و لكن ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم انه يمكن الاستدلال له بوجه آخر و هو ان الحكم إذا كان عامّا شاملا لأفراد قد يفهم منه عرفا عدم جواز التسبيب إليه أيضا و عدم اختصاصه بالمباشرة نظير ما إذا قال المولى لعبيدة لا تدخلوا عليّ في هذا اليوم، فان المتفاهم من ذلك، عدم جواز إدخالهم الغير أيضا و ان هذا الفعل مبغوض من كلّ أحد و لا يختص بالمباشرة و دخول العبيد أنفسهم.

و الظاهر انّ هذا هو مراد صاحب الجواهر حيث استدلّ بعد الإجماع بقوله مضافا الى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أيّ مباشر كان.

و مقتضى كلاهما عدم جواز تحقق الإزالة من المحلّ بالنسبة إلى المحرم أيضا، و الظاهر انه لا يقول به أحد مع ان مرجع التسبيب إلى مدخلية المحرم الذي يؤخذ من شعره في تحقق الإزالة و المدعى حرمتها و لو كان المحرم المأخوذ عنه نائما أو غافلا فتدبّر فالظاهر انه لا محيص عن الرجوع الى الأولوية المذكورة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 169

و لا بأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل بلا قصد الإزالة (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: جواز إزالة الشعر للضرورة من حيث الحكم التكليفي قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه.

و يدلّ على الجواز قوله تعالى بعد النهي عن حلق الرأس حتى يبلغ الهدي محلّه «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ

بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ» فانّ مدلوله المطابقي و ان كان هو ثبوت الفدية بالإضافة إلى المريض أو من به أذى من رأسه إلّا ان مراده ارتفاع الحرمة بذلك و ثبوت الفدية فنفس الآية تدلّ على الجواز في حال الضرورة في مورد حلق الرأس الذي هو المصداق الكامل لإزالة الشعر ففي سائر الموارد يكون بطريق أولى.

مع انّ مقتضى قاعدة نفي الحرج أيضا ذلك و لكنه مع ذلك قد ورد في الروايات المتعددة التي بعضها واردة في شأن نزول الآية ما يدل على الجواز.

ففي صحيحة حريز التي رواها الشيخ عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مرّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه «و هو محرم» فقال أ تؤذيك هو أمّك؟ فقال: نعم، قال فأنزلت هذه الآية «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»، فأمره رسول اللّٰه بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدّان، و النسك شاة قال:

و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و كل شي ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار «1». يعني لا بدّ و ان يختار الأوّل ابتداء و مع عدم وجدانه ينتقل الى الثاني و هكذا بخلاف ما إذا كان بصورة العطف بأو فإنه مخيّر من أوّل الأمر بين الطرفين أو الأطراف هذا و لكن في اتصاف سند الرواية

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 170

..........

______________________________

بالصحة اشكالا من جهة انّ الشيخ و ان كان رواها عن حريز بطريق صحيح و هو عن الامام عليه السّلام من دون واسطة لكن الكليني رواها بعينها من دون فرق إلّا في عدم ثبوت الباء في قوله في آخر الرواية بالخيار عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام و عليه فالرواية من هذا الطريق تكون مرسلة و حيث انّ الرواية واحدة و الراوي لها هو حريز و نقله مردّد بين الإرسال و غيره فلا تتصف الرواية بالاعتبار و الحجّية لأن موضوعها الرواية المسندة الصحيحة- مثلا- و هذا الموضوع غير محرز في المقام.

نعم لو كان الراوي متعددا لم يقدح إرسال إحداهما في صحة الأخرى، كما انه لو كانت رواية الصدوق لها في المقنع بنحو الإرسال من قبيل المرسلات المعتبرة التي أشرنا إليها مرارا لكانت معتبرة لكن لا يحضرني فعلا كتاب المقنع حتى أراجعه، مع انّك عرفت انه لا حاجة الى الرواية أصلا بعد دلالة الآية بوضوح على ارتفاع الحرمة لمن كان مريضا أو به أذى من رأسه، مضافا الى قاعدة نفي الحرج و ان كانت قاعدة نفي الضرر محلّ خلاف و اشكال.

الفرع الثاني: انه لا بأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل مع عدم قصد الإزالة و يدلّ عليه مضافا الى قاعدة نفي الحرج، موثقة الهيثم بن عروة التميمي، قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشي ء، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1». و من الواضح انه لا فرق بين الوضوء و الغسل كما ان الظاهر انه لا فرق بين الوضوء الواجب على تقدير

وجوبه و بين الوضوء المستحب و كذا في باب الغسل و الاستدلال في الرواية على عدم الحرمة بقاعدة نفي الحرج لا يوجب الانحصار بالوضوء و الغسل الواجبين كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 171

[مسألة 29- كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة]

مسألة 29- كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة على الأحوط بل لا يبعد ذلك، و لو كان للضرورة اثنا عشر مدّا من الطعام لستة مساكين لكل منهم مدّان، أو دم شاة أو صيام ثلاثة أيام، و الأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق، كفارة الحلق (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور:

الأمر الأوّل: كفارة حلق الرأس في حال الاختيار و عدم الضرورة. و المشهور بل ربما يستظهر من المنتهى، الإجماع على عدم الفرق في الفدية التي تدلّ عليها الآية الشريفة و هي المخيّرة بين الأمور الثلاثة، بين الضرورة و غيرها و في كلام المحقّق إطلاق الحكم حيث قال: «الخامس حلق الشعر و فيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ و قيل ستّة لكل منهم مدّان أو صيام ثلاثة أيام».

و التحقيق انّ الآية الشريفة لا تدلّ على ثبوت الكفارة في حلق الرأس اختيارا و ثبوتها في صورة الضرورة لا تستلزم الثبوت في صورة الاختيار فضلا عن الدلالة بصورة الأولوية و على تقدير الدلالة لا دلالة لها على وحدة الكفّارتين و عدم ثبوت المغايرة في البين فلا بد في استفادة كفارة صورة الاختيار من الرجوع الى ما يدلّ عليه من الروايات و إلّا فالآية و الروايات الواردة في تفسيرها و بيان شأن نزولها قاصرة عن بيان كفارة الاختيار، فانظر إلى صحيحة

زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستّة مساكين، و الصوم، ثلاثة أيام، و الصدقة، نصف صاع لكل مسكين.

و تؤيدها رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة الصحيحة و المرسلة.

و كيف كان فالذي يمكن ان يستدلّ به لحكم صورة الاختيار صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا، فلا شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

فان الظاهر بقرينة المقابلة سيما مع الجاهل ان المراد بالمتعمد ليس هو الملتفت القاصد فقط بل هو مع عدم المشروعية في حقّه فتدلّ على ثبوت الدم في الحلق الاختياري غير المشروع و الظاهر ان ثبوت الدم انّما هو بعنوان التعين لا بعنوان أحد الأمور الثلاثة المخيّرة.

و الظاهر اتّحاد هذه الرواية مع الرواية التي جعلت رواية أخرى لزرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة «2».

و على ما ذكرنا يظهر اختلاف الصورتين من جهة الكفارة فإن كان هناك إجماع على الاتحاد، فلا بدّ من الأخذ به و ان لم يكن كما هو الظاهر، فمقتضى الدليل عدم الاتحاد، و لأجله نفي البعد في المتن عن ثبوت الدم في صورة الاختيار في المتن.

الأمر الثاني:

كفارة حلق الرأس في صورة الضرورة و صريح الآية ثبوت الكفارة المخيرة فيه بين الصيام و الصدقة و النسك و لا اشكال و لا خلاف في ان الصيام ثلاثة أيام و ان المراد بالنسك هي الشاة و امّا الصدقة فالأشهر في الرواية و الفتوى كما في الجواهر حاكيا عن كشف اللثام ما في المتن من كون الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدان و يدلّ عليه مضافا الى رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة و الصحيحة، صحيحة زرارة على نقل الشيخ في التهذيب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا أحصر الرجل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 173

..........

______________________________

فبعث بهديه فاذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين و الصوم ثلاثة أيام و الصدقة نصف صاع لكل مسكين «1».

لكن في مقابلها مرسلة الصدوق المعتبرة قال مرّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم و قد أكل القمل رأسه و حاجبيه و عينيه فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ما كنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه لقول اللّٰه عز و جل فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر «2». قال روى مدّ من تمر و النسك شاة لا يطعم منها أحدا إلّا

المساكين «3».

هذا و لكن حيث ان الظاهر انه لم يقل أحد من الأصحاب بالصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع الذي هو أربعة أمداد فاللازم طرح المرسلة و ان كانت في نفسها معتبرة.

هذا و ظاهر عبارة الشرائع المتقدمة ترجيح إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و لعلّ مستنده رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال اللّٰه تعالى في كتابه:

«فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انّما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

عليه واحد من ذلك «1» بناء على كون المدّ ملازما غالبا للإشباع. و لكن الرواية ضعيفة سندا بمحمد بن عمر بن يزيد و دلالة حيث ان مفادها جواز الأكل من الشاة بل وجوبها مع ان الظاهر عدم جواز الأكل من الكفارة كما يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة، فلا مجال للأخذ بها. و لكن الشيخ حملها على التخيير في كمية الإطعام بين ان يطعم ستّة مساكين لكل مسكين مدّان و بين ان يطعم عشرة يشبعهم.

و عن النافع التخيير بين عشرة أمداد لعشرة و اثني عشر لستّة، و عن النهاية و المبسوط الاحتياط بإطعام عشرة و عن المختلف الأحوط الستّة لكل واحد

مدان، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر ستّة أمداد لستّة و يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق حيث قال و روى مدّ من تمر.

و لكن بعد الإحاطة بما ذكرنا يظهر انه لا محيص عن الأخذ بما في المتن لصحة مستنده و وجوه الشهرة على طبقه بل قال في الجواهر لا ريب في ان الأقوى الستّة لكل واحد مدان.

الأمر الثالث: هل في إزالة شعر الرأس بغير الحلق كالنتف أو النورة أو الإحراق كفارة أم لا ظاهر المحكيّ عن التذكرة ان المراد بالحلق مطلق الإزالة كما وقع التعبير بها من بعضهم و لا يبعد الالتزام به لأنّ العرف لا يرى لعنوان الحلق المضاف إلى الرأس خصوصية و ان كانت الخصوصية بلحاظ المضاف اليه و هو الرأس متحققة و لذا عطف نتف الإبط على حلق الرأس في بعض الروايات الواردة في الكفارة. و الظاهر ان المغايرة التي يدلّ عليها العطف من جهة المضاف اليه لا من جهة المضاف، و عليه فالأحوط لو لم يكن ثبوت كفارة الحلق في الإزالة من دون فرق بين صورتي الاختيار

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 175

..........

______________________________

و الاضطرار.

كما انّ تحريم الحلق على المحرم مع ملاحظة انّ حلق الرأس لا يكاد يمكن ان يتحقق من نفس الشخص بالمباشرة نوعا يرشد الى ان مجرد الإضافة اليه و لو بالرّضا أو الاستيجار و نحوهما، يكفي في تحقق المحرم و ان لم يكن هو المباشر و لأجله يصدق هذا العنوان على من حلق رأسه كذلك نعم لا يصدق لو حلق رأسه في صورة النوم و الإغماء و نحوهما كما ان

ثبوت الحرمة للمحرم بالإضافة الى رأس نفسه يقتضي عدم الثبوت على الحالق سواء كان محرما أو محلّا كما انه لا تثبت للمحرم فيما إذا حلق رأس غيره و عليه فلا كفارة أيضا.

ثم انّ الظاهر ان الحلق الموجب للكفارة هو حلق جميع الرأس أو ما يصدق عليه عرفا حلق الرأس فلو أبقى جزء يسيرا منه بحيث لا يقدح في صدق حلق الرأس يكفي في تحقق موضوع الحرمة و ثبوت الكفارة.

امّا فيما إذا حلق نصف الرأس- مثلا- ففي الجواهر: أمكن القول بوجوب دم عليه إذا كان مساويا لنتفه الإبط أو أزيد و ان كان لا يخلو من نظر ثم حكى عن المنتهى انه قال: و الكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلا كان أو كثيرا لكن يختلف ففي حلق الرأس دم و كذا فيما يسمّى حلق الرأس و في حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان.

أقول ان ثبوت الكفارة في حلق الرأس و في نتف الإبطين و الإبط الواحدة و في سقوط شعرة أو أزيد إذا مسّ لحيته أو رأسه كما يأتي البحث في الأخيرتين في المسألة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى و ان كان يؤيد ثبوتها في حلق الرأس غير ما يصدق عليه حلق الجميع عرفا أيضا إلّا ان الاقتصار على مقتضى الدليل يقتضي عدم الثبوت خصوصا مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 176

[مسألة 30- كفارة نتف الإبطين شاة]

مسألة 30- كفارة نتف الإبطين شاة، و الأحوط ذلك في نتف إحداهما، و إذا مسّ شعره فسقط شعرة أو أكثر فالأحوط كف طعام يتصدق به (1).

______________________________

ملاحظة ان نتف بعض الإبط لا يترتب عليه كفارة كما صرّح به صاحب الجواهر قدّس سرّه و عليه فمقتضى القاعدة

عدم ثبوت شي ء و ان كان الاحتياط في خلافه.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: في كفارة نتف الإبط و المعروف انه لو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين و لو نتفهما لزمه شاة، بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده في الثاني منهما بل و الأوّل إلّا من بعض متأخري المتأخرين.

و الروايات الواردة في هذا الأمر ثلاث:

أحدهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «1».

ثانيتها ما رواه الشيخ في التهذيب بطريق صحيح عن حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (أبي جعفر خ ل) قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم «2». قال في الوسائل بعد النقل المزبور و رواه الصدوق بإسناده عن حريز مثله إلّا انه قال: إبطه بغير تثنية.

ثالثتها رواية عبد اللّٰه بن جبلة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في محرم نتف إبطه قال: يطعم ثلاثة مساكين «3».

و عبد اللّٰه من رجال كامل الزيارات فهو موثق بالتوثيق العام و هو حجّة إذا لم يعارضه قدح خاص و تضعيف كذلك مع انّه على تقدير الضعف يكون منجبرا بفتوى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الحادي عشر، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الحادي عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 177

..........

______________________________

المشهور على طبقه و الاستناد اليه حيث انّ إطعام ثلاثة مساكين لا يوجد في غير هذه الرواية.

ثمّ انّ التحقيق في الجمع بين الروايات ان يقال انه تارة يفرض كون

صحيحة حريز مشتملة على حكم نتف الإبطين كما في نقل الشيخ قدّس سرّه و اخرى يفرض كونها مشتملة على حكم نتف الإبط بصورة الافراد دون التثنية كما في نقل الصدوق الذي هو أضبط من الشيخ كالكليني.

فعلى التقدير الأوّل تكون صحيحة حريز دالة على ثبوت الدم في نتف الإبطين و لا تنافيها صحيحة زرارة الدالة على ثبوت الدم في مطلق النتف سواء تعلق بابط واحدة أو بابطين إذ ليس لصحيحة حريز مفهوم من جهة العدد بل مطلقا على ما حققناه في محلّه من بحث المفاهيم. نعم تنافيها رواية ابن جبلة، تنافي الإطلاق و التقييد، فيقيد إطلاقها بالصحيحة.

و اما بالإضافة إلى نتف إبط واحدة فالمعارضة واقعة بين صحيحة زرارة الظاهرة في تعين الدم و بين رواية ابن جبلة الظاهرة في تعيّن إطعام ثلاثة مساكين، فيرفع اليد عن ظهور كلتيهما بصراحة الأخرى في جواز الاقتصار على مفادها، و عليه فاللازم هو القول بالتخيير في نتف إبط واحدة بين الدم و بين الإطعام.

و العجب من بعض الاعلام قدّس سرّه حيث انه بعد ان جعل مقتضى الجمع هو الحمل على الوجوب التخييري قال: و بما ان الأمر دائر بين التعيين و التخيير فمقتضى الاحتياط هو التعيين بوجوب الشاة فالاكتفاء عنها بالإطعام مما لا وجه له و خلاف الاحتياط.

و ذلك لأنّ أصالة الاحتياط الجارية في مورد الدوران بين التعيين و التخيير انّما يكون مجراها صورة الشك بينهما كما لو فرض العلم إجمالا في يوم الجمعة بأن الواجب امّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 178

..........

______________________________

خصوص صلاة الجمعة و امّا التخيير بينها و بين صلاة الظهر فمقتضى أصالة الاحتياط الإتيان بصلاة الجمعة و امّا في المقام فلا

يكون شك في البين بعد كون مقتضى الجمع بين الدليلين هو الحمل على التخيير و لو فرض ثبوت الشك بلحاظ الفتاوى فقد عرفت ان الشهرة المحققة انما هي على الإطعام في نتف الإبط الواحدة فلا يكون مقتضى الاحتياط هو الدم.

و على التقدير الثاني الذي يكون مورد جميع الروايات نتف الإبط بصورة الإفراد فاللازم حمل الصحيحتين على نتف الإبطين لأنه مضافا الى كون الغالب في نتف الإبط هو نتفهما لا نتف واحدة منهما ان العلم بثبوت الدم في نتف الإبطين على نحو التعيّن كما عرفت انه لا خلاف فيه يقتضي حمل رواية عبد اللّٰه بن جبلة على نتف الواحدة و حمل الأخريين على نتف الإبطين فينطبق على ما هو المشهور من التفصيل.

ثم انّه على تقدير الشك في كون صحيحة حريز واردة في مورد المفرد أو التثنية يدور الأمر في نتف الواحدة بين تعيّن الإطعام و بين التخيير و بينه و بين الدم و مقتضى أصالة الاحتياط في دوران الأمر بين التعيين و التخيير هو الأخذ بالإطعام دون الدم.

الأمر الثاني: في مسّ الشعر الموجب لسقوط شعرة أو أزيد قال في الشرائع: و لو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شي ء أطعم كفّا من طعام و أضاف إليه في الجواهر قوله:

كما في النافع و القواعد و محكي الغنية و السرائر بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة الإجماع عليه.

و الروايات الظاهرة في ثبوت الكفارة فيه كثيرة قد جمعها صاحب الوسائل في الباب السادس عشر من أبواب بقيّة كفارات الإحرام:

منها صحيحة منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم إذا مسّ لحيته فوقع منها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 179

..........

______________________________

شعرة قال: يطعم كفّا من طعام أو كفين «1».

و منها صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال: يطعم شيئا «2». و هذه قرنية على عدم لزوم مقدار الكف أيضا.

و منها رواية الحسن بن هارون قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام اني أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات، قال: إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا و تصدّق به فإن تمرة خير من شعرة «3».

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على لزوم التصدّق بكف من طعام أو كف من سويق أو بكفّ من كعك أو سويق أو لزوم ان يطعم مسكينا في يده.

إحداهما رواية جعفر بن بشير و المفضل بن عمر قال: دخل النّباجي على أبي عبد اللّٰه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شي ء «4».

و الرواية بهذا السند لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند لأنّ منشأ المناقشة وجود المفضل فيه مع انه على هذا التقدير يكون نقل الرواية مشتركا بينه و بين جعفر بن بشير الذي هو ثقة.

لكن المحكيّ عن التهذيب جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر و يؤيده انه على تقدير التعدد لكان اللازم ان يقول: قالا مكان قال مع ان اختلاف طبقتهما يقتضي عدم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 3.

(4) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام،

الباب السادس عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 180

[السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه]

اشارة

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه حتى الحشيش و الحناء و الطين و نحوها على الأحوط فيها، بل الأحوط ان لا يضع على رأسه شي ء (شيئا ظ) و يغطي به رأسه، و في حكم الرأس بعضه، و الاذن من الرأس ظاهرا فلا يجوز تغطيته، و يستثنى من الحكم عصام القربة كما انه يستثنى منه عصابة الصداع (1).

______________________________

كونهما راويين عن امام واحد و- ح- ان قلنا بضعف المفضل فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار و لا تصلح لمعارضة ما تقدم من الروايات و ان قلنا بوثاقته كما هو الظاهر و يؤيده كتاب توحيده المعروف فلا بد- ح- من الجمع بينهما و بينه و سيأتي وجهه.

ثانيتهما رواية ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطاء أو عمدا فقال لا يضرّه «1».

و الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح مع ان ظاهرها عدم الإضرار في صورة العمد أيضا مع وضوح ترتب العقاب و استحقاقه في هذه الصورة.

و مع قطع النظر عن ذلك يكون مقتضى الجمع هو حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب خصوصا مع ملاحظة الاختلاف بينهما أيضا على ما عرفت و لكن الاحتياط الوجوبي التصدق بكف من طعام كما في المتن.

ثم ان مورد هذه المسألة ما إذا لم يكن ذلك في حال الوضوء أو الغسل و إلّا فقد عرفت في بعض المسائل السابقة انّه لا كفارة في سقوط الشعرة أو أزيد في إحدى الحالتين و ورد فيه رواية دالة على الجواز مستدلّة بآية نفي الحرج.

(1) في

هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل الحكم بنحو الإجمال و كون تغطية الرجل رأسه في الجملة من محرمات الإحرام و في الجواهر بعد المتن: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب السادس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

عليه، بل عن التذكرة و المنتهى إجماع العلماء عليه بل النصوص فيه مستفيضة حدّ الاستفاضة ان لم تكن متواترة، و مراده من لتواتر الذي احتمله هو التواتر المعنوي أو الإجمالي الذي يرجع الى العلم بصدور بعض الروايات الواردة في هذا المجال و لا بأس بنقل بعضها فنقول:

منها صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1».

و وقوع هذه العبارة في مقام التعليل على النهي عن التغطية و التنقب للمرأة يرشد إلى أمرين: أحدهما حرمة تغطية الرأس على الرجل المحرم الذي هو المهم في هذه الجهة و ثانيهما بيان المراد من هذه العبارة التي لو لا وقوعها في مقام التعليل لكانت مجملة في نفسها، فان كون إحرام المرأة في وجهها لا معنى له بعد ما عرفت في البحث عن ماهية الإحرام من انّها أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية فقط أو بضميمة التلبية، و هذا الأمر الاعتباري لا يرتبط الى الوجه في المرأة و الرأس في الرجل. نعم يحتمل ان يكون المراد هو استكشاف إحرام الرجل و المرأة من هذا الطريق، و فيه أيضا ما لا يخفى، هذا و لكن وقوعها تعليلا للنهي عن التغطية يبين المقصود منها و ان المحرمة لا يجوز لها تغطية وجهها

و المحرم تغطيته رأسه.

و منها صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال:

يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي و لا شي ء عليه «2». و السؤال فيها يدلّ على مفروعية حرمة التغطية عند السائل و ان مورد شكّه ما إذا وقع نسيانا.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 182

..........

______________________________

و مثلها صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبّي إذا ذكر «1». و المراد هي التغطية في حال النوم لا في حال إرادته و الشروع فيه.

و منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المراد لا بأس ان تغطّي وجهها كلّه «2».

و الجملة الأخيرة محمولة على صورة الضرورة من جهة إيذاء الذباب أو ساقطة باعتبار كون مقتضى النص و الفتوى عدم جواز تغطية المرأة وجهها.

و منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال لا بأس بذلك ما لم يصيبك رأسك «3». و مفادها حرمة إصابة الرأس و لو بعضه فضلا عن الجميع.

و منها غير ذلك من الروايات و عليه فلا مجال للشبهة في أصل الحكم.

الجهة الثانية: في عموم الحرمة لكلّ ما يغطّي الرأس حتى مثل الأشياء المذكورة في المتن و عدمه فنقول حكى

في الجواهر عن تصريح غير واحد الأوّل و قال بل لا أجد فيه خلافا بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا.

و في المدارك بعد ان حكى التصريح المذكور عن العلامة و غيره قال و هو غير واضح لأنّ المنهيّ عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب لا مطلق السّتر مع ان النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

(2) أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الستون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

و هو السّتر بالمعتاد إلّا ان المصير الى ما ذكروه أحوط، و تبعه في محكي الذخيرة و أورد عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «و فيه- مضافا الى قوله عليه السّلام- إحرام الرجل في رأسه و غيره من الإطلاقات و استثناء عصام القربة و غير ذلك- ان النهي عن الارتماس في الماء و إدخال الرّأس فيه- بناء على انه من التغطية أو بمعناها و لذا لا يختص ذلك بالماء- ظاهر في عدم اعتبار المتعارف من السّاتر و كذا ما تسمعه من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة بناء على انّها من غير المتعارف و على تساويهما في ذلك و ان اختلف محلّ إحرامهما بالوجه و الرأس و غير ذلك و لعلّه لذا و نحوه كان الحكم مفروغا منه عند الأصحاب بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه بيننا».

و يمكن دفع الإيراد بأنّ مثل قوله عليه السّلام إحرام الرجل في رأسه قد عرفت انه مع قطع النظر عن وقوعه تعليلا للنهي عن

تنقب المرأة المحرمة التي إحرامها في وجهها لا يمكن استفادة شي ء منه و لا يكون له مفهوم مبيّن و معنى ظاهر، فلا بد من ملاحظته مع الوصف المذكور و من الظاهر انّه بهذه الملاحظة لا دلالة له على حرمة مطلق التغطية و لو بغير المتعارف بعد كون متعلق الحكم المعلل هو التنقب بالنقاب الذي يكون سترا متعارفا نعم مقتضى عموم التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب بل يشمل سائر أصناف الستر المتعارف.

و امّا استثناء عصام القربة و عصابة الصداع فمن الواضح ان العصابة هي الثوب الذي يكون من الستر بالمتعارف و امّا عصام القربة فالنص و ان دلّ على جوازه إلّا ان كون عنوانه هو الاستثناء، الظاهر في الاستثناء المتصل، محل اشكال لعدم ورود هذا العنوان في الرواية بل ورد في مثل المتن و لا شاهد عليه.

و امّا النهي عن الارتماس في الماء الذي قد ورد فيه الرواية الصحيحة فاستكشاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 184

..........

______________________________

حكم المقام منه و ان دائرة التغطية المحرّمة واسعة، مبنى علي ثبوت أمرين و هما عدم اختصاص حرمة الارتماس بخصوص الماء، بل يعمّ سائر المائعات و كون الارتماس من مصاديق التغطية و ان الحرمة المتعلقة، انّما هي لأجل تحقق التغطية به و في كلا الأمرين نظر خصوصا الأمر الثاني و سيأتي البحث عنه في المسألة الآتية ان شاء اللّٰه تعالى و قد ذكر المحقق في الشرائع بعد الحكم بحرمة التغطية: و في معناه الارتماس و هو يشعر بل يدلّ على عدم كون الارتماس من مصاديق التغطية.

نعم ما أفاده أخيرا من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة يمكن الاستيناس به للتعميم و ان كان يمكن المناقشة

فيه أيضا بأنّ الظاهر كون المروحة ساترا متعارفا لوجه المرأة و لو في بعض الأحيان.

و كيف كان فلم ينهض دليل على عمومية الحكم خصوصا بعد ما حكى عن التحرير و المنتهى من جواز التلبيد بان يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبّد فلا يتخلّله الغبار و لا يصيبه الشعث و لا يقع فيه الذبيب و قال: روى ابن عمر قال: «رأيت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يهلّ ملبّدا» و حكاه في محكي التذكرة عن الحنابلة. و في بعض رواياتنا الصحيحة إشعار بذلك، و انه كان معروفا في السابق كما في الجواهر و من الواضح ان التلبيد المذكور موجب لغطاء الرأس كلّا أو جلّا.

و ينقدح بملاحظة ما ذكرنا انه لا مجال للفتوى بالحكم بالعموم بل غايته الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

الجهة الثالثة: في حكم ما إذا حمل شيئا على رأسه و كان الحمل ملازما لتغطية الرأس كلّا أو بعضا و اللازم قبل البحث في هذه الجهة من البحث في ان تغطية بعض الرأس محرّمة فيما إذا كانت تغطية الكل كذلك كالثوب و نحوه و الدليل عليه بعد عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 185

..........

______________________________

شمول أدلّة حرمة تغطية الرأس لصورة تغطية البعض، لظهورها في تغطية الكلّ من دون ان يكون لها مفهوم، هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن الاستتار بطرف الثوب إذا أصاب رأسه لأن الإصابة أعمّ من تغطية الكلّ كما في سائر موارد استعمال هذه اللفظة كما في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب و حجّيته المذكورة في علم الأصول التي تكون مشتملة على سؤال زرارة بمثل قوله أصاب ثوبي دم

رعاف أو غيره أو شي ء من المني .. فإنه من الظاهر ان الإصابة أعمّ من اصابة الجميع و كذلك في الموارد الأخر، و عليه فاصابة طرف الثوب الرأس أعمّ من اصابته الجميع فالصحيحة ظاهرة في حرمة تغطية بعض الرأس أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ذكر حمل المتاع أو الطبق أو نحوه في عداد الطين و الدواء و الحناء، و ظاهره عدم وجدان الخلاف بل النسبة إلى علمائنا كما في التذكرة فيه أيضا و عليه فمقتضى ما ذكر عمومية الحكم لما إذا كان الحمل مستلزما لستر بعض الرأس أيضا.

و لكنّه فصّل بعض الاعلام قدّس سرّهم في خصوص الحمل بين صورتي الكل و البعض و ذكر في وجهه ما ملخّصه: «ان حمل الشي ء على رأسه إذا كان ساترا لجميع رأسه و تمامه كحمل الحشيش و نحوه فلا كلام في المنع لشمول الإطلاقات المانعة لذلك بعد ما عرفت من انه لا خصوصية لنوع من أنواع الساتر، و اما إذا كان موجبا لتغطية بعض الرأس كحمل الطبق و الكتاب فلا دليل على المنع لأنّ ما دلّ على المنع من اصابة بعض الرأس انّما يدلّ عليه في خصوص ما إذا كان الستر و لو ببعض الرأس مقصودا و امّا إذا لم يكن قاصدا لستر الرأس بل كان قاصدا لأمر آخر و ذلك يستلزم الستر فلا يكون مشمولا، فالذي يستفاد من النص ان يكون الستر مقصودا في نفسه و امّا المطلقات فالمستفاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

منها عدم جواز ستر تمام الرأس و الحاصل انه لو كنّا نحن و المطلقات فقط فلا دليل على منع ستر بعض الرأس و انّما

منعنا عنه لخصوص صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و المستفاد منها ان يكون الستر بنفسه مقصودا لكن حيث ان المشهور حكموا بالمنع فلا ينبغي ترك الاحتياط».

و يرد عليه أوّلا ان شمول المطلقات لصورة الحمل محل نظر بل منع و ان قلنا بشمولها لمثل الستر بالحشيش و الطين و الحناء لما أفاده من الظهور فيما إذا كان الستر مقصودا و متعلقا للإرادة بنفسه من دون فرق بين مثل الثوب و بين الأمور المذكورة و هذا ليس لأجل كون الستر من العناوين القصدية التي يعتبر في تحققها القصد إليها كعنواني التعظيم و التوهين، ضرورة ان مثل عنوان الستر لا يكون من العناوين القصدية بوجه بل لأجل كون المتفاهم العرفي من المطلقات ما إذا تعلّق القصد بالستر و الاستتار و التنقب في المرأة و الخمار على الرأس في الرجل بل و بالستر بالحشيش و نحوه على تقدير التعميم و عليه فدعوى كون المطلقات شاملة لصورة الحمل مع عدم تعلق الغرض إلّا به لا بالستر الذي يكون ملازما للحمل ممنوعة جدّا.

و ثانيا انه على تقدير شمول المطلقات لصورة الحمل فالتفصيل بين الكل و البعض في غاية الإشكال ضرورة ان التعبير الوارد في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان ليس هو السّتر حتى يقال بطهوره فيما إذا كان مقصودا بنفسه بل التعبير انّما هو بإصابة طرف الثوب رأس الرجل و من الواضح ان الإصابة لا يعتبر فيها القصد أصلا و بعبارة أوضح ان عبارة السؤال و ان كانت مشتملة على الاستتار المضاف الى الرجل المحرّم لكن المنهي عنه في الجواب هو عنوان الإصابة المتحقق في الحمل كما هو واضح و الظاهر انّه قدّس سرّه قصّر النظر على عبارة السؤال و لم

يدقّق في تعبير الجواب و عليه فلا مجال للتفصيل المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 187

..........

______________________________

بوجه بل الظاهر انه لو قلنا بشمول المطلقات للحمل أيضا لا يكون فرق فيه بين الكلّ و البعض لكن قد عرفت ان أصل الشمول محل نظر بل منع.

الجهة الرابعة: في حكم تغطية الأذنين من حيث الحرمة و عدمها و الكلام فيه تارة مع قطع النظر عن النصّ الوارد فيه و اخرى مع ملاحظته فنقول:

امّا من الحيث الأوّل فقد ذكرنا في الشهيدين قدّس سرّهما في المسالك انّ الرأس- الذي نهى عن تغطيته للرجل المحرم في الروايات المتقدمة الواردة في أصل المسألة- عبارة عن منابت الشعر حقيقة أو حكما و فرّع عليه عدم وجوب تغطية الأذنين و حكاه في المدارك عن جمع من الأصحاب، و المحكي عن ظاهر التذكرة و المنتهى التردّد في الأذنين لكن في التحرير الوجه دخولهما.

و الظاهر انّ البحث فيه من هذه الحيثية يقتضي المصير الى ما في المسالك فانّ اختصاص بعض أجزاء عضو واحد باسم مخصوص غير اسم نفس ذلك العضو كالرجل- مثلا- حيث ان لكل من أبعاضه اسما مخصوصا و مع ذلك يطلق الرجل على الجميع و ان كان لا مانع منه إلّا ان ذلك لا يقتضي كون الاذن بعضا للرأس و منطبقا عليه هذا العنوان فانّ من ابتلى بمرض في الاذن لا يقال عليه ان رأسه مبتلى بذلك المرض و عليه فلا دلالة للنصوص الناهية عن تغطية الرأس على النهي عن تغطية الإذن أيضا فالحقّ في هذه الجهة مع صاحب المسالك، لكن يرد عليه، انّه لم افتى بعدم وجوب تغطية الأذنين مع وجود النص الصحيح الدال عليها أي على حرمة

التغطية.

و اما من الحيث الثاني، فالنصّ الوارد فيه هو ما رواه صفوان عن عبد الرحمن- الذي قد عرفت ان المراد به ابن الحجّاج الذي هو ثقة- قال سألت أبا الحسن عليه السّلام- عن ......

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 188

..........

______________________________

المحرم يجد البرد في أذنيه يغطّيهما؟ قال: لا «1». و الجواب قرينة على ان المراد بوجدان البرد فيهما ليس بمرحلة يبلغ حدّ الحرج و المشقة غير القابلة للتحمل عادة ضرورة انه في هذه الصورة يرتفع الحكم بالحرمة لقاعدة نفي الحرج.

و هل المستفاد من الرواية ان النهي عن تغطية الأذنين انّما هو لكونهما من أبعاض الرأس و تكون تغطيتها موجبة لتغطية بعض الرأس التي قد عرفت انّها أيضا محرّمة كتغطية الكلّ أو انه لا يستفاد من الرواية أزيد من حرمة تغطية الأذنين من دون ان تكون مرتبطة بحرمة تغطية الرأس بل يكون هذا حكما آخر و محرّما مستقلا من محرمات الإحرام، غاية الأمر اشتراكه مع حكم تغطية الرأس في الاختصاص بالرّجل المحرم يظهر الأوّل من المتن بل ربما يظهر منه انه لو لا النص، لكان الحكم فيهما الحرمة لأنّهما جزء من الرأس.

هذا و لكن الظاهر انه لا ظهور في الرواية بل لا اشعار فيها بالاحتمال الأوّل لا سؤالا و لا جوابا بل ربما تكون ظاهرة في الاحتمال الثاني، و يؤيده انه لو لا ذلك لكان اللازم حمل الرواية على بيان أمر تعبدي لا يساعده اللغة و العرف لما عرفت من مغايرة عنوان الأذنين مع عنوان الرأس و عدم صحة توصيف الرأس بالوصف الذي يعرض الأذنين.

و تظهر ثمرة الاحتمالين في تغطية بعض الاذن لو قلنا بشمول الرواية و دلالتها على حرمة تغطية اذن

واحدة نظرا الى ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية و ان كان في استفادة ذلك منها نظر و تأمل فإنه على تقدير كون حرمة تغطية الأذنين من شئون حرمة تغطية الرأس لكان اللازم حرمة تغطية بعض أذن واحدة لعموم حرمة تغطية الرأس للكلّ و البعض ......

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 189

..........

______________________________

و امّا على تقدير عدم الارتباط فلا يستفاد من الرواية الحرمة المذكورة لظهورها في حرمة تغطية الجميع كما انّك عرفت ان أدلّة حرمة تغطية الرأس لا دلالة لها في نفسها على حرمة تغطية البعض بل الدليل على العموم هي صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة الظاهرة في النهي عن إصابة الرأس و الإصابة لا تختص بإصابة الجميع كما مرّ.

و تظهر الثمرة أيضا في بعض المواضع الذي لا يكون من الاذن و لا يكون منبتا للشعر حقيقة أو حكما كالموضع الواقع بين فوق الاذن و بين المنبت فإنه على تقدير كون مفاد الرواية جزئية الأذنين للرأس لكان مفادها جزئية الموضع المذكور بطريق أولى فلا تجوز تغطيته أيضا بخلاف ما إذا كان مفاد الرواية هو الاحتمال الآخر فإنه لم ينهض دليل على حرمة تغطيته و قيام الدليل عليها في الرأس و في الأذن لا يستلزم ثبوت الحرمة فيه و قد ذكر في الجواهر انه لم يجد من ذكر وجوب غير الأذنين زائدا على المنابت، و قال بل لعلّ السيرة أيضا على خلافه.

و كيف كان فلا دلالة للرواية على الارتباط بين الحكمين و ان حرمة تغطية الرأس شاملة لحرمة تغطية الأذنين و عليه فالظاهر لا يساعد ما في المتن.

الجهة الخامسة: في

الأمرين اللذين استثناهما في المتن فنقول:

الأمر الأوّل: عصابة الصداع فإنّها قد نفي البأس عنها في صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بأن يعصّب المحرم رأسه من الصّداع «1». و الظاهر ان نفي البأس انّما هو بحسب الحكم الاولي لا بحسب الحكم الثانوي المستند إلى قاعدة نفي الحرج و عليه فاللازم الحكم بثبوت الاستثناء بعد كون العصابة ثوبا داخلا في أدلّة حرمة تغطية الرأس و عليه فلا مجال للإشكال في أصل الحكم و كذا في كونه بنحو ......

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 190

..........

______________________________

التخصيص و الاستثناء المتصل.

الأمر الثاني: عصام القربة فقد روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال: نعم «1».

هذا و في السند اشكال من جهة وجود علي بن أحمد بن عبد اللّٰه البرقي و كذا أبوه فيه و هما غير موثّقان لكن الظاهر ان كل من تعرّض لهذا الأمر حكم بجوازه و استند الى هذه الرواية و ان لم يقع التعرّض له في مثل الشرائع و عليه فيمكن دعوى الانجبار فتدبّر.

و اما من جهة الدلالة فالحكم بالجواز المستفاد من الجواب و ان كان ظاهره هو الجواز بحسب الحكم الاوّلي كما في الرواية السابقة إلّا انه لا دلالة في الرواية بل و لا اشعار فيها بكون الحكم انّما هو على سبيل الاستثناء من الأدلّة الناهية عن تغطية الرأس لما عرفت من الإشكال في شمول تلك الأدلّة للحمل نظرا الى عدم كون الغرض فيه متعلّقا بالستر و التغطية

و عليه فيمكن ان يكون الحمل جائزا مطلقا غاية الأمر انّ مورد السؤال حيث كان هو عصام القربة كان الحكم بالجواز و أراد فيه من دون ان يكون الإثبات فيه نافيا لغير مورده من موارد الحمل كحمل غير العصام أو الحمل المستلزم لستر جميع الرأس و عليه فالتعبير بالاستثناء كما في المتن لا شاهد عليه أصلا.

هذا و لو لم نقل بحجيّة الرواية و قلنا بشمول الأدلّة الناهية للحمل أيضا و عدم الاختصاص بالحمل المستلزم لستر جميع الرأس لكان الدليل على الجواز في خصوص عصام القربة للمستسقى هي السيرة المستمرة إلى زماننا و عدم الإنكار من ناحية الأئمة عليهم الصلاة و السلام.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 191

[مسألة 31- لا يجوز ارتماسه في الماء و لا غيره من المائعات]

مسألة 31- لا يجوز ارتماسه في الماء و لا غيره من المائعات، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتى اذنه فيما يغطّيه و لا يجوز تغطية رأسه عند النوم فلو فعل نسيانا أزال فورا و يستحبّ التلبية- ح- بل هي الأحوط، نعم لا بأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة و نحوها، و لا بأس بتغطية وجهه مطلقا (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من البحث:

الجهة الاولى: في حكم الارتماس و قد نفى وجدان الخلاف في حرمته إذا كان بالماء بل ذكر ان الإجماع بقسميه عليه، و الأصل في ذلك، الروايات المتعددة الواردة في المقام.

منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعته يقول: لا تمسّ الريحان و أنت محرم و لا تمسّ شيئا فيه زعفران، و لا تأكل طعاما فيه زعفران و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «1».

و منها رواية حريز

عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «2». و قد جعلها في الوسائل ثلاث روايات مع وضوح انّها رواية واحدة و حيث انّ حريز روى في إحداها عمّن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام تسقط الرواية عن الحجية رأسا كما مرّ نظيره فيما تقدم.

و منها صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «3».

و منها رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يدخل الرجل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 1، لكنه أورد جزء منه في الباب 18، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 2- 3- 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 192

..........

______________________________

الصائم رأسه في الماء قال: لا و لا المحرم و قال: مررت ببركة بني فلان و فيها قوم محرمون يترامسون فوقفت عليهم فقلت لهم انكم تصنعون ما لا يحلّ لكم «1».

و هل المستفاد من الروايات انّ حرمة الارتماس في الماء انّما هو لأجل كونه من مصادق تغطية الرأس أو انّ ظاهرها كونه محرّما مستقلا من محرمات الإحرام و لا بدّ من الاقتصار فيه على خصوص ما هو مفادها.

و تظهر الثمرة في الاختصاص بالرجل و عمومه لكلّ محرم و كذا في سعة دائرة الحرمة لغير الماء من الماء المضاف و سائر المائعات و عدمها و كذا في سعتها لارتماس بعض الرأس و عدمها، فمقتضى الاحتمال الأوّل الاختصاص بالرجل و العموم من

الجهتين الآخرتين و مقتضى الاحتمال الثاني انعكس لأن عنوان «المحرم» جنس صادق على المرأة المحرمة أيضا و ظاهر الروايات خصوص الارتماس في الماء كما ان ظاهرها إدخال جميع الرأس.

ظاهر المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه هو الأوّل و ربما يظهر من الشرائع أيضا حيث انه جعل الارتماس في معنى التغطية و بمعناها و ان تعرّض في باب الكفارات لخصوص الارتماس في الماء.

هذا و لكن الظاهر هو الثاني خصوصا مع عطف الصائم على المحرم مع انه لا يكون الارتماس في المائعات محرّما على الصائم نعم احتاطوا في الماء المضاف كما انه لا يكن ارتماس بعض الرأس و لو في الماء بمحرّم على الصائم و لا دلالة، بل و لا إشعار في شي ء من الروايات على ارتباط مسألة الارتماس بموضوع التغطية بوجه.

و يؤيّد بل يدل على ما ذكرنا انّ مقتضى النصوص المتعددة و الفتاوى بل في

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 193

..........

______________________________

الجواهر نفي الاشكال و الخلاف فيه، جواز غسل الرأس بإفاضة الماء عليه، بل عن التذكرة الإجماع عليه و من الواضح انّها تغطية لبعض الرأس و لو في زمان قليل و دعوى انه ليس تغطية و لا في معناها كما في الجواهر واضحة المنع.

و من الروايات، صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه عن بعض «1».

و صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟

فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2». و حملها على التخصيص و الاستثناء في

غاية البعد.

الجهة الثانية: في حكم تغطية الرأس عند النوم ففي المتن تبعا للفتاوى عدم الجواز و يدلّ عليه- مضافا الى إطلاق الروايات الناهية عن تغطية الرأس الرجل المحرم الشاملة لحال ارادة النوم و عدم الاستفصال في بعضها- صحيحتان واردتان في هذا الغرض:

إحداهما صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل المحرم يريد ان ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المرأة لا بأس ان تغطّي وجهها كلّه «3». و قد وجّهنا ذيل الرواية سابقا لكن هذا انّما هو على نقل الشيخ و امّا في نقل الكليني ففيه اضافة كلمة «عند النوم» في آخرها «4» و يجي ء البحث في هذه الجهة في مسألة حرمة تغطية المرأة وجهها ان شاء اللّٰه تعالى.

ثانيتهما: صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق بإسناده عنه انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و السبعون، ح 1.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

عن المحرم يغطّي رأسه ناسيا أو نائما فقال: يلبّي إذا ذكر «1». و لا إشكال في كون المراد من قوله: أو نائما ليس هي التغطية في حال النوم بل في حال إرادته و لو لا الجواب لكان ظاهره التغطية كذلك في حال الالتفات و التوجه و لكن الجواب بملاحظة قوله عليه السّلام إذا ذكر قرنية على كون المراد هي التغطية في حال ارادة النوم نسيانا كما لا يخفى و على التقديرين تدلّ على الحرمة،

غاية الأمر انه على أحد التقديرين تكون دلالتها بالمطابقة و على الثاني بالمفروغية عند السائل بالإضافة الى حال الذكر و تقرير الامام عليه السّلام له.

لكن في مقابلهما ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن موسى بن الحسن (الحسين خ ل) و الحسن بن عليّ عن احمد بن هلال و محمد بن أبي عمير و أميّة بن عليّ القيسي عن عليّ بن عطية عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في المحرم قال: له ان يغطي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام «2».

و في الجواهر بعد ان عبّر عنه بالخبر و وصفه بأنّه لا يكون جامعا لشرائط الحجية ذكر ان ما فيه مطرح أو محمول على حال التضرر بالتكشف أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، و لكن الظاهر صحّة سند الرواية فإن موسى بن الحسن بن عامر بن عمران الأشعري، ثقة و موسى بن الحسين و ان كان مجهولا إلّا انّ الراوي في هذه الطبقة حيث يكون اثنين و الحسن بن علي بن الفضال الذي هو الراوي الآخر ثقة لا يقدح ضمّ المجهول إليه في اعتبار الرواية و حجيّتها، كما ان اشتراك الطبقة السابقة بين ثلاثة، أحدهم محمد بن أبي عمير الذي هو ثقة بلا ريب، لا يكون قادحا فيه، لما ذكر، و امّا علي بن عطية فهو الحناط الكوفي الثقة فلا ينبغي الإشكال في صحة الرواية و المناقشة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

فيها أصلا، كما ان دلالتها على الجواز في صورة إرادة

النوم ظاهرة بحيث لو لم يكن في مقابلها الصحيحتان المتقدمتان لكان اللازم الالتزام بتقييد المطلقات بهذه الرواية و جعل هذه الصورة مستثناة من أصل الحكم، لكن معارضتهما معها توجب الأخذ بهما لأن الشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجحات على ما اخترناه موافقة لهما، فاللازم الأخذ بهما دونها و الجمع الدلالي بينهما غير ممكن و على ما ذكرنا فلا إشكال في الحكم.

بقي الكلام في هذه الجهة في أمرين:

أحدهما: لزوم رفع التغطية لو فعلها نسيانا بمجرد رفع النسيان فورا لعدم اختصاص حرمتها بالابتداء بل تشمل الاستدامة أيضا فاللازم الإزالة فورا بمجرد التذكر و رفع النسيان.

ثانيهما: ظاهر بعض الروايات الواردة في مورد النسيان كصحيحة الحلبي المتقدمة أنفا و صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال: يلقي القناع عن رأسه و يلبّي و لا شي ء عليه «1»، وجوب التلبية بعد إلقاء القناع و حصول التذكر لكن المحكيّ عن المدارك و غيرها انه لا قائل بالوجوب و أورد عليه في الجواهر بان الوجوب محكيّ عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد.

و كيف كان فلم يثبت اعراض المشهور عمّا يدلّ على الوجوب و عدم فهمهم الوجوب منه لا يكون حجّة فالأحوط لو لم يكن أقوى هي رعاية التلبية كما في المتن.

الجهة الثالثة: في انه يجوز وضع الرأس عند النوم على المخدّة و الوسادة كما صرّح به جماعة و الوجه فيه امّا عدم صدق التغطية و الستر و لو بالإضافة الى بعض الرأس على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 196

..........

______________________________

الوضع المذكور و امّا انصراف الأدلّة الناهية عن

ستر الرأس للرجل المحرم عن هذا النوع من الستر و تدلّ عليه السيرة القطعية المستمرة عند المتشرعة على النوم بالنحو الطبيعي المستلزم عادة لوضع الرأس على شي ء و ان كان هو الأرض الخالية و عليه لا مجال لتوهم اختصاص الجواز بصورة كون النوم بغير النحو الطبيعي موجبا للحرج و المشقة بل يجوز مطلقا و لو مع عدم المشقة في ذلك.

و المناسب في هذه الجهة التعرّض لما لم يقع التعرض له في المتن و هو انه هل يجوز تغطية الرأس ببعض أعضاء الجسد كاليد- مثلا- أو لا يجوز.

المحكي عن المبسوط و المنتهى و التذكرة جواز الستر باليد و عن الدروس ان الاولى المنع و استدلّ له في الجواهر بان السّتر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة و بأنه مأمور بمسح رأسه في الوضوء و ببعض الروايات التي يجي ء التعرض لها.

أقول عدم ثبوت حكم الستر للستر بما هو متصل بالبدن أوّل الكلام و عدم أجزاء وضع اليدين على الفرج في حال الصلاة لا دلالة له على ذلك و لذا يكفي التستّر باليد في الستر الواجب النفسي.

و امّا مسح رأسه باليد في الوضوء الذي هو مأمور به فالظاهر تماميّة دلالته بعد ملاحظة عدم لزوم الاقتصار على أقل ما يتحقق به المسح و جواز المسح بالزائد عن الأقل و بعد ملاحظة عدم كون الجواز انّما هو بنحو التخصيص المستلزم للدخول في الدليل المطلق بل الظاهر كون الجواز انّما هو بنحو التخصص الذي مرجعه الى عدم شمول الأدلة الناهية لهذا النوع من الستر.

و امّا الروايات فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

قال: لا بأس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1». و ذيله مسوق لبيان ضابطة كلية و من الواضح انّ مورده ما إذا كان الستر بغير الجسد محرّما على المحرم فيشمل تغطية الرجل الرأس و المرأة الوجه و يدلّ على الجواز إذا كان ببعض الجسد كاليد- مثلا- و ذكر في الدروس انه لا يكون صريحا في الدلالة مع ان الظهور يكفي فيها.

و منها رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحك المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة «2». و امّا صحيحة معاوية بن عمار الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3»، فلا دلالة لها على اختصاص الجواز بالأظافير بل الظاهر ان المراد هو الجواز باليد مطلقا و انّ خصوصية الأظافير انّما هي لتحقق الحكّ بها نوعا كما لا يخفى.

الجهة الرابعة: في تغطية الرجل المحرم الوجه و انّها هل تكون جائزة أم لا كما في المرأة المحرمة فنقول المشهور هو الجواز بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه و المحكيّ عن ابن أبي عقيل، عدم الجواز و ان فيه كفارة إطعام مسكين، و عن الشيخ في التهذيب الجواز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة بل قال: و متى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك.

و الدليل على الجواز مضافا الى ما دلّ على ان إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه بعد ما عرفت من

ارتباطه بمسألة حرمة التغطية فإن التفصيل قاطع

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 198

..........

______________________________

للشركة و لا ينطبق إلّا على اختصاص كل واحد من الرجل و المرأة بشي ء من الأمرين روايات متعددة مثل:

رواية منصور بن حازم قال: رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام و قد توضّأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه «1».

و رواية عبد الملك القمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمّره كلّه. قال: لا بأس «2». و الظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل- بالجيم- لا كما في الوسائل من قوله: يخلل- بالخاء- و معناه هو التغطية.

و رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره «3».

لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه و لا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل «4».

و صحيحة حفص بن البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من أسفل و قال: اضح لمن أحرمت له «5».

و ربما يستشهد لابن أبي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في يده و لا بأس ان ينام

المحرم على وجهه على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 8.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 1.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

راحلته «1».

و الاشكال في الرواية من وجهين:

إحداهما: انّ المنقول في الوسائل و ان كان بصورة الإسناد لكن المحكيّ عن التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّها مضمرة و قد وصفها بذلك صاحب الجواهر أيضا إلّا انّ الإضمار من مثل الحلبي لا يقدح في اعتبار الرواية و حجّيتها و ان لم يبلغ مرتبة الإضمار من مثل زرارة.

ثانيهما: انّ صدر الرواية فنقول في الوسائل بهذا السند في أبواب بقية كفارات الإحرام لكن فيه الرأس بدل الوجه «2» و النقل بهذه الكيفية و ان كان بعيدا في نفسه بملاحظة ذيل الرواية الظاهر في جواز النوم على الوجه في الراحلة مع انه على هذا التقدير تجوز التغطية للوجه اختيارا أيضا و بملاحظة انه لم يقل أحد بأن كفارة تغطية الرأس هو إطعام المسكين في يده بل الكفارة فيها على تقدير ثبوتها هو دم شاة إلّا انه مع ذلك يوجب الترديد في الرواية من جهة كون موردها تغطية الوجه أو تغطية الرأس التي هي محرّمة للرجل المحرم على ما عرفت.

ثم انه لو فرض كون مورد الرواية هي تغطية الوجه و دلالتها على حرمتها للملازمة بين الكفارة و بين الحرمة على ما عرفت مرارا لا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الأدلّة الكثيرة المتقدمة خصوصا ما دلّ منها

على ان إحرام الرجل في رأسه في مقابل إحرام الامرأة حيث يكون في وجهها سيما مع اعتضادها بفتوى المشهور بل الإجماع المحكي على ما عرفت فالظاهر- ح- ما في المتن من جواز تغطية الوجه للرجل المحرم مطلقا

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، أورد صدره في الباب 55 ح 4 و ذيله في الباب 60، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الخامس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 200

[مسألة 32- كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة]

مسألة 32- كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة، و الأحوط ذلك في تغطية بعضه، و الأحوط تكرّرها في تكرّر التغطية و ان لا يبعد عدم وجوبه حتى إذا تخلّلت الكفارة و ان كان الاحتياط مطلوبا فيه جدّا (1).

______________________________

في حالة النوم و غيرها و في الراحلة و غيرها.

(1) ذكر في الشرائع في باب الكفارات: «و كذا- يعني تجب الشاة- لو غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره» و ذكر بعده صاحب الجواهر قدّس سرّه: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما عن المنتهى و المبسوط و التذكرة الاعتراف به بل في المدارك و غيرها هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا».

و العمدة في مستند هذا الحكم هو الإجماع لعدم تمامية غيره من الأدلة التي يأتي التعرض لها ان شاء اللّٰه تعالى و الظاهر انّ الإجماع أيضا غير تام لعدم تعرض جملة معتنى بها من المتون الأصلية الفقهية لثبوت الكفارة في التغطية كالمقنع و النهاية و جمل العلم و العمل و المقنعة و المراسم و المهذب و السرائر و الجامع و عدم التعرض يكشف عن عدم الثبوت

و إلّا لكان اللازم التعرض كما في سائر موارد ثبوت الكفارة كالصيد و الجماع و لبس المخيط و التظليل و غيرها، و لو سلّمنا عدم الكشف و احتمال ثبوت الكفارة عندهم أيضا لكن مجرد الاحتمال لا يكفي في تحقق الإجماع الذي يكون مبنى حجّيته هو الكشف عن رأي المعصوم عليه السّلام و موافقة فتواه لفتواهم و لا مجال لما ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه ان ذلك ليس خلافا.

و يؤيّد عدم ثبوت الإجماع ما أفاده صاحب الوسائل في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الإحرام من انّ المحرم إذا غطّى رأسه عمدا لزمه طرح الغطاء و طعام مسكين و أورد فيه رواية الحلبي المتقدمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

و قد استدلّ صاحب الجواهر مضافا الى الإجماع بثلاث روايات:

إحداها: صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة «1».

و رواها في الوسائل بسند آخر و جعلهما روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة و قد أورد بعض الاعلام قدّس سرّهم على الاستدلال بها بعد توصيفه بأنه ينبغي ان يعدّ من الغرائب بان اللبس شي ء و التغطية و ستر الرأس شي ء آخر فإنه قد يتحقق اللبس بلا تغطية الرأس كما إذا لبس القميص و نحوه، و قد يتحقق ستر الرأس و تغطيته بدون اللبس كما إذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه و قد يتحقق الأمران كما إذا لبس

قلنسوة و نحوها و كلامنا في الستر و التغطية و ان لم يتحقق عنوان اللبس.

و ظاهره انّ النسبة بين العنوان الموجب للكفارة في الصحيحة و بين ما هو المدّعى في المقام عموم من وجه و يجتمعان في مادة الاجتماع و عليه فيمكن ان يجيب صاحب الجواهر قدّس سرّه عن الإيراد بأنه لو دلّت الصحيحة على الكفارة في مادة الاجتماع فيمكن تعميمها لمادة الافتراق من ناحية المقام بضميمة عدم الفصل جزما فيتم الاستدلال- ح- لكن التحقيق في الإيراد على الاستدلال بالصحيحة أن محطّ النظر في هذه الجملة فيها الى لبس ما يكون منشأ المنع فيه و كان الملبوس مشتملا على خصوصية لا يصلح لأن يلبسه المحرم و هذا العنوان لا ينطبق على المقام بوجه فان الساتر للرأس و لو كان هو الثوب لا يشتمل على هذه الخصوصية لأن المحرّم هو الستر به و لا يرتبط ذلك بالساتر، و عليه ففي مثل القلنسوة إذا كانت مخيطة تكون فيها الخصوصية التي يدل

______________________________

(1) أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 202

..........

______________________________

عليها الرواية و يدخل في لبس المخيط و امّا إذا لم تكن كذلك فلا تشمله الرواية بوجه و ان كان لا فرق بينهما من الحيثية المبحوث عنها في المقام فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب الكفارة هنا بل ترتبط بلبس المخيط و نحوه كالحرير- مثلا.

ثانيتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: لكلّ شي ء خرجت من حجّك فعليه (فعليك في ل) فيه دم يهريقه (فيهريقه) حيث شئت «1». و قد مرّ مرارا ان الرواية ضعيفة من حيث السند بعبد اللّٰه بن الحسن

العلوي و من حيث الدلالة لتوقف الاستدلال بها على كون المتن جرحت مكان خرجت و هو لم يثبت مع انه لا يناسب قوله من حجّك فتدبّر.

ثالثتها: مرسلة الخلاف قال في محكيه: «إذا حمل مكتلا أو غيره لزمه الفداء دليلنا عموم ما روى فيمن غطى رأسه انّ عليه الفدية» و المكتل كمنبر هو الزنبيل الكبير قال في الجواهر يكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا دليلا في الحكم خصوصا بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع.

و أورد على الاستدلال بها بعدم نقلها في شي ء من الكتب الفقهية و الروائية حتى ان الشيخ قدّس سرّه بنفسه لم يذكره في كتابي التهذيب و الاستبصار، فلم يحرز وجود الرواية حتى يكون استناد المشهور إليها جابرا لضعفها بالإرسال.

و لكن يرد على الاستدلال بها أيضا ان المدّعى في المقام ثبوت كفارة دم الشاة و ما في الخلاف من الدليل و المدعى عبارة عن ثبوت الفداء و هو أعمّ من الشاة و قد مرّ ان الشيخ التزم بثبوت الكفارة في تغطية الرجل المحرم وجهه و ظاهره ان المراد بها هي إطعام مسكين الذي وقع التصريح به في فتوى ابن أبي عقيل و رواية الحلبي المتقدمة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

و عليه فلا دلالة في المرسلة المزبورة على المدّعى.

و قد انقدح انه لم ينهض دليل على ثبوت كفّارة دم الشاة في تغطية الرأس إلّا انّ الاحتياط الوجوبي يقتضي الثبوت لأنّ كلّ من تعرّض له، حكم بثبوتها إلّا هذه العبارة الواردة في الخلاف على ما عرفت من عدم ظهورها في ثبوت كفارة

الشاة و إلّا ما عرفت من الوسائل على ما مرّ أيضا.

بقي الكلام في أمور:

الأمر الأوّل: هل الكفارة على تقدير ثبوتها في تغطية جميع الرأس ثابتة في تغطية بعض الرأس التي عرفت أنّها محرمة أيضا أم لا؟

التحقيق ان يقال انه لو كان المستند في أصل الحكم هو الإجماع على تقدير تحققه و صحة الاستناد اليه فاللازم هو الاقتصار على تغطية الجميع لأنّها القدر المتيقن من معقده و هو دليل لبّى لا إطلاق له يشمل تغطية البعض أيضا كسائر الأدلّة اللبيّة.

و ان كان المستند هي صحيحة زرارة المتقدمة أو رواية علي بن جعفر المتقدمة أيضا فالظاهر شمولهما لتغطية البعض أيضا لأنّه يصدق عليه انه لبس ما لا ينبغي له لبسه و كذا يتحقق الجرح من ناحية تغطية بعض الرأس و ان كان المستند هي مرسلة الخلاف فظاهرها تغطية الجميع و ان كان الاستدلال بها لصورة حمل المكتل كما في كلام الشيخ مشعر هل يدلّ على الشمول لتغطية البعض أيضا لأن المكتل و ان كان هو الزنبيل الكبير إلّا انه لا يشمل جميع الرأس خصوصا إذا كان الأذنان جزءين من الرأس مع ان عطف عنوان الغير على المكتل لا يختص بما إذا كان مغطّيا لجميع الرأس.

و قد انقدح ممّا ذكرنا من عدم صحة الاستدلال بشي ء من الروايات الثلاثة و ان العمدة هو الإجماع الذي هو غير خال عن المناقشة انه لو قلنا بثبوت الكفارة في تغطية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

الجميع فلا دليل على الثبوت في تغطية بعض الرأس فالأحوط فيها استحبابا ذلك بعد ما كان أصل الحكم ثابتا بنحو الاحتياط الوجوبي على ما مرّ.

الأمر الثاني: فيما لم يتعرض له في

المتن بالصراحة و ان كان ربما يشعر به ما أفاده في المسألة الآتية و هو ان الكفارة ثابتة في مورد الاضطرار الرافع للحكم التكليفي كما في مثل التظليل و لبس المخيط أو انّها ثابتة في خصوص صورة الاختيار؟

الظاهر ما ذكرنا من ان المستند لو كان هو الإجماع فاللازم الاقتصار على القدر المتيقن و هي صورة الاختيار و ان كان المستند هي الروايات فالظاهر اختصاصها بهذه الصورة لأن قوله لبس ما لا ينبغي له لبسه لا يتحقق في صورة الاضطرار الذي يكون اللبس جائزا في حقّه و مشروعا عنده و كذا لا يتحقق الجرح بعد عدم ثبوت الحرمة و الظاهر من قوله في المرسلة: «غطّى رأسه» هو التغطية الاختيارية و لكن صاحب الجواهر قد صرّح في العبارة التي يأتي نقلها في الأمر الثالث ان شاء اللّٰه تعالى، بأنه لا فرق بين المختار و المضطر لا في أصل ثبوت الكفارة و لا في تكرارها مع التعدد و ان الملاك في التعدّد فيهما واحد و سيأتي البحث في التكرّر في ذلك الأمر فانتظر.

الأمر الثالث: في تكرر الكفارة بتعدّد التغطية و عدمه قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذا المجال: «قد ذكر الحلبيان انّ على المختار لكل يوم شاة و على المضطرّ لكل المدّة شاة بل عن ابن زهرة منهما الإجماع على ذلك و ان كان التتبع يشهد بخلاف الإجماع المزبور فالأصل- ح- عدم الفرق بينهما. و في الدروس عدم تكررها بتكرر تغطيته نعم لو فعل ذلك مختارا، تعدّدت و لا تتعدّد الغطاء مطلقا، و وافقه ثاني الشهيدين إلّا انه حكم بعدم التكرر و لو اتّحد المجلس، و ربما نوقشا بعدم نص أو إجماع على ذلك فالأصل- ح- بحاله

و لكن قد عرفت سابقا في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 205

..........

______________________________

و هذه الأقوال بعد اشتراكها في ثبوت الكفارة بالإضافة إلى المضطر مع انّك عرفت في الأمر الثاني المناقشة فيه و بعد اشتراكها في عدم التعدد مع التكرر في صورة الاضطرار و التكرر في صورة الاختيار مختلفة في ملاك التعدد و التكرّر الموجب لتعدد الكفارة في هذه الصورة. فصريح الحلبيين ان الملاك هو اليوم فإذا تعدد تتكرر الكفارة و ظاهر الدروس ان الملاك تعدّد التغطية فإذا تحققت مرارا و لو في اليوم الواحد تتعدّد الكفارة نعم لا عبرة بتعدد الغطاء و ما يغطى به الرأس فإذا غطى رأسه بثلاثة أثواب- مثلا- متلاصقة دفعة واحدة لا يوجب تعدّد الكفارة بخلاف ما إذا كان الثوب و الغطاء واحدا و التغطية به متعددة فإنها تتكرر- ح- و ظاهر كلام الشهيد الثاني ان الملاك وحدة المجلس و تعدّده.

هذا و لكن الظاهر انه بعد عدم ثبوت نص في خصوص التكرر في المقام و لا إجماع، يكون المرجع هو الأصل بمعنى القاعدة و مقتضاها انه لو كان المستند في أصل الكفارة في المقام هو الإجماع فكما انه لا إطلاق له يشمل صورة الاضطرار لأنه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن كذلك لا إطلاق له يشمل صورة التكرار و لو بعد تخلل التكفير فلا تتكرر الكفارة مطلقا كما في المتن حيث نفي البعد عن عدم وجوب التكرر و لو في الصورة المذكورة.

و لو كان المستند هي الروايات الثلاثة المتقدمة على فرض تمامية دلالتها و سندها فالتكرر و عدمه مبني على المسألة الأصولية المعروفة التي وقع فيها الاختلاف في

كون مقتضى الأصل التداخل أو عدمه لكن ينبغي هنا التنبيه على أمر و هو ان الملاك في التعدد في المقام هي التغطية و هي لا تتعدد بتكرر الغطاء و عدمه فإذا غطى رأسه بثوب ثم القى على الثوب ثوبا آخر لا يتحقق التعدد بالإضافة إلى التغطية لأن المغطى لا يقبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 206

[مسألة 33- تجب الكفارة إذا خالف عن علم و عمد]

مسألة 33- تجب الكفارة إذا خالف عن علم و عمد فلا تجب على الجاهل و لا على الغافل و السّاهي و الناسي (1).

______________________________

التغطية ثانيا و هذا بخلاف مثل لبس المخيط فإنه إذا لبس القميص ثم لبس عليه القباء ثم العباء مثلا يصدق لكل لبس انه لبس المخيط فيتحقق التعدّد فتدبّر.

(1) الدليل على اختصاص وجوب الكفارة بما إذا كانت المخالفة عن علم و عمد مضافا الى قصور أصل دليل الثبوت الذي هو الإجماع على تقدير تمامية دليليته في المقام عن الشمول لغير هذه الصورة لما عرفت من انّه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن و إلى مثل حديث الرّفع المشتمل على رفع ما لا يعلمون و رفع الخطأ و النسيان و الى مثل قوله عليه السّلام في بعض الروايات الواردة في لبس القميص جاهلا: «أيّما امرء ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه»، دلالة بعض الروايات المتقدمة الواردة في أصل مسألة حرمة تغطية الرأس على عدم ثبوت كفارة الشاة فيما إذا غطّى رأسه ناسيا كصحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا قال يلقي القناع عن رأسه و يلبّي و لا شي ء عليه «1». و صحيحة الحلبي أنّه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المحرم يغطي رأسه

ناسيا أو نائما فقال: يلبّي إذا ذكر «2». و غيرهما من الروايات و عليه فلا شبهة في الاختصاص بالعالم العامد.

ثم انه لم يقع التعرّض في المتن لثبوت الكفارة على المضطر و عدمه و الجمود على ظاهر اللّفظ يقتضي دخوله في العالم العامد لأنّ المضطر أيضا من مصاديق العالم العامد و ان كان أصل العمل جائزا في حقه و مشروعا بالإضافة إليه لكنّه لا ينافي ثبوت الكفارة كما في الاضطرار الى لبس المخيط أو التظليل و يؤيده عدم التعرض له في عداد

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 207

[الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و برقع و نحوهما حتى المروحة]

اشارة

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و برقع و نحوهما حتى المروحة، و الأحوط عدم التغطية بما لا يتعارف كالحشيش و الطين، و بعض الوجه في حكم تمامه، نعم يجوز وضع يديها على وجهها، و لا مانع من وضعه على المخدّة و نحوها للنّوم (1).

______________________________

الجاهل و الغافل و مثلهما و مع ذلك لا يتحقق الاطمئنان للنفس بكون مراد المتن ثبوت الكفارة بالنسبة إلى المضطر أيضا و نحن قد قدمنا البحث في ذلك في الأمر الثاني من الأمور المتقدمة في المسألة السابقة فراجع.

(1) البحث في هذا الأمر أيضا يقع من جهات:

الجهة الاولى: في أصل ثبوت هذا الحكم في الجملة و نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و يدلّ عليه نصوص متعدّدة.

منها صحيحة عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: المحرمة لا تتنقب لأنّ إحرام المرأة في وجهها

و إحرام الرجل في رأسه «1». و مقتضى التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب.

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطي عينها قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال نعم «2».

و منها رواية أبي عينية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير «3». الحديث.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و الثلاثون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 208

..........

______________________________

و منها رواية أحمد بن محمد «بن أبي نصر خ» عن أبي الحسن عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام: بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «1».

و منها غير ذلك من الروايات لكن في مقابلها بعض الروايات التي عبّر فيها بالكراهة كرواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه كرّه للمحرمة البرقع و القفازين «2». و صحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك الى أين؟

قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر «3».

و الرواية الأولى ضعيفة بحيي بن أبي العلاء لعدم توثيقه و الظاهر انه غير يحيى بن العلاء الذي

هو ثقة و الظاهر انّ المراد من الكراهة في الروايتين الحرمة لدلالة الروايات الظاهرة في الحرمة عليه و لا مجال لاحتمال العكس بجعل التعبير في الكراهة في هاتين الروايتين قرينة على ان المراد من قوله: «المحرمة لا تتنقب»، هو الكراهة لأن حمل مثله عليها لا يلائم مع التعليل الوارد فيها بأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه مع انّك عرفت حرمة تغطية الرأس عليه و كذا لا يلائم مع التعليل بقوله انّك ان تنقبت لم يتغير لونك و كذا مع إماطة الإمام عليه السّلام بنفسه المروحة عن وجهها.

الجهة الثانية: في التغطية بما لا يتعارف كالحشيش و الطين بعد ما عرفت من دلالة بعض الروايات على حرمة التغطية بالمروحة أيضا لكنها تغاير مثل الحشيش بثبوت التعارف فيها في الجملة دونه و الظاهر انّ حكمهنّ بالإضافة إلى مثل هذه التغطية حكم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 209

..........

______________________________

الرجال بالنسبة إلى الرأس و تغطيته بمثلها، لكن التعليل الوارد في بعض الروايات المقام بقوله مخاطبا لامرأة محرمة متنقّبة انّك ان تنقبت لم يتغيّر لونك يزيد في وضوح حكم المقام فإنه كما ان النقاب مانع عن تغيّر اللون المطلوب في باب الحج في وجه النساء كذلك الحشيش و الطين و مثلهما مانع عن ذلك و عدم التعارف في الاستفادة في التغطية من مثلهما لا يقدح في شمول التعليل و اقتضائه للحرمة فيما لا يتعارف أيضا فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم التغطية

بمثلهما.

الجهة الثالثة: في حكم تغطية بعض الوجه ظاهر الكلمات انه لا فرق بين المقام و بين ما تقدم من حرمة تغطية الرجل بعض رأسه و انّ كلتا المسألتين من ورد واحد و لا فرق بينهما أصلا مع انّك عرفت هناك انّ جلّ الأدلّة الواردة في حرمة تغطية الرأس ظاهرها تغطية الجميع، غاية الأمر ان التعبير بالإصابة في بعض الروايات الصحيحة صار موجبا لتوسعة دائرة الحرمة و الشمول لتغطية بعض الرأس لتحقّق الإصابة بسببها.

و امّا المقام فما دلّ على المنع من البرقع لا يدلّ على أزيد من حرمة تغطية جميع الوجه لأنّ البرقع يكون ساترا له ظاهرا و امّا ما دلّ على إماطة الإمام عليه السّلام المروحة عن وجه المرأة المحرمة فلا دلالة له على توسعة دائرة الحرمة لأنه لم يعلم كون المروحة ساترة لبعض وجهها و احتمال كونها ساترة للجميع نعم يدل على عدم اختصاص الحكم بخصوص الثوب بل يشمل المروحة أيضا فلا ارتباط لهذه الرواية أيضا بالمقام.

نعم يبقى ما دلّ على حرمة التنقّب و النهي عن النقاب بعد عدم كون النقاب ساترا لجميع الوجه و لذا استدلّ صاحب الجواهر بهذا الدليل على شمول الحكم لتغطية بعض الوجه نظرا الى ما ذكرنا.

لكن لا بدّ من ملاحظة انّ في النقاب خصوصيتين: إحداهما كون المستور به بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

الوجه، و ثانيتهما كون المستور به بعضا معينا من الوجه و هو الذقن و الفم و جزء من الأنف و في الحقيقة يكون المستور به هو النصف الأسفل من الوجه تقريبا كما تصنعه نساء المغرب على ما رأيناه في المدينة و مكة.

و عليه فلا بد من النظر في انّ

الخصوصية المانعة عن الستر بالنقاب و هل هي مجرد كونه ساترا لبعض الوجه يشمل الحكم ستر كل بعض من أبعاض الوجه و لو كان هو الطرف الأعلى أو خصوص طرف اليمين أو اليسار بل و لو كان البعض المستور جزء يسيرا من الوجه أو انّ الخصوصية المانعة هي كونه ساترا للبعض المخصوص من جهة المحلّ و المقدار الذي يستر به؟ فيه احتمالان ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التفريق بين الكل و البعض و تنظير المرأة بالرجل الذي يحرم عليه ستر جزء من الرأس بل حتى ستر جزء من الأذن: بناء على كونه جزء من الرأس و ان ناقشنا فيه سابقا هو الاحتمال الأوّل و لكنه يبتنى على إلغاء الخصوصية من الجهة الثانية و هو يحتاج الى قيام الدليل أو فهم العرف و من الظاهر عدم قيام الدليل و تحقق فهم العرف، غير معلوم فالإنصاف انه لا محيص عن الالتزام بما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم من التفصيل بين ما إذا كان المستور محلّا يستره النقاب فلا يجوز و ان كان الساتر غير نقاب لعدم خصوصية له من جهة العنوان و بين ما إذا كان المستور غير ذلك المحلّ كما إذا كان المستور فوق الوجه و لو كان الساتر هو الثوب، ففي الأوّل لا يجوز و في الثاني يجوز و ان كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشئ عن الفتاوي هو الترك.

الجهة الرابعة: في انه يجوز للمرأة المحرمة وضع يدها بل يديها على وجهها لما مرّ في جواز ستر الرجل رأسه باليد و الذراع نعم في رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه سأله عن المحرمة فقال ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر

بيدها من الشمس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

الحديث «1». و لكنها كما في الجواهر محمولة على ضرب من الكراهة و ذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الأصحاب.

الجهة الخامسة: في انه يجوز لها وضع الوجه على المخدة و نحوها للنوم بل يجوز لها تغطية الوجه حين ارادة النوم و ذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطّي وجهه؟ قال: نعم و لا يخمّر رأسه، و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطّي وجهها كلّه عند النوم «2».

و لعلّ الحكمة في الجواز حين ارادة النوم هو الخروج بذلك عن المعرضية للنظر لعدم كونها قادرة في حال النوم على التستر بغير التغطية، لكن عرفت سابقا ان الرواية على نقل الشيخ خالية عن كلمة «عند النوم» و ان كان السياق يشعر بإرادة ذلك و امّا على نقل الكليني فمشتملة على الكلمة المذكورة و لا يكون في الوسائل إشارة إلى اختلاف النقلين بل نقل الرواية في باب عن الشيخ خالية عنها ثم قال: و رواه الكليني كما يأتي، و في باب آخر عن الكليني مع الاشتمال عليها ثم قال و رواه الشيخ مثله مع انّك عرفت الاختلاف و حيث ان الكليني أضبط من الشيخ، و أصالة عدم الزيادة حاكمة في البين فاللازم الاتكال على نقله و لا مانع من ثبوت الاستثناء في حال النوم للحكمة المذكورة كما كان في حرمة تغطية المحرم الرأس بعض الموارد بصورة الاستثناء كعصابة الصداع على ما مر «3».

ثم انه بعد دلالة الرواية الصحيحة على توسعة دائرة حكم الجواز لا مجال

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون،

ح 10.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الخمسون، ح 1.

(3) و قد حكى عن تهذيب الشيخ أيضا الاشتمال على الزيادة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 212

[مسألة 34- يجب ستر الرأس عليها للصلاة]

مسألة 34- يجب ستر الرأس عليها للصلاة، و وجب ستر مقدار من أطراف الوجه مقدّمة لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا (1).

______________________________

لتخصيصه بخصوص وضع الوجه على المخدة و نحوها كما في المتن بل تجوز التغطية و لو بالثوب حال إرادة النوم كما لا يخفى و ان ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية: «و لم أقف على رادّ له كما اني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية و يمكن إرادة التغطية بما يرجع الى السّدل أو ما يقرب منه» أقول سيأتي البحث في مسألة السّدل ان شاء الهّٰر تعالى و لا مانع من الاستثناء خصوصا بعد التعبير بالتغطية بالرواية.

(1) قال في الجواهر بعد الحكم بأنّه يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمه لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس: «نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى و التذكرة و الدروس قدّمت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص ضرورة إمكان معارضته بمثله بل لترجيحه بما قيل من ان السّتر أحوط من الكشف لكونها عورة، و لأن المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة الوجه و هو حاصل مع ستر جزء يسير منه و ان أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة و الإحرام و كونها عورة في النظر، لا مدخلية له في ذلك، و كما يصدق أنّها

مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه، يصدق أنّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتجه- ح- التخيير ان لم ترجّح الصلاة بكونها أهم و أسبق حقّا و نحو ذلك».

أقول بعد ملاحظة ان هذه المسألة مبتنية على حرمة تغطية بعض الوجه أيضا أيّ بعض، كان كالكلّ و بعد ملاحظة انه لا تضاد بين الصلاة و الإحرام كالتضاد المتحقق بين الصلاة و الإزالة في المثال المعروف في مسألة أن الأمر بالشي ء هل يقتضي النهي عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 213

..........

______________________________

ضده، التي هي معروفة في علم الأصول ضرورة انه لا يرى تضاد بين الصلاة و الإحرام بوجه بل لا مانع من الجمع بين رعاية التكليفين أصلا بل التعارض انّما هو بين رعاية الحكم التحريمي المتعلق بالمحرمة و هي حرمة التغطية و رعاية الوجوب الشرطي المتعلق بستر الرأس، من جهة ان تحقق العلم بثبوت الشرط يقتضي ستر جزء من الوجه أيضا من باب وجوب المقدمة العلمية و العلم بعدم تغطية بعض الوجه أيضا يتوقف بكشف جزء و لو يسير من الرأس، و لا يتحقق الجمع بين الأمرين و ان كان يمكن ان يقال بان وجوب المقدمة العلمية انّما هو بالإضافة إلى الستر الذي هو واجب شرطي و امّا بالإضافة إلى التغطية فحيث يكون الحكم المتعلق بها هي الحرمة فلا حاجة الى إحراز عدم تحقق متعلقها بل يكفي عدم إحراز تحقق المتعلق كما لا يخفى إلّا أن يقال بان الحكم الثابت في المقام أيضا هو الوجوب و متعلقه هو الاسفار عن الوجه كما وقع التعبير به في الشرائع و عليه فتجب مقدمته العلمية أيضا.

نقول لا مجال لترجيح الصلاة باعتبار كونها أهمّ

فإن الأهمية انّما تكون متحققة في أصل الصلاة و لا دليل على أهمية رعاية شرطها و الوجوب الشرطي المتعلق به على الحرمة الإحرامية الثابتة عليها.

بل ترجيح الصلاة و رعاية شرطها انّما يستفاد من وجهين:

أحدهما: استمرار سيرة المتشرعة من النساء المحرمات المتصلة بزمان الأئمة عليهم السّلام على رعاية الستر الصلاتي في حال الإحرام بعين رعايته في غير هذه الحالة و لا فرق عندهنّ عملا بين الصلاة في الحالتين و هي شاهدة على تقدم الستر الصلاتي و كونه مرتكزا لديهنّ.

ثانيهما: انه حيث تكون هذه المسألة من المسائل المبتلى بها في الحج و العمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 214

[مسألة 35- يجوز إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها]

مسألة 35- يجوز إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها بل الى نحرها للستر عن الأجنبي، و الأولى الأحوط ان يسدله بوجه لا يلصق بوجهها و لو بأخذه بيدها (1).

______________________________

و العمرة المفردة لا تكون مقيّدة بوقت خاص بل مشروعة في جميع الشهور فلو كان الستر الصلاتي متأخرا في حال الإحرام عن التغطية المحرّمة لكان اللّازم صدور البيان من قبل الأئمة عليهم السّلام في هذا المجال و لو صدر لبان بلحاظ شدّة الابتلاء التي أشير إليها.

و مما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتعبير بالجواز كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم بل الظاهر هو التعين و الوجوب كما في المتن تبعا لمن عرفت من الفقهاء في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

لكن لا بدّ من الاقتصار على حال الصلاة و الالتزام بأنه إذا فرغت منها يجب عليها فورا إزالة الغطاء و رفعها عن وجهها لأنه لا وجه لجواز البقاء على هذه الحالة بعد الفراغ عن الصلاة كما لا يخفى.

(1) قال في

الشرائع بعد الحكم بعدم جواز تغطية الرأس للرجل المحرم: «و يجوز ذلك للمرأة لكن عليها ان تسفر عن وجهها و لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز» و ذكر في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته إلى إجماع الأصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا أجمع و هو قول عامة أهل العلم بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها.

من الأجانب و انحصر فيه».

و كيف كان يحتمل في عبارة الشرائع ان يكون إسدال القناع على الرأس إلى طرف الأنف مستثنى من تغطية الوجه المحرّمة عليها و يؤيده التحديد الى طرف الأنف و يحتمل فيها ان يكون مراده أنّ الإسدال أمر لا ينافي التغطية المحرّمة و اللازم في هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 215

..........

______________________________

المقام ملاحظة النصوص المتعددة الواردة فيه ثم بيان وجه الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة الناهية عن التغطية الشاملة لتغطية الكل و البعض معا فنقول:

منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك الى أين؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر «1». و قد عرفت انّ المراد بالكراهة فيها هي الحرمة و عليه فقوله: تسدل .. هل يكون المراد به وجوب الاستدلال على ما هو مقتضى ظاهر الجملة الخبرية الواقعة في مقام إنشاء الحكم أو المراد به الجواز بلحاظ وقوعه في مقابل النقاب المحكوم بالحرمة و المقصود عدم جريان الحكم بالحرمة في الإسدال فيجوز لها ذلك.

و منها صحيحة الحلبي عن

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطّي عينها، قال قلت تبلغ فمها؟

قال نعم «2». و المراد من قوله: أحرمي ليس هو إيجاب الإحرام لعدم معلومية وجوب الإحرام عليها مع انّها كانت محرمة و لا معنى للإيجاب عليها بل المراد هو انه بعد ما صرت محرمة و اتصفت بذلك يجب عليك الأسفار الذي يكون ظاهره اسفار الوجه و يجري الاحتمالان المذكوران في الرواية السابقة في قوله: و ارخي ثوبك من فوق رأسك.

و منها صحيحة حريز قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام المحرمة تسدل الثوب على وجهها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

الى الذقن «1».

و منها صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انّ المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها «2».

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة «3».

و منها رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه سأله عن المحرمة فقال: ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس الحديث «4».

و من طريق العامة ما روى عن عائشة قالت: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها

فإذا جاوزنا كشفنا «5».

ثم انّه يظهر من صاحب الجواهر انّ الجمع بين هذه الروايات الدالّة على جواز الإسدال و الإرخاء لو لم نقل بدلالة بعضها على الوجوب و بين الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة يمكن بوجهين:

الوجه الأول: ما جعله دليلا لما حكى عن المبسوط و الجامع و القواعد بل في الدروس انه المشهور و ان ناقش هو في تحقق الشهرة من عدم جواز الإسدال بنحو يكون الثوب مماسا للوجه و مصيبا له بل لا بدّ أن تمنعه بيدها أو بخشبة من ان يباشر وجهها من ان مقتضى الجمع بين صحاح السّدل و النصوص المانعة من التغطية حمل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 6.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 7.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 8.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الأربعون، ح 10.

(5) سنن البيهقي: ج 5 ص 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 217

..........

______________________________

الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعلّ المرتفعة ليست من التغطية.

و لكنه أورد عليه بقوله: «مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انّما فيه الإحرام بالوجه و الأمر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفا و انّها غير سافرة الوجه معه إلّا ما خرج عنها الى حدّ التظليل و نحوه».

الوجه الثاني: ما جعله صاحب الجواهر قدّس سرّه أولى من وجوه و وصفه في ذيل كلامه بأنّه مقتضى التحقيق من قوله: «ان الجمع بإخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل و الفتوى أولى من وجوه و لا يقتضي اختصاص

الحرمة- ح- بالنقاب كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما بل في الأوّل لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدّد أفراد التغطية بغير السدل كالشدّ و نحوه و خصوصا مع ملاحظة اللطوخ و نحوه، و من هنا تردد المصنّف- يعني المحقق في الشرائع- فيما يأتي في كراهة النقاب بل أفتى به الفاضل في الإرشاد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدّ النقاب محرّما مستقلا عن حرمة التغطية و ان كان قد علّله بها فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه».

و هنا وجوه أخر للجمع:

أحدها: حمل ما دلّ على حرمة تغطية الوجه على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي و حمل ما دلّ على جواز الإسدال على صورة وجوده.

و أورد عليه بان الشاهد على هذا الجمع حديث عائشة المتقدم و حيث انه ضعيف من حيث السند فلا يمكن ان يصار الى هذا الجمع لأنه بلا شاهد.

مع ان رواية سماعة المتقدمة المعتبرة أيضا شاهدة على هذا الجمع كما ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على التقييد بما إذا كانت راكبة تنطبق على هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 218

..........

______________________________

الوجه أيضا لظهور ان الركوب بما هو ركوب لا مدخل له في ذلك بل لأجل كون المرأة في حال الركوب في معرض نظر الأجنبي غالبا كما لا يخفى.

ثانيها: ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا حاصله ان ما دلّ على ان حدّ الإسدال إلى طرف الأنف و هو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الإسدال إلى الزائد من ذلك فيكون ما دل على جواز الإسدال إلى الفم أو الذقن و النحر معارضا

له فهذه الروايات تسقط بالمعارضة و المرجع- ح- ما دلّ على ان إحرام المرأة في وجهها فالواجب عليها بمقتضى الإطلاق عدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان نعم لا بأس بالعمل برواية معاوية بن عمّار الدالة على الجواز الى النحر مقيّدا بما إذا كانت راكبة لأنه لا معارضة بينها و بين روايات الحدّ لأنّه لا علم بعدم الفرق بين حال الركوب و غيره و انّما جوّز الستر في حال الركوب لأنّها في معرض نظر الأجنبي فتقيد روايات الحدّ بحال الاختيار و بأنها إذا كانت مأمونة من النظر فالمتحصل انها إذا كانت مأمونة من النظر يجوز لها إسدال الثوب الى طرف الأنف حتى تتمكن من ان تبصر و ترى الطريق و إذا كانت في معرضة يجوز لها الإسدال إلى الفم أو النحر.

ثالثها: ما احتمله بعض الأعاظم قدّس سرّهم على ما في تقريرات بحثه في الحج من انه لا معارضة بين الاخبار حتى تحتاج الى الجمع بتقريب يرجع ملخّصه ان قوله عليه السّلام «إحرام المرأة في وجهها» انما يدلّ على محل الإحرام و لا دلالة له على كيفية الإحرام و انّها عبارة عن كشف تمام الوجه بل لا بدّ من الاستفادة من دليل آخر و عليه فيمكن ان يقال ان المستفاد من صحيحة الحلبي المتقدمة الواردة في المرأة المتنقبة هي حرمة تغطية تمام الوجه لا بعضه للجمع بين إيجاب الاسفار و جواز الإرخاء و عليه فالمراد من قوله عليه السّلام «أسفري» هو لزوم اسفار بعض الوجه و من قوله عليه السّلام «و ارخي ثوبك» هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 219

..........

______________________________

جواز السدل بحيث يستر بعض الوجه لا تمامه

و اما ما دلّ على جواز الإسدال إلى الذقن أو الى النحر فيمكن ان يقال انّ المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبي وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفا أو مع الجانب الآخر كذلك.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 219

و التحقيق في المقام ان يقال أوّلا انك عرفت في مسألة حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة ان تغطية البعض الخارج عن المحدودة التي يسترها النقاب لا دليل على حرمتها و ان قلنا بالاحتياط الوجوبي نظرا الى الفتاوى التي ظاهرها انه لا فرق بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة فكما ان تغطيته لبعض الرأس محرمة كذلك تغطيتها لبعض الوجه و لكن الدليل لا يساعد على ذلك.

و ثانيا ان في جملة من الروايات المتقدمة الدالّة على وجوب الإسدال أو جوازه لم يقع التعرض أوّلا لبيان الحدّ بل التحديد قد تحقق بعد السؤال عن الحدّ و مرجعه إلى انه لو لم يتحقق السؤال لكان مقتضى الإطلاق الإسدال بنحو يشمل جميع الوجه كما لا يخفى.

و ثالثا ان في بعض الروايات ما ظاهره تقييد مشروعية الإسدال بما إذا مرّ بالمرأة المحرمة رجل أجنبي أو بما إذا كانت راكبة و مرجعة، الى كونها في معرض النظر.

و رابعا ان في بعض الروايات قد جمع بين إيجاب الاسفار و وجوب الإرخاء المضاف الى الثوب أو جوازه.

و حيث انّ الرواية الجامعة لجميع هذه الخصوصيات هي صحيحة الحلبي المتقدمة فلا بد من التكلم في مفادها و الدقة

في مدلولها فإنّها مفتاح حلّ إعضال الجمع بين الروايات لاشتمالها على الخصوصيات المزبورة خصوصا الأخيرة التي لها كمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 220

..........

______________________________

المدخلية في وجه الجمع فنقول:

نفس حكاية الإمام الصادق عليه السّلام انّ أبا جعفر عليه السّلام مرّ بامرأة متنقبة و هي محرمة تدلّ على عدم اجتماع التنقب مع الإحرام بمعنى انه لا يجوز للمحرمة التنقب في حال الإحرام و قد عرفت سابقا انّ في النقاب خصوصيتين إحداهما كونه ساترا لبعض الوجه، و الأخرى كونه ساترا للبعض المعين من الوجه دائما و بلحاظ هذا البحث الذي نحن فيه نقول بان فيه خصوصية ثالثة أيضا، و هي كيفية ساتريته لبعض الوجه و هي شدّ الثوب على ذلك البعض لا مجرد وضعه عليه فتدبّر.

و اما قوله عليه السّلام مخاطبا للمرأة المتصفة بما ذكر: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك فنقول نفس هذه المخاطبة ظاهرة في كون المرأة المذكورة واقعة في معرض نظر الأجنبي و امّا قوله: أحرمي فقد مرّ معناه في ذيل نقل الرواية و امّا قوله:

أسفري فالظاهر بملاحظة كون المرأة متنقبة هو لزوم الاسفار بالإضافة إلى المحدودة التي يسترها النقاب و يوجب التنقب عدم تغيّر لونها و التعليل بقوله «فإنك إن تنقبت لم يتغيّر لونك» يؤيد بل يدل على عدم كون المراد بالاسفار هو اسفار تمام الوجه و كشفه بل الاسفار بالنسبة إلى المحدودة المذكورة و لا شبهة في كون الرواية ظاهرة في وجوب الاسفار.

و امّا قوله: ارخي ثوبك من فوق رأسك فالظاهر ان المراد به هو وجوب الإرخاء الظاهر في ستر جميع الوجه بلحاظ كونها في معرض نظر الأجنبي فإن قلنا بوجوب ستر الوجه على

المرأة عند المعرضية للنظر فظاهر الرواية باق على حاله و ان قلنا بالعدم كما حققناه في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي الذي وقع التعرض فيه للستر الواجب النفسي أيضا في الرجل و المرأة فاللازم ان يقال بان مفاد هذا القول مجرد المشروعية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 221

..........

______________________________

لا الوجوب و قد مرّ ان الظاهر منه مع قطع النظر عن التحديد الواقع بعده هو جواز الإرخاء بنحو يشمل جميع الوجه لكنه بعد سؤال رجل عن حدّ الإرخاء أجاب بقوله:

تغطي عينها و الظاهر ان المراد من هذه العبارة هو التحديد بما وقع في صحيحة العيص المتقدمة التعبير عنه بقدر ما تبصر فإنه مع تغطية العين لا تتمكن من السير و الحركة فالمراد هو التغطية إلى حدّ العين.

و امّا قوله: نعم في مقام الجواب عن السؤال عن بلوغ الفم فلا بد أوّلا من ملاحظة انه كيف يجتمع مع التحديد الأوّل فإن جعل الحدّ هو العين لا يجتمع مع تجويز البلوغ الى الفم و ثانيا من ملاحظة انه كيف يجتمع التحديد مع إطلاق الحكم بإرخاء الثوب و لا محيص من ان يقال ان المراد مجرّد تجويز الإرخاء المضاف الى الثوب سواء بلغ الى حدّ العين أو الى حدّ الفم و بقرينة سائر الروايات يستفاد الجواز الى حدّ الذقن بل الى حدّ النحر.

و عليه فهذه الصحيحة شاهدة على انه لا تنافي بين الحدين و لا تعارض بين الأمرين فما عرفت في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم من انه لو كانت هذه التحديدات واقعة في كلام واحد لكانت من المتنافيات، يدفعه هذه الصحيحة المشتملة على الجمع بين التحديدين فاللازم ان يقال بعدم ثبوت التنافي

بوجه بل مرجعه الى جواز الجميع و مشروعية الإسدال بكل حدّ غاية الأمر انه حيث يكون موردها ما إذا كانت المحرمة في معرض نظر الأجنبي و قد وقع التصريح بهذا القيد في روايتي سماعة و معاوية المتقدمتين فلا بد من الاقتصار على هذا المورد و الحكم بالجواز في هذه الصورة بالإضافة الى جميع الحدود المذكورة في الروايات و امّا في غير هذه الصورة فالحكم فيه ما تقدم في مسألة تغطية الوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 222

[مسألة 36- لا كفارة على تغطية الوجه]

مسألة 36- لا كفارة على تغطية الوجه، و لا على عدم الفصل بين الثوب و الوجه و ان كانت أحوط في الصورتين (1).

[التاسع عشر: التظليل]

التاسع عشر: التظليل (2)

______________________________

و الظاهر ان قوله قدّس سرّه في المتن: للستر عن الأجنبي راجع الى أصل الحكم بجواز الإسدال بناء منه على حرمة تغطية بعض الوجه أيضا و امّا بناء على ما اخترناه فلا يتوقف جواز الإسدال إلى الأنف على ان يكون الغرض هو الستر عن الأجنبي بل يجوز مطلقا كما ان الاحتياط المستحبي المذكور فيه انّما هو للخروج عن خلاف من اعتبر عدم الإلصاق بالوجه مثل الشيخ قدّس سرّهم على ما عرفت.

(1) وجه عدم ثبوت الكفارة عدم الدليل على ثبوتها بنحو الخصوص و امّا الدليل العام فهي رواية علي بن جعفر عليه السّلام التي تقدم البحث فيها مرارا و قلنا انه ضعيفة سندا بعبد اللّٰه بن الحسن الذي هو حفيد علي بن جعفر عليه السّلام و دلالة لعدم ثبوت نسخة «جرحت» بل المحكي في الوسائل «خرجت» مضافا الى عدم ملاءمة كلمة الجرح لمثل هذه المقامات.

و امّا الاحتياط المستحبي فمنشؤه ما ذكره الشيخ قدّس سرّه عقيب الفتوى بلزوم الفصل في مسألة الإسدال بين الثوب و الوجه من وجوب الدم مع تعمّد المباشرة و استظهر منه صاحب الجواهر ثبوت الكفارة المذكورة حتى إذا زال أو ازاله بسرعة فإذا كانت الكفارة في هذه الصورة ثابتة ففي التنقب و مثله بطريق أولى لكنك عرفت ان الإسدال جائز و لو كان مصيبا للوجه و ملصقا به و في التغطية المحرمة لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة بوجه.

(2) قد قدّمنا البحث عن التظليل مفصّلا في أوّل محرّمات الإحرام لأجل شدّة الابتلاء به خصوصا في هذه الأزمنة

فلا مجال للإعادة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 223

[العشرون: إخراج الدم من بدنه و لو بنحو الخدش أو السواك]

العشرون: إخراج الدم من بدنه و لو بنحو الخدش أو السواك، و امّا إخراجه من بدن غيره كقلع ضرسه أو حجامته فلا بأس به كما لا بأس بإخراجه من بدنه عند الحاجة و الضرورة، و لا كفارة في الإدماء و لو لغير ضرورة (1).

______________________________

(1) قال المحقق في الشرائع في عداد محرّمات الإحرام: «و إخراج الدّم إلّا عند الضرورة و قيل يكره و كذا قيل في حكّ الجسد المفضي إلى إدمائه و كذا السّواك و الكراهة أظهر» و حكى في الجواهر حرمة إخراج الدم عن المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع مع اضافة قوله: على ما حكى عن بعضها و عليه فالشهرة انّما هي على الحرمة و المراد من القائل بالكراهة الذي أشار إليه المحقق في عبارته المتقدمة هو الشيخ في الخلاف لكن مورده الاحتجام و عن المصباح و مختصره كراهيته و الفصد و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في عنوان الإدماء و إخراج الدم من نفسه بنحو الإطلاق فنقول الدليل على حرمته عدّة روايات:

منها صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1». فان المتفاهم العرفي منها انّ حكّ الرأس بالأظافير إذا اتّصف بالإدماء و تعقبه خروج الدم يكون محرّما من جهة الإدماء و إخراج الدم لا من جهة كون حكّ الرأس متعقّبا بخروج الدم، كما ان الأمر كذلك بالإضافة

إلى قطع الشعر الذي عرفت انه من الأمور المحرّمة على المحرم و لا فرق بين ان يكون موجبه حكّ الرأس أو شيئا آخر غيره، فهذه الرواية تامة من حيث السند و الدلالة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 224

..........

______________________________

و منها رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحكّ الجسد ما لم يدمه «1».

و منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يستاك قال: نعم و لا يدمى «2».

المقام الثاني: في العناوين الخاصة الواقعة في الروايات و هي متعددة:

الأوّل الاحتجام و قد وردت فيه طائفتان من الاخبار:

الطائفة الأولى: ما ظاهره المنع و عدم الجواز مثل:

صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، إلّا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3».

و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال لا يحتجم المحرم إلّا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة «4».

و الرّاوي عن زرارة هو مثنى بن عبد السّلام الذي هو من رجال صفوان بن يحيى و قد اشتهر ان روايته و كذا رواية ابن أبي عمير و ابن أبي نصر البزنطي عن شخص دليل على وثاقته و ان كان مجهول الحال بنفسه لكن فيه كلام كما قرّر في محلّه.

و رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، إلّا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال: إذا آذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و

لا يحلق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

الشعر «1». و المراد هو الشعر الموجود في مكان الحجامة.

و رواية ذريح انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم فقال نعم إذا خشي الدّم «2». و ظاهرها عدم الجواز مع عدم خشية الدم التي يعبر عنها في الفارسية به «فشار خون».

الطائفة الثانية: ما يدلّ بظاهره على الجواز مثل:

صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر «3».

و مرسلة الصدوق المعتبرة- على ما نبهنا عليها مرارا- قال: احتجم الحسن «الحسين خ ل» بن علي عليهما السّلام و هو محرم «4».

و رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا أحبّه «5». بناء على ظهور قوله: لا أحبّه في الكراهة الملاءمة للجواز و امّا بناء على ظهوره في الحرمة فالرواية تكون من روايات الطائفة الاولى.

و رواية فضل بن شاذان قال سمعت الرضا عليه السّلام يحدّث عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله احتجم و هو صائم محرم «6».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال سألته عن المحرم هل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح

8.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 7.

(5) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 4.

(6) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

يصلح له ان يحتجم؟ قال: نعم و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزّه «1».

و الجمع بين الطائفتين بحيث يخرجهما عن المتعارضين انّما هو بحمل الطائفة الثانية على صورة الضرورة و قد وقع التصريح بالجواز في هذه الصورة في جملة من روايات الطائفة الاولى و بعبارة أخرى الطائفة الثانية تدلّ على الجواز بنحو الإطلاق و ان كان في مرسلة الصدوق لا مجال للإطلاق أيضا لأنّها حكاية فعل الامام عليه السّلام و الفعل لا إطلاق له نعم لو كان الحاكي له هو امام آخر و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم و افادته من هذا الطريق كما في رواية فضل بن شاذان يمكن التمسك بإطلاقه و بالجملة الطائفة المجوزة مطلقة و الطائفة المانعة مفصلة بين صورتي الضرورة و عدمها و الجمع يقتضي حمل الاولى على صورة الضرورة و لا حاجة معه الى وجود الشهرة على طبق الطائفة المفصلة لأن الجمع الدلالي يوجب الخروج عن دائرة التعارض و الشهرة مرجّحة في باب المتعارضين فلا مجال لما في الجواهر من ان الشهرة ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة، ثم ان حمل صحيحة حريز الظاهرة في الجواز المقيدة بصورة الضرورة عليها لا ينافي التقييد بعدم الحلق و قطع الشعر نظرا إلى انّه لو كانت الضرورة موجودة لكان مقتضاها جواز الحلق و القطع أيضا.

وجه عدم المنافاة أن الضرورة

في أصل الاحتجام لا تستلزم الضرورة بالإضافة إلى الحلق و القطع و لأجله وقع الجمع بين الأمرين في صحيحة الحلبي المتقدمة حيث انه بعد الحكم بجواز الاحتجام فيما لا يجد بدّا نهى فيها عن حلق مكان المحاجم.

العنوان الثاني: الاستياك و الفرق بينه و بين الاحتجام ملازمة الثاني للإدماء و إمكان عدم الإدماء في الأوّل و قد وقع فيه أيضا طائفتان من الاخبار:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و الستون، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

الطائفة الأولى: ما ظاهره المنع في صورة الإدماء مثل:

صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يستاك؟ قال: نعم و لا يدمي «1».

الطائفة الثانية: ما ظاهره الجواز في الصورة المذكورة مثل:

صحيحة علي بن جعفر- في كتابه- عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي ان يدمى فيه «2». بناء على كون قوله:

لا ينبغي، ظاهرا في الكراهة المقابلة للحرمة و امّا لو كان المراد به الحرمة فيما لم يقم دليل على خلافها فهذه الرواية تصير من جملة الطائفة الأولى كما انه لو قيل بان المراد به هو الأعم من الكراهة و الحرمة لكانت صحيحة الحلبي قرينة على ان المراد بها خصوص الحرمة كما انه على القول الأوّل تصير هذه الرواية قرينة على ان المراد بقوله:

و لا يدمي في الصحيحة المزبورة هي الكراهة.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم يستاك؟ قال:

نعم، قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم هو من السنّة «3». و في الوسائل أن الكليني قدّس سرّه بعد نقل الرواية بهذه الكيفية

عن معاوية بن عمار، قال: قال الكليني: و روى أيضا لا يستدمي.

و احتمل ان يكون: روى بصيغة المعلوم فيكون ضمير الفاعل راجعا إلى معاوية بن عمّار و عليه فمقتضاه كون الرواية مسندة بنفس السند المذكور قبله و اللازم- ح- ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثاني و التسعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 228

..........

______________________________

يقال بان موضع «لا يستدمي» مكان الجواب عن السؤال الثاني و هو قوله: نعم هو من السنّة فتدلّ الرواية على عدم جواز الاستدماء و الظاهر انه لا فرق بينها و بين الإدماء المذكورة في السؤال.

و لكن الظاهر ان هذا الاحتمال في غاية الضعف و ذلك لأنّه عليه كان اللازم التصريح بكون معاوية روى ذلك بهذا السند كما انه كان اللازم بيان محلّ قوله:

لا يستدمي بل الرواية مرسلة على نقل الكليني و الظاهر ان مراده هي صحيحة الحلبي المتقدمة غاية الأمر ان الشيخ رواها مسندة و الكليني مرسلة.

و كيف كان فالمعارضة متحققة بين الطائفتين و لا سبيل الى الجمع الدلالي المخرج لهما عن عنوان المتعارضين و حيث ان الاولى موافقة للشهرة الفتوائية حيث ان جملة من الأصحاب و ان اقتصروا على ذكر بعض العناوين كالاحتجام و حكّ الجسد و الاستياك و نحوها إلّا ان المشهور على ما عرفت في أوّل البحث حكموا بحرمة مطلق الإدماء من أي طريق تحقق، و عبارة الشرائع المتقدمة التي استظهر فيها الكراهة تحتمل ان تكون راجعة إلى العنوانين لا الى عنوان الإدماء على سبيل الإطلاق كما فسرها بذلك ابتداء صاحب

الجواهر و هو الظاهر و ان احتمل في ذيل كلامه رجوعها الى المطلق فاللازم الأخذ بالطائفة الناهية و الحكم بحرمة الاستياك مع الإدماء.

العنوان الثالث: حكّ الجسد المؤدّي إلى إدمائه و قد اقتصر عليه في محكي الاقتصاد و الكافي.

و يدلّ على حرمته صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 229

..........

______________________________

و رواية عمر بن يزيد التي في سندها ابنه محمد و هو لم يوثق عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحكّ الجسد ما لم يدمه «1».

و لا ينافيهما رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام هل يحكّ المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة الحديث «2». بعد كون إطلاقها محمولا على صورة عدم الإدماء خصوصا مع كون الغالب عدم إيجاب حكّ الرأس لإدمائه كما لا يخفى.

العنوان الرابع: عصر الدّمل و قد وردت فيه صحيحة معاوية بن عمّار انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم يعصر الدّمل و يربط عليه الخرقة فقال: لا بأس «3». و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال و ان كان هو عدم الفرق بين صورة خروج الدم و صورة عدمه خصوصا مع كون عصر الدمل يتعقبه خروج الدم أيضا غالبا إلّا ان الرواية محمولة على صورة الضرورة للتأذي ببقاء الدّمل على حاله و عدم عصره بقرينة ما تقدم من الروايات.

العنوان الخامس: الجرب و

قد وردت فيه موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال: يحكّه فان سال الدم فلا بأس «4».

و امّا قلع الضرس فهو من محرمات الإحرام و قد وقع البحث فيه مستقلا و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثالث و السبعون، ح 4.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السبعون، ح 1.

(4) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الواحد و السبعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 230

[الواحد و العشرون: قلم الأظفار و قصّها- كلّا أو بعضا- من اليد أو الرجل]

اشارة

الواحد و العشرون: قلم الأظفار و قصّها- كلّا أو بعضا- من اليد أو الرجل من غير فرق بين آلاته كالمقراضين و المدية و نحوهما، و الأحوط عدم إزالته و لو بالضرس و نحوه، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائد و ان لا يبعد الجواز لو علم انّهما زائدان (1).

______________________________

ثم انه لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة في الإدماء و ان حكى عن الدروس ان فدية إخراج الدم شاة و حكاه عن بعض أصحاب المناسك و عن الحلبي في حكّ الجسم حتى يدمي مدّ طعام مسكين لكن لم يعرف الدليل المعتبر على شي ء منهما.

(1) الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في أصل الحكم و في الجواهر بعد نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه قال: بلى في المنتهى و التذكرة نسبته الى علماء الأمصار.

و الأصل في المسألة النصوص المتعددة الواردة فيها و هي على طائفتين:

الطائفة الأولى: ما تدلّ على حرمة القصّ أو وجوب الإبقاء بالمطابقة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار التي رواها

الشيخ قدّس سرّه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال: لا يقصّ شيئا منها ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصّها «فليقلمها خ ل» و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «1».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية: و رواه الصدوق في المقنع مرسلا.

و لكنه رواه في باب آخر عن الصدوق مسندا بسند صحيح مع اضافة قوله في السؤال: أو ينكسر بعضها فيؤذيه «2».

و دلالتها على حرمة القصّ بالمعنى الأعم الشامل لمطلق الإزالة و القطع ظاهرة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 231

..........

______________________________

خصوصا لو فرض كون التعبير في صورة الإيذاء بالقلم كما في بعض النسخ كما ان دلالتها على حرمة قصّ شي ء من الأظفار أيضا كذلك و عليه فتدلّ على حرمة قصّ ظفر إصبع واحد بل بعضه و الاستطاعة المأخوذة في لسان الدليل يكون المراد هي الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في الأدلّة و الظاهر انّ مقابلتها مع الأذية تقتضي ان لا يكون المراد بالأذية مطلقها الشامل لما إذا كانت قابلة للتحمل عادة و لا تكون موجبة للعسر و الجرح بل خصوص الأذية غير القابلة لذلك الواقعة في مقابل الاستطاعة العرفية و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على الحرمة بالمطابقة.

و موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل أحرم فنسي ان يقلّم أظفاره، قال: فقال يدعها قال قلت انّها طوال قال و ان كانت قلت فان رجلا أفتاه أن يقلّمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال:

عليه دم «1». و رواه صاحب الوسائل في موضع آخر «2» و قد توهم لأجله انّهما روايتان مع وضوح انّهما رواية واحدة خصوصا مع عدم الاختلاف بينهما في العبارة إلّا يسيرا كتوصيف الرجل المفتي بكونه من أصحابنا و مثل ذلك.

و ظاهر ان مرجع الضمير و ان كان هو المحرم الذي قلّم أظفاره استنادا الى فتوى الرجل الذي هو من أصحابنا إلّا ان الظاهر كون المراد منه هو الرجل المفتي لوجهين:

الأوّل دلالة الروايات المتعددة على نفي ثبوت الكفارة في المقام بالإضافة إلى الناسي و الساهي و الجاهل و سيأتي التعرض لبعضها و من المعلوم كون المحرم في مورد الرواية جاهلا و استند في عمله الى فتوى المفتي.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 232

..........

______________________________

الثاني التصريح بذلك في رواية إسحاق الصيرفي قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام انّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصّه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فأدماه فقال على الذي أفتى شاة «1». و الظاهر عدم مدخلية الإدماء في ثبوت الكفارة على المفتي خصوصا بعد عدم تجاوز الفتوى عن حدّ القصّ و ان حكى عن المشهور الفتوى بذلك مقيّدا بالإدماء نظرا الى هذه الرواية.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على الحرمة بالدلالة الالتزامية لدلالتها على ثبوت الكفارة مثل:

صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمّدا فعليه دم «2». و سيأتي البحث إن شاء اللّٰه تعالى في مسألة الكفارة ان

الجمع المضاف الواقع فيها هل يكون المراد به خصوص الجميع أو الأعم منه و من البعض ثم انه لا فرق في هذا المحرّم بين الرجل و المرأة و ان وقع التعبير بالأوّل في جملة من الروايات لكن الظاهر انه لا خصوصية له خصوصا بعد التعبير ب «من» في صحيحة زرارة كما انه لا فرق بمقتضى الإطلاق بين اليد و الرجل و الظاهر انه لا فرق بين آلات القطع لدلالة بعض الروايات على وجوب الإبقاء المنافي للقلع و لو بالضرس و نحوه و عليه فالظاهر عدم الجواز بمثله أيضا.

و اما اليد الزائدة و الإصبع الزائد فظاهر المتن التفصيل بين ما إذا كان الزائد منهما مشخّصا معلوما فنفى البعد عن الجواز فيه، و بين ما إذا لم يكن مشخّصا فاحتاط وجوبا عدم القصّ و القلم.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 233

[مسألة 41- الكفارة في كل ظفر من اليد أو الرجل مدّ من الطّعام]

مسألة 41- الكفارة في كل ظفر من اليد أو الرجل مدّ من الطّعام ما لم يبلغ في كل منهما العشرة فلو قصّ تسعة أظفار من كل منهما فعليه لكل واحد مد (1).

______________________________

و الظاهر انه لا فرق بين الصورتين في عدم الجواز فان كون اليد زائدة أو الإصبع كذلك لا ينافي اضافة الظفر الى الرجل المحرم غاية الأمر أنّه إنسان له خصوصية كذا و لا يكون الزائد خارجا عن الجزئية له و الإضافة اليه و لذا يجب غسلهما خصوصا في باب الغسل الذي يعتبر فيه غسل جميع البدن، و دعوى انصراف الأدلة المانعة عن ظفر الإصبع الزائد أو اليد الزائدة ممنوعة جدّا خصوصا

لو قلنا بان الجمع المضاف الى الضمير في مثل قوله: أظافيره ظاهر في جميع الأظافير و هذا هو الذي قواه الفخر و تبعه الشهيد و ان احتمل صاحب الجواهر خلافه.

(1) المشهور انّ ثبوت الكفارة بالإضافة الى كل ظفر ما لم يبلغ العشرة بالإضافة الى كل من اليد و الرجل انّما هو بمقدار مدّ من طعام و ظاهرهم تعيّن نفس المدّ و انه لا يجتزي بقيمته.

لكن حكى عن الإسكافي انه قال: في الظفر مدّ أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم ان كان في مجلس واحد فان فرّق بين يديه و رجليه فليديه دم و لرجليه دم.

و عن الحلبي: في قصّ ظفر كفّ من طعام و في أظفار إحدى يديه صاع، و في أظفار كلتيهما دم شاة، و كذا حكم أظفار رجليه و ان كان الجميع في مجلس فدم.

و ظاهر الوسائل في عنوان الباب التخيير بين مدّ من الطعام و بين كفّ منه.

و كيف كان فالدليل على المشهور صحيحة أبي بصير بناء على نقل الصّدوق قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل قصّ ظفرا من أظافيره و هو محرم قال: عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة فإن قلم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة، فإن «1» قلّم أظافير يديه و رجليه

______________________________

(1) هكذا في الوسائل و لكنه حكى عن المصدر زيادة «قلت» و هو الظاهر و إلّا لا يكون كلمة إلغاء و كذا ذكر «فقال» ملائما كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 234

..........

______________________________

جميعا فقال: ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و ان كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان «1». هذا و لكن

في نقل الشيخ بدل «عليه مدّ من طعام» قال: عليه في كل ظفر قيمة مدّ من طعام، و على ما ذكرنا فالاختلاف انّما هو بين النقلين لا بين النسختين كما هو ظاهر صاحب الجواهر و حيث ان الصدوق أضبط في نقل الرواية عن الشيخ لكثرة اشتغالاته و تأليفاته في الفنون المختلفة الإسلامية بل له تأليفات متعددة في فنّ واحد كالفقه فالظاهر لزوم الأخذ بما رواه الصدوق الذي يؤيّده فتوى المشهور كما أنه يؤيده خبر الحلبي و ان كان في سنده ضعف انه سأله عن محرم قلّم أظافيره قال:

عليه مدّ في كل إصبع فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فانّ عليه دم شاة «2».

لكن ربما يتوهم انّ في مقابلها روايتين ظاهرتين في خلاف ما ذكر:

إحداهما صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقصّ شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها (فليقلمها خ ل) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «3». و لعله لأجله حكم صاحب الوسائل بالتخيير بين المدّ و الكف للجمع بين الروايات و لكن حيث ان مورد ذيل الرواية صورة الاضطرار المسوغ للقصّ فلا دلالة له على ان الكفارة في محلّ البحث الذي هي صورة الحرمة و مخالفة التكليف التحريمي المتعلق بقصّ الظفر أيضا ذلك.

ثانيتهما صحيحة زرارة المتقدمة أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال من قلّم أظافيره

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمّدا فعليه دم «1» بناء على عدم ظهور الجمع المضاف الى الضمير في العموم فإنّها- ح- تدل على ثبوت الدم في قصّ ظفر واحد أيضا.

و لكن الجواب انّ إطلاقها على فرض ثبوته يقيّد بالمجموع بسبب صحيحة أبي بصير المتقدمة الّتي هي نص في عدم وجوب الدّم في قصّ ظفر واحد أو مثله.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور و ربما يدفع احتمال ثبوت القيمة بأنه يلزم- ح- التخيير بين الأقل و الأكثر في الواجب التخييري و هو مستحيل بخلاف نفس المدّ الذي يرجع الى التخيير بين أنواع مختلفة مثل الحنطة و الشعير و غيرهما و لكن التحقيق كما قرّر في الأصول انه لا استحالة في التخيير بين الأقل و الأكثر بوجه هذا كلّه بالنسبة الى ما دون الخمسة.

و امّا في الخمسة و ما زاد عليها الى ان تبلغ العشرة ففي المتن تبعا للمشهور ان في كل ظفر مدّا من طعام فلو قصّ تسعة أظفار ففي كل واحد منها المدّ و يبلغ المجموع تسعة أمداد لكن عرفت في عبارة الإسكافي انّ في الخمسة فما زاد الدّم و في عبارة الحلبي ان في الخمسة المطابقة لأظفار احدى يديه صاع مع ان الصاع يعادل أربعة أمداد.

أقول امّا ما ذكره الحلبي فلا شاهد له أصلا إلّا ما ذكره صاحب الجواهر من انّه يحتمل ان يكون مراده من الصاع هو صاع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله الذي كان خمسة أمداد و من الظاهر انه بعيد.

و امّا ما ذكره الإسكافي فيمكن ان يكون مستنده في ذلك صحيحة حريز عن أبي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب

بقية كفارات الإحرام، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 236

..........

______________________________

عبد اللّٰه عليه السّلام في المحرم ينسي فيقلّم ظفرا من أظافيره قال: يتصدّق بكفّ من طعام قلت فاثنتين قال: كفين قلت فثلاثة قال: ثلث أكفّ كل ظفر كف حتى يصير خمسة فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان «1».

و مرسلته عمّن أخبره عن أبي جعفر عليه السّلام في محرم قلّم ظفرا قال يتصدّق بكفّ من طعام قلت: ظفرين، قال: كفين قلت ثلاثة قال ثلاثة أكفّ، قلت أربعة قال أربعة أكفّ قلت خمسة قال عليه دم يهريقه فان قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلّا دم يهريقه «2».

و دلالة الأولى على ثبوت الدم في الخمسة في صورة التوجه و الالتفات انّما هي على سبيل الأولوية لأنه إذا كان الدم ثابتا في الخمسة في صورة النسيان ففي صورة الالتفات لا مجال لاحتمال كون الكفارة أخفّ و أقلّ من الدّم إلّا ان يكون المراد بالنسيان فيه هو النسيان قبل الإحرام و تقليم الظفر بعده مع الالتفات و عليه تكون دلالتها بالمطابقة كالمرسلة لكن هذا الاحتمال في الصحيحة خلاف الظاهر جدّا.

ثم ان دلالة الروايتين على مدّعى الإسكافي انّما هي بالإضافة الى بعض مدّعاه الذي هو محلّ البحث فعلا لأنّ بعضه الآخر كان عبارة عن التخيير بين المدّ و قيمته مع ان مقتضى الروايتين ثبوت كفّ من طعام في ظفر واحد و كفين في ظفرين و هكذا الى ان يبلغ الخمسة.

هذا و يرد على الاستناد إليهما انّ الثانية ضعيفة بالإرسال و لا مجال للاستناد إليها و الاولى و ان كانت صحيحة إلّا انّ ثبوت الكفارة

في مورد النسيان في قلم الظفر مضافا

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثاني عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 237

..........

______________________________

إلى انه خلاف الفتاوى بل الإجماع كما في الجواهر فالرواية تصير معرضا عنها يكون مخالفا لحديث الرفع و لما دلّ على ان الناسي أو الجاهل في باب الحج ليس عليه الكفارة إلّا في مسألة الصيد و لما ورد في خصوص المقام من الرواية الصحيحة الدالة على اختصاص الكفارة بالمتعمد و انه لا شي ء على الناسي و الساهي و الجاهل كصحيحة زرارة المتقدمة في أصل البحث فلا مجال للأخذ بهذه الصحيحة في المقام على انهما موافقتان لمذهب أبي حنيفة في الحكم بالدم في الخمسة.

هذا و امّا المناقشة في الصحيحة بكون أمرها دائرا بين الإرسال كالرواية الثانية التي نقلها الكليني و بين كونها مسندة كما في نقل الشيخ كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم فمن الغرائب جدّا فان الدوران انّما يكون مورده ما إذا كان الراوي واحدا و الامام الذي روى عنه واحدا فإنه- ح- إذا كانت احدى روايتيه بنحو الإرسال و الأخرى مسندة يكون أمر الرواية دائرا بين الإرسال و الاسناد و يخرج بذلك عن الحجية و الاعتبار و امّا إذا كان الامام عليه السّلام متعددا فأي مانع من ان يكون نقله عن أحدهما بنحو الإرسال و الآخر مسندا و لا منافاة بين النقلين بوجه و المقام من هذا القبيل فان حريز روى الصحيحة عن الصادق عليه السّلام بلا واسطة و المرسلة عن الباقر عليه السّلام مع واسطة مجهولة و لا معنى للحكم بالدوران هنا بل الصحيحة

باقية على حجيتها و وجود المرسلة لا يقدح فيها بوجه هذا كلّه بالإضافة إلى الخمسة و ما زاد ما لم يبلغ العشرة.

و امّا العشرة فلا شبهة في ان الكفارة فيها نصّا و إجماعا هو دم شاة و قد وقع التصريح به في صحيحة أبي بصير المتقدمة كما انه لا شبهة في انه إذا كانت العشرة مجموع اليدين أو مجموع الرجلين تكون كفارة الدّم ثابتة و امّا إذا كانت مركبة من اليد و الرجل كما إذا قلّم أظافير يد واحدة و كذا رجل واحدة فهل الكفارة الدم أو عشرة أمداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 238

..........

______________________________

من الطعام؟

صريح المتن هو الثاني حيث وقع فيه التصريح بأنه لو قص من كل واحدة من اليد و الرج لتسعة أظفار فعليه لكل واحد مدّ و قد تبع في ذلك صاحبي المسالك و الجواهر قدّس سرّهما.

و التحقيق يقتضي خلاف ذلك لأنّ المستند الوحيد في هذا المقام هي صحيحة أبي بصير المتقدمة و ان جعل في الوسائل روايته متعددة و تبعه بعض الكتب الفقهية إلّا ان الظاهر عدم كونها اخرى كما أشرنا إليه مرارا.

و صحيحة أبي بصير الدالة على ثبوت المدّ لكلّ من ظفر لا مجال للإشكال في ثبوت الإطلاق لها بالإضافة الى ما دون العشرة فإذا قصّ أظفار إحدى يديه و أربعة أظفار من رجليه- كلتيهما أو إحديهما- فالحكم فيه هي تسعة أمداد من الطعام مع عدم التجانس بين الأظفار لكون جملة منها من اليد و جملة أخرى من الرجل و من الواضح انّ مبنى الحكم و مستنده هي هذه الصحيحة و عليه فاللازم الالتزام بثبوت الإطلاق للضابطة الكلية المستفادة منها و هي ثبوت المدّ

لكل ظفر فيما دون العشرة و الحكم بأنه لا فرق فيما دونها بين ان يكون الجميع من اليد أو من الرجل أو من كلتيهما على سبيل الاختلاط و التركيب.

فإذا كان الإطلاق ثابتا للمغيّى فالظاهر ثبوته بالنسبة إلى الغاية و هي العشرة لأن الصحيحة مسوقة لبيان حكم كل من الصورتين و عليه فكما انه لا فرق فيما دون العشرة بين الفروض الثلاثة المذكورة كذلك لا فرق في العشرة بين تلك الفروض و لا مجال للتفكيك بين العنوانين فإذا كانت العشرة مركبة من اليد و الرجل معا فاللازم الحكم بثبوت كفارة الدّم فيها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

نعم هنا شي ء ربما يمكن ان يوهم خلاف ذلك و هو ان التفريع المذكور بعده بقوله: فان قلم أصابع يديه ناظرا إلى الأظفار المتجانسة و هي أظفار اليدين و لكن من الظاهر انّ التعرض لبعض الفروض في مقام التفريع لا يوجب اختصاص الحكم به و لذا يستفاد منه حكم أظفار الرجلين أيضا و لا شاهد على الاختصاص بالفرضين بل الظاهر شمول الحكم للفرض الثالث و هي صورة الاختلاط و الشاهد على استفادة حكم الرجلين أيضا السؤال الثاني لأبي بصير المشتمل على فرض الجمع بين أظفار اليدين و الرجلين معا فإنه لو لم يكن حكم الرجلين مستفادا من الجواب عن السؤال الأوّل لكان الاولى بل المتعيّن السؤال عنه قبل السؤال عن الجمع بين أظفار اليدين و الرجلين معا و قد عرفت انّ النسخة الصحيحة الملاءمة مع كلمة «الفاء» و مع قوله: فقال هو اضافة كلمة «قلت» الظاهرة في السؤال الثاني قبل قوله فان قلّم أظافير يديه و رجليه معا و على ما ذكرنا فالصحيحة تدلّ

بالوضوح على انّ العشرة المركبة من اليد و الرجل كفارتها أيضا دم شاة.

ثم انّ المنسبق الى الذهن و المتفاهم العرفي من الصحيحة انّ ثبوت كفارة الدم فيما إذا بلغ عشرا انّما هو فيما إذا لم يتحقق التكفير عمّا دونه فلو فرض انه كفّر عقيب كلّ ظفر قصّه مدّا من الطعام فالظاهر انه لا يترتب على قص الظفر العاشر الذي هو ظفر واحد بعد الكفارات المتعددة لما دونه، إلّا المدّ و لا يثبت كفارة الدم بمجرد قصّ ظفر واحد مع هذه الصفة كما انه لو كفر عقيب التسعة عن الجميع تسعة أمداد فقصّ الظفر العاشر فلا يترتب عليه إلّا كفارة المدّ دون الدّم و هكذا في الفروض المشابهة حتى في مثل ما كفر عن ظفر واحد، فان ترتب كفارة الدم متوقف على العشرة بعده بحيث صار المجموع واحدا و عشرة و لا يكفي مجرّد تحقق العشرة في المجموع و هذا لا فرق فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 240

[مسألة 42- الكفارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة]

مسألة 42- الكفارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة، و لقصّ جميع أظفار الرجل شاة، نعم لو قصّهما في مجلس واحد فللمجموع شاة إلّا مع تخلّل الكفارة بين قصّ الأوّل و الثاني فعليه شاتان، و لو قصّ جميع أظفار إحديهما و بعض الأخرى فللجميع شاة و للبعض لكلّ ظفر مدّ، و لو قصّ جميع إحديهما في مجلس أو مجلسين و جميع الأخرى في مجلس آخر أو مجلسين آخرين فعليه شاتان، و لو قصّ جميع أظفار يده في مجالس عديدة فعليه شاة و كذا في قصّ ظفر الرجل (1).

______________________________

بين القول بكون الموضوع لكفارة الدم هي العشرة المتجانسة كعشرة اليدين فقط أو الرجلين كذلك

و بين القول بكون الموضوع أعمّ منها و من العشرة المركبة المختلطة.

نعم على الأوّل ربما يتحقق الاشكال من جهة انه لو كفّر عن ظفر واحد فالعشرة المتجانسة لا تتحقق- ح- إلّا على فرض كون الظفر المذكور من غير جنس البقية لعدم تحقق التجانس- ح- كما لو فرض انّه قصّ ظفرا واحدا من الرجل فكفّر ثم قصّ جميع أظفار اليد و إلّا فلو فرض كون الظفر الذي كفّر عنه من اليد ثم قصّ سائر أظفارها و ضم اليه واحدا من الرجل لا يترتب عليه كفارة الدم لعدم التجانس و من الواضح انه من المستبعد جدّا فيصير مثل ذلك قرينة أخرى على عدم اعتبار التجانس بوجه كما لا يخفى.

(1) امّا ثبوت كفارة الشاة لقصّ جميع أظفار اليد أو جميع أظفار الرجل فقد مرّ البحث فيه في المسألة السابقة و تقدم انّ ذلك انّما هو فيما إذا لم يكن القصّ المذكور مسبوقا بالتكفير عن بعض ما دون العشرة فضلا عن جميعه و إلّا لا يترتب كفارة الشاة إلّا إذا كان اللاحق على التكفير بالغا إلى العشرة مطلقا أو خصوص المتجانسة على اختلاف الرأيين.

و امّا قصّ جميع أظفار اليدين و الرجلين معا فهو مورد للسؤال الثاني في صحيحة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

أبي بصير المتقدمة و قد وقع التفصيل في جوابه بين ما إذا كان ذلك في مجلس واحد فعليه دم و بين ما إذا فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان، لكنه قد قيد في المتن الصورة الأولى بما إذا لم يتحقق التكفير بين القصين و انه مع تخلله بينهما ففيه أيضا شاتان و هذا هو الظاهر لما عرفت في ذيل المسألة

السابقة من ان المتفاهم العرفي من الصحيحة صورة عدم التخلل فكما انه في أصل ثبوت الشاة في العشرة يعتبر ذلك كذلك في ثبوت شاة واحدة في العشرين في مجلس واحد فلا إشكال في ذلك.

انّما الاشكال و المهم في هذه المسألة في ما لو قصّ جميع أظفار إحداهما و بعض الأخرى حيث انه في المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه الحكم بثبوت شاة بالإضافة إلى عشرة اليد أو الرجل و بالإضافة إلى البعض الزائد لكلّ ظفر مد.

وجه الاشكال انّ ظاهر الصحيحة المفصلة بين العشرة و ما دونها بالحكم بثبوت كفارة الشاة في الاولى و ثبوت المدّ لكل ظفر في الثانية ان العشرة الملحوظة فيها هي العشرة في مقابل النقيصة و ما دونها لا خصوص عنوان العشرة في مقابل النقيصة و الزيادة معا و عليه فالعشرة في المقام انّما هي كالعشرة المعتبرة في قصد الإقامة في باب السفر الموجبة للإتمام في الصلاة و القاطعة لحكمه و تفريع قصّ أظفار اليدين عليه في الرواية على كون المراد بالعشرة ذلك لما عرفت من انّ التفريع يشتمل على بعض فروض المسألة و الجواب عن السؤال الثاني فيها بما عرفت من التفصيل بين مجلس واحد و بين مجلسين بثبوت دم في الأوّل و دمين في الثاني يؤيد ما ذكرنا من انه مع بلوغ العشرة يرتفع كفارة المدّ و تتحول الى الدم و الشاة، غاية الأمر ثبوت واحدة في بعض الموارد و اثنتين في بعض الموارد الأخر.

و بالجملة فظاهر الصحيحة التي حكم فيها بثبوت المدّ لكل ظفر و جعلت الغاية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 242

[مسألة 43- لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من عشرة فقصّ الجميع]

مسألة 43- لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من

عشرة فقصّ الجميع فلكلّ واحد مدّ و الأحوط دم شاة، و لو كانت أكثر فقص الجميع فعليه شاة، و كذا لو قصّ جميع أظفاره

______________________________

فيها هو بلوغ العشرة انّه مع البلوغ إليها ينقلب الحكم و يتحول من المدّ الى الدم و من الطعام إلى الشاة و هذا لا فرق فيه بين العشرة و ما زاد عليها نعم يعتبر فيه عدم تخلل التكفير فإذا كفر عن العشرة بشاة ثم قص البعض من الأخرى يجب عليه ان يكفر عن البعض لكلّ ظفر مدّ و امّا مع عدم التخلل فلا وجه لثبوت كفّارتين.

و يؤيد بل يدلّ على ما ذكرنا مضافا الى ظهور نفس الصحيحة في ذلك، ظهور صحيحة زرارة المتقدمة الدالّة على اختصاص ثبوت الكفّارة بالمتعمد و عدم ثبوتها على الناسي و السّاهي و الجاهل حيث ان مدلولها انّ من قلّم أظافيره يجب عليه دم شاة.

و قد تقدم ان إطلاقها و ان كان يقيّد بما دون العشرة إلّا انه لا دليل على تقييدها في العشرة فما زاد فمقتضاها ثبوت الدم في كلتا الصورتين.

كما انه يدل على ما ذكرنا ان لازم ما في المتن ان تكون الصورة المذكورة أشدّ من حيث الكفارة ممّا إذا قصّ جميع الأظفار من اليدين و الرجلين في مجلس واحد حيث لا يكون فيه إلّا شاة واحدة و الصورة المذكورة يكون فيهما الشاة مضافة الى المدّ بالإضافة الى كل ظفر فهل يمكن استفادة ذلك من الصحيحة الواردة في المسألة.

و يؤيده أيضا روايتا حريز المتقدمتان فانا و ان لم نقل بمفادهما من جهة جعل الملاك في كفارة الدم هي الخمسة دون العشرة إلّا انّهما ظاهرتان في انّ الملاك هي الخمسة أو العشرة أو ما كان فتدلان على

ان البلوغ الى الحد المعتبر يكفي في الانتقال و لا فرق بين نفس الحدّ و الزائد عليه و لعمري ان ما ذكرنا بمكان من الوضوح.

ثم انه لا يخفى ما في المتن من تطويل العبارة في ذيل المسألة من دون ان يكون له طائل و من الممكن افادة المطالب من دون التطويل المذكور فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 243

الأصليّة على الأحوط، و لو قصّ بعض الأصليّة و بعض الزائدة فلكلّ من الأصلية مدّ و الأولى الأحوط تكفير مدّ لكل من الزائدة (1).

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: فيما لو كان أظفار يده أو رجله أقل من العشرة و قد قصّ الجميع و قد حكم فيه في المتن بثبوت المدّ لكل واحد و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ثبوت دم شاة و في الجواهر ثبوت الإشكال في الناقصة من صدق اليدين، و من الأصل و النصّ على العشر في الاخبار.

أقول العمدة في المسألة صحيحة أبي بصير المتقدمة و فيها ظهوران متنافيان في بادئ النظر بالإضافة الى هذا المقام الذي نبحث فيه أحدهما ظهور جعل الغاية بلوغ العشرة في ان هذا العدد له مدخلية في انتقال الكفارة من الطعام إلى الشاة و قد مرّ انّ ذكر هذا العدد انّما هو بالإضافة الى ما دون العشرة و ما نقص منه و عليه فمقتضاه في مورد البحث ثبوت المدّ لكل واحد.

ثانيهما ظهور التفريع في انّ ما يترتب عليه كفارة الدم و يوجب التحوّل و الانتقال قصّ جميع أظفار اليدين فيما لو قصّه و من الواضح تحقق هذا العنوان لو كان الأظفار أقلّ من العشرة لنقصان إصبع واحد- مثلا- أو نقصان محل

الظفر، ضرورة انه لا شبهة في انّه قصّ جميع أظفار يديه.

و عليه فاللازم ملاحظة انّ الظهور الأوّل هل يكون هو الأقوى فاللازم حمل مورد التفريع على ما إذا كان أظفار يديه عشرة أو ان الظهور الثاني هو الأقوى فتحمل العشرة على الغالب المتعارف من سلامة اليدين و الرجلين، و ما في المتن يبتنى على الأوّل، و لكن الظاهر هو الثاني على ما هو مقتضى الفهم العرفي بعد ملاحظة كلا الأمرين و مقايسة كلا الظهورين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

و يؤيد بل يدلّ على ما ذكرنا ان مقتضى صحيحة زرارة المتقدمة الواردة فيمن قلّم أظافيره المفصلة بين الناسي و الساهي و الجاهل و بين المتعمد، بأنّه لا شي ء في الأوّل و يثبت الدم في الثاني، الإطلاق و قد قيد بصحيحة أبي بصير على ما تقدم فلو فرض الإجمال في الصحيحة و عدم ثبوت ترجيح لأحد الظهورين على الآخر يصير المقيّد مجملا مردّدا بين الأقل و الأكثر لتردد العشرة المأخوذة فيها بين ان تكون لها موضوعية بحيث لا يكون أقلّ منها و لو في محلّ البحث موجبا لثبوت كفارة الدم و بين ان لا تكون لها موضوعية فتشمل الأقل في الناقصة و في مثل ذلك لا بدّ من الاقتصار على الأقل من جهة التقييد و هو يقتضي ثبوت الدم في المقام كما هو ظاهر.

ثم ان رعاية الاحتياط و لو كان استحبابيا تقتضي الجمع بين المدّ لكل ظفر و بين كفارة الدم لا خصوص الاقتصار على الثاني كما لا يخفى.

المقام الثاني: فيما لو كان أظفار يديه- مثلا- أكثر من عشرة و فيه فروض:

الفرض الأوّل ما لو قصّ الجميع و فيه دم شاة

فقط لا أزيد امّا على ما اخترناه فلانّا و ان قلنا بثبوت المدّ لظفر الإصبع الزائد أيضا و لو كان معلوم الزيادة إلّا انه حيث كانت العشرة المأخوذة في الصحيحة في مقابل النقيصة دون الزيادة مضافا الى صدق عنوان القصّ بالإضافة الى جميع أظفار اليدين دون الجميع و الزيادة لكان اللازم هو الالتزام بدم الشاة فقط لا مع اضافة المد.

و امّا على ما اختاره الماتن قدّس سرّه من التفصيل في الإصبع الزائد بين معلوم الزيادة فنفي البعد عن جواز قصّ ظفره و بين ما لم يكن معلوم الزيادة إلّا إجمالا فاحتاط بالاجتناب عن القصّ فلأنه في الصورة الأولى تحقق قصّ عشرة أظفار متجانسة و ضم الزائد الذي لا يكون قصه محرّما لا يوجب شيئا زائدا على الشاة بوجه و في الصورة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 245

..........

______________________________

الثانية التي يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشئ عن العلم الإجمالي بكون أحد الأصابع زائدا يكون قصّ الجميع موجبا لقص جميع ما هو من أظفار اليد التي هي عشرة فيترتب عليه كفارة الدم و لا يترتب على الزائد غير المعلوم شي ء بعد فرض كونه زائدا و المفروض ثبوت التجانس المعتبر عند الماتن قدّس سرّه.

الفرض الثاني ما لو قصّ جميع أظفاره الأصليّة دون الزائد و مقتضى الفرض كون الأظفار الأصلية متميزة عن غيرها و قد احتاط وجوبا في المتن بثبوت دم شاة في مقابل احتمال ثبوت المدّ لكل ظفر.

و يرد عليه انه لا يجتمع مع مبنى المتن من عدم حرمة قص الظفر الزائد المتميز حيث انه نفى البعد عن جوازه في أصل المسألة و ثبوت الموضوعية لعنوان العشرة كما دلّ عليه الحكم بثبوت المدّ دون

الدم فيما لو كان أظفار يديه- مثلا- ناقصة على ما صرّح به في أوّل هذه المسألة فإن مقتضى المبنيين الحكم بثبوت الشاة هنا بنحو الأقوى إذ لا مجال لاحتمال ثبوت المدّ مع قصّ جميع الأظفار الأصلية التي هي عبارة عن العشرة المتسانحة و عدم حرمة قصّ الظفر الزائد المتميز فإنه- ح- ليس بحرام حتى يترتب عليه الكفارة أو يؤثر في تشديدها كما لا يخفى فاللازم الفتوى بذلك دون الاحتياط الوجوبي.

نعم بناء على ما اخترناه من حرمة قلم الظفر الزائد و لو كان متميزا كما مرّ في صدر البحث عن هذا المحرّم الإحرامي و من عدم كون العشرة المذكورة في صحيحة أبي بصير المتقدمة لها موضوعية بل الملاك هو ظهور التفريع الدال على ترتب دم الشاة على قلم جميع أظفار اليد، يمكن ان يقال بان ثبوت الشاة في هذا الفرض انّما هو بنحو الاحتياط الوجوبي لعدم تحقق قلم جميع أظفار اليد بعد عدم قص الزائد و كون قصّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 246

[مسألة 44- لو اضطرّ الى قلم أظفاره أو بعضها جاز]

مسألة 44- لو اضطرّ الى قلم أظفاره أو بعضها جاز، و الأحوط الكفارة بنحو ما ذكر (1).

______________________________

داخلا في دائرة الحرمة و أحوط من ذلك الجمع بين عشرة أمداد و بين دم الشاة.

الفرض الثالث: ما لو قصّ بعض الأظفار الأصلية و بعض الزائدة و مقتضى هذا الفرض أيضا تميز الأصليّة عن الزائدة و لا إشكال في ثبوت المدّ بالنسبة الى كل ظفر من الأظفار الأصلية و امّا بالنسبة إلى الأظفار الزائدة فالحكم بثبوت الكفارة و عدمها يبتنى على القول بالحرمة و عدمه حيث ان مختار المتن العدم و ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الاجتناب فمقتضى الاحتياط الاستحبابي ثبوت

الكفارة لكل منها مد.

لكن عرفت منّا انه لا فرق بين الأصلية و الزائدة و عليه فيترتب على الزائدة أيضا الكفارة و لا أقل من الاحتياط الوجوبي كما انه لو بلغ المجموع العشرة يترتب عليه كفارة الشاة كذلك فتدبّر.

(1) لا إشكال في ارتفاع الحرمة بسبب الاضطرار العرفي كما في سائر موارد الاضطرار الرافع للحكم و يدلّ عليه و على ثبوت الكفارة في خصوص المقام صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال:

لا يقصّ شيئا منها ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصّها (فليقلّمها خ ل) و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام «1». و ظاهرها ان الكفارة الثابتة في صورة الاضطرار قبضة من طعام و لا محيص عن الأخذ بها و تقييد صحيحة أبي بصير المتقدمة بسببها من دون فرق بين الأقل من العشرة و بين العشرة فما زاد، على ما هو مقتضى إطلاق الرواية و عليه فالظاهر ثبوت قبضة من الطعام مطلقا لا المدّ و لا دم الشاة فلا وجه للاحتياط الوجوبي المذكور في المتن كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و السبعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 247

[الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم على الأحوط]

الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم على الأحوط، و فيه شاة على الأحوط (2).

______________________________

(2) قلع الضرس ان كان مدميا و موجبا لخروج الدم فالحكم فيه ما مرّ في مطلق الإدماء لأنه من مصاديقه كما ذكرنا سابقا و ان لم يكن موجبا للإدماء فقد وقع ثبوت الحرمة فيه محلّ خلاف فعن ابني بابويه و الجنيد نفي البأس عن قلع الضرس و لم يوجبا شيئا

لكن المحكي عن النهاية و المبسوط و الكافي و المهذب، ثبوت الشاة على من قلع ضرسه و ظاهرها عدم الفرق بين صورة الإدماء و غيرها و حكى عن الغنية ثبوت مدّ من الطعام و عن بعض طعام مسكين و لعلّ المراد واحد و لكن الجميع مشترك في الحكم بالحرمة لما عرفت من ان ثبوت الكفارة تدلّ بالدلالة التزامية على ثبوت الحرمة بلحاظ الحكم الاوّلى كما مرّ مرارا نعم حكى عن بعض ثبوت الشاة في خصوص صورة الإدماء.

هذا و امّا ما ورد في المقام من الروايات فروايتان إحداهما واردة في أصل الحكم و الثانية في الكفارة:

امّا الأولى فحسنة الحسن الصيقل انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه؟ فقال: نعم لا بأس به «1». و قد ورد في الحسن بن زياد الصيقل بعض المدائح و حكى عن المجلسي الأوّل انه يظهر من الصدوق ان كتابه معتمد عند الأصحاب و قال في محكي المستدرك: أوضحنا وثاقته، و يجري في مفاد الرواية بالإضافة إلى مورد السؤال احتمالان:

الأوّل أن يكون السؤال عن صورة الإيذاء كاشفا عن مفروغيّة عدم جواز قلع الضرس في صورة الاختيار و عدم الإيذاء و انّما كان مورد شكه صورة الإيذاء، و لذا سأل عنها و عليه فالجواب بقوله عليه السّلام «نعم لا بأس به»، لا يدلّ على أزيد من الحكم بالجواز

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و التسعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 248

..........

______________________________

في الصورة المذكورة و فيه التقرير بالإضافة الى ما هو المفروغ عنه عند السائل فيكون مفاد الرواية ثبوت الحرمة و مقتضى الإطلاق انه لا فرق بين صورتي الإدماء

و عدمها.

الثاني أن يكون السؤال عن الصورة المذكورة بلحاظ كونها موردا لابتلائها من دون أن يكون عدم الجواز في غيرها مفروغا عنه عند السائل و عليه فلا دلالة للرواية على الجواز في صورة الاختيار نفيا و إثباتا هذا و الظاهر ان المتفاهم العرفي من الرواية هو الاحتمال الأوّل و يؤيده ما ورد في الكفارة على تقدير تماميته سندا و دلالة.

و امّا الثانية فهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن عدّة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان انّ مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء، محرم قلع ضرسه فكتب عليه السّلام يهريق دما «1».

و الاشكال فيها من حيث السّند بالإرسال لكون الرجل الذي هو من أهل خراسان مجهولا مضافا الى الإضمار و ان كان السّياق يشهد بكون الكاتب هو الامام عليه السّلام خصوصا لو كان السلام عليه من كلام الراوي و ان كان قابلا للدفع لانحصار دليل القائلين بكفارة الشاة بهذه الرواية و هذا القول على تقدير ثبوت الشهرة على طبقه كما ربما يقال يكفي في الانجبار إلّا أن يقال بعدم تحقق الشهرة الفتوائية و فتوى من عرفت لا تكون بحدّ يبلغ الشهرة إلّا أن في دلالتها أيضا إشكال من جهة احتمال كون مورده خصوص صورة الإدماء كما هو الغالب و ان كان يدفعه الإطلاق خصوصا مع ما عرفت من عدم ثبوت الكفارة في الإدماء و من جهة احتمال كون مورده خصوص صورة الجهل التي لا يكون فيها كفارة إلّا أن يقال بمنعه غاية الأمر ثبوت الإطلاق و يقيده ما يدلّ على نفي الكفارة على الجاهل، و قد انقدح مما ذكرنا ان ما

في المتن من الاحتياط الوجوبي

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب التاسع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 249

[الثالث و العشرون: قلع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم و قطعهما]

اشارة

الثالث و العشرون: قلع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم و قطعهما، و يستثنى منه موارد: الأوّل ما نبت في داره و منزله بعد ما صارت داره و منزله فإن غرسه و أنبته بنفسه جاز قلعهما و قطعهما، و ان لم يغرس الشجر بنفسه فالأحوط الترك و ان كان الأقوى الجواز، و لا يترك الاحتياط في الحشيش ان لم ينبته بنفسه. و لو اشترى دارا فيه شجر و حشيش فلا يجوز له قطعهما. الثاني شجر الفواكه و النخيل سواء أنبته اللّٰه تعالى أو الآدمي. الثالث الإذخر و هو حشيش (1).

______________________________

في أصل الحكم و كذا في الكفارة في محلّه فتدبّر جيدا.

(1) هذا الأمر كما وقع التصريح به في بعض المسائل الآتية لا يكون من محرّمات الإحرام بل يكون من أحكام الحرم و يشترك فيه المحرم و المحلّ و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأول: في أصل ثبوت الحكم إجمالا قال في الجواهر بعد نفي وجدان الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل في المنتهى و عن التذكرة نسبته الى علماء الأمصار.

و الأصل في المسألة الروايات المستفيضة الواردة فيها مثل:

صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت و غرسته «1». و الحرمة في الرواية و ان كانت متعلّقة بالشي ء النابت في الحرم إلّا أن الاستثناء قرينة على كون المراد من متعلق الحكم ما يكون مثل القلع و القطع و لا يشمل مثل مجرد النظر أو

التصرفات غير المتنافية لبقاء النابت من دون حصول تغيّر فيه أصلا مع ان بعض الروايات الآتية مبيّنة لذلك.

و صحيحة أخرى لحريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لما قدم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله مكّة

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 250

..........

______________________________

يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال لا إله إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، صدق و عده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده ما ذا تقولون و ما ذا تظنون؟ قالوا نظنّ خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم و قد قدرت قال فإنّي أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّٰه لكم و هو أرحم الراحمين، إلّا أنّ اللّٰه قد حرّم مكّة يوم خلق السماوات و الأرض فهي حرام بحرام اللّٰه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها، و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها و لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد فقال العبّاس: يا رسول اللّٰه إلّا الإذخر فإنّه للقبر و البيوت فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلّا الإذخر «1».

و العضد في قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و لا يعضد .. بمعنى القطع و قد وقع الخلاف بين اللغويين في معنى الخلاء بعد الاتفاق على كونه مقصورا فعن الجوهري: الخلاء مقصورا الحشيش اليابس تقول خلّيت الخلاء و اختليته جزّزته و قطعته. و عن القاموس: الخلاء مقصورا الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها. و عن النهاية لابن الأثير الخلاء مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا. و

عن مجمع البحرين: لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمّي حشيشا.

و المراد من إنشاء اللقطة تعريفها و قد ذكر في كتاب اللقطة ان للقطة الحرم بعض الأحكام الخاصة.

و قد مرّ في باب الطيب انّ الإذخر من النباتات البريّة التي لها رائحة طيبة و مراد العباس من قوله فإنه للقبر و البيوت انه يحتاج إليه في القبور لتسدّ به فرج اللحدّ المتخلّلة

______________________________

(1) أوردها بأجمعها في الكافي و لكن أورد صاحب الوسائل ذيله من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله إلّا أن .. إلخ في الباب 88 من أبواب التروك، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

بين اللبنّات و يحتاج إليه في سقوف البيت يجعل فوق الخشب كما ذكره العلّامة المجلسي قدّس سرّه في الميراث.

هذا و لكن الرواية موردها مكّة و مورد الفتاوى و النصوص الأخر هو الحرم و قد وقع التصريح في بعضها بأنه بريد في بريد.

و رواية محمد بن مسلم التي رواها الصدوق بإسناده عنه عن أحدهما عليهما السّلام قال قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال: نعم، قلت فمن الحرم؟ قال: لا «1». لكن تقدم مرارا ان اسناد الصدوق الى محمد بن مسلم لا يكون صحيحا.

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ فقال حرم فرعها لمكان أصلها قال: قلت: فإنّ أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم فقال: حرم أصلها لمكان فرعها «2». و هذه الرواية تدلّ على ان الحرمة المرتبطة بالشجر لا تختص بالقع الذي معناه القطع من الأصل الواقع في الأرض و كذا لا تختص بما

يشمل خصوصا القطع الذي مرجعه الى حفظ الأصل و قطع الشجر و إزالة ارتباطه به بل تشمل الفروع من الأغصان بل و الأوراق و الثمر أيضا كما لا يخفى.

و غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة في هذا المجال.

هذا و قد حكى عن العلّامة في المنتهى انه لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لأنه ميّت فلم تبق له حرمة لكن عن التذكرة عدم جواز قلع اليابس و انه ان قلعه فعليه الضمان لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا و ظاهره الفرق بين القلع و القطع و لكن الظاهر بمقتضى إطلاق الروايات انه لا فرق بين الرطب و اليابس و لا فرق بين القلع و القطع بل

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التسعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 252

..........

______________________________

لا يجوز قطع الغصن اليابس و الحشيش كذلك و ان فسر الخلاء بالرطب في بعض الكلمات المتقدمة لكنّه لا دلالة للرواية على نفي حرمة غيره فالظاهر هو العموم.

المقام الثاني: فيما استثنى من الحكم بعدم جواز القلع و القطع و هي موارد:

المورد الأوّل: ما أنبته أو غرسه في داره أو منزله و الكلام فيه يقع من جهتين:

الجهة الاولى: في أصل ثبوت هذا الاستثناء في الجملة يستفاد من صاحب الرياض على ما مرّ في الجواهر الترديد فيه و ان الاستثناء يبتنى على انجبار الخبرين الواردين فيه بفتوى الجماعة قال: و إلّا يشكل هذا الاستثناء.

مع انّ الظاهر انه لا مجال للمناقشة في أصل الاستثناء بعد دلالة صحيحة حريز المتقدمة في المقام الأوّل «1» على ان ما أنبته بنفسه أو غرسه خارج عن

دائرة الحرمة و لا تأمّل فيها من حيث السند و من جهة الدلالة و عليه فالاستثناء لا يبتنى على ما أفاده صاحب الرياض.

و الغالب على الظنّ انّ الرياض اعتمد على نقل الوسائل الخالي عن كلمة «إلّا» الدالة على الاستثناء مع ان الرواية في التهذيب الذي هو مصدرها مشتمل عليها و بدونها تكون العبارة غير صحيحة نعم هذه الرواية في نقل الكليني «2». لا تكون مشتملة على شي ء من اداة الاستثناء و ذكر المستثنى أصلا و يمكن ان يكون هذا النقل مستند الرياض و الكليني و ان كان أضبط من الشيخ لكن في الدوران بين النقيصة و بين الزيادة تكون أصالة عدم الزيادة مقدمة و يؤيده ان نقل الصدوق أيضا موافق لنقل الشيخ كما في الوسائل و كيف كان لا شبهة في أصل الاستثناء في الجملة.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 253

..........

______________________________

الجهة الثانية: في محدودة المستثنى في هذا المورد فنقول:

انّ المحقق في الشرائع جعل عنوان المستثنى قوله: إلّا ان ينبت في ملكه، و الظاهر انّ مراده استثناء ما إذا كان الشجر أو الحشيش نابتا في الأرض التي هي ملكه و ظاهره كونه مالكا لعينها فلا يشمل المستأجر الذي لا يكون مالكا إلّا للمنفعة و كذا الأرض المباحة أو المغصوبة بطريق أولى، و احتمال كون مراد المحقق من العبارة المذكورة جعل «ملكه» فيها مصدرا على معنى كون النبات في ملكه في مقابل المغصوب و نحوه في غاية البعد و لا مجال لحملها عليه.

و امّا المتن فقد وقع فيه التفصيل بين ما نبت

في داره و منزله بعد ما صارت داره و منزله فإن غرسه و أنبته بنفسه جاز قلعهما و قطعهما و بين ما لو اشترى دارا فيه شجر و حشيش فلا يجوز له قطعهما- و بطريق أولى قلعهما- و في الصورة الأولى فيما إذا لم يغرس الشجر بنفسه و لم ينبت الحشيش كذلك جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي في الأول الترك و مقتضى الاحتياط الوجوبي في الثاني الترك و اللازم ملاحظة النصوص الواردة في هذا المجال فنقول:

عمدتها صحيحة حريز المتقدمة و ظاهره ان عنوان المستثنى كون الإنبات أو الغرس مستندا اليه من دون فرق بين ما إذا كان بالمباشرة أو بالتسبيب و كذا من دون فرق بين ان يكون النبات أو الشجر ملكا له أو مباحا أو مغصوبا و كذا من دون فرق بين ما إذا كان المحلّ الذي ينبته فيه أو يغرسه ملكا له أو مباحا أو مغصوبا فإنه في جميع هذه الموارد يصحّ الإسناد إليه حقيقة.

و منها رواية حمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن محمد بن يحيى عنه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها، و ان كانت طريّة عليه فله قلعها «1».

و الرواية ضعيفة بمحمد بن يحيى لأن الظاهر ان المراد به هو محمد بن يحيى الصيرفي الذي وقع التصريح به في سند الرواية الآتية و هو مجهول و امّا من حيث

الدلالة فموردها قلع الشجرة و لا تعرض فيه للحشيش و لكنها عامة من جهة عدم الاختصاص بالدار و المنزل للتصريح بالمضرب الذي معناه هو محلّ ضرب الخيمة و الفسطاط كما انّها عامة من جهة جعل المناط في جواز القلع كون الشجرة طارئة على بناء الدار- مثلا- من دون فرق بين ان يكون غرسها مستندا اليه و بين غيره.

و منها رواية أخرى لحمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ أيضا بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن محمد بن يحيى الصيرفي عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها «2». و ليس فيها تعرض لغير المنزل كما ان ذيلها ظاهر في ان اضافة المنزل إليه إضافة ملكيته الظاهرة في ملكية العين كما ان المراد من قوله عليه السّلام: و ان كانت نبتت ليس هو النبات بنفسها حتى يخرج ما إذا كان إنباتها مستندا الى مالك الدار بل المراد هو لحوق نباتها على بناء الدار و طروه عليه في مقابل السبق.

هذا و العجب من صاحب الوسائل حيث جعلهما روايتين تبعا للشيخ في التهذيب مع انه من الواضح وحدة الرواية خصوصا بعد كون الراوي عن حمّاد في كلتيهما هو

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 255

..........

______________________________

محمد بن يحيى الصيرفي و أعجب من ذلك انه أورد صاحب الوسائل في

نفس هذا الباب رواية ثالثة لحمّاد بن عثمان قد رواها الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الحسن بن علي الوشاء عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انّ الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم قال: ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقعلها «1». مع وضوح انّها أيضا لا تكون رواية أخرى بل هي بعينها رواية حمّاد غاية الأمر ان الكليني قد رواها بإسناده عنه و سنده أيضا ضعيف.

نعم هنا رواية موثقة لإسحاق بن يزيد انه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها، قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2». و قد رواها الصدوق بإسناده عنه و في سنده علي بن الحسين السعدآبادي و هو موثق بالتوثيق العام لوروده في اسناد كتاب كامل الزيارات و هو حجّة ما لم يعارضه قدح خاص و الفقرة الاولى و ان كانت خالية عن ذكر المنزل إلّا ان التعرض له في الذيل قرينة على كون المراد من الصدر أيضا ذلك و ان كان يحتمل ان يكون ذكر المنزل باعتبار كونه ملكا له نوعا من دون ان يكون له خصوصية.

و كيف كان فهذه الروايات الأخيرة واردة في الشجرة و ليس في شي ء منها التعرض للحشيش بخلاف صحيحة حريز الواردة في مورد كل ما ينبت في الحرم الشامل لكليهما و الظاهر ان منشأ التفصيل المذكور في المتن بينهما هي هذه الجهة مع ان الظاهر عدم خصوصية بنظر العرف للشجرة المذكورة في هذه الروايات و شمول حكمها للحشيش أيضا و عليه فلا

مجال للاحتياط الوجوبي بالإضافة إليه.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 8.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 256

..........

______________________________

و امّا العنوان المستثنى فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين صحيحة حريز و بين سائر الروايات الواردة في هذا المقام التي لا يبعد دعوى انجبارها باستناد المشهور إليها و لذا نفى صاحب الجواهر قدّس سرّه وجدان خلاف محقق بالإضافة إلى الدار أو المنزل و يبعد كون مستندهم خصوص الموثقة بعد عدم ذكر «المنزل» في الفقرة الأولى خصوصا بعد ما عرفت من الاحتمال المتقدم في ذكر المنزل في الفقرة الثانية و دعوى ان ذكر عنوان «المنزل» في غير الموثقة من سائر الروايات قد وقع في مورد السؤال و هو لا يدلّ على ثبوت مدخليّة له، مدفوعة بأن التعرض في كلام السائل و ان كان لا دلالة له على ذلك إلّا أن توصيف المنزل في بعضها بقوله عليه السّلام: و هو يدلّ على ثبوت خصوصية من هذه الجهة.

و كيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع هو الالتزام بان العنوان المستثنى هو أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ امّا ان يكون انبات الشجر أو الحشيش مستندا اليه و مضافا بنفسه لا في مقابل التسبيب بل في مقابل ما إذا أنبته الغير أو نبت بنفسه من دون فرق بين ان يكون في ملكه فضلا عن منزله و داره و بين ان يكون في ملك الغير أو في أرض مباحة، و امّا ان يكون الشجر و الحشيش نابتا في ملكه بعد ما صار ملكه من دون فرق بين المنزل و الدار و بين مثل المزرعة سواء كان

نباتهما بإنباته أو بنفسهما كما لا يخفى.

المورد الثاني: شجر الفواكه و النخيل سواء أنبته اللّٰه أو الآدمي و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ثم قال: بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه.

و الأصل في ذلك روايتان:

إحداهما ما رواه الشيخ بسند فيه الطاطري- الذي هو واقفي و لكنّه ثقة كما ذكرنا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

سابقا عن سليمان بن خالد، و الصدوق بسند صحيح عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: لا ينزع من شجر مكّة شي ء إلّا النخل و شجر الفاكهة «1».

ثانيتهما مرسلة عبد الكريم عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا ينزع من شجر مكّة إلّا النخل و شجر الفاكهة «2». و قد استدلوا بهاتين الروايتين على جواز قلع شجرة النخل و الفاكهة فضلا عن القطع و عن قطع بعض أغصانه و أوراقه و فاكهته و قد صرّح المحقق بجواز القلع مع انه من المستبعد جدّا أن يكون اشتمال الشجرتين على الفاكهة و النخل موجبا لجواز قلعهما في مقابل الشجرة التي لا يترتب عليها أثر إلّا مجرد الخضروية و الاشتمال على الظلّ الموجودين في شجرة الفاكهة مع إضافة الفاكهة و يغلب على الظن بمقتضى التأمّل في الروايتين المشتملتين على ذكر عنوان «النزع» مع ضمّ كلمة «من» ان المراد جواز النزع من الشجرتين الراجع الى جواز نزع ثمرتهما لكونهما موضوعتين لذلك و لازمة جواز نزع الأغصان الزائدة المانعة عن الاثمار أو كماله و بالجملة لا دلالة في شي ء من الروايتين على جواز قلع الشجرة المثمرة أو قطعها على ما هو ظاهر المتن تبعا للمشهور

و الأحكام المرتبطة بمسائل الحرم و المناسك و ان كانت تعبدية محضة إلّا ان الالتزام بها انّما هو في صورة قيام الدليل عليها و مع عدمه لا مجال للزوم التعبّد بها بوجه.

المورد الثالث الإذخر الذي هو نبات بريّ له رائحة طيبة و يدلّ على استثنائه صحيحة حريز المفصّلة المتقدمة في أوّل هذا الأمر «3». الدالة على انّ العبّاس عمّ

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 9.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 258

[مسألة 45- لو قطع الشجرة التي لا يجوز قطعها فان كانت كبيرة فعليه بقرة]

مسألة 45- لو قطع الشجرة التي لا يجوز قطعها فان كانت كبيرة فعليه بقرة، و ان كانت صغيرة فعليه شاة على الأحوط (1).

[مسألة 46- لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفارة بقيمته]

مسألة 46- لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفارة بقيمته و ليس في الحشيش كفارة إلّا الاستغفار.

______________________________

النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قد طلب منه استثناء الإذخر منه صلّى اللّٰه عليه و آله يوم فتح مكة بعد قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها مستندا إلى أنه للقبر و البيوت فقبل منه النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و استثنى الإذخر.

و رواية زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرّم اللّٰه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر أو يصاد طيره. الحديث «1».

(1) المشهور كما حكى عن غير واحد بل عن الخلاف الإجماع عليه ان قلع شجرة الحرم ان كانت كبيرة فيه بقرة و لو كان القالع محلّا و في الصغيرة شاة و في أبعاضها القيمة.

لكن عن ابن إدريس انه لا كفارة في هذا المورد مطلقا، و عن القاضي ثبوت البقرة مطلقا، و عن ابن الجنيد الإسكافي ثبوت القيمة مطلقا و اختاره العلّامة في محكيّ المختلف و من المعاصرين بعض الاعلام قدّس سرّهم و عن الحلبيين في قطع الأبعاض ما يتيسر من الصدقة.

و الروايات الواردة في هذا المقام لا تتجاوز عن ثلاث:

إحداها ما أورده الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه؟ قال عليك فدائه «2». و الاستدلال بها للمشهور مبني على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السابع و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام،

الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 259

..........

______________________________

كون المراد من الأراك هي الشجرة الصغيرة لأنه هي الشجرة التي يؤخذ منها السواك و هي صغيرة. و من الفداء هو الشاة.

لكنه قد استشكل في الرواية من جهة السند و الدلالة معا امّا من جهة السنّة فلأنّ في طريق الصدوق الى منصور بن حازم محمد بن علي ماجيلويه و قد وثّقه العلّامة في الخلاصة و لا عبرة بتوثيقه فيها و مجرّد الشيخوخة لا يوجب الوثاقة.

و امّا من جهة الدلالة فلأنه لا دليل على كون المراد بالفداء هي الشاة بل الظاهر من الفداء هو البدل كما هو الشائع في الاستعمالات الواردة في الآيات و الروايات و مرجعه الى المثل في المثليات و القيمة في القيميات فالمراد من الفداء في الرواية هو ثمن الشجر و قيمته.

و الجواب عن الأوّل مضافا الى ان ضعف السند غير قادح في مثل المقام مما كانت الرواية الضعيفة موردا لاستناد المشهور إليها و الى ما ذكره المستشكل في ذيل كلامه من انه قد يكون للصدوق طريقان الى كتب الأصحاب و الرواة و مع ذلك لا يذكر في مشيخة الفقيه إلّا الطريق الذي يكون ضعيفا و لا يذكر الطريق الآخر لكن الشيخ قدّس سرّه في الفهرست أو في مشيخة التهذيب يتعرض لذلك الطريق الذي لا يكون ضعيفا و المقام من هذا القبيل.

انّ عدم العبرة بتوثيق العلّامة في الخلاصة لا وجه له بعد وضوح ثبوت المستند له في التوثيق و لا يكون مجرّد الفصل الزماني الكثير بينه و بين الرواة مانعا عن اعتبار توثيقه ضرورة ان هذا الفصل موجود في النجاشي و الكشي بالإضافة إلى أصحاب الباقر أو الصادق

عليهما السّلام.

و عن الثاني ان الفداء و ان كانت لغة بالمعنى المذكور إلّا ان الظاهر كون المراد بها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 260

..........

______________________________

في باب كفارات الحج هي الشاة دون البدل يعني المثل أو القيمة و يؤيده مضافا الى فهم المشهور منه ذلك مع كون أكثرهم من أجلّة علماء الأدبيّة و المطّلعين على اللغة العربية انه لو كان المراد منه القيمة لما كان وجه للعدول عن التعبير عنها به خصوصا مع ملاحظة التصريح بالثمن في الرواية الآتية الواردة في قطع الأبعاض و الظاهر ان كلمة الفداء في باب كفارات الحج انما هي كإطلاق كلمة «الدم» المنصرف الى خصوص دم الشاة كما مرّ مرارا و عليه فالاستناد إلى الرواية لما ذهب اليه المشهور بالإضافة إلى الشجرة الصغيرة تامّ لا مناقشة فيه.

ثانيتهما رواية سليمان بن خالد التي قد عرفت أنّها موثقة على نقل الشيخ و صحيحة على نقل الصدوق عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يقطع من الأراك بمكّة قال عليه ثمنه يتصدّق به و لا ينزع من شجر مكّة شيئا إلّا النخل و شجر الفواكه «1». و ظاهرها ثبوت الثمن على بعض الشجر المقطوع من الأراك من أغصانه و فروعه لظهور الفرق بين قطع الأراك الظاهر في قطع الجميع كما هو مورد السؤال في الرواية المتقدمة حيث وقع التعبير فيه بقوله: فاقطعه و بين القطع من الأراك كما هو مورد السؤال في هذه الرواية فإن ظاهره قطع بعضه من أغصانه و فروعه و عليه فدلالة الرواية على ثبوت كفارة القيمة في قطع أبعاض الشجرة ظاهرة و دعوى انّها تدلّ بالأولوية على ثبوت الكفارة في القلع يدفعها

انه ان كان المراد الأولوية بالنسبة إلى أصل الكفارة فهو واضح و لكنه لا يستلزم كون الكفارة الثابتة فيه هو الثمن و القيمة أيضا و من الممكن ان تكون كفارته الشاة كما في الرواية السابقة و ان كان المراد الأولوية بالنسبة إلى خصوص كفارة الثمن فهو ممنوع جدّا و كيف كان فدلالة الرواية على بعض مدّعي المشهور لا مجال للارتياب فيها

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

بوجه.

ثالثتهما ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم قال روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام انه قال إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين «1». هذا و في محكي التهذيب الذي هو مصدر الرواية و كل من حكى عنه ذكر فإن أراد نزعها نزعها و كفّر ..

هذا و قد استشكل بعض الاعلام قدّس سرّهم سندا و دلالة في هذه الرواية التي وقع فيها التعرض للبقرة فقط و لا يكون في هذا المجال رواية دالة على ثبوت كفارة البقرة غير هذه الرواية.

امّا من جهة السند فقال: «انّ المراد بأحدهما كما هو الشائع في كثير من الروايات هو الباقر و الصادق عليهما السّلام و موسى بن القاسم من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السّلام و له روايات عنهما و له رواية من بعض أصحاب الصادق عليه السّلام كعبد اللّٰه بن بكير، و من كان من أصحاب الجواد و الرضا عليهما السّلام كيف يمكن له الرواية من أصحاب الباقر عليه السّلام و لا نحتمل انّه يروي مباشرة و مشافهة من أصحاب

الباقر عليه السّلام خصوصا عن جماعة منهم لبعد الزمان فمن المطمئن به انه روى و سمع ممّن روى له رواية الأصحاب عن أحدهما عليهما السّلام و يؤيد ما ذكرناه انه لو كان ما رواه رواية عنهم لقال موسى بن القاسم عن أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام فالتعبير بقال روى أصحابنا ظاهري الإرسال».

و الجواب عنه- مضافا الى انّ غاية ما أفاده ثبوت الضعف في السند بسبب الإرسال و هو لا يقدح بناء على ما اخترناه من ان استناد المشهور إلى رواية و الفتوى على طبقها يجبر ضعف السند و تصير الرواية سبب الاستناد حجة معتبرة- انه قد ذكرنا مرارا ان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الثامن عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 262

..........

______________________________

مرسلات مثل الصدوق تكون على قسمين فان التعبير الواقع قد يكون بصورة الإسناد إلى الرواية مثل قوله: روى و قد يكون بصورة الإسناد إلى شخص الامام عليه السّلام من دون واسطة و ذكرنا ان القسم الثاني معتبر مع وصف الإرسال لأنّ مرجعه الى توثيق الوسائط بنحو لا يحتمل الكذب في روايتهم أصلا و لذا يسند الى نفس الامام عليه السّلام بقوله: و قال الصادق عليه السّلام مثلا.

و الظاهر ان المقام من هذا القبيل فان قول موسى بن القاسم: روى أصحابنا ظاهر في ثبوت الرواية قطعا و ان الواسطة لم يكن يجري فيه احتمال الكذب بوجه و لذا لم يتعرض له و لو بنحو الإجمال و الإبهام و بدونه يكون عدم التعرض للواسطة إغراء بالجهل غير الملائم لشأن الثقة و من الظاهر ان التعبير بأصحابنا بصورة الجمع انّما هو نظير «عدّة من أصحابنا» أو «غير واحد

من أصحابنا من التعابير غير الملاءمة مع كون الجميع ضعافا فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث السّند.

و امّا من جهة الدلالة فأورد عليه أوّلا بأن مدلولها لزوم ذبح البقرة لمطلق الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة و هذا ممّا لم يفت به أحد فظاهر الرواية معرض عنها.

و ثانيا انّها تدلّ على وجوب الكفارة قبل القطع يعني إذا أراد قلع الشجرة كفّر أولا بذبح بقرة ثم يقلعها فالقلع يكون جائزا بعد التكفير مع انه غير جائز قطعا هذا بناء على نسخة الوسائل و امّا بناء على نسخة التهذيب فلا يرد هذا الاشكال بل يرد اشكال آخر و هو انّها تدلّ على جواز القلع في نفسه و لكن مع التكفير فلا يكون القلع محرّما و هذا مقطوع البطلان. و الجواب عن الإيراد الأوّل ظاهر فإنّ الإطلاق انما يكون مقيّدا بسبب الروايتين المتقدمتين سيّما رواية منصور بن حازم الواردة في قطع شجر الأراك سواء قلنا بانّ المراد بالفداء فيها هو الشاة كما اخترناه أو القيمة كما هو مختاره قدّس سرّه فإنّه على أيّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

تقدير يكون مقيّدا لإطلاق هذه الرواية فلا مجال لدعوى كونها معرضا عنها كما لا يخفى.

و عن الإيراد الثاني بناء على نقل التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّه مع دلالة صدر الرواية و ظهورها في عدم جواز نزع شجر من شجر الحرم و من الواضح انّ المراد من النزع المحرم هو النزع عن ارادة و قصد ضرورة أنّ النزع غير الاختياري لا يكون محرّما قطعا كيف يمكن ان يكون مفاد الذيل هو الحكم بالجواز مع ارادة النزع و لكن يجب ان يكفّر بعده

بل كيف يجتمع الحكم بالجواز مع ثبوت الكفارة و قد مرّ مرارا ان الجواز الذي يجتمع مع الكفارة هو الجواز بحسب الحكم الثانوي كالتظليل الاضطراري أو لبس المخيط كذلك و امّا الجواز بحسب الحكم الأولي فلا يلتئم مع الكفارة بوجه و لذا استفدنا أصل حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق الحكم بثبوت الكفارة فيه كما تقدم.

و عليه فالمراد من التفريع انّه ان أراد النزع و مخالفة الحكم التحريمي لا بدّ و ان يتوجّه الى ان النزع لا يكون مجرد معصية و مخالفة للحكم التحريمي بل يترتب عليه كفارة مهمة و هي ذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين و عليه فالمراد من قوله:

نزعها، ليس الحكم بجواز النزع بل هو بيان للسبب الموجب للكفارة و مثل هذا التعبير شائع في الاستعمالات العرفية فإنه ربما ينهى الوالدة ولده عن شي ء و يقول بعده مخاطبا له ان خالفت ما نهيتك عنه فخالف و لكن انتظر للعقوبة المترتبة على مخالفتك و من المعلوم انّ مرجع ذلك ليس الى جواز المخالفة بل كان ذكرها تمهيدا لبيان ما يترتب عليها من التبعات فالإنصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث الدلالة أيضا و عليه فينقدح تمامية التفصيل الذي أفتى به المشهور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 264

[مسألة 47- لو مشى على النحو المتعارف و قطع حشيشا فلا بأس به]

مسألة 47- لو مشى على النحو المتعارف و قطع حشيشا فلا بأس به، كما جاز تعليف ناقته به، لكن لا يقطع هولها (1).

______________________________

بقي الكلام في الحشيش و في المتن تبعا لهم انه لا كفارة فيه سوى الاستغفار و ذلك لأن الروايات الواردة في الكفارة كلّها واردة في الشجرة و ليس في شي ء منها التعرض للحشيش خصوصا أو عموما

و دعوى انّه لم لا يجري هنا إلغاء الخصوصية عن عنوان الشجر مع إلغائها عن عنوانه في أصل الحكم بالحرمة في أصل هذا الأمر مدفوعة بأنه لو كانت الكفارة في الشجر شيئا واحدا من دون فرق بين الكبير و الصغير و كذا بين الأصل و الغصون و الفروع لكان لإلغاء الخصوصية مجال و امّا مع التفصيل الذي عرفت فمن المعلوم ان مورده خصوص الشجرة و لا يجري في الحشيش أصلا فتدبّر جيدا.

(1) امّا جواز المشي على النحو المتعارف و لو استلزم قطع الحشيش فيدلّ عليه السيرة المستمرة القطعية المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام مضافا الى ان المشي بنحو لا يستلزم ذلك يكون حرجا و مشقة لا تتحمل عادة نعم لا بدّ و ان يكون على النحو المتعارف لأنه القدر المتيقن من السيرة المذكورة.

كما انه لا بأس ان يترك المحرم فضلا عن غيره أبله ترعى في الحشيش لوجود السيرة القطعية عليه أيضا مضافا الى صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تخلّى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء «1».

إنّما الإشكال في جواز قطع العلوفة للناقة ظاهر الجواهر ان مقتضى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع عدم الجواز بل ذكر ان الرواية الدالة بظاهرها على الجواز يكون معرضا عنها لدى الأصحاب و لذا صار الشيخ في التهذيب بصدد تأويله نظرا الى انّ التأويل خير من الطرح نعم حكى عن الإسكافي انه قال: لا اختار الرّعي لأن البعير

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 265

..........

______________________________

ربما جذب النبت من أصله فأمّا ما حصده الإنسان منه و بقي

أصله في الأرض فلا بأس.

و الرواية هي صحيحة محمد بن حمران قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟ فقال امّا شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه «1». قال في التهذيب: قوله: ليس به الى آخره يعني الإبل فإنّه يخلّى عنها ترعى كيف شاءت.

لكن قال في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا للأصل و للصحيحة المزبورة لكن قال ان الراوي جميل و محمد بن حمران قالا سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام .. مع ان جميلا و عبد الرحمن بن أبي نجران قد رويا عن محمد بن حمران و كيف كان لا شبهة في انّ إرجاع الضمير في قوله ليس به .. الى الإبل خلاف الظاهر خصوصا مع كون الفعلين بصورة التأنيث. لكن هنا رواية أخرى رواها عبد اللّٰه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت له ان يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا «2».

و ربما يتوهم ثبوت المعارضة بينها و بين الرواية السابقة و انه بعد التساقط يرجع الى عموم المنع من قطع نبات الحرم و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم انه لا مجال للمعارضة لثبوت الجمع الدلالي بينهما لأن الوجوب و الحرمة ليسا من مداليل اللفظ و انّما يستفاد كل منهما من عدم اقتران الأمر بالترخيص في الترك و عدم اقتران النهي بالترخيص في المحلّ فحينئذ يحكم العقل بالوجوب أو الحرمة و امّا مع الاقتران فلا و النهي الوارد في خبر ابن سنان مقرون بالترخيص في

الفعل الوارد في الرواية الأخرى فلا يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب التاسع و الثمانون، ح 2.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الخامس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 266

[مسألة 48- لا يجوز للمحلّ أيضا قطع الشجر و الحشيش من الحرم]

مسألة 48- لا يجوز للمحلّ أيضا قطع الشجر و الحشيش من الحرم فيما لا يجوز على المحرم (1).

______________________________

النهي الحرمة مع ان الرواية ضعيفة بعبد اللّٰه بن القاسم الحضرمي الراوي عن ابن سنان لأنه قال في حقه النجاشي انه كذّاب.

و يرد على ما ذكر أوّلا ان الظاهر كون التفصيل المذكور في ذيل الرواية بين صورة الدخول في الحرم و صورة عدم الدخول مربوط بخصوص الجملة الأخيرة التي أضافها الإمام عليه السّلام و هو قطع الشجر و لا ارتباط لها بمسألة الاحتشاش للدابة و عليه فلا معارضة بين الروايتين و لعلّه لذا لم يتعرض صاحب الجواهر قدّس سرّه لرواية ابن سنان أصلا.

و ثانيا انه على تقدير كون الغاية المذكورة في الذيل راجعة إلى الاحتشاش أيضا لا مجال لرفع اليد عن الظهور في الحرمة و ان قلنا بمقالته في أصل مسألة الوجوب و الحرمة و انهما ليسا من مداليل اللفظ لأنّ حمل قوله: فلا، على الجواز ينافي التفصيل لأنه لا فرق- ح- بين فرض الدخول و عدمه مع ان لازمة الجواز بالإضافة إلى قطع الشجر أيضا من دون اختصاص بالحشيش و لا يقول به بوجه هذا و الظاهر انه لا محيص عن الأخذ برواية محمد بن حمران لأنّها صحيحة من حيث السّند و ظاهرة من حيث الدلالة و لم يثبت الاعراض عنها لأن الأصحاب لم يتعرضوا لخصوص هذه المسألة حتى يحكموا فيها بالمنع بل كما عرفت من الجواهر

ان مقتضى إطلاق النص و الفتاوى و معقد الإجماع هو العدم و عليه فالتعرض له انما هو بمقتضى الإطلاق و هو لا يوجب الاعراض بل يمكن ان يقال ان حكمهم بجواز تعليف الناقة ان يخلى سبيلها.

(1) قد عرفت ان هذا الحكم و هو عدم جواز قطع نبات الحرم لا يكون من محرّمات الإحرام بل يكون من أحكام الحرم و لا فرق فيها بين المحرم و المحلّ و قد عرفت في صحيحة حريز المتقدمة في أوّل البحث قوله عليه السّلام: كل شي ء ينبت في الحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 267

[الرابع و العشرون لبس السّلاح كالسيف و الخنجر و الطبنجة]

الرابع و العشرون لبس السّلاح كالسيف و الخنجر و الطبنجة و نحوها مما هو آلات الحرب إلّا لضرورة، و يكره حمل السّلاح إذا لم يلبسه ان كان ظاهرا و الأحوط الترك (1).

______________________________

فهو حرام على الناس أجمعين .. «1». إلّا أن الذي ينبغي البحث فيه هنا ان كثيرا من الروايات الواردة في هذا المجال دالة على المنع عن قطع نبات الحرم و لكن في جملة من الروايات كصحيحة اخرى لحريز المتقدمة أيضا المشتملة على نقل ما وقع يوم فتح مكة «2» جعل الموضوع هو عنوان مكّة و انها حرام بحرام اللّٰه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها .. و من المعلوم ان مكّة في زمن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بل في زمن الأئمة عليهم السّلام كان جزء من الحرم و بعضا منه و لذا وقع في بعض الروايات التصريح بان الحرم بريد في بريد و الظاهر انه لا منافاة بين الطائفتين لأنّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بكون حرمة قطع

شجر مكة و نباتها انّما هو لأجل كونها بعضا من الحرم لا لأجل نفس عنوان مكّة و عليه فانقلاب النسبة بين مكة و بين الحرم من العموم و الخصوص مطلقا الى العموم من وجه كما في زماننا هذا حيث تكون مكة في بعض جوانبها أوسع من الحرم لا يوجب توسعة دائرة الحكم بالإضافة الى ما هو خارج عن عنوان «الحرم» و هذا بخلاف بعض الاحكام التي موضوعها عنوان «مكّة» مثل الإحرام لحج التمتع حيث انه يجب ان يكون من مكّة و قد عرفت في المباحث السابقة ان سعة بلد مكة توجب سعة دائرة جواز الإحرام للحجّ المذكور و لا يختص الحكم بمكّة في عصر الرسول أو الأئمة عليه و عليهم الصلاة.

(1) المشهور كما عن كشف اللثام و غيره حرمة لبس السّلاح على المحرم في غير صورة الضرورة و قال المحقق في الشرائع: و قيل يكره و هو الأشبه و في الجواهر: لكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب السادس و الثمانون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الثامن و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

لم نعرف القائل قبل المنصف نعم هو خيرة الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه و تبعهما غيرهما و كيف كان اللازم ملاحظة الروايات المتعددة الواردة في الباب فنقول:

منها و هي العمدة ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أبي جعفر- يعني أحمد بن محمد بن عيسى الذي يكون هو و أبوه من الثقات- عن أبيه عن عبد اللّٰه بن المغيرة عن عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال إذا

خاف المحرم عدوّا أو سرقا فليلبس السلاح «1». و الكلام في دلالة الرواية بعد ظهور صحة سندها يقع من جهات:

الجهة الاولى في أن دلالة الرواية على حرمة لبس السلاح في غير مورد الخوف من العدوّ أو السّارق انّما هي من طريق ثبوت المفهوم للقضية الشرطية و هو مورد للمناقشة امّا لأجل إنكار المفهوم لها كما اخترناه في المباحث الأصولية و امّا لأجل ان المفهوم على تقدير القول بثبوته لها انّما يكون مورده ما إذا لم يكن الشرط في القضية الشرطية مسوقا لبيان الموضوع و في غير هذه الصورة لا مفهوم لها كما في مثل قوله ان رزقت ولدا فأختنه و في المقام يكون من هذا القبيل فان المحرم إذا لم يكن خائفا من الأمرين المذكورين لا داعي له الى لبس السّلاح بوجه خصوصا بعد لزوم رفع اليد عن لبس المخيط أيضا.

و يدفع المناقشة من الجهة الاولى انّ القائل بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية لا يدّعي ان ذكر الشرط فيها يكون لغوا و لا أثر بحيث لم يكن فرق عنده بين وجود الشرط و عدمه في ثبوت الجزاء حتى يكون مفاد قوله ان جاءك زيد فأكرمه ثبوت وجوب الإكرام بنحو الواجب المطلق بل مدّعاه عدم كون الشرط علّة تامة منحصرة فيمكن

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

ان يكون هناك شرط آخر مؤثر في ترتب الجزاء و عليه فالمستفاد من الرواية ان جواز لبس المحرم السّلاح لا يكون بنحو الإطلاق بل يكون مشروطا بحيث لو لا الشرط الواحد أو الأكثر لا يتحقق الجواز فيستفاد منها الحرمة في صورة الاختيار و عدم

تحقق الشرط.

و من الجهة الثانية وضوح عدم كون الشرط في الرواية مسوقا لبيان الموضوع فإنه يمكن ان يلبس المحرم السلاح لأجل إظهار الشخصية أو لكونه معتادا بذلك أو لغيرهما من الدواعي و يدلّ على ذلك جعل اللبس في غير حال الضرورة من محرمات الإحرام أو مكروهاته فإنّه لو لم يكن له مورد في الخارج أصلا لم يكن وجه للتعرض لذلك و بيان حكمه و لو كان هي الكراهة كما هو واضح و لذا ذكر صاحب الجواهر ان هذه الدعوى لا تستأهل جوابا.

الجهة الثانية في ان العنوان المأخوذ في السؤال هو عنوان «الحمل» و الذي جعل متعلقا للحكم في الجواب هو عنوان «اللبس» و قد جعل الفقهاء- رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- في مثل كتاب الصلاة في بحث اعتبار الطهارة في لباس المصلي هذين العنوانين متغايرين حيث ان اللباس المتنجس أمر و المحمول المتنجس أمر آخر و عليه فاللازم بمقتضى لزوم تطابق الجواب و السؤال و انه لا يجوز ان يكون مورد السؤال أمرا و مورد الجواب أمرا آخر ان توجه الرواية بإحدى التوجيهات الثلاثة.

أحدها ان يقال ان مورد السؤال و ان كان هو الحمل إلّا ان الجواب بالإضافة إلى اللبس بالجواز فيه في صورة الخوف يدل بالأولوية على جواز الحمل في الصورة المذكورة فإنه لو كان اللبس جائزا لكان جواز الحمل بطريق أولى لكون اللبس أشدّ اضافة الى المحرم من الحمل.

و يردّ عليه مضافا الى ان افادة الجواب عن مورد السؤال من طريق الأولوية خلاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

الظاهر و خلاف ما هو المتعارف في باب السؤال و الجواب انّ الأولوية إنّما هي متحققة في ناحية المنطوق

الذي يكون الحكم فيه الجواز و امّا في ناحية المفهوم الذي يكون الجزاء فيه عدم الجواز تكون الأولوية بالعكس لأن عدم جواز اللبس في صورة عدم الخوف لا يستلزم عدم جواز الحمل أيضا كما لا يخفى.

ثانيها ما أفاده بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا يرجع مع توضيح منّا الى ان لا مغايرة بين الحمل بالمعنى اللغوي لا بالمعنى العرفي الذي أشرنا اليه و بين اللبس إلّا بنحو العموم و الخصوص مطلقا نظرا الى ان اللبس من مصاديق الحمل بل أظهر مصاديقه و افراده و التعبير به في الجواب مع كون السؤال عن مطلق الحمل انّما هو لأجل غلبة اللبس في الخارج و كونه أظهر مصاديقه و عليه فمتعلق الحكم في الجواب هو الحمل بحسب الواقع و إلّا يلزم عدم التطابق بين السؤال و الجواب.

و يرد عليه ان حمل الرواية على خلاف المعنى العرفي و ان كان موافقا للمعنى اللغوي خلاف الظاهر جدّا.

ثالثها ما يستفاد من صاحب الجواهر قدّس سرّه و هو ان حمل السلاح تارة يكون بنحو يصدق على الشخص الحامل انه مسلّح فكما يصدق على اللابس هذا العنوان كذلك يصدق على الحامل أيضا مثل ما إذا أخذ السلاح بيده أو وضعه في جيبه أو في كمّه أو تحت لباسه فإنه يصدق في جميع هذه الموارد عنوان «المسلح» و اخرى بنحو لا يصدق على الحامل ذلك كما إذا وضعه في الصندوق الذي أخذه بيده و هو يحمله و عليه فيقال في الرواية ان ذكر عنوان الحمل في السؤال و عنوان اللبس في الجواب قرينة على كون المراد هو عنوان المسلّح الجامع بين اللابس و بين الحامل بالنحو الأوّل و الظاهر انّ هذا التوجيه هو الظاهر و

لا منافاة بين هذه الرواية و بين الروايات الدالة على حرمة عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 271

..........

______________________________

اللبس مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال «انّ خ» المحرم إذا خاف العدوّ «و خ» يلبس السّلاح فلا كفارة عليه «1». لكن مفادها ثبوت الكفارة في صورة اللبس من غير خوف العدو و لم يعرف به قائل كما في الجواهر.

و ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المحرم إذا خاف لبس السلاح «2». و لكن الظاهر عدم كونها رواية أخرى لعبد اللّٰه بن سنان بل اتحادها مع روايته السّابقة و ان كان بينهما الفرق في بعض الجهات. و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو «3».

الجهة الثالثة في ان الظاهر ان الحكم يختص بما يعدّ عرفا سلاحا كالأمثلة المذكورة في المتن و امّا الآلات التي يستفاد منها في الحرب لكن بعنوان التحفظ و الوقاية و لا يصدق عليها السلاح و على اللابس لها انه مسلّح كالدرع و المغفر و الترس و نحوها فالظاهر انه لا دليل على حرمة لبسها و ان حكى عن البعض التعميم لكن لا مستند له نعم يمكن ان يقال بالمنع في بعضها لأجل كونه موجبا لتغطية الرأس المحرمة على الرجل المحرم أو لأجل كونه شبيها للمخيط الذي يحرم لبسه كذلك و امّا من جهة الدخول تحت السلاح المأخوذ في روايات المقام فلا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الأقوى ما عليه المشهور من ان لبس السلاح في حال الإحرام

حرام لا مكروه كما انه ظهر ان مقتضى التأمل في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب تروك الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

هي حرمة احدى صورتي الحمل و عليه فما هو ظاهر المتن من كراهة حمل السلاح إذا لم يلبسه الظاهر بمقتضى إطلاقه انه لا فرق بين صورتي الحمل في الكراهة نظرا الى ان الحمل مغاير للبس غير وجيه لثبوت الحرمة في إحدى الصورتين و عدم الدليل على الكراهة أيضا في الصورة الأخرى كما ان التقييد بصورة الظهور و الاشتهار مع انه لا يكون من هذا العنوان أثر في الروايات الواردة في المقام، لا وجه له أيضا نعم حكى عن الحلبيين تحريم الاشتهار و ان لم يكن معه لبس و لا حمل يصدق عليه انّه متسلح بل كان متعلّقا على دابة و نحوها.

نعم هنا روايات واردة في مورد الدخول في الحرمة كصحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا ينبغي ان يدخل الحرم بسلاح إلّا أن يدخله في جوالق أو يغيبه يعني يلفّ على الحديد شيئا «1». و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يريد مكّة أو المدينة يكره ان يخرج معه بالسّلاح فقال: لا بأس بأن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكّة لم يظهره «2». و غير ذلك ممّا ورد في هذا الباب و لكن البحث في المقام في محرّمات الإحرام لا في أحكام الحرم و قد مرّ

انه ليس في شي ء من الروايات الواردة في هذا البحث اشعار بعنوان الإظهار و عدمه فالتقييد في غير محلّه.

ثم انّك عرفت انه لا كفارة في المقام و انه لا قائل بثبوتها فيه لكن الظاهر انّ إطلاق الكفارة ينصرف الى دم الشاة كإطلاق الدّم في كثير من الروايات الواردة في الكفارات و دعوى انّ مقتضى إطلاقها جواز الاكتفاء بقبضة من الطعام أو مدّ منه مدفوعة بثبوت الانصراف المذكور لكن الأمر سهل بعد عدم ثبوت القائل بها في المقام و ان كان

______________________________

(1) الوسائل، أبواب مقدمات الطواف، الباب الخامس و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب مقدمات الطواف، الباب الخامس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 273

..........

______________________________

مقتضى المفهوم في بعض الروايات المتقدمة عبارة عن الثبوت. الى هنا انتهى- بحمد اللّٰه و المنّة- البحث في محرمات الإحرام و يتلوه البحث في الطواف ان شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 275

[القول في الطواف]

اشارة

القول في الطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 277

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم القول في الطواف الطّواف أوّل واجبات العمرة و هو عبارة عن سبعة أشواط حول الكعبة المعظمة بتفصيل و شرائط آتية، و هو ركن تبطل العمرة بتركه عمدا الى وقت فوته سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا، و وقت فوته ما إذا ضاق الوقت عن إتيانه و إتيان سائر اعمال العمرة و إدراك الوقوف بعرفات (1).

______________________________

(1) أقول بعد كون الذيل قرينة على انّ المراد بالعمرة هو خصوص عمرة التمتع لا مطلق العمرة الشامل للعمرة المفردة أيضا يقع الكلام في توضيح المتن من جهات:

الجهة الأولى فيما افاده من ان

الطواف أوّل واجبات العمرة و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّهم أنّه ثاني واجبات عمرة التمتع نظرا الى انّ الأوّل من الواجبات هو الإحرام و يمكن توجيه ما في المتن بأحد وجهين:

الأوّل ان يقال انه حيث كان النظر الى مطلق عمرة التمتع و ربما لا تكون العمرة المذكورة واجبة أصلا كما فيمن اتى بما هو وظيفته من حج التمتع قبلا و الان يريد الإتيان به استحبابا أو لم يكن واجبا عليه لأجل عدم الاستطاعة فإنه- ح- لا يكون أصل الإحرام واجبا و ان كان بعد الإحرام يجب الإتمام بالطواف و سائر الأعمال و عليه فما هو الواجب الأوّل في جميع الموارد ليس هو الإحرام.

الثاني ان يقال انه حيث كانت ماهيّة الإحرام و حقيقته عبارة عند الماتن قدّس سرّه عن خصوص نيّة الحج أو العمرة أو بضميمة التلبية و عليه فالنيّة ركن في تحقق الإحرام فاللازم ان يقال بخروجها عمّا هو المنوي من الحج أو العمرة لظهور المغايرة بين النية و المنوي كما في باب الصلاة فإن النية المتعلقة بها و ان كانت لها دخالة ركنية في تحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 278

..........

______________________________

الصّلاة و لا تكاد تتحقق الصلاة بدونها الّا انه لا ينافي كونها خارجة عن الصلاة كما يدل عليه ما ورد من انّ افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم و عليه فالنيّة المحققة للإحرام حيث يكون منويّها الحج أو العمرة فلا محالة تكون خارجة عنهما و هذا الوجه أظهر من الوجه الأوّل فتدبّر.

الجهة الثانية في جزئية الطواف لعمرة التمتع و لا شبهة فيها نصّا و فتوى و الروايات الواردة في كيفية عمرة التمتع و بيان الاعمال المعتبرة فيها و انّ

منها الطواف متظافرة و قد ورد في بعض فروع المسألة كالحيض في أثناء الطواف أو عند قدوم مكّة قبل الطواف الموجب للعدول الى حج الافراد لاعتبار الطهارة فيه أيضا روايات تقدم البحث عنها مفصّلا.

نعم في استفادة ذلك من قوله تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ إشكال فإن الآية و ان كانت تشمل حج التمتع أيضا بلحاظ قوله تعالى وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ الّا ان دلالته على اعتبار الطواف في عمرته أيضا غير ظاهرة لكن الأمر سهل بعد وضوح أصل الجزئيّة و الاعتبار في عمرة التمتع أيضا.

الجهة الثالثة في كون الجزئية بنحو الركنيّة و ليعلم انّ الركن في باب الحج يختلف معناه مع الرّكن في مثل الصلاة فإن الركن هناك يرجع الى كون الإخلال به موجبا للبطلان مطلقا سواء كان الإخلال عن عمد أو عن جهل أو عن سهو و نسيان و امّا الركن هنا فمرجعه الى كون الإخلال به موجبا للبطلان في خصوص صورة العمد سواء كان عالما أو جاهلا و امّا الإخلال السهوي فلا يؤثر في البطلان كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فالإخلال بالطواف الذي يجي ء انه بما ذا يتحقق إذا كان عن عمد و علم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

لا شبهة في انه يوجب بطلان العمرة لأنّ مقتضى أصل الجزئية ذلك ضرورة انّ أقلّ آثار الجزئية التأثير في البطلان في هذه الصورة و الّا فلو فرض عدم البطلان فيها أيضا لا يكاد يترتب على اعتباره بنحو الجزئية شي ء أصلا و عليه فلا حاجة الى إقامة دليل آخر على البطلان في هذا الفرض بل نفس أدلة الجزئية كافية

في افادة ذلك و لذا نقول بأنه لا مجال لدعوى كون حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة شاملا لصورة الإخلال عن عمد و علم بغير الخمسة المستثناة فيه لعدم اجتماع ذلك مع أدلة سائر الاجزاء و الشرائط.

و امّا إذا كان الإخلال بالطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فعلا عن جهل و عدم علم فالمحكيّ عن إطلاق كلام الشيخ بل الأكثر هو البطلان و قد قوّاه صاحب الجواهر و تبعه الماتن قدّس سرّه و حكى الميل الى التوقف عن بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و المحدث البحراني و عن المحقق في النافع: و في رواية ان كان على وجه جهالة أعاد الحج و هو يشعر بالتوقف فيه.

و ربما يستدلّ على البطلان بروايتين:

إحديهما صحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و عليه بدنة «1». و لا ينبغي الارتياب في ان المراد بالإعادة الواجبة هي إعادة الحج بجميع مناسكه و لا مجال لاحتمال كون المراد اعادة الطواف بعد ما كان المفروض في السؤال عدم الإتيان به رأسا لأنه لا معنى لإعادة ما لم يؤت به أصلا.

ثانيتهما رواية علي بن أبي حمزة قال سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 280

..........

______________________________

رجع الى أهله، قال إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «1». و في نقل الصدوق بإسناده عنه أنّه قد رواه عن أبي الحسن عليه السّلام الّا انّه قال سها ان يطوف و

لكن الأمر سهل بعد ضعف الرواية بعليّ بن أبي حمزة و العمدة هي الصحيحة.

و السؤال فيها و ان كان عن ترك طواف الفريضة جهلا من دون التقييد بالحج الّا ان يقال بظهور عنوان طواف الفريضة في خصوص طواف الحج و هو محل تأمل كما يظهر بملاحظة الروايات المشتملة على هذا العنوان الّا ان التقييد بالحج في الجواب ظاهر في الاختصاص بالحج و عدم الشمول للعمرة و عليه فلا مجال للاستدلال بالصحيحة لحكم المقام الّا ان يقال بأنّ عمرة التمتع حيث تكون مرتبطة بالحج بحيث يعدّان عملا واحدا و لذا لا يكتفي بأحدهما أصلا. و لا تكفي الاستطاعة المعتبرة بالإضافة إلى أحدهما فالرواية شاملة لعمرة التمتع لان ترك الطواف فيها ترك الطواف في الحجّ.

أو يقال باستفادة حكم العمرة من طريق الأولوية نظرا الى انّ تأثير طواف الحج في حصول التحلّل و أثره فيه يكون قليلا لحصول عمدة التحلل بالإضافة الى أكثر محرمات الإحرام بسبب الإتيان بمناسك منى يوم النحر و تبقى حلية الصيد و الطيب و النساء متوقفة على طواف الحج و طواف النساء بل حرمة الصيد في الحرم من احكام الحرم لا الإحرام فتدبر و عليه فإذا كان الإخلال بالطواف الذي له اثر قليل في التحلل موجبا لبطلان الحج من رأس و لزوم الإعادة فالإخلال بطواف عمرة التمتع الذي له دخالة مهمة في حصول التحلل يكون موجبا لبطلانها بطريق أولى.

أو يقال بان كلمة «الحج» قد تطلق في مقابل العمرة كما في قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. و قد تطلق و يراد بها الأعم منها كما في موارد كثيرة و عليه فالظاهر

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 281

..........

______________________________

ان الحج في الصحيحة انما يكون شاملا للعمرة لا في مقابلها.

هذا و لكن شي ء من هذه التوجيهات الثلاثة لا توجب حصول الطمأنينة للنفس بشمول الصحيحة لطواف عمرة التمتع أيضا بحيث يمكن دعوى ظهورها فيه و عدم الاختصاص بالحج كما لا يخفى فاللّازم ان يرجع في ذلك الى مقتضى القاعدة فنقول:

قد وقع الاختلاف في مثل الصلاة من العبادات التي يكون معنى الركن فيها بطلان العبادة بالجزء الركني و لو في حال السّهو و النسيان في انّه إذا ثبت جزئية شي ء لها و تردد امره بين كونه جزء ركنيا أو غير ركني حتى لا يوجب الإخلال به سهوا موجبا للبطلان و كان لدليل الجزئية إطلاق شامل لصورة النسيان في ان مقتضى القاعدة هل هي الركنيّة أو عدمها فالذي اختاره المحقّقان النائيني و العراقي قدّس سرّهما هي أصالة الركنية المقتضية لكون الإخلال السهوي موجبا للبطلان و نحن قد اخترنا في محل هذا البحث من علم الأصول الذي هو ذيل مباحث الأقل و الأكثر الارتباطي انّ القاعدة تقتضي عدم الركنية تبعا للإمام الماتن- قدّس سرّه الشريف- نظرا الى ان دليل الاعتبار و الجزئية و ان كان له إطلاق يشمل صورة النسيان أيضا الّا ان حديث رفع الخطأ و النسيان بمنزلة المقيّد لذلك الإطلاق كتقييد دليل نفى الحرج بالإضافة إلى المطلقات و تكون نتيجة التقييد اختصاص الجزئية بغير صورة النسيان و كون دليل المطلق صادرا بعنوان القاعدة و الضابطة التي يكون مقتضى الإرادة الاستعمالية فيه كذلك و ان كانت دائرة الإرادة الجدية أضيق من دائرة الإرادة الاستعمالية كما هو مقتضى الجمع بين العام و الخاص و عليه فإطلاق دليل الجزئية

يقيد بحديث رفع الخطاء و النسيان فتصير النتيجة ان مقتضى القاعدة أصالة عدم الركنية هذا في مثل الصلاة.

و امّا في باب الحج الذي عرفت ان معنى الركن فيه هو تأثير الإخلال عن جهل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 282

..........

______________________________

أيضا في البطلان دون الإخلال نسيانا فالّذي يمكن ان يقع في مقابل إطلاق أدلة جزئية الطواف لعمرة التمتع الشامل لصورة الجهل أيضا انّما هو الحديث المزبور بالإضافة إلى فقرة ما لا يعلمون و نحن و ان اخترنا ان المرفوع في حديث الرفع ليس المؤاخذة و استحقاق العقوبة خلافا لمثل صاحب الجواهر قدّس سرّهما القائل بأن المعلوم ارادة نفي العقاب من حديث الرفع بل قلنا بان المرفوع عبارة عن كل ما يكون متعلقا للجهل و عدم العلم سواء كان حكما تكليفيّا أو وضعيّا كالجزئية و الشرطية و أشباههما الّا انه لا مجال لان يعامل معه معاملة رفع الخطاء و النسيان الذي عرفت انه بمنزلة التقييد بل نفسه و ذلك لان النسيان أمر خارجي يجتمع مع إطلاق دليل الجزئية و امّا عنوان ما لا يعلمون فهو لا يتحقق مع وجود الإطلاق الذي هو حجة معتبرة و من الظاهر ان المراد ما لا يعلمون ما لا حجّة فيه و من الواضح انّ الإطلاق حجة لا تصل النوبة معه الى تحقق عنوان ما لا يعلمون فكما ان إطلاق قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ حجة معتبرة على صحة البيع المعاطاتي مثلا كذلك إطلاق دليل جزئية الطواف لعمرة التمتع حجة و دليل على الجزئية في حال الجهل فلا يكون هنا عنوان ما لا يعلمون حتى يكون رفعه مقيّدا لذلك الإطلاق نعم لو لم يكن لدليل الجزئية

إطلاق كما لو فرض ثبوت الجزئية من طريق الإجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن لكان التمسك بحديث الرفع مما لا مانع منه أصلا لكن الموجود في المقام الأدلة اللفظية الدالة على الجزئية الشاملة بإطلاقها لصورة الجهل أيضا فاللازم الأخذ بمقتضى الإطلاق و الحكم بثبوت الجزئية في هذا الحال أيضا المستلزم للبطلان مع الإخلال.

و قد انقدح مما ذكرنا ان مقتضى الأصل في باب الحج في مورد الشك في الركنية و عدمها هي الركنية و ان كان مقتضاه في غير هذا الباب مثل الصلاة و أشباهها هو عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

الركنية كما عرفت وجهه فافهم و اغتنم.

نعم ربما يقال كما قيل بان قوله عليه السّلام اىّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه كما تقدم في بعض الروايات الواردة في رجل محرم دخل مسجد الحرام و عليه قميصه يدلّ على عدم البطلان في صورة كون الإخلال ناشيا عن الجهالة فيدل على أصالة عدم الركنية في باب الحج أيضا.

و لكن الظاهر اختصاص مورده بما إذا ارتكب امرا وجوديّا تعلّق الطلب بتركه و عدم إيجاده في الخارج فيدلّ على نفي الشي ء على من ارتكب شيئا من محرمات الإحرام من دون ان يختص بمورده و هو لبس المخيط و امّا دلالته على الإخلال بالأمور الوجودية التي كان المطلوب فيها الوجود فممنوعة فان لابس المخيط- مثلا- يصدق عليه أنّه ارتكب أمرا بجهالة و امّا تارك الطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فلا يصدق عليه هذا العنوان لانه لم يتحقق منه شي ء حتى يقال انه ارتكب امرا فلا يشمل مثل المقام.

الجهة الرّابعة في انّه بعد بطلان عمرة التمتع بسبب ترك

الطواف فيها عمدا و لو جهلا هل يخرج من الإحرام أم لا و بعبارة أخرى هل يحصل له التحلل بمجرد البطلان أم لا يظهر من سيّد المدارك انّ فيه وجوها ثلاثة:

أحدها و هو الذي يقتضيه التحقيق فعلا ان يقال بالخروج عن الإحرام بمجرد الحكم ببطلان العمر لان العمرة عبارة عن أمر مركب اعتباري لا تتحقق الّا بالمجموع و لا يكون اجزائها مستقلة بل ارتباطية و في مثله إذا لم يتحقق شي ء من الاجزاء اللاحقة فذلك يؤثر في بطلان الأجزاء السّابقة كما في باب الصلاة فإنّ الإخلال بشي ء من أجزائها إذا كان موجبا لبطلانها يكون مرجعه الى ان الأجزاء السابقة كأنها لم تتحقق و لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 284

..........

______________________________

توجد فوجود الأجزاء اللاحقة و صحتها شرط في صحة الأجزاء السّابقة بنحو الشرط المتأخر و مقتضى ذلك بعد فرض كون الإحرام من أجزاء العمرة و ان وجّهنا ما في المتن من كون الطواف أوّل واجبات العمرة بالوجهين المتقدمين الّا انّ شيئا منهما لا يقتضي الخروج عن دائرة المركب الاعتباري الذي يسمى في الشرع بالعمرة ان يكون عدم تحققها موجبا لبطلان جميع الأجزاء السابقة التي منها الإحرام مع الإخلال بشي ء من الاجزاء اللاحقة فمقتضى القاعدة- ح- المعاملة مع العمرة معاملة الصلاة و مثلها.

ثانيها ان يقال بأنه يبقى على إحرامه الى ان يأتي بالفعل الفائت في محلّه قال:

و يكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا كما قاله الشهيد في الحج الفاسد بناء على ان الأوّل هو الفرض.

ثالثها ان يقال بحصول التحلّل بأفعال العمرة يعني العمرة المفردة قال: و جزم المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد بالأخير ثم ذكر في ذيل كلامه ان المسألة

قوية الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلّل و انما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة و من أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان عنه و لعلّ المصير الى ما ذكره- يعني الشيخ عليّ قدّس سرّهما- أحوط.

و منه يظهر انّ ما ذهب اليه المحقق الكركي هو الوجه الثالث لا الوجه الثاني كما نسب اليه بعض الاعلام قدّس سرّهما كما انه ظهر انّ الوجه الثاني و ان احتمله صاحب المدارك في صدر كلامه لكنه عدل عنه في الذيل حيث جعل طرفي الإشكال بعد الحكم بقوته غير هذا الوجه فتدبّر و لهذا البحث تتمة بل تفصيل يأتي البحث عنه في شرح المسألة الأولى الآتية إن شاء اللّٰه تعالى. ثم انه قد تقدم البحث مفصّلا في ان الملاك في ضيق الوقت هو فوات الجزء الركني من الوقوف بعرفات لا مجموع الواجب منه الذي هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 285

[مسألة 1- الأحوط لمن أبطل عمرته عمدا الإتيان بحجّ الافراد]

مسألة 1- الأحوط لمن أبطل عمرته عمدا الإتيان بحجّ الافراد و بعده بالعمرة و الحجّ من قابل (1).

______________________________

الوقوف من الزوال الى الغروب فراجع ما هناك.

(1) أقول هذه المسألة تكرار لما أفاده في بحث كيفية حج التمتع في ذيل المسألة السادسة من قوله: و لو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و أخّر الطواف و السعي متعمّدا الى ان ضاق الوقت ففي جواز العدول يعني إلى حجّ الافراد و كفايته اشكال و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء لو كان الحج واجبا عليه. و قد شرحناه مفصّلا و خلاصة ما هناك ان فيه وجوها:

الأوّل ما يظهر من صاحب المستمسك قدّس سرّه من شمول الروايات

الواردة في العدول للعامد أيضا و ان كان آثما في التأخير و عاصيا لأجله كسائر موارد الابدال الاضطرارية فإنّ من أراق ماء الوضوء عمدا صحّ تيمّمه و يجب عليه الصّلاة معه.

و يرد عليه انّه ان أراد ان روايات العدول شاملة للعامد في نفسها مع قطع النظر عن ملاحظة موارد الابدال الاضطرارية فمن الواضح عدم شمول الروايات للعامد و اختصاصها بما إذا تحقق الضيق من غير اختيار منه. و ان أراد انّ الشمول انّما هو بعد ملاحظة تلك الموارد فيرد عليه منع الاستفادة بعد الفرق بين الصّلاة و غيرها لأن الصلاة لا تترك بحال، غاية الأمر الاختلاف في الكمية و الكيفية بحسب الحالات و الخصوصيات فان من أراق ماء الوضوء عمدا يدور امره بين ترك الصلاة و بين الصلاة مع التيمم و الدليل الدال على انّها لا تترك يعيّن الثاني و امّا في المقام فلم يدلّ دليل على ان الحج الذي شرع في عمرته لا بدّ و ان يتحقق منه في هذا العام فإذا لم يمكن إتمامه بصورة التمتع فلا محالة يتبدل الى حج الافراد، و كون وجوب الحج فوريّا لا يسوغ العدول لعدم كون الفورية بمعنى التوقيت كما مرّ مرارا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 286

..........

______________________________

الثاني ان يقال بلزوم إتمام عمرة التمتع ثم الإحرام لحجّة و ان لم يدرك الوقوف الاختياري لعرفة نظرا الى ان إدراك الوقوف الاضطرراري لها أو أحد الوقوفين الاختياري و الاضطراري للمشعر يكفي في تمامية الحج على الاختلاف الذي يجي ء البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و خصوصا بالإضافة إلى المشعر الذي ورد فيه ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج.

و يرد عليه انه كما ان

روايات العدول لا تشمل المقام كذلك ما ورد في تمامية الحج بإدراك أحد المواقف الثلاثة ضرورة ان موردها ما إذا لم يكن الضيق مستندا الى اختياره و ناشيا عن عصيانه في التأخير.

الثالث ان يجعل عمرته مفردة نظرا الى ما ورد فيمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر من انه يبطل حجّه و يجعله عمرة مفردة.

و يرد عليه أنّه لا دليل على التعدّي عما ورد فيمن أحرم للحج الى من أحرم لعمرة التمتع خصوصا مع التعمد في التأخير، و العصيان بالإضافة إليه.

الرّابع ما جعلناه مقتضى التحقيق في أوّل البحث في هذه الجهة و قد حكم بعض الاعلام قدّس سرّهم بصحته و تماميته من بطلان عمرته و إحرامه معا بالتقريب المتقدم و سيأتي ما فيه.

و هنا احتمال خامس لم يذكر في ذلك المقام و هو بقائه على إحرامه إلى السّنة الآتية حتى يأتي بالطواف فيها و يرد عليه مضافا الى استلزام البقاء للعسر و الحرج الشديد خصوصا بعد افتراق طواف عمرة التمتع عن طواف الحج لما عرفت من انّ اثر التحلّل في الثاني قليل بخلاف الأوّل انه بعد مجي ء السنة الآتية هل يجدد الإحرام لعمرة التمتع أو يبقي على إحرامه المتحقق في السنة الماضية و يطوف معه و يأتي بسائر مناسك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 287

..........

______________________________

العمرة؟ فإن قلنا بلزوم التجديد فمن الواضح انّ لازم التجديد بطلان الإحرام السابق لانه لا يجتمع بقائه مع لزوم التجديد بوجه و ان قلنا بالعدم فذلك ينافي ما ورد من لزوم وقوع حج التمتع و عمرته بجميع أبعاضهما في سنة واحدة فهذا الاحتمال لا مجال له أصلا.

كما انّ هنا احتمالا سادسا أشار إليه صاحب

الجواهر و قد جعله بعض الأعاظم قدّس سرّهم مقتضى التحقيق و هو ان يقال بابتناء بطلان الإحرام بعد بطلان العمرة على كون الإحرام مأخوذا بنحو الجزئية بالإضافة إلى مجموع العمرة و امّا إذا كان الإحرام مأخوذا بنحو الشرطية كشرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فبطلان العمرة لا يوجب بطلان الشرط كما ان بطلان الصلاة بمثل الضحك و التكلم و زيادة الركن أو نقصيته لا يوجب بطلان الطهارة المعتبرة فيها.

أقول انّ روايات العدول و كذا ما ورد في تمامية الحج بإدراك أحد المواقف الثلاثة و كذا ما ورد فيمن أحرم للحج و لم يدرك المشعر أصلا من انه يجعل حجّة عمرة مفردة و ان كان شي ء منها لا يشمل المقام الّا ان الحكم ببقاء الإحرام إلى السنة الآتية قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به فيبقى الحكم ببطلان الإحرام و هو و ان كان مقتضى القاعدة في بادى النظر الّا ان لازمة الحكم ببطلان الإحرام بمجرد تحقق الصّد و الحصر في المصدود و المحصور من دون ان يتوقف على ذبح هدي في المحلّ كما في الأوّل أو في مكة أو منى كما في الثاني في الجملة مع انه سيأتي في بحثهما عدم التحلّل بنفس صدّ العدو أو مثله و حصر المرض بل لا بدّ مما ذكر مع انه لو فرض وقوع نظيرهما في الصلاة لكان اللازم الحكم ببطلانها بجميع اجزائها بمجرّد تحقق أحد العنوانين المانعين عن الإتمام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

فهذا يكشف عن انّ الإحرام في باب الحج أو العمرة إذا تحقق صحيحا لا بدّ و ان يكون هنا شي ء يقع التحلّل به و لا يبطل بمجرّد بطلان الحج أو

العمرة بل قد عرفت في مسألة الحج الفاسد بالجماع انّه لا بدّ و ان يأتي بجميع مناسكه و لو قلنا بأن الأوّل فاسد و الثاني واجبه و عليه فدعوى كون الإحرام يتصف بالبطلان بمجرد بطلان العمرة كما عرفت في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم ممّا لا مجال لها أصلا بل لا بدّ من التحقيق فيما به يتحلّل من هذا الإحرام الّذي لا يتصف بالبطلان بذلك فنقول انّ ما يمكن ان يقع به التحلّل أحد أمرين:

الأوّل العدول الى حجّ الافراد و الإتيان بالعمرة المفردة بعده كما في سائر موارد حجّ الافراد و قد جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي بضميمة الإتيان بحج التمتع في العام القابل و جعله بعض الاعلام قدّس سرّهم مقتضى الاحتياط الاستحبابي بعد الحكم ببطلان الإحرام.

الثاني العدول إلى عمرة مفردة و الإتيان بمناسكها فقط و الخروج عن الإحرام بسببه و قد مرّ في ذيل البحث السابق ان صاحب المدارك قدّس سرّه بعد ان وصف المسألة بكونها قوية الإشكال جعل أحد الوجهين استصحاب بقاء الإحرام الى ان يتحقق ما يعلم حصول التحلل به و هي العمرة المفردة فجعلها بأنّها يعلم الخروج عن الإحرام بسببها فيكون ذلك مفروغا عنه عنده و ان قال صاحب الجواهر قدّس سرّه لم يحضرني الآن ما يدلّ على ذلك- يعني دعوى استفادته من الأدلّة.

و امّا ما افاده بعض الاعلام قدّس سرّهم في هذا المجال في بعض المسائل السابقة الواردة في كيفية عمرة التمتع الذي هو عين المقام من انّ الأحوط ان يأتي ببقية الاعمال بقصد الأعم من إتمامها حجّ افراد أو عمرة مفردة فيأتي باعمال الحج رجاء ثم يأتي بالطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص:

289

..........

______________________________

و السعي بقصد الأعم من حج الافراد أو عمرة مفردة و عليه الحج من قابل إذا كان واجبا عليه. فقد أورد عليه هناك بأنه لا يكاد يلتئم مع الذوق الفقهي و ما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة لأن لازمة التبعيض في العمل الواحد بالإتيان ببعض اجزائه بقصد خصوص عنوان واحد رجاء و بالبعض الآخر مردّدا بين العنوانين.

فالأمر يدور بين الأمرين الأوّلين و عليه فيمكن الاستشكال على ما في المتن بأنّه ما الوجه في جعل مقتضى الاحتياط خصوصا الوجه الأول بنحو التعين خصوصا مع ما عرفت من مفروغية الوجه الثاني عند صاحب المدارك و قد اختاره المحقق الكركي قبله.

و الذي يمكن ان يوجّه به ما في المتن من تعين الوجه الأوّل انّ العدول مطلقا و ان كان على خلاف القاعدة في جميع موارده من دون فرق بين الحج و سائر العبادات و لا يصار اليه الّا مع اقتضاء الدليل له الّا ان مقتضى التتبع انه في جميع موارد العدول الثابت في عمرة التمتع كما إذا ضاق الوقت عن إتمامها و إدراك الحج بالمعنى الذي تقدم البحث فيه أو صارت المرأة حائضا بعد دخولها مكة- مثلا- و يكون حيضها مانعا عن الإتمام و إدراك الحج لعدم حصول العدم حصول الطهارة لها بهذا المقدار يكون المعدول اليه هو حجّ الافراد و لا يوجد مورد يكون العدول فيه الى عمرة مفردة.

كما ان مقتضى التتبع ان العدول في الحج في موارد ثبوته يكون إلى العمرة المفردة و لا يوجد فيها مورد يكون العدول الى غيرها و ذلك كما ورد فيمن لم يدرك المشعر أيضا من انه يعدل إلى العمرة المفردة و غيره من سائر الموارد.

و عليه فالظاهر ان ما

في المتن ناظر الى ما ذكرنا من مقتضى التتبع في كلا النسكين و ان كان مع قطع النظر عن ذلك لا دليل على التعين في البين فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 290

[مسألة 2- لو ترك الطواف سهوا يجب الإتيان به في أيّ وقت امكنه]

مسألة 2- لو ترك الطواف سهوا يجب الإتيان به في أيّ وقت امكنه، و ان رجع الى محلّه و امكنه الرجوع بلا مشقة وجب، و الا استناب لإتيانه (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل في ان ترك الطواف سهوا هل يكون مثل تركه جهلا موجبا لبطلان عمرة التمتع أم لا فنقول قد نفى في الجواهر وجد ان خلاف معتدّ به في الصحة بل حكى عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه لكن المحكيّ عن الشيخ في كتابي الأخبار «التهذيب و الاستبصار» و كذا عن الحلبي البطلان و الكلام في هذا المقام تارة من جهة ما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة الواردة في المسألة و اخرى مع ملاحظة الرّوايات.

أمّا من الجهة الأولى فقد مرّ في مسألة ركنية الطواف انّ مقتضى القاعدة ثبوتها بالإضافة إلى صورة الجهل و عدم ثبوتها بالنسبة إلى صورة النسيان لما عرفت من ان حديث الرفع بلحاظ اشتماله على رفع الخطاء و النسيان يكون بمنزلة المقيّد في مقابل الطلاق أدلة الجزئية الشامل لصورة النسيان أيضا و مقتضاه تخصيص الإطلاق بغير هذه الصّورة و عليه فمقتضى القاعدة عدم البطلان خصوصا مع ان النسيان أمر غير اختياري و من البعيد ان يكون موجبا للبطلان المستلزم للحرج بخلاف مثل باب الصلاة فلا اشكال من هذه الجهة.

و امّا من الجهة الثانية فقد ورد في هذا الفرض روايتان:

إحديهما صحيحة هشام بن سالم قال سألت

أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عمّن نسي زيادة البيت حتى رجع الى أهله فقال: لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه «1». و حكاه في الجواهر هكذا: عمّن نسي طواف زيارة البيت و قد حمل الشيخ الرواية على طواف

______________________________

(1) الوسائل، أبواب زيارة البيت، الباب الأوّل، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 291

..........

______________________________

الوداع مع انّه لا وجه له فانّ طواف الوداع أمر مستحب لا يجب الإتيان به مع الالتفات و عدم النسيان أيضا و لا دلالة لقوله عليه السّلام إذا كان قد قضى مناسكه على كون المراد قضاء جميع المناسك حتى الطواف بل المراد قضاء سائر المناسك ما عداه و عليه فنفس السؤال خصوصا من مثل هشام قرينة على ان المنسي كان امرا واجبا يجب الإتيان به مع عدم عروض النسيان كما ان قوله عليه السّلام في الجواب: لا يضرّه، ظاهر في انه لو لم يكن النسيان لكان الترك يضرّ به و هذا لا ينطبق على طواف الوداع بوجه كما ان الظاهر عدم كون المراد به طواف النساء بعد عدم كونه من مناسك الحج و اجزائه بل واجب فيه يكون أثره حصول التحلل بالإضافة الى النّساء و عليه فالرواية بمقتضى إطلاقها الشامل للحج و للعمرة تدل على ان نسيان الطواف في عمرة التمتع لا يضر بحصتها و لا يوجب بطلانها بوجه.

ثانيتهما صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النّساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي، ان كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل من

يطوف عنه ما تركه من طوافه «1». و حكى في الجواهر بدل: طوافه، طواف الحج لكن الموجود في الوسائل مطابق لما ذكرنا، و قد حملها الشيخ قدّس سرّه على طواف النّساء و لا وجه له ظاهرا فإنّه ان كان الوجه في ذلك هو التعبير في السّؤال بمواقعة النساء المناسبة لطواف النساء لتوقف حلّيتهن عليه فمن الواضح انه لا دلالة له على ذلك لأنّ طواف النساء المؤثر في حليّتهن هو الطواف الواقع بعد الطواف و السّعي لا مجرد طواف النساء في أيّ ظرف تحقّق.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 292

..........

______________________________

و ان كان الوجه في ذلك هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف النّساء حتى يرجع الى أهله قال لا تحلّ له النّساء حتى يزور البيت فان هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره فامّا ما دام حيّا فلا يصلح ان يقضى عنه الحديث «1» فمن الواضح ان ورود هذه الصحيحة في نسيان طواف النساء لا دلالة له على ورود الصحيحة الأولى فيه أيضا بل ظاهر طواف الفريضة هو الطواف الذي يكون جزء للحج أو العمرة و يؤيده بل يدل عليه قوله عليه السّلام و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة لأن الظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع التي لها وقت خاص و هو أشهر الحج كنفس الحج و امّا العمرة المفردة فليس لها وقت مخصوص حتى يجب بعث الهدى في ذلك الوقت و عليه فالظاهر ان المراد بالعمرة فيه هي عمرة التمتع و حيث انه لا يجب

فيها طواف النساء كما مرّ تحقيقه في كيفية عمرة التمتع بل يستحب فيها فهذه قرينة على عدم جواز حمل الصحيحة على طواف النساء بوجه و ان موردها طواف الفريضة المشترك بين الحج و العمرة المتمتع بها فشمول الرواية للمقام بالنصوصية و لكن شمول صحيحة هشام انّما هو بالإطلاق ثم ان الحكم ببعث الهدى و التوكيل ظاهر في عدم البطلان و قد انقدح مما ذكرنا تطابق النص و القاعدة على الصحة التي هي المقصود في الجهة الاولى في مقابل الترك و لو عن جهل الذي قد تقدم ان حكمه بطلان عمرة التمتع.

المقام الثاني في انه بعد الحكم بصحة عمرة التمتع يكون مقتضى الفتاوى كما في المتن انه مع إمكان الرجوع يعني من دون عسر و حرج يجب عليه الرجوع و الإتيان بالطواف المنسي و ركعتيه بالمباشرة و لا تجوز الاستنابة في هذا الفرض و لكن ربما

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 293

..........

______________________________

يقال كما في المدارك: ان إطلاق الرواية- يعني صحيحة على بن جعفر المتقدمة- يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا يعني و ان كان قادرا على الرجوع بنفسه بلا مشقة. و في محكيّ كشف اللثام: و الخبر يعطي انّ العود الى بلاده يكفيه عذرا و لكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا.

أقول الظاهر انّ الوجه فيه كون الأصل في امتثال التكاليف التعبدية المباشرة و النيابة انّما هي على خلاف القاعدة كما حققناه في مبحث الحج النّيابي و لا يصار إليها إلّا في مورد قيام الدليل و الرواية غايتها الدلالة على وجوب التوكيل في الجملة و لا يستفاد منه

ذلك مطلقا حتى في مورد القدرة على الرجوع و الإتيان بالمباشرة و الّا لكان مقتضى الجمود على ظاهرها عدم جواز الرجوع و تعيّن التوكيل و الاستنابة و لا يمكن الالتزام به بوجه فالإنصاف انه لا دلالة للرواية على جواز التوكيل في مورد القدرة في مقابل القاعدة التي تقتضي أن تكون النيابة على خلافها.

و الظاهر انّ عدم التعرض للرجوع في الرواية انّما هو بلحاظ كونه مستلزما للعسر و الحرج نوعا خصوصا بالنسبة إلى البلاد البعيدة سيّما في تلك الأزمنة.

مع انه يمكن ان يقال بأولوية طواف الفريضة من طواف النساء الذي يكون مقتضى صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الواردة فيه و غيرها من الروايات لزوم الرجوع بنفسه لان يزور البيت و يطوف طواف النساء فإنّه إذا كان طواف النّساء كذلك مع انه ليس من أجزاء الحج يكون طواف الفريضة بطريق اولى كما لا يخفى.

و كيف كان لا شبهة في انه مع عدم إمكان الرجوع و لو لأجل العسر و الحرج لا بدّ له من الاستنابة و التوكيل كما في الصّحيحة.

المقام الثالث ظاهر المتن تبعا للأكثر عدم لزوم إعادة السعي بعد قضاء الطواف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 294

..........

______________________________

المنسي لعدم التعرض لذلك مع انه على تقدير الوجوب كان اللازم التعرض له و حكى عن الدّروس التصريح بلزوم الإعادة حاكيا له عن الشيخ في كتاب الخلاف و قد جعله صاحب الجواهر مقتضى الاحتياط الوجوبي لو لم يكن أقوى و استدلّ له بصحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت قال يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف

بينهما «1». ثم قال:

اللّٰهم الّا ان يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت.

و لكن الظاهر ان لا مجال لهذا الادّعاء بعد إطلاق السؤال و الشمول لمثل المقام ممّا قد فات وقت الطّواف و لا يكون في السؤال إشعار بالاختصاص المذكور و عليه فترك الاستفصال في الجواب دليل على عدم الاختصاص.

ثم ان الظّاهر ان مورد السؤال هو خصوص صورة النسيان الذي هو محلّ البحث هنا لأنّ الابتداء بالسعي قبل الطواف لا يكاد يتحقق من المتعمد و لا يتمشى منه قصد القربة المعتبر في السعي أيضا فإنّه مع التعمد خصوصا في صورة العلم كيف يمكن ان يتحقق قصد القربة بالأمر المترتب على شي ء لم يتحقق في الخارج بعد و عليه فالظاهر الاختصاص بصورة النسيان.

نعم هنا رواية أخرى لمنصور بن حازم ضعيفة من حيث السّند و قد جعلوها رواية أخرى مع انه من الواضح اتّحادها مع الرواية المتقدمة و ان كانت مشتملة على زيادة لا تكون فيها و هي ما رواه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بدء بالسعي بين الصفا و المروة قال يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي، قلت ان ذلك قد فاته قال عليه دم الا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان يعتدّ (تعيد ظ) على

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثالث و السّتون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 295

..........

______________________________

شمالك «1». و يجري في سؤاله الثاني المرتبط بالفوت و النسيان احتمالان:

أحدهما ان يكون ناظرا الى أحد موردي السؤال الأوّل الناظر الى غير العامد و العالم لما عرفت من عدم تمشى قصد القربة من العالم العامد و مورده الآخر صورة الجهل.

ثانيهما ان

يكون قرينة على ان المراد من السؤال الأوّل خصوص صورة النّسيان.

فعلى الأوّل يمكن ان يقال بدلالة الرواية على عدم لزوم إعادة السعي بعد الطواف لاقتصاره في الجواب على ثبوت الدم الظاهر في عدم لزوم إعادة السّعي المذكور في الجواب عن السؤال الأوّل و هذا بخلاف الاحتمال الثاني الذي يكون مرجع الجوابين الى لزوم كلا الأمرين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 295

و لكن الظاهر ان قوله في الذيل: الا ترى انّك إذا غسلت .. الدالّ على التشبيه بالوضوء قرينة على انه على تقدير الاحتمال الأوّل أيضا تجب إعادة السعي كما في الوضوء الذي لا ترديد فيه من جهة لزوم اعادة غسل الشمال و لو في حال نسيان غسل اليمين و لكن حيث انّ الرواية بهذا السّند ضعيفة و الرواية الأولى الصحيحة خالية عن هذا الذيل فاللازم الأخذ بها و الحكم بان لزوم إعادة السعي لو لم يكن أقوى فلا أقل من كونه مقتضى الاحتياط الوجوبي كما في الجواهر على ما عرفت.

المقام الرابع قال في الجواهر: «و- ح- يعني (حين إذ تجب إعادة السعي أيضا) لا يحصل التخلّل بما يتوقف عليهما إلّا بالإتيان بهما فلو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكّة لو لم يكون عليه اكتفى بذلك للأصل و صدق الإحرام عليه في الجملة و الإحرام لا يقع الّا من محلّ و ربما احتمل وجوبه فيقضى الفائت قبل الإتيان بالعمرة أو بعده و لا ريب في انّه أحوط و ان كان الأوّل

______________________________

(1) الوسائل،

أبواب الطواف، الباب الثالث و السّتون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 296

..........

______________________________

أقوى».

و قد أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّهم بعد حكاية التمسك باستصحاب البقاء على الإحرام لو شك في خروجه منه عن بعض من تبع صاحب الجواهر قدّس سرّه بما ملخّصه: «ان الإحرام عبارة عن نفس التلبية التي معناها القيام بالأعمال المفروضة من البداية إلى النهاية و امّا المحرمات فهي خارجة عن حقيقة الإحرام و لا ترتبط بحقيقته و التلبية نظير تكبيرة الإحرام في الصلاة يتحقق الدخول فيها بها و يخرج منها بالتسليم فمعنى الإحرام القيام و الالتزام بالواجبات المفروضة عليه فلو فرغ من اعماله لا يكون معنى لبقاء إحرامه سواء حكم بصحة عمله أو بطلانه كما في ترك الطواف عمدا كما لو فرغ من الصلاة و حكم بصحتها أو بطلانها فإنه لا معنى لبقائه على تكبيرة الإحرام و الالتزام بواجبات الصّلاة فكذا المقام فإذا أراد الدخول بعد الرجوع الى بلده- مثلا- وجب عليه الإحرام الجديد لدخول مكة لأنه قد خرج عن الإحرام و لا ينافي ذلك بقاء بعض الاحكام عليه كحرمة الطيب و النساء نظير ما إذا ترك طواف النّساء فإنه تحرم عليه النساء حتى يطوف و ان كان حجّه صحيحا و خرج عن إحرامه بالمرة و عليه لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب و العمدة فيه اختلاف القضيتين المتيقنة و المشكوكة فإن المتيقن هو الإحرام للإتيان و بالأعمال السابقة و المشكوك هو الإحرام للطواف فلا اتحاد بينهما».

و التحقيق في الجواب عن صاحب الجواهر قدّس سرّه يتوقف على بيان مقدّمة و هي انه قد تقدم منّا في البحث عن ماهية الإحرام و حقيقته انّها عبارة عن الأمر الاعتباري

الذي يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة فقط أو بضميمة التلبية و النية و التلبية بمنزلة السبب و الأمر الاعتباري المذكور بمنزلة المسبب كعقد النكاح بالإضافة إلى الزوجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 297

..........

______________________________

المترتبة عليه التي هي أمر اعتباري موضوع لأحكام كثيرة تكليفية وجوبية و تحريمية و غيرهما و من الواضح ان الأمر الاعتباري أمره دائر بين الوجود و العدم فامّا ان يكون متحققا و امّا ان لا يكون كذلك و لا يجري فيه التبعض بان يكون ثابتا في الجملة و غير ثابت كذلك نعم قد يكون بعض احكامه ثابتا بعد انتفائه و ارتفاعه و لكن لا دلالة له على ثبوت الموضوع في الجملة.

إذا عرفت ذلك نقول انّه في إحرام الحج يتحقق الخروج عنه بالإتيان بمناسك منى يوم النحر و لا يبقى من الإحرام فيه شي ء و لأجله يرتفع أكثر محرمات الإحرام فجواز لبس المخيط مثلا بعد تلك المناسك ليس لأجل التخصيص في دليل حرمة لبس المخيط على الرجل المحرم و كذا ليس لأجل خروجه عن الإحرام بمثل هذا المقدار بل انّما هو لأجل خروجه عن الإحرام رأسا كما هو المرتكز في ذهن المتشرعة و بقاء حرمة الطيب المتوقف حليته على الطواف و السعي لا دلالة على بقاء الإحرام بوجه كما ان توقف حلية النساء على طوافهن لا يدلّ على بقاء الإحرام بالإضافة إليهن.

و على ما ذكرنا فلا مجال للشبهة في باب الحج في انّ ترك الطواف نسيانا لا يوجب بقاء الإحرام و لو في الجملة بل اللازم عند ارادة الرجوع الى الإتيان به ان يصير محرما عند التجاوز عن الميقات كما في النائب الذي لم يكن محرما

بعد.

و امّا في عمرة التمتع التي هي محل البحث في المقام فحيث انّها لا بد و ان تتحقق قبل حجّة و لذا يعدل الى حج الافراد في موارد عدم إمكان الإتمام لضيق الوقت أو الحيض أو مثلهما كما تقدم كما انه لا بدّ و ان يقع التحلّل من إحرامها ثم الإحرام لحج التمتع في يوم التروية- مثلا- فإذا قام الدليل على صحّتها مع نسيان طوافها و ان كان يجب قضائه بعدها فاللازم ان يقال بخروجه عن إحرامها و لو نسي طوافها و الّا يلزم أحد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 298

..........

______________________________

الأمرين اللذين يكون كلاهما باطلين لانه لا بد امّا ان يقال بعدم افتقار الحج إلى إحرام جديد و كفاية بقاء إحرام العمرة لفرض نسيان طوافها أو يقال بانّ المحرم يمكن له ان يحرم ثانيا مع وضوح لزوم إحرام خاص في حجّ التمتع و لزوم حصول التحلل من إحرام العمرة و عدم إمكان الإحرام لمن يكون محرما و مقتضى كلام صاحب الجواهر عدم كون الإحرام في عمرة التمتع في الجملة و بالنسبة الى بعض محرمات الإحرام لأن الطواف في العمرة يغاير الطواف في الحج من حيث حصول التحلّل قبله في الحج بالنسبة إلى كثير من محرّمات الإحرام و عدم حصول التحلل قبله في العمرة بوجه أصلا.

و على ما ذكرنا فإذا تذكر في أثناء الحج انه ترك الطواف في عمرة التمتع فلا مجال لدعوى كونه محرما باحرامين كما انه لا مجال لاحتمال كونه محرما بإحرام عمرة التمتع بل لا محيص عن الالتزام بحصول التحلل من عمرة التمتع بعد اقتضاء الدليل صحّتها و كونه محرما بإحرام الحج فإذا كان هذا التذكر بعد

الرجوع الى بلده البعيد فهل هناك وجه لاحتمال كونه محرما في الجملة حتى لا يجب عليه الإحرام عند التجاوز عن الميقات و لعمري انّ هذا من الوضوح بمكان و عليه فلا فرق بين النائب و بين نفسه في لزوم الإحرام من الميقات عند التجاوز عنه.

ثم انه بعد الإحرام و دخول مكّة هل يكون مخيّرا بين تقديم قضاء الطواف المنسيّ و بين الإتيان باعمال العمرة المفردة- مثلا- أو يتعين الأوّل ذكر في الجواهر ان الإتيان به بعد اعمال العمرة أحوط، و الأقوى الإتيان به قبلها و الظاهر ان مقتضى الاحتياط أيضا الإتيان به قبلها للزوم رعاية الفورية في القضاء و لو احتياطا و هذا بخلاف اعمال العمرة فإنّها و ان كانت لازمة الإتمام الّا انه لا فورية فيها فتدبّر.

المقام الخامس قال المحقق في الشرائع: «من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 299

..........

______________________________

اهله و واقع قبل عليه بدنة و الرجوع الى مكّة للطواف و قيل لا كفارة عليه و هو الأصحّ و يحمل القول الأوّل على من واقع بعد الذكر».

و حكى في الجواهر القول الأوّل عن الشيخ في محكيّ النهاية و المبسوط و ابني البرّاج و سعيد و القول الثاني عن الحلّي و الفاضل و الشهيدين بل عن بعض نسبته إلى الأكثر و عليه فنسبة القول بثبوت البدنة إلى الأكثر كما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّهم لا تكون في محلّها و مورد النزاع ما إذا تحققت المواقعة لا مجرّد نسيان الطّواف و الظاهر ان مراد القائلين بثبوت الكفارة ثبوتها على من واقع في حال النسيان لا بعد ارتفاعه و زواله و حصول الذكر و لذا

حكى عن كشف اللثام ان عبارات المبسوط و النهاية و الجامع لا تقبل ذلك يعنى الحمل المذكور في الشرائع.

و كيف كان فالعمدة ملاحظة الأدلة العامّة و الخاصّة فنقول قد استدل لنفي الكفارة مضافا الى حديث رفع الخطأ و النسيان الدالّ على عدم الكفارة في مثل المقام ببعض الروايات الواردة في خصوص المجامعة مع الزوجة نسيانا في الحج مثل صحيحة زرارة المروية في محكي العلل عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يأتي أهله ناسيا قال لا شي ء عليه انّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصّادق عليه السّلام في حديث: ان جامعت و أنت محرم الى ان قال: و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «2».

هذا و لكن مقتضى ما تقدم منّا من التحقيق انّ نسيان الطواف سواء كان طواف الحج أو طواف العمرة و وقوع المواقعة في حال النسيان ليس مواقعة في حال الإحرام

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 7.

(2) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 300

..........

______________________________

بوجه بل الناسي للطواف قد خرج عن الإحرام بالمرّة و ان وجب عليه قضائه بعدا نظير السجدة الواحدة المنسيّة أو التشهد المنسي فإنه و ان كان يجب الإتيان بهما لكن ظرف إيقاعهما بعد الصلاة و الفراغ منها و بعنوان القضاء فالرواية بمدلولها المطابقي لا دلالة لها على حكم المقام لوقوع المواقعة في غير حال الإحرام الّا ان يقال بالدلالة على عدم ثبوت الكفارة فيما نحن فيه من طريق الأولوية و لكنه انما يتم على تقدير عدم نهوض دليل على

ثبوت الكفارة في خصوص المقام.

و امّا القول بثبوت الكفارة فعمدة مستنده صحيحة على بن جعفر المتقدمة عن أخيه عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النّساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حجّ و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1». قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ قدّس سرّه: «و رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر عليهما السّلام الّا انه قال: فبدنة في عمرة» و ظاهر الأخيرة ثبوت البدنة في خصوص العمرة التي هي محل البحث فعلا لكن في الطريق عبد اللّٰه بن الحسن و هو ضعيف و حكى عن البحار: انه يبعث ببدنة و ظاهره ثبوت البدنة في الحج و العمرة معا لكن الظاهر ان طريق البحار أيضا هو نفس طريق قرب الاسناد الذي عرفت انه ضعيف و كيف كان فالظاهر انّ مورد السؤال هو وقوع المواقعة في حال النسيان لا بعد زواله و ارتفاعه و لا وجه لحمله على خلاف ظاهره و ربما يستدل على ثبوت الكفارة بالروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل خصوصا رواية على بن أبي حمزة بناء على نقل الصّدوق حيث روى بدل: جهل ان يطوف، سها ان يطوف.

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 301

..........

______________________________

و لكن من الواضح عدم صحة هذا الاستدلال لأنّ الجاهل لا يشمل الناسي خصوصا بعد ما عرفت من ثبوت الفرق بينهما من جهة ان النسيان لا

يوجب البطلان بخلاف الجهل و لذا ورد في الجواب فيهما لزوم اعادة الحج مضافا الى البدنة مضافا الى ضعف سند الرواية الثانية بعليّ بن أبي حمزة.

كما انه قد يستدل بصحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن متمتع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «1». و حكاه في الجواهر في صدر كلامه في الصورة الأولى مكان فلا شي ء عليه، فلا بأس به و لكنه حكى عن المدارك في ذيل كلامه مثل ما في الوسائل و لكن الظاهر مضافا الى ظهور الرواية في طواف الحج و عدم شمولها لعمرة التمتع انّه لا دلالة لها على حكم الناسي خصوصا بعد كون النسيان في العمرة غير موجب لبطلانها بحيث تجب الإعادة من قابل بخلاف الجهل الذي عرفت ان الترك معه يوجب بطلان العمرة و لزوم الحج من قابل و عليه فيمكن ان يكون الحكم في النسيان ثبوت الكفارة مكان الإعادة من قابل بخلاف الجهل الموجب للبطلان مضافا الى دلالة الروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل الدالتين على لزوم كلا الأمرين.

و كيف كان فالعمدة في المقام هي صحيحة على بن جعفر الدالة على ثبوت كفارة الهدي الشامل للشاة أيضا و لم تثبت شهرة على خلافها حتى يرفع اليد بسببها عنها غاية الأمر نسبة القول بعدم الكفارة إلى الأكثر و النسبة مضافا الى عدم ثبوتها يكون المنسوب

______________________________

(1) الوسائل، أبواب كفارات الاستمتاع، الباب

التاسع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 302

[مسألة 3- لو لم يقدر على الطواف لمرض و نحوه فإن أمكن ان يطاف به]

مسألة 3- لو لم يقدر على الطواف لمرض و نحوه فإن أمكن ان يطاف به و لو بحمله على سرير وجب، و يجب مراعاة ما هو معتبر فيه بقدر الإمكان و الّا تجب الاستنابة عنه (1).

______________________________

إليها فيها هو الأكثر و هو يختلف مع المشهور كما لا يخفى.

فالظاهر انه لا محيص عن الأخذ بمقتضى الصحيحة و الحكم بثبوت كفارة الهدى كما اختاره بعض الاعلام قدّس سرّهم و ان كان ظاهر المتن بلحاظ عدم التعرض للكفارة عدم ثبوتها كما لا يخفى نعم ذكر في المسألة الثانية عشر مما يجب بعد اعمال منى ما هذا لفظه «لو نسي و ترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء و رجع و جامع النساء يجب عليه الهدى ينحره أو يذبحه في مكّة و الأحوط نحو الإبل، و مع تمكّنه بلا مشقة يرجع و يأتي بالطواف و الأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء و لو لم يتمكن استناب» و هو كما يدل على ثبوت الكفارة و هي الهدي الأعم من الإبل كذلك يدل على ما ذكرنا من ان مقتضى الاحتياط الوجوبي إعادة السّعي أيضا ثم انّك عرفت في بعض مباحث الجماع الذي هو من محرّمات الإحرام وقوع الاختلاف في نقل صحيحة معاوية بن عمار من جهة قول السائل: و لم يزر حيث وقع التعبير ب «لم يقصر» في بعض الكتب الناقلة لها فراجع و على التقدير الأخير لا ترتبط بالمقام بوجه.

(1) أقول مقتضى القاعدة الأوّلية السارية في جميع الأعمال العبادية و هو لزوم صدور الفعل عن المكلّف مباشرة أوّلا و كون صدوره عن

ارادة و اختيار ثانيا ان يكون الطواف أيضا كذلك لانه من تلك الاعمال و مع كونه جزء للحج أو العمرة و لكنه يجب ان يتحقق من المكلف مقرونا بقصد عنوانه و نية القربة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و عليه فاللّازم في باب الطواف ان يطوف بنفسه بالنحو المذكور لكن لا يلزم فيه المشي على المطاف بل يمكن ان يتحقق راكبا كما حكي عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله انه طاف راكبا لكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

الركوب في المرتبة الاولى لا بد و ان يكون بحيث تستند الحركة و الدوران حول الكعبة إلى إرادة الطائف و اختياره ليتحقق عنوان الطواف بنفسه هذا و لكن مع عدم القدرة على هذا النحو لمرض أو كسر أو كبر أو غيرها تصل النوبة إلى الطواف به و هو ان يطاف بحيث لا يكون منه ارادة و لا تستند الحركة إلى نفسه و هو قد يكون في الموارد المذكورة التي يتحقق منه نيّة الطواف و قد يكون في مثل الإغماء الذي لا يشعر بالحركة و لا يتحقق منه نية الطواف بل ينويه وليّه و في المرحلة الثالثة تصل النوبة إلى النيابة التي مرجعها الى صدور العمل من النائب غاية الأمر اقترانه بقصد النيابة عن المنوب عنه و هو الذي يعبّر عنه بالطواف عنه.

و يدل على ثبوت المرحلتين الأخيرتين و ترتبهما على المرتبة الاولى و ترتب الثالثة على الثانية الروايات المتعددة الواردة في المقام و ملاحظة الجمع بينها فنقول.

منها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال المريض المغمى عليه يرمي عنه و يطاف به «1». و الظاهر ان المراد

بالمريض المغلوب في موثقة إسحاق بن عمّار هو المغمى عليه حيث روى عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث قال: قلت المريض المغلوب يطاف عنه قال لا و لكن يطاف به «2». و الظاهر اتحادها مع رواية أخرى لإسحاق بن عمّار المذكورة بعدها في الوسائل و ان كان مورد السؤال فيها مطلق عنوان المريض.

و منها صحيحة أخرى لحريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه فقال نعم إذا كان لا يستطيع «3».

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 5.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

و منها رواية أبي بصير انّ أبا عبد اللّٰه عليه السّلام مرض فأمر غلمانه ان يحملوه و يطوفوا به فأمرهم أن يخطّوا برجليه الأرض حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف «1». و الظاهر ان الأمر الثاني ناش عن استحباب مماسّة القدمين للأرض لا وجوبها لما عرفت من عدم الوجوب في المرحلة الأولى أيضا و انه يجوز في تلك المرتبة الطواف راكبا و لازمة عدم المماسة المذكورة.

و منها رواية يونس بن عبد الرحمن البجلّي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام أو كتبت اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا تستمسك بطنه أطوف عنه و اسعى؟ قال لا و لكن دعه فإن برء قضا هو و الّا فاقض أنت عنه «2».

و منها صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال أمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير (الكبير

خ ل) «3».

و منها رواية الربيع بن خثيم قال شهدت أبا عبد اللّٰه الحسين عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض فكان كلّما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج (فأدخل خ ل) يده من (في) كوّة المحمل حتى يجرّها على الأرض ثم يقول ارفعوني فلمّا فعل ذلك مرارا في كلّ شوط قلت له جعلت فداك يا ابن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله انّ هذا يشق عليك فقال انى سمعت اللّٰه- عزّ و جلّ- يقول ليشهدوا منافع لهم فقلت منافع الدنيا أو منافع الآخرة فقال: الكلّ «4». و هذه الرواية قرينة أيضا على عدم كون جرّ الرجل في رواية أبي بصير المتقدمة واجبا لأنّ جرّ اليد غير واجب

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 10.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الأربعون، ح 3.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب التاسع و الأربعون، ح 5.

(4) الوسائل، أبواب الطواف، الباب السابع و الأربعون، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 305

[مسألة 4- لو سعى قبل الطّواف فالأحوط إعادته بعده]

مسألة 4- لو سعى قبل الطّواف فالأحوط إعادته بعده، و لو قدم الصّلاة عليه تجب إعادتها بعده (1).

______________________________

قطعا و الظاهر انّ جرّ الرجل مثله. ثم انه ذكر في ذيل هذه الرواية في حاشية الوسائل المطبوعة بالطبع الجديد انه في الفروع من الكافي و التهذيب الذي أخذ الرواية من الكليني ترك لفظة الحسين عليه السّلام و الظاهر انه زيادة من المصنف- يعني صاحب الوسائل- لأنه رأى ان الربيع المتوفّى سنة 61 (أو) 63 لا يروي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام ففسّره بالحسين عليه السّلام و لكن يرد عليه اشكال آخر

و هو رواية محمد بن الفضيل الرّاوي عن الكاظم عليه السّلام عنه.

(1) و الظاهر انّ المراد من موضوع المسألة هو السعي نسيانا قبل الطواف و تقديمه عليه كذلك و ليس المراد هو التقديم عن عمد و التفات و ذلك لأنّ التقديم بهذه الصورة موجب لبطلان السعي لما سيأتي في مبحثه من اشتراط تأخره عن الطواف و صلوته و عليه فلا يتمشى منه قصد القربة بالإضافة إلى السعي الذي قدمه على الطواف كذلك فلا معنى لوقوعه صحيحا و عليه فالاحتياط الوجوبي بالإعادة الدالّ على احتمال وقوعه صحيحا يكشف عن كون المراد صورة التقديم نسيانا.

مضافا الى انه وقع التصريح في المتن في المسألة الرابعة من مباحث السعي الآتية بقوله قدّس سرّه: يجب ان يكون السعي بعد الطواف و صلوته فلو قدمه على الطواف اعاده بعده و لو لم يكن عن عمد و علم. فانّ ظاهره ان لزوم الإعادة في صورة العمد و العلم مما لا خفاء فيه بوجه و لا يجرى فيه احتمال العدم و ظاهرها و ان كان الفتوى باللزوم في صورة النسيان أيضا و هو يغاير المقام الذي حكم فيه بالاحتياط الوجوبي دون الفتوى لكن هذه المغايرة لا تنافي دلالة تلك المسألة على بيان موضوع المقام.

ثم انه يرد على المتن انه لا وجه للتعرض لهذه المسألة بكلا فرعيها في عداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 306

[القول في واجبات الطّواف]

اشارة

القول في واجبات الطّواف و هي قسمان

[الأوّل في شرائطه]

اشارة

الأوّل في شرائطه و هي أمور:

[الأوّل النيّة بالشرائط المتقدمة في الإحرام]

الأوّل النيّة بالشرائط المتقدمة في الإحرام (1).

______________________________

مسائل الطواف بل لا بدّ في الفرع الأوّل من البحث عنه في ضمن مسائل السعي كما عرفت التعرض له هناك و في الفرع الثاني البحث عنه في ضمن مسائل صلاة الطواف و نحن نحيل البحث عنهما الى المحلّين المذكورين فانتظر إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا بد لتحقيق اعتبار النية في الطّواف من تقديم أمرين:

الأمر الأوّل انه لا خفاء في انه لا يجري في الطواف الذي يكون امرا تكوينيّا بيّنا الاختلاف الذي عرفته في ماهية الإحرام و كيفية تحققه فإنه لو قيل بأنّ حقيقة الإحرام عبارة عن النية فقط أو بضميمة التلبية فمن المعلوم انه لا حاجة في الإحرام بهذا المعنى إلى نية أخرى متعلقة به بل لا يعقل ذلك نعم لو قلنا كما اخترناه من ان الإحرام أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية أو مع التلبية فلاعتبار النيّة بعنوان الشرطية وجه صحيح كما يقال ان الإيجاب و القبول في باب النكاح- مثلا- شرط لتحقق الزوجية كما انه لو قلنا بأن الإحرام عبارة عن نفس ترك الأمور المحرمة على الإحرام يصح ان يقال بتوقف صحّته على النية كما في باب الصوم الذي حقيقته الإمساك عن المفطرات مع رعاية النية و شرطيتها.

و هذا بخلاف الطواف الذي لا يجري فيه الاختلاف المتحقق في الإحرام بوجه بل هو كما عرفت أمر تكويني يحتاج وقوعه جزء للحج أو العمرة إلى النيّة.

الأمر الثاني انّ سائر العبادات المركبة من الاجزاء التي يتصف كل جزء منها بعنوان العبادة لأنّه لا معنى لان يكون جزء العبادة غير عبادة كالصلاة و نحوها هل تكفي النيّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج،

ج 4، ص: 307

..........

______________________________

المتعلقة بالمجموع أوّلا أو يحتاج كل جزء إلى نيّة خاصة مع الشرائط المعتبرة فيها فالركوع في باب الصلاة هل يتوقف وقوعه جزء لها على النية المتعلقة به بعنوان الجزئية للصلاة أو تكفي نية المجموع أوّل الصلاة يظهر من الشهيد في محكي الدروس مفروغية عدم احتياج الاجزاء الى النية في مثل باب الصّلاة حيث قال: «ظاهر بعض القدماء ان نيّة الإحرام كافية عن خصوصيات نيّات الافعال و لعلّه لخلوّ الأخبار الواردة بتفصيل احكام الحج من ذكر النية في شي ء من أفعاله سوى الإحرام الّذي هو أوّلها فيكون- ح- كباقي العبادات المركبة من الصّلاة و غيرها التي لا تحتاج اجزائها إلى نيّة» و يظهر من الجواهر احتمال ثبوت الإجماع و انه لولاه لكان معتبرا في أجزاء الصلاة أيضا نعم أضاف إليه قوله: بل لعلّه كذلك فيها بناء على انّها الداعي المفروض وجوده في تمام الصلاة بل ربما كان ذلك مرجّحا للقول بأنه الداعي كما أوضحناه في محلّه بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء و الاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلخ.

هذا و الظاهر انه لا مجال لإنكار احتياج أجزاء مثل الصلاة إلى النيّة ضرورة أنّ الانحناء المحقق للركوع- مثلا- لا بد و ان يقع بقصد الجزئية للصلاة التي شرع فيها فإنه لو انحنى بقصد آخر كقتل العقرب أو نحو لا يصلح لان يقع جزء للصلاة بوجه غاية الأمر انه حيث تكون أجزاء الصلاة مرتبطة متصلة و الإتيان بالجميع و لا يتجاوز عن عدّة دقائق و لا تكون النية عبارة عن الاخطار بالبال بل أمر مرتكز في النفس بحيث لو سئل عن الإتيان بالركوع بأيّ قصد يجيب بعنوان الجزئية

للصلاة و كونه دخيلا في مقربيّتها فربما يتحيل أو يقال بعدم احتياج الاجزاء الى النيّة و الّا فلا فرق بين الحج و بين سائر العبادات من هذه الجهة أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

و قد ظهر لك من الأمرين انّ النيّة المعتبرة في الطواف عبارة عن نيّته بعنوان الجزئية للحج أو العمرة الذي قد شرع فيه لأنّ تعيّن العمل الخارجي و هو الدوران و الحركة حول الكعبة سبعة أشواط بعنوان كونه طوافا مرتبطا بعمله و وظيفته لا يتحقق الّا من طريق النية فكما ان تعين العمل المركب المشتمل على أجزاء الصلاة و خصوصياتها بعنوان كونها صلاة لا يكاد يتحصل الّا بسبب النية و كما ان تعين أنواعها من الظهرية و العصرية- مثلا- و الأدائية و القضائية كذلك ليس له طريق غير النية المتعلقة بنوع خاص غاية الأمر لزوم رعاية الخصوصيات الأخرى المعتبرة كالمقارنة و كون الداعي هي القربة و امتثال أمر المولى جلّ و علا كذلك تعين العمل الخارجي بعنوان كونه طوافا و جزء من عمله كيف يمكن ان يتحقق من غير طريق النيّة و لأجل ذلك لا بد من اعتبارها و الحكم بمدخليتها في صحة الطّواف و عليه فالمراد من النية على ما ذكرنا هي نية الطواف مع الخصوصية المذكورة الراجعة إلى الجزئية للحج أو العمرة التي شرع فيها و أحرم لها مقارنة للطواف و مقرونة بداعوية الأمر و قصد القربة.

و من العجيب بعد ذلك ما وقع من بعض الاعلام- قدّس سرّه الشريف- حيث انه ذكر في متن مناسكه انّ الأمر الأوّل من الأمور المعتبرة في الطواف النيّة و فرع عليه بطلان الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة،

و ظاهره انّ المراد من النية المعتبرة في الطواف عبارة أخرى عن قصد القربة.

و ذكر في الشرح انّ النية المعتبرة تارة يراد بها قصد العمل و صدوره عن اختيار و لا ريب في اعتبارها بهذا المعنى لان الفعل غير الاختياري خارج عن دائرة التكليف و الآتي بالفعل من غير قصد و لا اختيار لا يكون آتيا بالمأمور به من دون فرق بين كون الواجب تعبديا أو توصّليا الّا فيما إذا علم بحصول الغرض بالفعل غير الاختياري

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 309

[الثاني: الطهارة من الأكبر و الأصغر]

اشارة

الثاني: الطهارة من الأكبر و الأصغر فلا يصحّ من الجنب و الحائض و من كان محدثا بالأصغر من غير فرق بين العالم و الجاهل و النّاسي (1).

______________________________

فيجتزئ به لا لإتيان المأمور به بل لسقوط الأمر بحصول الغرض كغسل الثوب الذي يجتزي به و لو بسبب إطارة الريح و نحوها.

و اخرى يراد بها قصد القربة و هذا أيضا مما لا ريب فيه و يدل على ذلك مضافا الى الضرورة و الارتكاز، الكتاب و السنة. و يرد على المتن انّ تفسير النية بقصد القربة كما يدل عليه التفريع لا مجال له بوجه فإنّك عرفت ان القربة من الخصوصيات المعتبرة في النية و الّا فمعناه هي النية المتعلقة بالطواف بعنوان الجزئية للحج أو العمرة.

كما انه يرد على الشرح انّ احتمال كون المراد من النيّة هي قصد الفعل و صدوره عن ارادة و اختيار ممّا لا وجه لتوهّمه أصلا فإنه كيف يمكن ان يحمل كلمات القوم الدالة على اعتبار النية على كون المراد منها ذلك و لو على سبيل الاحتمال بل التحقيق في معنى النيّة ما ذكرنا.

و ينبغي هنا التنبيه على

أمر و هو انّ متعلق النية في باب الطواف و السعي و كذا الوقوفين و سائر أعمال الحج أو العمرة هي نفس تلك العناوين و لا يجري فيها ما افاده الماتن قدّس سرّه في بحث ماهية الإحرام من استحالة تعلق النية بعنوان الإحرام بل اللازم تعلق النية بعنوان الحج أو العمرة و نحن و ان منعنا الاستحالة بالتقريب المتقدم في ذلك البحث الّا انه قلنا بأن المنوي هو أحد العنوانين لقيام الدليل عليه و ان كان لا يتحقق محذور لو فرض قيام الدليل على لزوم تعلّق النيّة بنفس عنوان الإحرام و كيف كان فأمر الإحرام يغاير الطواف و مثله من الاعمال حيث تتعلق النية بنفس عناوينها بلا اشكال.

(1) الظاهر تسالم الأصحاب تبعا للروايات على اعتبار الطهارة من الحدثين في الطواف الواجب في الجملة كما ان الظاهر تحقق الشهرة على عدم الاعتبار في المندوب خلافا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 310

..........

______________________________

لما عن أبي الصلاح من وجوبها فيه أيضا كما ان الظاهر الاتفاق على كون الشرطية في الواجب شرطية مطلقة من دون فرق بين العالم و الجاهل و الناسي نعم ظاهر ما حكي عن الشيخ من حمل الرواية الآتية الدالة على عدم البأس بما إذا وقع الطواف من غير وضوء على الناسي و الساهي عدم كون الشرطية عنده شرطية مطلقة و كيف كان فالأخبار الواردة في هذا المجال على ثلاث طوائف.

الطائفة الأولى ما تدل على الاعتبار مطلقا من دون فرق بين الواجب و المستحبّ مثل:

صحيحة على بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال يقطع الطواف

و لا يعتدّ بشي ء ممّا طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال: يقطع طوافه و لا يتعد به «1».

و رواية على بن الفضل الواسطي عن أبي الحسن عليه السّلام قال إذا طاف الرجل بالبيت و هو على غير وضوء فلا يعتد بذلك الطواف و هو كمن لم يطف «2».

الطائفة الثانية ما تدل على عدم الاعتبار مطلقا كذلك و هي رواية واحدة رواها الشيخ بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل طاف بالبيت على غير وضوء قال لا بأس «3».

الطائفة الثالثة ما تدل على التفصيل بين الطواف الواجب و المندوب و هي كثيرة مثل:

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 11.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 311

..........

______________________________

صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور قال:

يتوضّأ و يعيد طوافه و ان كان تطوّعا توضّأ و صلى ركعتين «1». و الظاهر بملاحظة التعبير بالإعادة في الجواب كون مورد السؤال هو وقوع الطواف كذلك في حال الجهل أو النسيان لان هذا التعبير لا يناسب العالم لانه لا يكون في مقام الامتثال و الإتيان بالمأمور به و العبادة المناسبة له هو إيجاب الإتيان بالمأمور به دون الإعادة و لأجله نقول باختصاص حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة بغير العالم لأجل التعبير فيه بالإعادة.

و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام انه قال لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على

غير وضوء ثم يتوضّأ و يصلي فان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضّأ و ليصلّ، و من طاف تطوّعا و صلّى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لا بأس ان يقضى المناسك كلّها على غير وضوء الّا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «3». و المراد من الذيل هو الوضوء في غير الطواف من سائر المناسك كما ان موردها الطواف الواجب و لا تشمل الطواف المندوب، و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الجهة.

و مقتضى الجمع بين الطوائف الثلاث هو جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 3.

(2) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 2.

(3) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الثامن و الثلاثون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 312

[مسألة 1- لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر]

مسألة 1- لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر فإن كان بعد إتمام الشوط الرّابع توضّأ و اتى بالبقيّة و صحّ، و ان كان قبله فالأحوط الإتمام مع الوضوء و الإعادة. و لو عرضه الأكبر وجب الخروج من المسجد فورا و أعاد الطواف بعد الغسل لو لم يتمّ أربعة أشواط و الّا أتمّه (1).

______________________________

الطائفتين الأوليين و التفصيل بين الطواف الواجب بالحكم باعتبار الطهارة فيه مطلقا من دون فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و بين المندوب بالحكم بعدم الاعتبار فيه كذلك كما عليه المشهور هذا مضافا الى ضعف سند رواية زيد الشحّام بابي جميلة.

ثم لا يخفى انّ الرواية النبوية العامية المذكورة في سنن البيهقي و كنز العمّال من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله

الطواف بالبيت صلاة لا ارتباط لها بالمقام فانّ التنزيل لا يدل على اعتبار ما كان معتبرا في الصلاة في الطواف أيضا بل ظاهرها انّ تحيّة المسجد الحرام تتحقق بالطواف كما ان تحيّة سائر المساجد تتحقق بخصوص الصّلاة و ان الطواف مثلها في الفضيلة فلا ارتباط لهذه الرواية بالمقام و مثله.

(1) أقول الترتيب الطبيعي يقتضي تقديم البحث عن الفرض الثاني كما ان الظاهر ثبوت الصّورتين للفرض الثاني و يختلف حكمهما و عليه فالفروض ثلاثة لا بد من البحث في كل منها مستقلّا.

الفرض الأوّل ما لو عرضه الحدث الأصغر الذي يكون المراد به بحسب الظاهر هو الحدث غير الاختياري قبل بلوغ النصف الحقيقي من الطواف أعني ثلاثة أشواط و نصفا و الظاهر اتفاق الفتاوى فيه على البطلان و لزوم الوضوء و استيناف الطواف من رأس بل عن المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب و عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، و لم ينقل الخلاف فيه من أحد نعم حكى عن الصدوق في الفقيه انّ الحائض تبنى مطلقا استنادا إلى رواية صحيحة دالة على ذلك و ان كان في مقابلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 313

..........

______________________________

روايات متعددة ظاهرة في البطلان و قد قدّمنا البحث في عروض الحيض في أثناء الطواف مفصّلا فراجع.

و كيف كان فيمكن ان يقال بان عروض الحيض في أثناء الطواف في هذا الفرض إذا لم يكن موجبا للبطلان فعروض الحدث الأصغر لا يكون كذلك بطريق اولى و لكن الظاهر عدم التزام الصدوق بذلك بل يكون الحكم مختصّا بالحيض فلا يوجد مخالف في المقام.

و بعد ذلك يقع الكلام في مستند فتاوى الأصحاب و البحث فيه يقع تارة من جهة

ما هو مقتضى القاعدة بعد دلالة الأدلة المتقدمة على شرطية الطهارة للطواف و اخرى من جهة ما ورد من الروايات في خصوص المقام.

فنقول: امّا من الجهة الأولى فربما يستدل للفتاوى بان مقتضى أدلة شرطية الطهارة بطلان الطواف مع عروض الحدث في الأثناء لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه كبطلان الصلاة بذلك غاية الأمر قيام الدليل في المقام على عدم البطلان بالعروض بعد تمامية الشوط الرابع و امّا في الفرض الذي هو محل البحث فلم يدل دليل على الصحة بل اللازم رعاية القاعدة المقتضية للبطلان كما في باب الصّلاة.

و أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّه بما حاصله: انّ المانعيّة في الصلاة شي ء و القاطعية شي ء أخر و أدلة اعتبار الطّهارة مثل قوله: لا صلاة الا بطهور لا يستفاد منها الّا لزوم اقتران أجزاء الصلاة بالطهارة و امّا الأكوان المتخلّلة فلا يعتبر فيها الطهارة فلو صدر الحدث في الأثناء يتوضّأ و يأتي بالأجزاء اللاحقة و عليه يكون جميع الأجزاء مقرونة بالطهارة الّا انّه دلّ دليل خاص على قاطعية الحدث و انه موجب لعدم قابلية لحوق الأجزاء اللاحقة بالسابقة و عليه فالفساد في باب الصلاة لأجل قيام الدليل على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 314

..........

______________________________

القاطعية لا لأجل اعتبار الطهارة فيها.

و امّا الطواف الذي هو اسم للأشواط السبعة فالأدلة دلت على اشتراطه بالطهارة فاللازم إيقاع الأشواط كذلك و امّا اعتبار كون الطهارة شرطا في الأكوان المتخلّلة و كون الحدث قاطعا كما في الصلاة فلا دليل عليه.

و الجواب عن هذا الإيراد مضافا الى الخلط بين الشرطيّة و المانعية فإنّ لازم كون الشي ء شرطا ليس ان يكون عدمه مانعا كما في العكس بل الشرطية أمر و المانعية

أمر أخر و ظاهر اعتبار الطهارة في الصلاة في مثل القول المزبور هي الشرطية دون المانعية، و إلى ان مقتضى ما افاده عدم قدح الإتيان بشي ء من الموانع في الأكوان المتخلّلة فإذا لبس ما لا يوكل لحمه أو شيئا نجسا مما تتم فيه الصلاة منفردا أو استدبر القبلة في بعض تلك الأكوان لا يكون شي ء من ذلك قادعا في الصحة لعدم وقوع شي ء من أجزاء الصلاة مع المانع و لا يجوز الالتزام به بوجه.

انّ الظاهر كون تلك الأكوان المتخلّلة غير خارجة عن الصلاة فإن الظاهر انه بالنيّة و تكبيرة الإحرام يدخل في الإحرام الصغير المتحقق في الصلاة و يخرج من الإحرام بسبب التسليم فالمصلّي في جميع الحالات يكون في الصّلاة و محرما بالإحرام الصّلاتي و عليه فإذا قام الدليل على شرطية الطهارة في الصلاة أو على مانعية لبس غير المأكول فيها فمقتضاه عدم وقوعها صحيحة مع فقدان الشرط و لو في بعض تلك الأكوان المتخلّلة و لا يحتاج الى قيام دليل أخر و هكذا بالنسبة إلى وجود المانع و يؤيده بل يدل عليه ان المتشرعة لا يرى المصلى في تلك الأكوان خارجا عن الصلاة بحيث يتحقق الخروج و الدخول مرّة بعد اخرى نعم الفرق بين المانع و القاطع انّ المانع بوجوده مضاد لنفس الصلاة و القاطع موجب لارتفاع الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

يستفاد اعتبارها كذلك من التعبير عنها بالقاطع في الأدلة و الفتاوى و قد مرّ تفصيل ذلك في كتاب الصلاة فراجع و الظاهر ان الطواف أيضا مثل الصلاة فإن حقيقته و ان كانت عبارة عن الدوران و الحركة الّا انه ليس

بحيث إذا وقف في أثنائه للاستراحة يسيرا أو لاستلام الحجر الذي هو مستحب يصدق عليه انه قد خرج عن الطّواف بل هو في مثل الحالتين مشتغل بالطواف غير خارج عنه فالدليل على اعتبار الطهارة في الطواف يدل على اعتبارها في جميع الحالات و مقتضاه البطلان مع عروض الحدث في الأثناء هذا ما تقتضيه القاعدة.

و امّا من الجهة الثانية فالرواية في المقام هي مرسلة جميل عن بعض أصحابنا التي رواها عنه ابن أبي عمير على نقل الشيخ أو مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا على نقل الكليني فقد روى عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه قال يخرج و يتوضّأ فإن كان جاز النصف بني على طوافه و ان كان أقلّ من النصف أعاد الطّواف «1».

و الإرسال لا يقدح في اعتبار الرّواية و ان قلنا بعدم اعتبار مراسيل مثل ابن أبي عمير كما هو الظاهر و ذلك لأنّ استناد الأصحاب الى هذه الرواية و الفتوى على طبقها خصوصا مع عدم نقل خلاف و لو كان شاذّا نادرا يجبر الضعف و تصير الرواية حجة معتبرة و على ما ذكرنا فالقاعدة و الرواية متطابقتان على الحكم بالبطلان في هذا الفرض.

ثمّ ان بعض الاعلام قدّس سرّه بعد ان رأى انسداد جميع الأبواب في هذا المجال من جهة الفتوى على طبق الأصحاب لأنّه رأي ان مقتضى القاعدة كما مرّ منه عدم الحكم

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الأربعون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 316

..........

______________________________

بالبطلان و لا يقول باعتبار مراسيل ابن أبي عمير و مثله أيضا و لا يذهب الى انجبار ضعف سند الرواية باستناد الأصحاب

إليها سلك طريقا أخر للوصول إلى صحة الفتاوى و محصّله انّ حدوث الحيض في أثناء الطواف و ان كان نادرا جدّا و لكنه قد كثر السؤال عنه في الرّوايات بخلاف صدور الحدث فإنه مع كثرة الابتلاء خصوصا من المريض و الشيخ و نحوهما خصوصا عند الرخام و مع ملاحظة افتقار الطواف الى زمان كثير و مع ذلك لم ينسب القول بالصّحة الى أحد من الأصحاب بل تسالموا على البطلان و هو يوجب الوثوق بصدور الحكم من الأئمة عليهم السلام و لو لم يكن كذلك لخالف بعض العلماء و لو شاذّا فمن ذلك يستكشف الحكم بالبطلان.

و يرد عليه مضافا الى منع كون عروض الحيض نادرا بخلاف الحدث فان الظاهر كون كليهما من المسائل المبتلى بها انّ وصول الحكم من ناحية الأئمة عليه السلام هل يكون من غير طريق الرواية و السؤال و الجواب أو البيان الابتدائي أو يكون كسائر الاحكام من طريق الرّواية لا مجال لادّعاء الأوّل بوجه و في الفرض الثاني يسأل عنه ما الوجه في عدم نقل الروايات و عدم وصولها إلينا فاللازم ان يقال امّا بدلالة الروايات الدالة على أصل شرطية الطهارة في الطواف على البطلان في هذا الفرض كما حققناه و امّا بصدور المرسلة المتقدمة عنهم الدالة على فتاوى الأصحاب و على اىّ تقدير يثبت المطلوب.

ثم انه ممّا ذكرنا ظهر ان الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن الشامل مورده لهذا الفرض لا موقع له فإنّه بعد تطابق النص و الفتوى على البطلان لا تصل النوبة إلى الاحتياط المذكور المتحقق بالإتمام بعد الوضوء ثم اعادة مجموع الطواف من رأس نعم لا تنبغي المناقشة في كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك هذا تمام الكلام في الفرض

الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 317

..........

______________________________

الفرض الثاني ما إذا عرضه الحدث بين النصف بالمعنى المذكور و تمامية الشوط الرّابع و مقتضى القاعدة فيه أيضا البطلان لكن لا بدّ من ملاحظة مفاد المرسلة المتقدمة تارة من جهة كلمة «النصف» المذكورة فيها و انه هل المراد منه هو النصف الصحيح يعني أربعة أشواط أو النصف الكسرى أعني ثلاثة و نصفا و اخرى من جهة عنوان التجاوز و الأقلية المذكورين فيها.

امّا من الجهة الأولى فربما يستبعد ان يكون المراد بالنصف هو النصف الواقعي الذي هو أحد الكسور التسعة المعروفة نظرا إلى انّه لو كان المراد بالنصف ذلك كان التعبير بالوصول الى الركن الثالث أسهل و اولى فإن النصف الكسرى هو الوصول الى الركن الثالث من دون فرق بين ما إذا كانت المسافة بينه و بين الكعبة قليلة أو كثيرة فإن الطواف حول الكعبة على نحو الدائرة و الوصول الى الركن الثالث هو النصف على كل تقدير.

و يدفعه انه لو كان المراد بالنصف هو الشوط الرابع التام لكان التعبير بتمامية الشوط الرابع أسهل و اولى لعدم احتماله خلاف المقصود بخلاف النصف الذي يجري فيه احتمالان فالاستبعاد المذكور في غير محلّه.

مضافا الى انّ الحكم بالصحة قد رتب في الرواية لا على النصف بل على التجاوز عن النصف فإذا كان المراد من النصف أربعة أشواط فاللازم تحقق التجاوز عنه في الحكم بالصحة و لذا حكى في الجواهر عن المسالك و المحقق الكركي تفسير التجاوز عن النصف بالأربعة و هو يدل على عدم كون المراد من النصف أربعة أشواط و كيف كان تفسير النصف بذلك خلاف الظاهر جدّا.

نعم يرد على ظاهر المرسلة عد تعرض الجواب بحسب

الظاهر لجميع الصور التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

يدل عليه إطلاق السؤال و هو صيرورة الطائف الذي قد طاف بعض طوافه محدثا لأن الجملة الأولى متعرضة لحكم صورة التجاوز عن النصف و الجملة الثانية لحكم صورة الأقل من النصف فيبقى حكم صورة النصف غير مذكور في المرسلة و هو بعيد جدّا لان ظاهرها التعرض لحكم جميع الصّور فاللازم التأمل في مفاد الرّواية و هنا بعض الروايات الأخر الواردة في الحائض و يمكن استفادة حكم المقام منها.

مثل رواية إبراهيم بن إسحاق عمّن سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال تمّ طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامّة و لها ان تطوف بين الصفا و المروة لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فليتعمر «1».

و التحقيق في مفاد الرواية ان صيرورة المرأة حائضا بعد تمامية الطواف أربعة أشواط تكون مفروضة في كلام السّائل من دون ان يكون مذكورا في كلام الامام عليه السلام و قد حكم فيه بالصحة معلّلا بأنّها زادت على النصف فيدل على ان ملاك الحكم بالصحة هي الزيادة على النصف المتحققة في الطواف أربعة أشواط و لكنه لا دلالة له على انّه قبل تمامية الأربعة لا يمكن ان تتحقق الزيادة على النصف فيمكن ان تتحقق بزيادة ربع شوط واحد على النصف فهذا المقدار من الرواية شاهد على ان المراد من النصف ليس تمامية الشوط الرابع كما افاده بعض الاعلام قدّس

سرّه على ما عرفت كذلك شاهد على ان المراد بالتجاوز عن النصف ليس تمامية الشوط المذكور كما حكى عن الشهيد و المحقق الثانيين لان تطبيقه على مورد السؤال انّما هو باعتبار كونه أحد مصاديق

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الثلاثون، ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 319

..........

______________________________

التجاوز لا منحصرا به بالإضافة إلى الأقل كما انه لا يكون منحصرا به بالإضافة إلى الأكثر.

نعم يبقى الكلام في ذيل الرواية و هو قوله عليه السلام: و ان هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فإن الظاهر ان المراد به صورة عدم الزيادة كما انّ مقتضى التأمل في مفاد هذه الصّورة هو كون المراد بالزيادة المنفية هو تمامية الشوط الرابع فما زاد و هذا يظهر مع الالتفات أوّلا إلى كون هذه الصورة مفروضة في كلام الامام عليه السلام من دون ان يكون لها ارتباط بما هو المفروض في كلام السائل لأن مورد كلامه صورة تمامية أربعة أشواط، و مع الدقّة ثانيا في انّ مقتضى رعاية المناسبة في بادي النظر عدم عنوان هذه الصورة بالعبارة المذكورة في كلام الامام عليه السلام لانه بعد ما علّل الحكم بالصحة في مفروض السؤال بأنّها زادت على النصف يظهر ان الملاك في الحكم المذكور هو عنوان الزيادة على النصف ففي جانب النفي و الحكم بالبطلان و استيناف الطواف من رأس يكون التناسب موجبا لان يكون مورده و موضوعه هو عدم تحقق الزيادة على النصف كما في جميع موارد وجود التعليل إذا أريد بيان نفي الحكم المعلّل فان مورد النفي صورة عدم وجود العلة التي هي المناط في الحكم إثباتا و نفيا و عليه فلا بد ان يكون

للعدول عن التعبير بعدم الزيادة على النصف بالتعبير بأنّها لم تطف إلّا ثلاثة أشواط وجه افتضي ذلك و هذا الوجه ليس الّا ان المراد بالعبارة المذكورة عدم تمامية الشوط الرابع و ان زادت على النصف الكسرى الذي هو المعنى الظاهر للنصف و إذا كان المراد بها ذلك فيصير قرينة على ان المراد بالزيادة على النصف الواقعة علّة للحكم بالصحة في مورد السؤال هو تمامية الشوط الرابع فيظهر- ح- صحة ما حكى عن العلمين من تفسير التجاوز عن النصف بذلك فالرواية- ح- تدل على التفصيل في صورة عرض الحيض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

بين ما إذا كان عروضه بعد تمامية الشوط الرابع فيصح و بين ما إذا كان عروضه قبلها فيبطل و تجب عليها الإعادة.

و يؤيد ما ذكرنا بعض الروايات الأخر مثل رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف فقال: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب اللّٰه عليه فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما أو يومين فان خلته العلّة عاد فطاف أسبوعا و ان طالت علّته أمر من يطوف عنه أسبوعا .. الحديث «1». فان هذه الرواية و ان كان في سندها سهل بن زياد و تكون واردة في المريض الذي صار المرض مانعا عن إتمام طوافه الّا انه حيث يكون الفرضين فيها واقعين في كلام الامام عليه السلام و قد جعل الفرض الثاني هو الطواف ثلاثة أشواط في قابل

الفرض الأول الذي هو تمامية أربعة أشواط يدل على ان المراد من الطواف ثلاثة أشواط هي صورة عدم تمامية الشوط الرابع و ان كان زائدا على النصف بالمعنى الذي استظهرناه أوّلا.

و بعد ذلك نرجع الى مفاد المرسلة المتقدمة التي هي المدرك في المقام و هو عروض الحدث في الأثناء فنقول ان المراد بالتجاوز عن النصف في الجملة الأولى بملاحظة ما ذكرنا هو تمامية الشوط الرابع و هو يصير قرينة على ان المراد بالأقل من النصف في الجملة الثانية بعد عدم إمكان الالتزام بعدم تعرض الرواية لبعض الموارد الذي يشمله إطلاق السؤال هو عدم تمامية الشوط الرابع و عليه فالمرسلة كما تدل على البطلان فيما إذا لم يبلغ النصف الكسرى كذلك يدلّ على البطلان فيما إذا بلغه و تجاوز

______________________________

(1) الوسائل، أبواب الطواف، الباب الخامس و الأربعون، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 321

[مسألة 2- لو كان له عذر عن المائيّة يتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل]

مسألة 2- لو كان له عذر عن المائيّة يتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل، و الأحوط مع رجاء ارتفاع العذر الصبر الى ضيق الوقت (1).

______________________________

عنه و لم يبلغ الشوط الرّابع فلا يبعد- ح- الفتوى بالبطلان في هذا الفرض كما في الفرض الأوّل و لا تصل النوبة إلى الاحتياط المذكور في المتن كما انه قد ظهر مما ذكرنا البحث في الجهة الثانية و لا حاجة الى الإعادة.

الفرض الثالث ما إذا عرضه الحدث الأصغر بعد تمامية الشوط الرابع و قد تبين مما ذكر في الفرض الثاني ان المراد بالتجاوز عن النصف الذي وقع في المرسلة موردا للحكم بالصحة هو تمامية الشوط الرابع و حيث انه لا مستند للأصحاب في الحكم بالصحة في هذا المورد الّا هذه الرواية فاللازم

ان يقال بانجبار ضعفها بسبب الإرسال باستناد الأصحاب إليها في الحكم بالصحة الذي هو على خلاف القاعدة المقتضية للبطلان هذا تمام الكلام في الحدث الأصغر.

و امّا الحدث الأكبر فالحكم فيه هو الحكم في الحدث الأصغر من التفصيل في الصحة و البطلان بين تمامية الشوط الرابع و عدمها لانه لا فرق بينهما من جهة اشتراط الطواف بالطهارة عنهما هذا مضافا الى مثل رواية إبراهيم بن إسحاق المتقدمة في الفرض الثاني الواردة في مورد عروض الحيض الذي هو الحدث الأكبر و قد عرفت ان مقتضى الدقة في مفادها هو التفصيل المذكور و من الواضح انه لا فرق بين الحيض و بين غيره من الاحداث التي هي مثله خصوصا مع ملاحظة ما عرفت في رواية إسحاق بن عمار من ثبوت هذا التفصيل بعينه في مورد المرض و العلة المانعة عن إتمام الطواف و عليه فالتفصيل المذكور يجري في جميع الموارد.

(1) أمّا أجزاء التيمم بدلا عن الوضوء فيما لو كان له عذر عن المائيّة فقد حكى الإجماع عليه و لم ينقل الخلاف فيه من أحد و يدل عليه إطلاق أدلّة مشروعية التيمّم و انه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

يبيح ما تبيحه الطهارة المائيّة و ان التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين فالمتيمم كذلك واحد لما يكون الطواف مشروطا به من الطهارة و لا دليل على خلافه.

و امّا أجزاء التيمم بدلا عن الغسل فمقتضى القاعدة فيه ذلك كالفرض الأوّل لكن في الجواهر: «عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى أجزاء التيمم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك انه ذهب فخر المحققين الى عدم إباحة التيمم للجنب الدخول في المسجدين و لا

اللبث فيما عداهما من المساجد و مقتضاه عدم استباحة الطواف به، قلت هو كذلك لكن لا صراحة فيه ببطلان الطواف به مع النسيان و نحوه ممّا لا نهي معه من حيث الكون».

أقول: لو قلنا بمقالة فخر المحققين من عدم إباحة التيمم للجنب الدخول و لا اللبث لكن لا يستلزم ذلك الحكم ببطلان الطواف و لا حاجة الى توجيه الحكم بالصحة و تخصيصه بصورة النسيان كما صنعه صاحب الجواهر قدّس سرّه بل يصح الطواف معه مطلقا و لو في حال الالتفات و ذلك لاختلاف متعلقي الأمر و النهي و كون الموارد من صغريات مسألة اجتماع الأمر و النهي لا من مصاديق مسألة تعلق النهي بالعبادة و ذلك لان الأمر قد تعلق بعنوان الطواف الذي هي الحركة و الدوران حول الكعبة مع الشرائط المعتبرة فيها و الخصوصيات اللازمة من جهة الكمية و الكيفية و من جملة الشرائط الطهارة المائية أوّلا و الترابية لو كان له عذر عن المائية و المفروض وجودها و النهي تعلق بالكون في لمسجد الحرام و لا يرتفع بالتيمم بدلا عنه و لكن متعلق النهي أمر و متعلق الأمر أمر أخر و لا مانع من الاجتماع على ما هو مقتضى التحقيق في المسألة الأصولية كما ان المختار صحة المجمع لو كان عبادة و ان كان وجودا واحدا و كيف كان لا فرق بين المقام و بين المثال المعروف في تلك المسألة و هي الصلاة في الدار المغصوبة و عليه فالظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 323

[مسألة 3- لو شك في أثناء العمل انه كان على وضوء]

مسألة 3- لو شك في أثناء العمل انه كان على وضوء فان كان بعد تمام الشوط الرّابع توضّأ و أتمّ طوافه و

صحّ، و الّا فالأحوط الإتمام ثم الإعادة. و لو شك في أثنائه في انه اغتسل من الأكبر يجب الخروج فورا فإن أتمّ الشوط الرابع فشكّ أتمّ الطواف بعد الغسل و صحّ و الأحوط الإعادة، و ان عرضه الشك قبله أعاد الطّواف بعد الغسل، و لو شك بعد الطواف لا يعتني به و يأتي بالطهور للأعمال اللّاحقة (1).

______________________________

الصحة على هذا التقدير أيضا.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل لو شك في أثناء الطواف انه هل كان شروع الطواف مع الوضوء أو بدونه و الظاهر انّ المقصود من هذا الفرع ما إذا لم تكن الحالة السابقة على الشروع في لطواف معلولة لأنه ان كانت تلك الحالة معلومة و كانت هي الطهارة فالظاهر بمقتضى الاستصحاب بقائها حال الشروع و بعده و عليه فيجوز الإتمام مطلقا من دون فرق بين صورة تمامية الشوط الرابع و صورة عدمها فلا يجب عليه الوضوء للإتمام و لا تجب عليه الإعادة بوجه، كما انه لو كانت تلك الحالة المتيقنة هي الحدث فالظاهر بمقتضى الاستصحاب بطلان ما اتى به من أشواط الطواف مطلقا لأن الطهارة كما مرّ في بحث اعتبارها في الطواف شرط مطلقا من دون فرق بين صور العلم و الجهل و الالتفات و النسيان فلا بد من ان يكون المراد من هذا الفرع ما ذكرنا من عدم معلومية الحالة السّابقة على الشروع في الطواف كما إذا توارد عليه حالتان من دون العلم بزمانهما و المتقدم و المتأخر منهما سواء قلنا بجريان الاستصحابين و تحقق التعارض و التساقط أو قلنا بعدم جريان استصحاب في البين أصلا.

و كيف كان فقد وقع التفصيل في المتن في هذا الفرع بين ما إذا كان الشك بعد تمامية الشوط

الرابع فحكم بالصحة و لزوم الوضوء للإتمام و بين ما إذا كان قبلها فاحتاط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

وجوبا بالإتمام ثم الإعادة و الظاهر ان المقصود هي الإعادة مع الوضوء و يحتمل ان يكون المقصود هو الإتمام و الإعادة مع الوضوء في كليهما.

هذا و يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه ان المعروف بل المصرح به في كلام العلّامة قدّس سرّه في جملة من كتبه هو البطلان من دون فرق بين الصورتين بل يظهر من محكي كشف اللثام الحكم بالبطلان إذا عرض الشك بعد تمامية الطواف أيضا و الوجه في البطلان لزوم إحراز الطهارة في مثل الطواف المشروط بها و لم يحرز في المقام على ما هو المفروض.

و قد احتمل في الجواهر بل مال الى لزوم تحصيل الطهارة بالإضافة الى ما بقي من اشواطه و الحكم بجريان أصالة الصحة فيما اتى به من الأشواط قال: «إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر و الظهر اللذين لا يلتفت الى الشك في أثنائهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة و ان وجب الوضوء للعصر قال و لكن لم أجد من احتمله في المقام» و هو كما ترى لم يفرق في هذا الاحتمال بين الصّورتين.

نعم أورد عليه في كتاب «دليل الناسك» بان الوضوء للأشواط الآتية لغو لا يترتب عليه أثر لأنه ان كان متطهّرا واقعا لا يترتب على هذا الوضوء اثر و ان كان محدثا واقعا فالوضوء أيضا كذلك بعد وقوع الأشواط التي اتى بها من غير طهارة كما انه أورد عليه بعض الاعلام قدّس سرّه بالفرق بين صلوتي الظهر و العصر و بين الطواف و انه لا يمكن إجراء قاعدة الفراغ

في المقام نظرا الى ان صحة العصر لا تتوقف على صحة الظهر واقعا فان الترتيب بينهما ذكري فلو كان الظهر فاسدا واقعا صحّ عصره و لا مانع من ذلك.

و العمدة في الجواب كون الطواف عملا واحدا و ان كان مركّبا من سبعة أشواط و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 325

..........

______________________________

مجال لجريان قاعدة الفراغ بعد عدم تماميته و مقتضى القاعدة في باب الصلاة إذا عرض له الشك في الأثناء أيضا ذلك الّا انه قام الدليل على عدم قدح الشك المذكور في صحتها و لعلّه لأجل تخلل الفعل الكثير و هو الوضوء في أثنائها أو لزوم وقوع جميع الأكوان و السكوتات و السكونات المتخللة أيضا مع الوضوء و لا يمكن تحصيل ذلك بالوضوء في الأثناء فلأجل التسهيل قام الدليل الخاص على الصحة فيها و الّا فمقتضى القاعدة البطلان و هذا بخلاف الطواف الذي يمكن تحصيل الوضوء في أثنائه على ما عرفت و كيف كان فالعمدة في المقام ملاحظة مستند التفصيل المذكور في المتن مع عدم اشارة اليه في شي ء من الكلمات نفيا و إثباتا فهل يمكن ان يقال باستفادته مما ورد من الروايات المتقدمة في مسألة عروض الحدث الأصغر أو الأكبر في الأثناء التي وقع فيها التفصيل بين تمامية الشوط الرابع و عدمها و كذا ما ورد في المريض الذي عرض له المرض المانع عن الإتمام في الأثناء الذي فيه التفصيل كذلك كما عرفت نظرا الى انّ المستفاد منها ان الطواف كأنه يكون عملين مترتبين أحدهما تمامية أربعة أشواط و ثانيهما الأشواط الثلاثة الباقية فالشك في الطهارة قبل تمامية العمل الأول موجب لبطلانه بخلاف الشك فبها بعدها فإنه بمنزلة الشك

في الفراغ فيرجع ذلك الى كلام صاحب الجواهر غاية الأمر بهذا التفصيل لا بنحو الإطلاق المذكور فيه.

أو انه لا يمكن القول بالاستفادة المذكورة فإنّ تلك الروايات المفصّلة لا دلالة لها على الاستفادة المذكورة و لا اشعار فيها بكون الطواف عملين مترتبين و الظاهر هو هذا الاحتمال و عليه لا مجال لما في المتن من التفصيل بل مقتضى الاحتياط الوجوبي في كلتا الصورتين الوضوء ثم الإتمام و الإعادة.

الفرع الثاني ما لو شك في أثنائه في انه اغتسل من الحدث الأكبر قبل الطواف أم لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 326

[الثالث: طهارة البدن و اللباس]

اشارة

الثالث: طهارة البدن و اللباس، و الأحوط الاجتناب عمّا هو المعفو عنه في الصّلاة كالدّم الأقلّ من الدّرهم و ما لا تتم فيه الصلاة حتى الخاتم، و اما دم القروح و الجروح فان كان في تطهيره حرج عليه لا يجب، و الأحوط تأخير الطواف مع رجاء إمكان التطهير بلا حرج بشرط ان لا يضيق الوقت كما ان الأحوط تطهير اللباس أو تعويضه مع الإمكان (1).

______________________________

و قد وقع فيه التفصيل أيضا بين الصورتين في المتن لكن مع الاختلاف بينه و بين الفرع الأوّل في ضم الاحتياط الاستحبابي في الصورة الاولى و الفتوى مكان الاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية و الظاهر انّ الوجه في الاختلاف ثبوت الفرق بين الفرعين لا من جهة كون المفروض في الأوّل هو الحدث الأصغر و في الثاني هو الحدث الأكبر فقط بل من جهة كون مورد الفرع الأوّل صورة عدم إحراز الطهارة و عدم جريان شي ء من استصحابي الطهارة و الحدث و مورد الفرع الثاني صورة استصحاب بقاء الحدث الأكبر و اختلاف الموردين انّما هو باعتبار قلّة

مصاديق الحدث الأكبر و موارد تحققه بخلاف الحدث الأصغر الذي أنواع متعددة و لكل منها مصاديق متكثرة.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ان مورد هذا الفرع ما إذا كان استصحاب الحدث الأكبر جاريا و يدل عليه الحكم في المتن بلزوم الخروج من المسجد فورا فان هذا الحكم لا يجتمع الّا مع ثبوت بقاء الحدث المذكور وجدانا أو تعبّدا و هذا هو الوجه أيضا في الفتوى بالبطلان فيما لو كان الشك قبل تمامية الشوط الرابع و الحكم بلزوم الإعادة بعد الاغتسال و امّا الحكم بالصحّة في الصورة الأخرى فمبناه ما أفاده في الفرع الأوّل من كون الشك بعد تمامية الشوط المذكور كأنّه يكون شكّا بعد الفراغ و مقتضى قاعدته الحكم بالصحة و لو في صورة جريان استصحاب الحدث لكن عرفت منّا الإشكال في ذلك و منه ظهر الحكم في الفرع الثالث المذكور في المتن.

(1) في اعتبار هذا الشرط جهات من الكلام:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

الجهة الاولى في أصل اعتباره و شرطيته في الجملة و قد حكى عن الأكثر الاعتبار بل عن الغنية الإجماع عليه لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصابه دم لا يعفى عنه في الصّلاة، و عن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه و عن صاحب المدارك من المتأخرين الميل اليه.

و ما استدل به على الاعتبار أمور:

الأوّل النبوي العامي المعروف: الطواف بالبيت صلاة بعد وضوح شرطية الطهارة عن الخبث في باب الصلاة كالطهارة عن الحدث.

و قد مرّ الجواب عن الاستدلال به في شرطية الطهارة من الحدث و انّ هذا التنزيل لا دلالة له على اعتبار جميع ما يكون معتبرا في الصلاة في

الطواف أيضا بل المراد امّا التنزيل في الفضيلة و الرجحان و امّا كون تحية المسجد الحرام هو الطواف كما ان تحيّة سائر المساجد الصلاة هذا مضافا الى ضعفه من حيث السّند.

الثاني استلزام حرمة إدخال النجاسة في المسجد و ان لم تكن مسرية لبطلان الطواف معها و يظهر من الجواهر صحة هذا الاستدلال بناء على الحرمة المذكورة كما انه يظهر من صاحب المدارك ذلك حيث أجاب عنه بمنع المبنى و ان النجاسة إذا لم تكن متعدّية و لا هاتكة لحرمة المسجد لا يكون إدخالها بمحرّم.

و العجب ممن استدل بهذا الأمر فإنّ إدخال النجاسة في المسجد و لو كانت محرمة مطلقا لكنه لا يتّحد مع عنوان الطواف بوجه و ان كان على فرض الاتحاد أيضا لا يكاد يتحقق خلل في الطواف كما عرفت في الجنب المتيمم إذا دخل المسجد الحرام و قلنا بعدم إباحة التيمم للدخول و ذلك اي وجه عدم الاتّحاد في المقام انّ عنوان الإدخال و كذا الإبقاء لا يكون متّحدا مع الطواف و ان كان عنوان المكث متّحدا معه و عليه فهذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

الاستدلال في غاية الضعف.

الثالث و هو المهم الرواية الخاصة الواردة في المقام و هي رواية يونس بن يعقوب التي رواها الصدوق و الشيخ لكن في سند الصدوق حكم بن مسكين الذي لا يكون له توثيق خاص بل له توثيق عام و في سند الشيخ محسن بن احمد و هو لم يوثق و العجب جعلها في الوسائل و في الكتب الفقهية روايتين مع انه من الواضح كونها رواية واحدة رواها يونس بن يعقوب و السؤال و الجواب فيها واحد و ان كان

هناك اختلاف في التعبير:

ففي الأوّل قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رأيت في ثوبي شيئا من دم و انا أطوف قال فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك «1».

و في الثاني قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدّم و هو في الطواف قال ينظر الموضع الذي رأى فيه الدّم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه «2». و دلالتها على اعتبار الطهارة في الأشواط الباقية بعد رؤية الدم واضحة فتدل على الاعتبار في الجميع لو كانت الرؤية قبل الشروع في الطواف و لا مجال لتوهم الفرق أصلا كما ان دلالتها على اعتبار طهارة البدن امّا من طريق الأولوية و امّا من جهة إلغاء الخصوصية أيضا كذلك و ضعف السند على تقديره نظرا الى عدم كفاية التوثيق العام منجبر باستناد المشهور إليها و هو جابر للضعف على فرضه لكن في مقابلها مرسلة ابن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 329

..........

______________________________

طاهر «1». و لو لم يكن المراد منها الطواف في الثوب الكذائي نسيانا كما حكى انه أشار إليه الشيخ قدّس سرّه و قلنا بان موردها الطواف في الثوب المزبور عالما عامدا لكن حيث ان الرواية مرسلة أوّلا و معرض عنها عند الأصحاب ثانيا لا مجال للاعتماد

عليها في مقابل الرواية المتقدمة ثم انّ مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق في اعتبار الطهارة من الجنب بين الطّواف الواجب و المندوب و لا مانع من الفرق بين الطهارتين في الطواف المندوب حيث انّه قد دلّت الروايات التي تقدم بعضها على عدم اعتبار الطهارة من الحدث في الطواف المندوب غاية الأمر انه يعتبر في صلوته الطهارة و مقتضى إطلاق الرواية الواردة في المقام عدم الفرق بين الطوافين من هذه الجهة كما انه مقتضى الفتاوى أيضا على ما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه.

الجهة الثانية في انه هل يعتبر الاجتناب عما هو المعفو عنه في الصّلاة كالدّم الأقل من الدّرهم و ما لا تتم فيه الصلاة أم لا احتاط في المتن وجوبا الاجتناب و صرّح بتوسعة الحكم بالإضافة إلى الخاتم تبعا للعلّامة فيه و عليه فيتحقق الفرق بين الصلاة و بين الطواف.

و الظاهر انه في الدّم الأقل من الدرهم إذا كان في البدن أو الثوب يكون مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب كما عرفت في الطواف المندوب الحكم بالاعتبار بصورة الفتوى كما صرّح به في الجواهر حيث قال: فالتحقيق عدم العفو في الأقل من الدّرهم و الظاهر انّ التنزل من الفتوى الى الاحتياط الوجوبي كما في المتن منشأه استبعاد كون الطواف أضيق حكما من هذه الجهة من الصلاة التي هي أمّ العبادات و في رأسها كما انه يمكن ان يكون منشأه انصراف السؤال في الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 330

..........

______________________________

الى الدّم الذي لا يكون معفوّا عنه في الصلاة

فلا يشمل مثل الأقل من الدرهم لكن في كلا الأمرين ما لا يخفى.

و امّا ما لا تتم فيه الصّلاة فقد عطفه في الجواهر على الأقلّ من الدرهم في الفتوى و في المتن أيضا في الاحتياط الوجوبي لكنّه استظهر بعض الاعلام قدّس سرّه عدم اعتبار طهارته نظرا الى عدم عدم صدق «الثوب» بصيغة المفرد المذكور في النص على مثل التكّة و القلنسوة و الجورب و ان صدق عليها الثياب فان الثوب ينصرف الى مثل القباء و الجبة و القميص و نحو ذلك و لا يصدق عليها جزما قال: و لا أقلّ من الشك فيرجع الى الأصل المقتضي لعدم الاعتبار.

أقول الظاهر انّ مراده قدّس سرّه صدق الثياب عليها في ضمن القباء و الجبة و نحوهما لا مستقلّا و عليه فيرجع الى التغليب الّذي مبناه على المسامحة و التجوز فلا فرق بين المفرد و الجمع كما ان الظاهر صدق كليهما نعم لا تنبغي المناقشة في خروج الخاتم عن دائرة الحكم لعدم صدق الثوب عليه بوجه و ان كان يصدق عليه أنّه ملبوس لكن عنوان اللبس أعمّ من الثوب.

الجهة الثالثة في دم القروح و الجروح و لا إشكال في عدم لزوم تطهيره إذا كان مستلزما للجرح و المشقة الرّافعة للحكم التكليفي و كذا الوضعي نعم في صورة عدم ضيق الوقت و إمكان تأخير الطواف و رجاء التطهير بلا حرج يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي التأخير.

و امّا إذا لم يكن مستلزما للحرج فيظهر من المتن من ناحية المفهوم وجوب التطهير لكن لا ظهور فيه في انّ هذا الوجوب هل هو على نحو الفتوى أو على سبيل الاحتياط الوجوبي و ان كان الذيل المتعرض لحكم اللباس في هذه الصورة يؤيد بل يدل

على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 331

[مسألة 4- لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله]

مسألة 4- لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله فالأصحّ صحّة طوافه، و لو شك في طهارتهما قبل الطواف جاز الطواف بهما و صحّ الّا مع العلم بالنجاسة و الشك في التطهير (1).

[مسألة 5- لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير و صحّ]

مسألة 5- لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير و صحّ، و كذا لو رأي نجاسة و احتمل عروضها في الحال، و لو علم انّها كانت من أوّل الطواف فالأحوط الإتمام بعد التطهير ثم الإعادة سيّما إذا طال زمان التطهير فالأحوط- ح- الإتيان بصلاة الطواف بعد الإتمام ثم اعادة الطواف و الصلاة و لا فرق في ذلك الاحتياط بين إتمام الشوط الرّابع و عدمه.

______________________________

الثاني و كيف كان فان كان المراد هو الفتوى فيرد عليه ان الفتوى و ان كانت حقّا لما مرّ من إطلاق السؤال و ترك الاستفصال الّا انه لا فرق بينه و بين الدم الأقلّ من الدرهم أصلا فكيف يكون الحكم في أحدهما بصورة الاحتياط و في الأخر بصورة الفتوى، و ان كان المراد هو الاحتياط الوجوبي فيرد عليه ما أوردناه عليه في الدّم الأقلّ.

(1) يقع الكلام في هاتين المسألتين في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل فيما لو شك في طهارة الثوب أو البد قبل الشروع في الطواف و لا بدّ من الأخذ بالحالة السابقة المعلومة ان كانت فان كانت الحالة السابقة هي الطهارة فمقتضى الاستصحاب بقائها و جواز الشروع في الطواف معه، و ان كانت الحالة السابقة هي النجاسة فمقتضى الاستصحاب بقائها و عدم جواز الشروع في الطواف معه الّا مع التطهير أو التبديل و ان لم تكن هناك حالة سابقة متيقنة فمقتضى قاعدة الطهارة ثبوتها و لازمها جواز الشروع من دون شي ء منهما و الحكم في

هذا المقام واضح.

المقام الثاني فيما لو رأي نجاسة في ثوبه- مثلا- في أثناء الطواف فتارة يعلم بالعروض في الأثناء و انه لم يقع شي ء من الأشواط التي اتى بها مع النجاسة و اخرى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 332

..........

______________________________

يحتمل عروضها في الأثناء و يحتمل عروضها قبل الشروع في الطواف و ثالثة يعلم بوقوع الأشواط السّابقة مع النجاسة غاية الأمر عدم العلم بها في الأثناء و قد حكم في المتن في لفريضين الأوّلين بالصحة و لزوم الإتمام بعد التطهير أو التبديل الذي هو اولى من التطهير في صورة الإمكان و احتاط وجوبا في الفرض الأخير بالإتمام بعد التطهير ثم الإعادة بالكيفية المذكورة في المتن مصرّحا في الذيل بأنه لا فرق بين إتمام الشوط الرابع و عدمه و ظاهره انه لا فرق بينهما في الفريضين الأوّلين أيضا و المحكي عن الشهيدين في الفرض الأخير حيث انّهما جزما بوجوب الاستيناف و الإعادة ان توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و لما يكمّل أربعة أشواط هذا و الظاهر ان المستند في هذا المقام هي رواية يونس المتقدمة الواردة في أصل مسألة اعتبار الطهارة عن الخبث في صحة الطواف فانّ مقتضى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في لجواب الشمول لجميع الفروض الثلاثة فإنه كما يصدق عنوان السؤال على الفريضين الأولين كذلك يصدق على الفرض الأخير فإنه أيضا رأي في ثوبه شيئا من الدم في حال الطّواف و عليه فمقتضى الرواية صحة الطواف في جميع الفروض الثلاثة و لزوم الإتمام بعد التطهير المستلزم للخروج و الغسل فضلا عن التبديل الّذي لا يحتاج الى ذلك من دون فرق بين تكميل أربعة أشواط و بين

عدمه.

و من الواضح انه لا مجال لاستفادة حكم المقام من الأدلة الواردة في الحدث المفصلة بين التجاوز عن النصف و بين عدمه بعد الاختلاف بينه و بين الخبث في كثير من الاحكام مع ان لازمة الحكم بوجوب الإعادة و الاستيناف و ان لم تتوقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف قبل تكميل أربعة أشواط بل لازمة الحكم بوجوب الإعادة في جميع الفروض الثلاثة لعدم الفرق في الحدث بينهما نعم ربما يقال انّ الأجود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 333

..........

______________________________

الاستدلال لكلام الشهيدين بعموم ما دلّ على ان قطع الطواف قبل تجاوز الأربعة يوجب الاستيناف.

هذا و البحث في مفاد هذه الروايات و انّ القطع الموجب لذلك هل يختص بالقطع الاختياري كدخول البيت الوارد في المورد جملة منها أو يعمّ القطع اللازم لأجل تطهير الثوب موكول الى بحثه الآتي.

هذا و لكن كلام الماتن- قدس سره الشريف- لا يكون مبتنيا على هذا المبنى لتصريحه بالصحة في الفرضين الأولين مع فرض التطهير الذي يستلزم قطع الطواف عادة و كذا عرفت ان ظاهره فيهما بل صريحه في الفرض الأخير انه لا فرق بين إتمام الشوط الرابع و عدمه.

و عليه فيرد عليه سؤال الفرق بينهما و بينه بعد شمول رواية يونس لجميع الفروض الثلاثة و دلالتها على عدم قدح القطع و لزوم الخروج و التطهير ثم العود و البناء على طوافه.

كما انّ الظاهر ان مورد كلام الشهيدين هو خصوص الفرض الأخير و الّا فبالنسبة إلى الفرضين الأولين خصوصا الأوّل منهما يحكمان بالصحّة.

و كيف كان فان كان المستند الروايات الواردة في قطع الطواف فيرد عليه أوّلا عدم شمولها لمثل المقام مما يكون القطع وظيفة شرعية له بل

تختص بما إذا كان القطع اختياريّا له و ثانيا انه لو سلّمنا العموم و عدم الاختصاص فنقول انّ النّسبة بين تلك الروايات و رواية يونس بن يعقوب الواردة في أصل اعتبار الطهارة من الخبث في لطواف و ان كان عموما من وجه لاجتماعهما فيما إذا كانت رؤية الدم في الثوب مع توقف إزالتها على الخروج من الطواف و قطعه قبل ان يكمل أربعة أشواط فإن مقتضى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 334

..........

______________________________

تلك الروايات البطلان و مقتضى رواية يونس الصحّة و يفترقان في القطع لغير غرض تحصيل الطهارة كدخول البيت و نحوه و فيما إذا كان تحصيل الطهارة غير متوقف على القطع بل يمكن ان تتحقق بالتبديل حيث انّ الرواية تدل على جوازه بطريق أولى الّا انه لا بدّ من الحكم في مادة الاجتماع بما تقتضيه رواية يونس لان الفرضين الأوّلين الذين حكم فيهما الشهيدان و الامام الماتن- قدس اللّٰه أسرارهم- داخلان في مادة الاجتماع لحكمهم بالصحة فيهما و عليه فلا مجال لإخراج الفرض الثالث عن مادة الاجتماع و التفصيل بينه و بينهما فإذا كان الحكم فيهما مطابقا لما هو مقتضى رواية يونس فلا بد ان يكون الحكم فيه أيضا كذلك لا الفتوى بالبطلان و لا الاحتياط الوجوبي المذكور في لمتن و بعبارة أخرى دخول الفرضين الأولين دليل على جعل رواية يونس مقيدة لإطلاق تلك الروايات و- ح- لا بد من الأخذ بإطلاق الدليل المقيد كما في سائر الموارد و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للفرق بين الفرضين الأولين و بين الفرض الأخير بل اللازم الحكم بالصحة في الجميع و على هذا يرتفع الاستبعاد في التفصيل

بين الأثناء و بين ما إذا كان العلم بوقوع الطواف مع النجاسة بعد إتمامه و الفراغ منه فان الحكم بالبطلان في الأوّل و لو في بعض فروضه و بين الحكم بالصحة في الثاني ممّا لا يجتمعان.

المقام الثالث فيما لو علم بعد الفراغ بوقوع جميع أشواط الطواف مع النجاسة و قد نفي وجدان الخلاف في مضي الطواف و صحته بل الاشكال فيه في الجواهر.

و ربما يقال انّ المستند فيه مرسلة البزنطي المتقدمة عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 335

[مسألة 6- لو نسي الطّهارة و تذكر بعد الطواف أو في أثنائه]

مسألة 6- لو نسي الطّهارة و تذكر بعد الطواف أو في أثنائه فالأحوط الإعادة (1).

______________________________

فقال أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر «1». لكن صحة الاستناد بها مبتنية على كون مورد الرواية صورة العلم بوقوع الطواف في ثوبه الذي كان فيه الدم بعد الفراغ منه و على إحراز استناد الأصحاب إليها حتى يكون ضعف السند بالإرسال منجبرا به و كلا الأمرين ممنوعان فانّ الظاهر انّ موردها صورة العلم قبل الشروع في الطواف كما ان استناد الأصحاب إليها غير محرز.

و الظاهر ان المستند في الحكم بالصحة في هذا المقام ما مرّت الإشارة إليه من دلالة رواية يونس على صحة ما مضى من الأشواط فيما لو علم في الأثناء و لو في الفرض الأخير الذي يعلم بوقوع الأشواط الماضية مع النجاسة نظرا إلى انه لا فرق بين الأشواط الماضية و بين مجموع الطواف لعدم الفرق في اعتبار الطهارة من الخبث بين الأشواط أصلا فإن كل شوط بل

كل جزء من الشوط لا بدّ و ان يقع مع الطهارة فإذا دلت الرواية على صحة ما مضى و لو كان مع النجاسة لكنه لم يكن عالما بذلك حين الإتيان به فمقتضاها الصحة لو كان العلم بعد الفراغ من الطواف أيضا لو لم يكن الثاني أولى باعتبار عدم وقوع العلم بالنجاسة في أثناء الطواف و لو لم يكن في اجزائه في الثاني دون الأوّل.

(1) المعروف صحة الطواف في صورة نسيان الطهارة و التذكر بعده أو في الأثناء لكن عن الشهيد في الدروس التصريح بالبطلان حيث عطف النسيان على التعمد قال:

«و لو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان و لو لم يعلم حتى فرغ صحّ، و لو علم في الأثناء أزالها و أتمّ ان بلغ الأربعة و الّا استأنف».

و ربما يقال بأنه لا يبعد دعوى إطلاق رواية يونس الواردة في أصل المسألة باعتبار

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 336

[الرّابع: ان يكون مختونا و هو شرط في الرجال لا النّساء]

الرّابع: ان يكون مختونا و هو شرط في الرجال لا النّساء، و الأحوط مراعاته في الأطفال، فلو أحرم الطفل الأغلف بأمر وليّه أو احرمه وليّه صحّ إحرامه و لم يصحّ طوافه على الأحوط، فلو أحرم بإحرام الحج حرم عليه النّساء على الأحوط و تحلّ بطواف النساء مختونا أو الاستنابة له للطواف، و لو تولّد الطفل مختونا صحّ طوافه (1).

______________________________

ترك الاستفصال للجهل و النسيان مع انّ الظاهر بطلان هذه الدعوى لان التعبير الوارد في سؤال الرواية لا يلائم مع النسيان بوجه بل ظاهره خصوص صورة الجهل لكنها شاملة للفروض الثلاثة المتقدمة.

و العمدة في الحكم بالصحة في

صورة النسيان عدم نهوض دليل على البطلان فيها فانّ المستند في أصل اعتبار الطهارة ان كان مثل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله الطواف بالبيت صلاة لكان الدليل على البطلان في صورة النسيان موجودا إلا انك عرفت عدم تماميته سندا و دلالة و العمدة رواية يونس و هي لا تدل على الشرطية في حال النسيان بوجه بل مفادها الشرطية في حال العلم في مقابل الجهل و لو فرض وجود دليل دالّ على شرطية الطهارة مطلقا لكان مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان رفع الشرطية في حال النسيان و بالجملة الظاهر الصحة في مفروض المسألة نعم لو وقعت صلاة الطواف كذلك تكون باطلة.

(1) اعتبار شرطية الختان في صحة الطواف بالإضافة إلى خصوص الرجال واجبا كان أو مندوبا مما نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل عن الحلبي انّ إجماع آل محمد- صلوات اللّٰه عليه و عليهم أجمعين- عليه لكن عن المدارك انه نقل عن ابن إدريس التوقف في ذلك لكن ذكر صاحب الجواهر: انا لم نتحقّقه و أضاف اليه ان عدم ذكر كثير له على ما في كشف اللثام ليس خلافا محقّقا.

و العمدة الروايات الكثيرة الواردة في المقام مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 337

..........

______________________________

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس ان تطوف المرأة «1». و من الواضح انّ النهي لا يكون نهيا تكليفيا بل إرشاد إلى فساد طواف الأغلف غير المختون إذا كان رجلا.

و رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يسلم فيريدان يحج و قد حضر الحج ا يحجّ أم يختتن قال لا

يحجّ حتى يختتن «2».

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة، فأمّا الرجل فلا يطوف الّا و هو مختتن «3».

و رواية حنان بن سدير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن نصراني أسلم و حضر الحج و لم يكن اختتن ا يحجّ قبل ان يختتن قال لا و لكن يبدأ بالسنّة «4». فلا إشكال في أصل الاعتبار و كذا في الاختصاص بالرجال في مقابل النساء هذا بالنسبة الى غير الطفل و امّا الطفل المذكر فقد وقع فيه الاختلاف و قد استظهر من المحقق في الشرائع و بعض أخر عدم الاعتبار في الصبيّ و حكى عن بعض أخر الاعتبار و في المتن اعتباره بنحو الاحتياط الوجوبي و ظاهر الجميع بل صريح المتن انه لا فرق بين المميز و غيره و اختار بعض الاعلام قدّس سرّه التفصيل بين الصبي المميز الذي يطوف بنفسه و بين الصبي غير المميز الذي يطاف به فيعتبر في الأوّل دون الثاني.

و العمدة في هذه الجهة صحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الأغلف لأن غيرها واردة في مورد الرجل الذي يكون المتبادر منه هو المذكر البالغ و ان كان يمكن ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الثالث و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(4) الوسائل أبواب مقدمات الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 338

..........

______________________________

يقال بأن قرينة المقابلة تقتضي ان يكون المراد به جنس المذكر أعم من البالغ.

و كيف كان فهذه الصحيحة واردة في الأغلف الذي

يشمل غير البالغ و لا اختصاص له به لكن لا بد من النظر في دلالتها من وجهين الأوّل انه يمكن ان يقال كما قيل بأنّ النّهي عن الطواف بالإضافة إلى الأغلف قرينة على كون المراد به هو البالغ لأنّ غيره لا يكون مكلّفا بتكليف إلزامي و ان قلنا بشرعية عبادات الصبي كما هو مقتضى التحقيق و الظاهر ان البحث في المقام متفرع على هذا القول لانه على تقدير عدمها و كون عباداتها تمرينية محضة لا مجال لدعوى اعتبار الختان في طوافه يعني في صحته و مشروعيته.

و كيف كان فمقتضى هذا الوجه اختصاص الأغلف في الصحيحة بالبالغ لعدم توجه التكليف الإلزامي إلى الصبي بوجه و الجواب عن هذا الوجه ان الظاهر كون النهي في لصحيحة إرشادا إلى فساد الطواف في حال كون الطائف أغلف فالنهي دال على شرطية الختان أو مانعية الاغلفية و من الواضح انه لا فرق في الأحكام الوضعية بين البالغ و غيره كسببية إتلافه للضمان و اشتراط صلوته بالطهور و أشباههما.

هذا و الظاهر ان دلالة مثل هذا النهي على الحكم الوضعي لا تكون تابعة للدلالة على الحكم التكليفي كما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه بل النهي الدال على الحكم الوضعي قسيم للنهي الدال على الحكم التكليفي و لا يكون في البين أصالة و تبعية بوجه.

الثاني ما افاده بعض الاعلام قدّس سرّه من ان الأغلف في الصحيحة و ان كان شاملا لمطلق الذكر الّا انه مع ذلك لا يمكن الحكم بالتعميم و الالتزام باعتباره في الصبي غير المميّز لان موضوع النهي هو الشخص الذي يطوف بنفسه و يكون مأمورا بالطواف بنفسه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 339

..........

______________________________

و امّا

الذي يطاف به و لا يطوف بنفسه فلا أمر له بالطواف لانه متوجه إلى الوليّ فمقتضى الأصل- ح- عدم الاعتبار في الصّبي غير المميّز و فيه انه ان كان الفرق في مجرد الطواف بنفسه و الطواف به فلازمه تعميم الحكم بعدم اعتبار الختان في كل من لا يطوف بنفسه بل يطاف به و ان كان بالغا كما إذا كان مريضا لا يقدر على ان يطوف بنفسه و من الواضح عدم إمكان الالتزام به بوجه.

و ان كان الفرق من جهة كون التكليف متوجها الى الولي في الصبي غير المميّز و الى الطائف الذي يطوف بنفسه في غيره فيرد عليه انه لا دلالة للصحيحة على هذا الفرق بوجه فانّ مفادها اعتبار الختان في الطواف بما هو طواف من دون فرق بين من توجّه اليه التكليف و عليه فالتفصيل الظاهر في هذا المقام هو الفتوى بالاعتبار في الصبيّ المميّز و الاحتياط المطلق في الصبي غير المميّز لا الحكم بعدم الاعتبار.

ثم انّ الظاهر من النصوص و الفتاوى ان الختان المعتبر انّما هو الختان بمعناه الاسم المصدري و هو كونه مختونا لا بمعناه المصدري و هو صدور الختان منه و لو بالتسبيب و عليه فلو تولّد الطفل مختونا كما قد يتفق في الخارج لا يحتاج صحة طوافه من هذه الجهة إلى شي ء أخر بل يصح طوافه كذلك.

بقي في هذا المقام فرعان لم يقع التعرض لهما في المتن.

الفرع الأوّل انه لو حصلت له الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و تعذّر عليه الختان في عام الاستطاعة لضيق الوقت أو غيره من الجهات ففيه وجوه بل أقوال ثلاثة:

الأوّل سقوط شرطية الختان و اعتبار التمكن في اعتباره قال في الجواهر بعد حكاية هذا القول

عن القواعد و غيرها: «و لعلّه لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة مع عموم أدلة وجوب الحج و العمرة».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 340

..........

______________________________

و لكنك عرفت انّ النهي الوارد في مثل المقام ليس نهيا تكليفيّا حتى يكون مشروطا بالقدرة كسائر الشرائط العامة بل نهي وضعي مفاده الإرشاد إلى الشرطية أو المانعيّة و ظاهر إطلاق دليله الشرطية المطلقة أو المانعية كذلك و لازمة عدم التمكن من أصل الطواف لعدم التمكن من شرطه.

الثاني ما احتمله في محكي كشف اللثام من انه يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة.

و يرد عليه انّه ان أراد استفادة حكم المقام ممّا ورد في المبطون فالظاهر عدم تماميتها لانه يمكن ان يكون للمبطون من جهة استلزام داية لأمرين و هما نقض وضوئه و دخول النجاسة في المسجد الحرام و لو لم تكن متعدية و لا هاتكة خصوصية مانعة عن استفادة حكم المقام الذي يكون فاقدا للختان فقط نعم تمكن الاستفادة منه و من أشباهه و نظائره على ما يأتي تفصيله.

الثالث ما احتمل اتجاهه صاحب الجواهر من سقوط الحج عنه في عام الاستطاعة و لزوم الإتيان به مع الختان في العام القابل نظرا الى فوات المشروط بفوات شرطه قال:

«بل لعلّ خبر إبراهيم بن ميمون لا يخلو عن اشعار بذلك و ان كان هو غير نص في انه غير متمكن من الختان لضيق الوقت و ان عليه تأخير الحج عن عامه لذلك فانّ الوقت انّما يضيق غالبا عن الاختتان مع الاندمال فأوجب عليه السلام ان يختتن ثم يحج و ان لم يندمل».

و صريح بعض الاعلام قدّس سرّه اختيار هذا الوجه نظرا إلى انه لا يتمكن من الحج في

هذه السنة لعدم تمكنه من الطواف مع الختان و لا دليل على الاستنابة في خصوص هذا الفرض لأنّها انما تجب في فرض الاستطاعة و المفروض ان هذا الشخص غير مستطيع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 341

..........

______________________________

و قد استفاد من روايتي حنان بن سدير و إبراهيم بن ميمون المتقدمتين ذلك و ان المتفاهم منهما دوران الأمر في عام الاستطاعة بين الحج و الخروج مع الرفقة و بين ان يختتن و لكن لو اختتن لا يتمكن من الحج في هذه السنة و قد وقع فيهما الحكم بتأخير الحج و لزوم البدأة بالختان.

أقول امّا الروايتان اللتان تكون إحديهما معتبرة فلا ظهور في شي ء منهما على دوران الأمر بين الحج و بين الختان بحيث كان محطّ السؤال و مورد نظر السائل عدم إمكان الجمع بينهما بعد الإسلام و حضور الحج حتى يكون مقتضى انطباق الجواب على مورد السؤال لزوم تأخير الحج الى العام القابل بل ليس في شي ء من السؤال و الجواب إشارة إلى العام الفعلي و العام القابل و عليه فلوم لم تكن الروايتان ظاهرتين في خصوص عام واحد نظرا الى ان محطّ السؤال انه بعد صيرورة الرجل مسلما و المفروض كونه مستطيعا هل يجب عليه الجمع بين الختان و الحج أو يجوز له تأخير الختان عن الحج لا تكونان ظاهرتين فيما افاده كما اعترف به صاحب الجواهر و ان نفي خلو الرواية عن الاشعار بذلك لكن الظاهر عدم تحقق الاشعار فيها أيضا مع ان الإشعار لا حجيّة فيه أصلا.

و التحقيق ان يقال انّ تعذر الختان لضيق الوقت أو غيره لا يوجب فقدان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج حتى لا يجب عليه

الحج في هذا العام بل في العام القابل مع تحصيل الشرط و ذلك يظهر بملاحظة الموارد المشابهة التي حكموا فيها بالاستنابة فإنه لو علمت المرأة المستطيعة في انّ أيام عادتها تصادف مع أيّام الطواف بحيث لا تقدر على الطواف في غيرها فهل يمكن الحكم بعدم وجوب الحج عليها في هذا العام بمجرد العلم المذكور أو انّ اللازم عليها الحج و الاستنابة في الطواف كما فيما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 342

..........

______________________________

لو عرض لها الحيض بالكيفية المذكورة من دون سبق علمها به و كذلك المبطون الذي ذكره كاشف اللثام فإنّه يجب عليه الحج و الاستنابة في الطواف و لو علم أو احتمل علاج مرضه في لعام القابل و غير ذلك من الموارد.

و عليه فلا يجوز بمقتضى القاعدة تأخير الحج عن عام الاستطاعة مع لزوم رعاية الفورية فيه و عدم تأخيره عنه بل يستنيب في الطواف فقط و يجزي عن حجة الإسلام.

الفرع الثاني ما إذا لم يكن متمكنا من الختان أصلا للحرج أو غيره و قد ظهر مما ذكرناه .. في الفرع الأوّل عدم سقوط الحج عنه بالمرة كما حكى عن البعض بل يجب عليه الحج غاية الأمر الاستنابة للطواف لعدم كونه متمكنا من الإتيان به مع شرطه و هو الختان لكن بعض الاعلام قدّس سرّه مع تصريحه في الفرع الأوّل بعدم كونه مستطيعا فلا يجب عليه الحج في عام الاستطاعة بل يؤخّره إلى العام القابل صرّح هنا بوجوب الحج عليه لأن الاستطاعة الماليّة كافية في وجوب الاستنابة نظير المريض الذي لا يرجو زوال مرضه فلا وجه لسقوط الحج عنه بل يحج و يستنيب للطواف لعدم إمكان طوافه بنفسه و لا

الإطافة به.

و يرد عليه انه لم يعلم وجه الفرق بين الفرعين بالحكم بعدم الاستطاعة هناك و الحكم بثبوتها هنا و التنظير بالمريض المذكور في غير محلّه فإنه قد تقدم في مباحث الاستطاعة ان المريض الذي تجب عليه الاستنابة هو من استقر عليه الحجّ قبل مرضه و امّا المريض الذي حصل له الاستطاعة في حال المرض المزبور فلا يكون مستطيعا حتى يجب عليه الاستنابة و كيف كان فالحكم في هذا الفرع ما ذكرنا من الاستطاعة و وجوب الحج غاية الأمر الاستنابة للطواف كما يدلّ عليه الموارد التي أشرنا إليها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 343

[الخامس ستر العورة فلو طاف بلا ستر بطل طوافه]

الخامس ستر العورة فلو طاف بلا ستر بطل طوافه، و تعتبر في الساتر الإباحة فلا يصحّ مع الغصب، بل لا يصحّ على الأحوط مع غصبية غيره من سائر لباسه (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر يقع من جهات:

الجهة الاولى في أصل اعتباره و انه هل يكون من شرائط صحة الطواف أم لا فنقول لم يقع التعرض لاعتباره في مثل كتاب الشرائع و لكن المحكي عن العلامة في القواعد و جملة من كتبه وجوب ستر العورة في الطواف كما انه قد حكي عن الخلاف و الغنية و الإصباح لكن يظهر من محكيّ المختلف المناقشة بل الميل الى المنع.

و الاستدلال على الاعتبار بالنبوي المعروف: الطواف بالبيت صلاة قد عرفت المناقشة فيه لضعف الرواية سندا و دلالة مضافا الى ان الظاهر ان المراد من استر هنا أعمّ مما هو المعتبر في باب الصلاة لأنّ المعتبر في الستر الصلاتي ان يكون الساتر ثوبا و لباسا و لا يجتزي بالستر بمثل اليد و الحشيش و الطين و غيرها و الظاهر انه لا

خصوصية لذلك في باب الطواف.

نعم هنا روايات كثيرة من طريقنا و طريق العامّة قريبة من التواتر كما في محكي كشف اللثام تدلّ على نهي النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن ان يحج بعد العام مشرك أو يطوف عريان و قد نقل أكثرها صاحب الجواهر عن بعض التفاسير كتفسير على بن إبراهيم القمي و تفسير فرات الكوفي و عن الوسائل التي جمعها في الباب الثالث و الخمسين من أبواب الطّواف و عن بحار الأنوار للعلّامة المجلسي قدّس سرّه و كثرتها مانعة عن جريان المناقشة في السّند مع ان تفسير القمي يكون مثل كتاب كامل الزيادات من جهة الاشتمال على التوثيق العام.

و امّا من جهة الدلالة فربما يناقش فيها بأن المنهي عنه فيها هو الطواف في حال العراء و النسبة بينها و بين ستر العورة عموم من وجه لان المراد بالعريان من لم يكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

لابسا للثوب و يمكن ان يكون الشخص غير عار و لابسا للثوب مع كون عورته مكشوفة كما إذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه كما انه يمكن ان يكون الشخص مستور العورة و هو عار كما إذا ستر عورته بمثل اليد أو الحشيش أو الطين و قد اعتبروا في الطواف ستر العورة لا اللّباس فهذه الروايات لا تنطبق على المدّعى و الجواب عن هذه الشبهة انّ مناسبة الحكم و الموضوع أوّلا و ثبوت الإجماع على الاكتفاء بمجرد ستر العورة في لطواف ثانيا دليل على كون المراد من العاري من لا يكون ساترا لعورته فهو ينطبق على المدعي و لا مجال للمناقشة فيه من هذه الجهة.

نعم يمكن ان يناقش في الاستدلال

بهذه الروايات بانّ وحدة السياق فيها تقتضي كون النهي عن طواف العاري نهيا تكليفيّا مولويا لا إرشاديّا بحيث يكون مرجعه إلى إفادة الشرطية أو المانعية لوقوعه في سياق النّهي عن دخول المشركين و قربهم المسجد الحرام و من الواضح انّ هذا النهي تكليفي و عليه فالظاهر كون النهي في فقرة الطواف أيضا كذلك.

و لكن حيث ان متعلق النّهي هو الطواف الذي يكون عبادة فظهوره في الإرشاد كما في سائر النواهي المتعلقة بالعبادات مع بعض الخصوصيات بمرتبة من القوة بحيث لا يقاومها وحدة السياق و عليه فالنهي عن طواف العاري مثل النهي عن طواف الأغلف من دون فرق بينهما فاصل الحكم في المقام و هي شرطية ستر العورة في الطواف لا اشكال فيه لكن عرفت انّ الستر هنا أعم من الستر في باب الصلاة و ان كان يشعر كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه بالاتحاد.

الجهة الثانية في شرطية الإباحة و حلية التصرف فيما يستر العورة و الكلام فيها عين الكلام في شرطية الإباحة فيما يستر العورة في الصلاة من دون فرق بين المقامين من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

هذه الجهة و قد فصلّنا الكلام في باب الصلاة في هذا المجال بما لا مزيد عليه و اخترنا هناك انه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرف في الثوب في صحة الصلاة و انّ العمدة من الوجوه السبعة التي استند إليها للقول بالبطلان ما كان مبتنيا على مسألة اجتماع الأمر و النهي و مقتضى التحقيق عندنا هو القول بالجواز و صحة المجمع إذا كانت عبادة كالصلاة في الدار المغصوبة و الستر بالمغصوب لا يجري فيه هذه الجهة أيضا لأن التستر و عدم

انكشاف العورة يكون اعتباره في الصلاة بنحو الشرطية لا الجزئية و لذا تصح الصلاة مع الغفلة عن تحققه و الشرائط في الصلاة كلها أمور غير عبادية سوى الطهارات الثلاث التي يعتبر فيها قصد القربة على ما قرر في محلّه و عليه فالمجمع لا يكون امرا عباديّا حتى تجري فيه المناقشة في الصحة في هذه الصّورة و عليه فمقتضى القاعدة عدم اعتبار الحلية و الإباحة فيما يستر العورة في كلا المقامين.

نعم استدل على البطلان بعض الاعلام قدّس سرّه بانّ السّتر المأمور به لا يمكن ان يكون بالمحرّم و الحرام لا يكون مصداقا للواجب فإذا كان الساتر محرّما و مغصوبا يخرج عن كونه مأمورا به.

و ظاهره في نفسه و بقرينة الحكم بأنه إذا كان غير الساتر مغصوبا يبتني الحكم ببطلان الطواف و صحته على مسألة اجتماع الأمر و النهي انّ الحكم بالبطلان في الساتر المغصوب لا يرتبط بتلك المسألة بوجه بل منشأه ما ذكره ان الحرام لا يكون مصداقا للواجب.

و يرد عليه مضافا الى النقض بالستر الذي يكون واجبا نفسيّا في حال الصلاة و غيرها فإنه لا شبهة في وجوبه أوّلا و في تحقق المأمور به بالمحرّم ثانيا ضرورة انّ الغاصب الذي قد ستر عورته بالساتر المغصوب لا يكون مستحقا للعقوبة من جهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 346

..........

______________________________

مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالسّتر بعنوان الواجب النفسي و ان كان مستحقا لها من جهة الغصب يعني التصرف في مال الغير بغير اذنه فكيف اجتمع بين الأمرين تحقق المأمور به و كون المحقق له هو الأمر المحرّم.

انّ الحلّ ما ذكرنا من كون المسألة مبتنية على مسألة اجتماع الأمر و النهي و ان مقتضى

التحقيق جوازه و المجمع يكون موافقة للمأمور به و مخالفة للمنهي عنه و لا مانع من اجتماع الأمرين في وجود واحد و كيف كان فالحكم في هذه الجهة هو عدم اعتبار الإباحة فيما يستر العورة و لا يمنع حرمة التصرف فيه عن صحة الطواف بوجه.

الجهة الثالثة في شرطية الإباحة في سائر ثيابه غير ما يتحقق به ستر العورة و قد احتاط في المتن وجوبا لزوم رعايتها و بطلان الطواف بدونها.

و حيث انّا قد اخترنا في الجهة الثانية الصحة فثبوتها في هذه الصورة بطريق اولى لكن على تقدير القول بالبطلان هناك لا يكون لازمة القول بالبطلان هنا لعدم اتحاد الطواف مع لبس اللباس غير الساتر للعورة بوجه و موضوع مسألة اجتماع الأمر و النهي كون العنوانين متحدين في مادة الاجتماع ضرورة ان مثل النظر إلى الأجنبية في حال الصلاة خارج عن المسألة المذكورة و المقام من هذا القبيل من دون فرق لعدم اتحاد اللبس المزبور مع الطواف بوجه غاية الأمر وقوع الاقتران و ثبوت المعيّة و هو لا يجري فيه توهم الامتناع فضلا عن القول به فعلى هذا القول أيضا لا وجه للحكم بالبطلان و لو بنحو الاحتياط الوجوبي.

نعم ربما يقال بحرمة الطواف لأنه مقدمة للتصرف في الثوب المغصوب لانه يتحرّك بتحرك الشخص و بطوافه حول البيت.

و قد أجيب عن ذلك بانّ العليّة و ان كانت متحققة الّا انّ العلة في باب الحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 347

[السادس: الموالاة بين الأشواط عرفا على الأحوط]

السادس: الموالاة بين الأشواط عرفا على الأحوط بمعنى ان لا يفصل بين الأشواط بما خرج عن صورة طواف واحد (1).

______________________________

لا تصير محرمة بسبب حرمة المعلول لأنّ الثابت في بحث المقدمة المذكور

في الأصول هو وجوبها بسبب وجوب ذيها مع اختلاف فيه و قد اخترنا عدم الوجوب و عدم ثبوت الملازمة العقلية بوجه و امّا حرمة المقدمة بسبب حرمة ذيها فلم تثبت في ذلك البحث بل لا وجه لها أصل و عليه فحرمة التصرف في المغصوب بتحرّكه لا توجب حرمة الطواف الذي هي مقدمة لتحقق الحركة المذكورة.

هذا و لكن التحقيق في الجواب ما حكيناه في كتاب الصلاة عن المحقق الحائري قدّس سرّه في كتابه في الصّلاة الذي هو كتاب قليل اللفظ و العبارة و كثير المعني و المفاد على ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي قدّس سرّه في مجلس بحثه.

و خلاصته انّ المحرّم انّما هو التصرف في اللباس من جهة لبسه و امّا تغيير هيئته بتبع حركات اللابس بمشيه أو قيامه أو قعودة و أمثال ذلك مما لا يكون انتفاعا أخر به سوى اللّبس و لا يكون موجبا لتلفه و اندراسه فلا يكون مبغوضا أخر للمالك حتى يتعلق به النهي ضرورة أنّ المبغوض للمالك في جميع الحالات شي ء واحد و هو كونه لابسا لثوبه و لا يكون مبغوضه في حال الحركة- مثلا- أمرين أحدهما كونه لابسا و ثانيهما حدوث الحركة فيه تبعا لحركة اللابس و هكذا، و عليه فلا يكون المحرّم في جميع الحالات هو التصرف اللبسي و امّا الهيئات من الركوع و السجود و القيام فهي أشياء أخر مقارنة له لا انّها محرمة.

و محصّله ان المعلول لا يكون محرّما حتى تتوهم حرمة علّته و هذا الذي أفاده في غاية الجورة و المتانة.

(1) قد استظهر صاحب الجواهر من النصوص و الفتاوى وجوب الموالاة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

الطواف الواجب

في غير المواضع التي دل الدليل على عدم لزومها قال: «و لذا جعلها في الدّروس الحادي عشر من واجباته نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصّا و فتوى بلا خلاف أجده فيه و أضاف إليه قوله: لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا لنصوص المزبورة التي هي أخصّ من دعواه بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الأنقص من النصف».

و قد احتاط في المتن وجوبا في رعايتها بالمعنى المذكور فيه و هو ان لا يفصل بين الأشواط بما خرج عن صورة طواف واحد و ما يمكن ان يستدل به لاعتبارها أمور:

الأوّل الرواية النبوية المعروفة: الطواف بالبيت صلاة بضميمة اعتبار الموالاة في باب الصلاة و قد مرّ الجواب عن الاستدلال بها سندا و دلالة.

الثاني ما في كلام بعض الاعلام قدّس سرّه من انّ الطواف عمل واحد يعتبر فيه الموالاة بين اجزائه و الّا فلا يلحق الجزء اللّاحق بالجزء السابق.

و يرد عليه مضافا الى ان مقتضاه اعتباره في طواف النافلة لأنّه أيضا كصلاة النافلة أيضا عمل واحد و لا يكون اعمالا متعددة انّ كون العمل واحدا لا يستلزم اعتبار الموالاة فيه لعدم الملازمة بين الطرفين و لذا ترى انّ الغسل مع كونه امرا عباديّا يحتاج الى نيّته و قصد القربة أيضا لا تكون الموالاة معتبرة فيه أصلا و لا يكون هذا كاشفا عن عدم وحدته و ثبوت تعدّده فمجرد كون الطواف عملا واحدا لا يقتضي اعتبار الموالاة فيه بوجه.

الثالث طائفة من الروايات مثل صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة (و في الوسائل المطبوعة أخيرا حكى عن

المصدر مكان في حاجة: في حاجته و هو الظاهر).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

قال: ان كان طواف نافلة بنى عليه، و ان كان طواف فريضة لم يبن «1». و موردها و ان كان شوطا أو شوطين الّا انّ الظاهر انه لا خصوصية فيهما بل يشمل الشوط الثالث و كذا الرّابع فما زاد و احتمال الاختصاص بما إذا لم تتحقق تمامية الشوط الرابع لا مجال له أصلا و مجرد وقوع التفصيل في روايات الحدث العارض في أثناء الطواف بين تمامية الشوط الرابع بالحكم بالبناء على طوافه بعد الوضوء أو الغسل و عدم تماميتها فيعيد الطواف من رأس لا دلالة له على كون مورد هذه الرواية هو قبل تمامية الشوط المذكور لعدم الارتباط بين المسألتين بوجه و عليه فالظاهر انّ المراد من مورد الرواية كون الرجل في أثناء الطواف و لمّا يتم طوافه بعد كما انّ المراد من الخروج مع الرجل في حاجته هو مجرد الخروج عن الطواف و دائرة المطاف و مقتضى إطلاقه الشمول لما إذا كان الفصل الذي يستلزمه الخروج المذكور قصيرا غير قادح في الموالاة و عليه فمقتضى الرواية ان الخروج المذكور موجب للبطلان في طواف الفريضة دون النافلة و بهذه الصحيحة يقيّد إطلاق صحيحة صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف فقال يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبني على طوافه «2». بالحمل على طواف النافلة فيصير المتحصل من الجمع بطلان طواف الفريضة بمجرد الخروج و رفع اليد عن الطواف لكن هذا لا ينطبق على مسألة الموالاة لأن النسبة بين عدم الموالاة و بين الخروج عموم من

وجه لانه قد يتحقق الإخلال بالموالاة من دون خروج كما إذا جلس في أثناء الطواف ساعات متعددة في نفس دائرة المطاف و قد يتحقق الخروج من دون ان يخلّ بالموالاة كما إذا خرج و رجع بعد زمان يسير لا يوجب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 350

..........

______________________________

الإخلال بالموالاة و قد عرفت انّ مقتضى إطلاق صحيحة أبان الشمول لهذه الصورة أيضا و عليه فلا يمكن الاستدلال بها لاعتبار الموالاة التي هي محلّ البحث في المقام.

ثم انّ الروايات الواردة في عروض الحدث في الأثناء الدالة على التفصيل بين تمامية الشوط الرابع و عدمها لا يمكن ان يستفاد منها حكم المقام لأنّها مضافا الى دلالتها على الصحة بعد تمامية الشوط المذكور و اعتبار الموالاة على تقديره لا يختص بما قبلها لأنّ القائل به يقول باعتبارها مطلقا كما في جميع أجزاء الصلاة و ركعاتها يكون موردها عروض الحدث غير الاختياري و لا تشمل الفصل الاختياري المانع عن تحقق الموالاة و اشتمال بعض الروايات الواردة في عروض الحيض على التعليل بقوله عليه السلام: لأنّها زادت على النصف لا دلالة له على كون الزيادة على النصف انّما هي الملاك و المعيار في جميع الموارد بل يختص بموردها و ما يشابهه مثل حدث الجنابة و بطريق اولى يشمل الحدث الأصغر أيضا و امّا استفادة حكم المقام منها فلا مجال لها أصلا.

لكن يظهر من المتن في مسألة عشرين الآتية من مسائل الطواف ما لعلّه يغاير المقام حيث قال فيها: «لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل

أتمّه و صحّ طوافه، و لو اتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرابع فالأحوط إتمامه و إعادته» فإن قوله: و لو اتى بالمنافي يراد به بقرينة الصدر ما يشمل الفصل الطويل و ظاهره اختصاص مورد الاحتياط الوجوبي بالإتمام و الإعادة بما إذا كان القطع بعد تمام الشوط الرابع و عليه فإذا كان القطع قبل تمامه فالظاهر منه هو الحكم بالبطلان مع ان المذكور هنا في المتن ان اعتبار الموالاة يكون بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقا من دون فرق بين تمام الشوط الرابع و عدمه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 351

[القسم الثاني ما عدّ جزء لحقيقته]

اشارة

القسم الثاني ما عدّ جزء لحقيقته و لكن بعضها من قبيل الشرط و الأمر سهل و هي أمور:

[الأوّل الابتداء بحجر الأسود]

الأوّل الابتداء بحجر (بالحجر ظ) الأسود و هو يحصل بالشروع من حجر (الحجر ظ) الأسود من أوّله أو وسطه أو أخره (1).

______________________________

و كيف كان فلم ينهض دليل على اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور في المتن في جميع أشواط الطواف و الانصاف انه لم يقع التنقيح للمسألة لا في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه و لا في كلام غيره بل وقع الخلط بينها و بين مسألة الخروج و كذا القطع و كذا عروض الحدث في الأثناء على ما أشرنا إليه فإن ثبت هنا شهرة كما يظهر من الجواهر فاللازم الحكم بالاحتياط الوجوبي دون الفتوى بالاعتبار فتدبّر جيّدا.

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الاولى في أصل اعتبار الابتداء في الطواف بالحجر الأسود و الظاهر انه بعد استقرار السيرة العملية من جميع فرق المسلمين على الشروع في طوافهم من الحجر الأسود و وضوح اتصال هذه السيرة بزمان الرسول و الأئمة عليه السلام من دون ريب لا حاجة الى إقامة دليل أخر عليه لظهور عدم استقرار السيرة على مجرّد العمل بل المرتكز في أذهانهم انه لا يجوز الشروع في الطواف من غير الحجر الأسود و لعلّه لذلك لم يقع التعرض الأصل اعتباره في النصوص بل ظاهر بعض ما وقع فيه التعرض المفروعية من هذه الجهة و ان المقصود بالإفادة أمر أخر مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1». فإن المقصود بالإفادة هو بطلان الطواف و لزوم إعادته إذا اختار الاختصار و طاف

من داخل حجر إسماعيل و ذكر كون الطواف من الحجر الى الحجر انّما

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 352

..........

______________________________

هو لأجل تسلّمه و وضوحه و ان كان في البين مناقشة و هو انّ هذه الجهة لا ترتبط بالاختصار و الطواف من داخل الحجر و لكن أصل المطلب من الوضوح بمكان لا ينثلم بمثل هذه المناقشات.

نعم يوجد في بعض الروايات ما لعلّ ظاهره في بادي النظر ينافي ما ذكرنا مثل صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام كنّا نقول لا بد ان نستفتح بالحجر و نختم به فامّا اليوم فقد كثر الناس (عليه) «1».

و لكن الظاهر ان المراد منها هو الاستفتاح بالحجر و الختم به استلاما لا شروعا في لطواف و ختما به و يدل عليه التعبير بقوله بالحجر و لو كان المراد هو الشروع لكان اللازم التعبير ب «من الحجر» مضافا الى ان كثرة الناس و ازدحامهم تمنع عن الاستلام لا عن أصل الشروع في الطواف من الحجر و يؤيده كلمة «عليه» في بعض النسخ الدالة إلى الازدحام على الحجر و التعبير باللّابدية لشدة استحبابه لا لوجوبه حتى تكشف عن كون المراد الابتداء و الختم بالحجر الأسود.

الجهة الثانية في انه هل اللازم الابتداء بأوّل الحجر بحيث يمرّ كلّه أو يكفي الابتداء به سواء كان من أوله أو وسطه أو أخره؟ المحكي عن العلّامة بل غيره ممّن تأخر عنه هو الأوّل قال في المسالك: «و البدأة بالحجر بان يكون أوّل جزء منه محاذيا لأوّل جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه علما أو ظنّا» قال في الجواهر:

«و لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلّامة و علّله في كشف اللثام بأنه لازم من وجوب الابتداء بالحجر و البطلان بالزيادة على سبعة أشواط و النقصان عنها و لو خطوة أو أقلّ فإنه ان ابتداء بجزء من وسطه لم يأمن من الزيادة أو النقصان».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 353

..........

______________________________

و الجواب عن الدليل الذي ذكره كاشف اللثام انه ما الفرق بين أوّل الحجر و أخره حيث انه يمكن ان يبدأ من الأوّل بحيث يأمن من الزيادة و النقصان و لا يمكن ان يبدأ بالآخر كذلك مع انّ الوسط و ان كان أوسع من الأوّل و الأخر الّا انه حيث يمكن جعل العلامة للنقطة التي شرع منها الطواف يتحقق الاطمئنان بعدم الزيادة و النقصان هذا و قد وقع الخلاف بين أصحاب هذا القول في تعيين أوّل جزء من البدن و انه هل هو الأنف أو البطن أو إبهام الرجلين و ربما اختلف الأشخاص بالنسبة الى ذلك.

و كيف كان فالظاهر انه لم ينهض دليل على لزوم كون البدأة بأوّل الحجر بل ظاهر بعض الروايات خلافه مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول حدثني أبي انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجته و سعي عليها بين الصفا و المروة «1». و المراد بالمحجن هو العصا الذي له اعوجاج فان الطواف على الراحلة لا يتحقق مع محاذاة أوّل الحجر نوعا.

ثمّ انه هل يجب قصد البدأة بالحجر بمعنى ان نفس الابتداء لا بد و ان يتعلق القصد به

أو لا يجب القصد الّا ان اللازم وقوع الطواف متصفا بها مع عدم لزوم تعلق القصد بها ذكر في الجواهر بعد نفي الريب عن كونه أحوط انّ الأقوى عدم اعتباره و ذكر في لمدارك تفريعا على اعتبار أصل البدأة قوله: فلو ابتدأ الطائف من غيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء طوافه ان جدّد النية عنده أو استصحبها فعلا. هذا و يمكن ان يقال بالفرق بين كون الابتداء معتبرا بنحو الجزئية و بين كونه معتبرا بنحو الشرطية فإن كان على النحو الأوّل فاللازم تعلق القصد به كسائر أجزاء العبادات مثل الركوع و السجود و غيرهما من أجزاء الصلاة فإنه لا بد من تعلق القصد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثمانون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 354

..........

______________________________

بكل واحد من عناوين الاجزاء و الّا لا يتصف بالجزئية و ان كان على النحو الثاني فلا يلزم تعلق القصد به مثل استقبال القبلة و الستر في باب الصلاة و ما ذكره في المتن من سهولة الأمر في مسألة الجزئية و الشرطية ليس كما ينبغي بعد ما عرفت من ظهور الثمرة بين الأمرين.

هذا و لكن الظاهر عدم لزوم تعلق القصد به لعدم نهوض دليل عليه أصلا لما عرفت من ان الدليل على اعتبار الابتداء هي السيرة العملية من جميع فرق المسلمين المتصلة بزمن الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و حيث ان السيرة من الأدلة اللبية التي يجب الاقتصار فيها على القدر المتيقن فالقدر الثابت بها في المقام هو لزوم تحقق الابتداء خارجا و الشروع من الحجر عملا و امّا لزوم اعتبار القصد في الشروع

أيضا فلا دلالة للدليل المذكور عليه فكما انه لا يعتبر في باب الصلاة التي يكون افتتاحها التكبير ان يقصد شروع الصلاة بالكبيرة بل اللازم تعلق القصد بها بعنوان انّها من الصلاة فكذلك في المقام.

هذا و الظاهر ان الثمرة بين القولين لا تظهر في خصوص ما إذا ابتدأ بالطواف من غير الحجر نسيانا كما وقع في كلام صاحب المدارك المتقدم بل تظهر فيما إذا شرع من نفس الحجر فانّ الشروع منها و ان كان متّصفا بالبدأة الّا انه لا يلزم تعلق القصد بهذا العنوان بل ينوي الطواف حينما إذا كان محاذيا للحجر و يدور حول البيت سبعة أشواط.

و كيف كان فالظاهر عدم لزوم تعلق القصد بعنوان الابتداء كما انه لا يلزم تعلقه بعنوان الختم بالحجر بل اللازم في تحقق كلا الأمرين من وجودهما في الخارج فقط و ينبغي ان يكون هذا البحث هي الجهة الثالثة من الجهات الموجودة في اعتبار هذا الأمر التي أشرنا إليها في أوّل البحث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 355

[الثاني الختم به]

اشارة

الثاني الختم به، و يجب الختم في كل شوط بما ابتدأ منه و يتم الشوط به. و هذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه و الدور سبعة أشواط و الختم بما بدء منه، و لا يجب بل لا يجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة و بعض الجهال مما يوجب الوهن على المذهب الحقّ بل لو فعله ففي صحة طوافه اشكال (1).

______________________________

(1) الدليل على اعتبار الختم بالحجر الأسود ما مرّ من الدليل على اعتبار البدأة به من السيرة المذكورة و صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و لا إشكال في هذه الجهة.

إنّما الإشكال في جهة أخرى و هي انه

لو قلنا في الأمر الأوّل بلزوم الابتداء من أوّل الحجر كما عليه و العلّامة و غيره ممّن تأخر عنه فلا إشكال في ناحية الختم من جهة انه لا بد و ان يكون إلى أوّل الجزء من الحجر لتمامية السبعة به و تحقق الطواف الكامل من دون زيادة و لا نقيصة.

و ان قلنا بما عليه المتن تبعا لصاحب الجواهر قدّس سرّه من كفاية كون الشروع من اىّ جزء من أجزاء الحجر سواء كان اوّله أو وسطه أواخره فإن كان الشروع الخارجي من الجزء الأوّل فلا إشكال أيضا في ان الختم يتحقق بمحاذاة الجزء المذكور، و ان كان الشروع في لخارج من الوسط أو الأخر يقع! الكلام- ح- في انه هل يكفي في الختم الوصول الى الجزء الذي يكون قبل هذا الجزء الذي تحقق الشروع فيه كما انه قد وقع فيه الخلاف فالمحكي عن ظاهر المدارك و الرياض و غيرهما عدم اعتبار محلّ الابتداء و انه لو ابتدأ مثلا بآخر الحجر كان له الختم بأوّله و لكن صرّح جماعة باعتبار محاذاة الحجر في الشوط الآخر لما ابتدأ به أوّلا و ينبغي ان يعلم محل الابتداء لئلّا ينقص عنه و لا يزيد عليه و هذا هو الذي يظهر من المتن في قوله: و الختم بما بدء منه، نظرا إلى انه ليس المراد من الموصول الحجر الأسود بأجمعه بل المراد به هو الجزء الذي بدء منه من أوّله أو وسطه أو أخره و قال في الجواهر: و لا ريب في انه أحوط ان لم يكن أقوى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 356

..........

______________________________

و لعلّ وجهه انه لا يصدق الختم حتى يصل الى محلّ الابتداء الذي

هو الوسط و الأخر و لكن الظاهر عدم لزومه فانّ المعيار هو كون الابتداء من الحجر و الختم به فكما انه مخير في الابتداء بين الاجزاء المختلفة من الحجر الأول و الوسط و الأخر و بكل واحد يتحقق عنوان الابتداء كذلك في الشوط الأخير يتحقق عنوان الختم بمجرد الوصول الى الحجر من دون فرق بين موارد الابتداء أصلا بل يمكن ان يقال بالتخيير بين الاجزاء في لختم أيضا و صدق الزيادة و النقيصة غير قادح بعد وضوح كون المراد من الأدلة على ما هو ظاهرها الزيادة على الحجر و النقيصة عنه و لا تتحققان في الفرض المزبور و بالجملة الملاك في الابتداء و الانتهاء ما هو معناهما العرفي الذي لا يفترق فيه أجزاء الحجر.

ثم انّ المذكور في ذيل المتن أمران:

أحدهما عدم الوجوب بل عدم جواز ما يفعله بعض أهل الوسوسة و بعض الجهّال مما يوجب الوهن على المذهب الحقّ و الظاهر بملاحظة الحكم في المتن بأنه من ان يكون الختم بما ابتدأ به من أجزاء الحجر انّ المنشأ للوسوسة المذكورة و ما يفعله بعض الجهال هو ما عرفت من فتوى العلامة و من تأخر عنه بلزوم كون الابتداء بالجزء الأوّل من الحجر على النحو الذي عرفت فإن رعاية الابتداء بهذه الكيفية مثار للوسواس كما في الجواهر و قد شبهه فيها بما يصنعه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة بناء على انه الاخطار من الأحوال التي تشبه أحوال المجانين.

مع ان ما أفاده في المتن من لزوم كون الختم بما بدء منه من أجزاء الحجر مثار أيضا للوسوسة و ان كان لا تبلغ من حيث الشدة للوسوسة المذكورة في المتن الناشية من رعاية فتوى العلّامة و الانصاف

انه لا مجال لإثبات هذه التضييقات بوجه.

ثانيهما الاستشكال في صحة الطواف بالكيفية الصادرة من بعض الجهال الموجبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 357

[مسألة 7- لا يجب الوقوف في كلّ شوط]

مسألة 7- لا يجب الوقوف في كلّ شوط، و لا يجوز ما فعله الجهّال من الوقوف

______________________________

للوهن على المذهب الحقّ و الظاهر انّ منشأ الاشكال امّا دعوى كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع المعروفة في الأصول و حيث ان الحكم بالصحة في مورد الاجتماع إذا كان عبادة كالصلاة في الدار المغصوبة محلّ اشكال فالمقام أيضا كذلك و امّا دعوى ان محلّ البحث في تلك المسألة صورة اتّحاد العنوانين و تصادق المفهومين على وجود واحد خارجي و المقام لا يكون من هذا القبيل لعدم تحقق الاتحاد بين المأمور به الذي هو الطواف و بين الوهن المذكور المحرم بل الطواف بالكيفية المذكورة مستلزم للوهن المحرم و حيث ان اللازم و هو وهن أصل المذهب الحق بمكان من المبغوضية لا يساويه كثير من المحرمات و عليه فما يوجبه يحتمل ان لا يكون صالحا للمقربية بوجه و عليه فالحكم بالبطلان في تلك المسألة لا يوجب الحكم به في المقام بل غايته الاستشكال في الصحّة و يظهر من مجموع ما أفاده في هذا الأمر انّ تمامية الشوط في كل من الأشواط السبعة تتحقق بالختم بما ابتدأ من أجزاء الحجر الأسود الأوّل و الوسط و الأخر و لا بد من ملاحظة أن الأثر المترتب على تمامية الشوط مع ان الواجب في الطواف هي سبعة أشواط إنّما يظهر في الأحكام المترتبة على الأشواط الخاصة كالشوط الرابع على ما عرفت من ان عروض الحدث الأصغر أو الأكبر بعد تماميته لا يقدح في صحة ما اتى

به من الأشواط بخلاف ما إذا ان قبل تمامية الشوط الرّابع.

كما انه يظهر ان الابتداء بالحجر و الختم به انما يكون اعتبارهما بعنوان الشرطية و ان كانا معدودين من أجزاء الحقيقة لكن صرّح في المتن بان الأمر سهل و قد مرّ ترتب الثمرة على عنواني الجزئية و الشرطية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 358

و التقدم و التأخر بما يوجب الوهن على المذهب (1).

[الثالث: الطواف على اليسار]

اشارة

الثالث: الطواف على اليسار بان تكون الكعبة المعظّمة حال الطواف على يساره، و لا يجب ان يكون البيت في تمام الآلات محاذيا حقيقة على الكتف، فلو انحرف قليلا حين الوصول الى حجر إسماعيل صحّ و ان تمايل البيت الى خلفه و لكن كان الدور على المتعارف، و كذا لو كان ذلك عند العبور عن زوايا البيت فإنه لا اشكال فيه بعد كون الدور على النحو المتعارف مما فعله سائر المسلمين (2).

[مسألة 8- الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر]

مسألة 8- الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر و ان كان ضعيفا حدّا و يجب على الجهّال و العوام الاحتراز عنه لو كان موجبا للشهرة و وهن المذهب لكن لا مانع منه لو فعله عالم عاقل بنحو لا يكون مخالفا للتقيّة أو موجبا للشهرة.

______________________________

(1) قد ظهر البحث في هذه المسألة مما تقدم و لا حاجة الى الإعادة لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو انّ رعاية الاحتياط بحيث لا يوجب الوهن المزبور و لا يحلّ بشي ء من الأقوال المتقدمة تقتضي أن ينوي قبل الوصول الى الحجر بقليل شروع الطواف من المحادي و الذي يجب الشروع منه و في الشوط السابع يمرّ على الحجر و يمضي عنه بقليل مع كون المنوي هو تحقق الختم بما يجب ان يتحقق الختم به من الحجر الأسود فإذا راعى الاحتياط بهذه الكيفية فقد راعى جميع الأقوال و لم يصدر منه ما يوجب وهن المذهب بوجه و قد وفقني اللّٰه تعالى لرعاية هذا الاحتياط في جميع اسفار الحج و العمرة مع تعددها و كثرتها الّا السفر الأوّل الذي لم أكن متوجها اليه و ملتفتا الى الخصوصيات لأجل كونه السّفر الأول و اللازم على جميع الروحانيين المتصدين لأمور الحجاج

و المعتمرين التوجه الى هذا الاحتياط الجامع من رعاية جميع الأقوال و عدم تحقق المشقة بوجه ثم تعليم الزائرين و إرشادهم الى ذلك.

(2) البحث في هذا الأمر و كذا في المسألة الثامنة يقع في أمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 359

..........

______________________________

الأمر الأوّل أصل اعتبار كون الطواف على اليسار بان يكون البيت في حاله على يساره و الظاهر انه لا حاجة الى إقامة الدليل على اعتباره بعد وضوح كون طواف الرسول و الأئمة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- بهذه الكيفية و لم ينقل الخلاف و لو في مورد و قد استمرت سيرة المسلمين بجميع فرقهم و اختلاف مذاهبهم على الطواف على اليسار و هو المرتكز في أذهانهم بحيث لو فرض طواف واحد منهم بغير هذه الكيفية لرأوه غير مشروع و مخالفا لما و الثابت في الإسلام و عليه فليس في هذا الأمر مجرد نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل أمر فوق ذلك و هو ثبوت الارتكاز عند كل مسلم على ذلك نعم حكى عن أبي حنيفة انه ان جعله على يمينه اعاده ان أقام بمكّة و الّا جبره بدم و ظاهره انّ اللازم هو الجعل على اليسار و ثبوت الإعادة أو الكفارة مع المخالفة و الجعل على اليمين و حكى عن أصحاب الشافعي انه لم يرد عنه نصّ في استدباره و الذي يجي ء على مذهبه الاجزاء بل عنهم أيضا في وجه الاجزاء ان استقبله أو مرّ القهقري نحو الباب.

هذا و لكن أصل المطلب من الوضوح بمكان و لأجله لم يقع التعرض لاعتباره في شي ء من الروايات بالمطابقة بل يستفاد منها بالاستلزام مثل صحيحة

عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا كنت في الطواف السّابع فائت المتعوذ و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل: اللّٰهم البيت بيتك و العبد عبدك و هذا مقام العائذ بك من النّار اللّٰهم من قبلك الرّوح و الفرج ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به «1».

فان الدّعاء عند المستجار أوّلا ثم استلام الركن اليماني ثم إتيان الحجر و الختم به لا ينطبق الّا على كون البيت واقعا في اليسار في حال الطواف و مثلها صحيحة معاوية بن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 360

..........

______________________________

عمار «1» التي جعلها في الوسائل و غيرها روايتين.

الأمر الثاني انه هل يجب ان يكون البيت محاذيا على الكتف حقيقة حتى عند فتح الحجر الذي يتمايل البيت الى الخلف و كذا عند الفتح الأخر الذي يتمايل البيت الى القدام و كذا عند العبور عن زوايا البيت و لازم ذلك ان يكون الدور عند المواضع المذكورة على خلاف المتعارف أو ان الواجب هو الدور على النحو المتعارف في جميع الحالات من دون الانحراف أصلا الظاهر هو الثاني خصوصا بعد تحقق الطواف من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله راكبا و وضوح عدم حصول التغيير في الكيفية في الحالات المختلفة و الّا لنقل.

و عليه فما يفعله بعض الجهال و العوام مما يوجب وهن المذهب الحق و التعيير على أئمّتنا المعصومين صلّى اللّٰه عليه و آله لا ينبغي صدوره من شيعي لا بدّ و ان يكون زينا لهم لا شينا بل كما مرّ في مسألة اعتبار الابتداء بالحجر عند الشروع

في الطواف ربما يستشكل في صحته مع هذه الكيفية و اللازم إرشاد العوام و تعليمهم و التبيين لهم ان اعتبار كون الطواف على اليسار انّما هو في مقابل ان تكون الكعبة على يمينه أو مستقبلا أو مستدبرا من دون فرق بين الحالات أصلا «2».

و ان شئت قلت ان الدليل على اعتبار هذا الأمر ليس إلّا السيرة المتقدمة و لا دلالة لها بعد كونها دليلا لبيّا على اعتبار أزيد من هذا المقدار و هو ان يجعل الكعبة على يساره و يدور على النحو المتعارف و لم يقم دليل على تغيير الوضع عند الوصول الى تلك المواضع خصوصا مع ما يترتب عليه من الشهرة و وهن المذهب و عليه فيجب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و العشرون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 361

[مسألة 9- لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه]

مسألة 9- لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه مثلا- كما لو صار بواسطة المزاحمة وجهه إلى الكعبة، أو خلفه إليها، أو طاف على خلفه على عكس المتعارف يجب جبرانه و لا يجوز الاكتفاء به (1).

[مسألة 10- لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف]

مسألة 10- لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف و لو على اليسار بلا اختيار وجب جبرانه و إتيانه باختيار و لا يجوز الاكتفاء بما فعل (2).

______________________________

الاجتناب عن مثل هذه الاعمال خصوصا في مثل هذه الأزمنة التي يكون عمل الشيعة موردا للدقة و المراقبة للطعن عليهم و على مذهبهم.

(1) بعد اعتبار كون الطواف على اليسار لو طاف في بعض أجزاء شوطه- مثلا- على خلاف المتعارف كما في الأمثلة المذكورة في المتن فاللازم جبرانه و لا يجوز الاكتفاء به نعم لا يبطل به أصل الطواف بحيث كان الواجب الإعادة من رأس بخلاف باب الصلاة التي يكون الاستدبار فيها موجبا لبطلانها من رأس و ذلك لقيام الدليل هناك على البطلان و لزوم الإعادة و لم ينهض دليل عليه في المقام غاية الأمر لزوم كون جميع الأشواط و كذا أبعاضها واقعة على اليسار فإذا لم يقع بعض أجزاء شوط- مثلا- كذلك فاللازم إيقاعه بالكيفية المعتبرة و جبرانه و يمكن ان يقال بعدم لزوم الجبران و كفاية ما أتي به كذلك لما مرّت الإشارة إليه في ذيل المسألة السابقة من ان الدليل الوحيد في ذا الباب هي السيرة المستمرة العملية و هي دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو جعل الكعبة على اليسار و الحركة على النحو المتعارف و الظاهر ان الحركة الكذائية لا تكون خالية نوعا عن توجه الوجه إلى الكعبة أو الى مقابلها و لو

في بعض الحالات أحيانا و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط و الجبران في مثل الصور المذكورة.

(2) الدليل على لزوم الجبران في هذه الصورة عبارة عن الدليل اللفظي الدال على اعتبار صدور الحركة الطوافيّة من الطائف بحيث كانت مستندة اليه و صادرة عن إرادته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 362

[مسألة 11- يصح الطواف بأيّ نحو من السرعة و البطء، ماشيا]

مسألة 11- يصح الطواف بأيّ نحو من السرعة و البطء، ماشيا و راكبا لكن الأولى المشي اقتصادا (1).

[الرّابع إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف]

الرّابع إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف فيطوف خارجه عند الطواف على البيت فلو طاف من داخله بطل طوافه و تجب الإعادة و لو فعله متعمّدا محكمه حكم من أبطل الطواف عمدا كما مرّ، و لو كان، سهوا فحكمه حكم إبطال الطواف سهوا و لو تخلف في بعض

______________________________

و اختياره فان مراتب الطواف ثلاث لا ينتقل إلى المرتبة اللاحقة بعد إمكان المرتبة السابقة و هي الطواف بنفسه و الطواف به و الطواف عنه و المراد من الاولى الطواف الصادر بجميع اجزائه و اشواطه عن قصد و اختيار فإذا سلب منه الاختيار و لو في بعض الاجزاء فاللازم جبرانه و إتيانه باختيار و لا يجوز الاكتفاء بما فعل.

(1) و الدليل على الصحة بكل واحد من الأنحاء ما ذكرنا من لزوم كون الحركة الطوافية مستندة الى الطائف و صادرة عن إرادته و اختياره.

و هو كما يتحقق بالمشي كذلك يتحقق بالركوب و قد مرّ حكاية انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله طاف راكبا و في هذا الزمان يكفي الركوب على الوسائل الصناعية كما هو الشائع في السعي بين الصفا و المروة الذي يكون مقدار الحركة فيه كثيرا جدّا بالإضافة إلى الطواف و لا مجال لتوهّم كون الركوب عليها موجبا للخروج عن استناد الحركة إليه خصوصا فيما إذا كان هناك محرّك في البين و ذلك لأنه يكفي في صحة الاستناد مجرد كون الركوب باختياره و ناشيا عن إرادته بضميمة كون الاستدامة أيضا مرتبطة به و صادرة عن قصده و بعبارة أخرى فرق بين الركوب على الراحلة أو على الوسائل المذكورة

الذي يصدق عليه انه طاف بنفسه و لو على المركب و بين الإطافة به كما في الصبي غير المميّز أو المغمى عليه أو مثلهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 363

الأشواط فالأحوط إعادة الشوط و الظاهر عدم لزوم اعادة الطواف و ان كانت أحوط (1).

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر يقع من جهتين و لكن قبل البحث فيهما ينبغي التعرض لخصوصية حجر إسماعيل عليه السلام من جهة كونه من أجزاء البيت و أبعاضه أو خارجا عنه بجميع اجزائه فنقول: انّ المحكي عن الدروس انّ المشهور كونه منه بل في التذكرة و المنتهي ان جميعه منه و في الأوّل: انّ قريشا لما بنت البيت قصرت الأموال الطيبة و الهدايا و النذور عن عمارته فتركوا من جانب الحجر بعض البيت و قطعوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم عليه السلام و ضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا و هو الذي يسمّى الشاذروان. و روى عن عائشة ان النبيّ قال ستة أذرع من الحجر من البيت.

هذا و لكن الروايات الكثيرة المعتبرة ظاهرة بل صريحة في خلافه و ان الحجر لا يكون من البيت بوجه ففي صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحجر أ من البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ فقال: لا و لا قلامة ظفر و لكن إسماعيل دفن فيه امّه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا و فيه قبور أنبياء «1».

و في رواية المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال الحجر بيت إسماعيل و فيه قبر هاجر و قبر إسماعيل «2».

و في رواية الحلبي

عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الحجر فقال انّكم تسمونه الحطيم و انما كان لغنم إسماعيل و انّما دفن فيه امّه كره أن يوطأ قبرها فحجر عليه و فيه قبور أنبياء «3».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 364

..........

______________________________

و في رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام انّي كنت أصلّي في الحجر فقال لي رجل لا تصل المكتوبة في هذا الموضع فان في الحجر من البيت فقال:

كذب صلّ فيه حيث شئت «1».

و يؤيده نفس دفن إسماعيل أمّه فيه و كذا دفن شخصه و جملة من الأنبياء فإنه لم يعهد جعل البيت أو جزء منه مدفنا و لو كان نبيّا أو مرتبطا به و ان قلنا بجوازه فلا ينبغي الارتياب في خروج الحجر من البيت و عدم كون البيت شاملا و لو ببعض أجزائه إذا عرفت ذلك يقع الكلام في الجهتين اللتين أشرنا إليهما فنقول:

الجهة الاولى في أصل اعتبار هذا الأمر و هو إدخال الحجر في الطواف و المعاملة معه من هذه الجهة معاملة الكعبة المعظمة فنقول ان الفتاوى و ان تطابقت عليه الّا ان الظاهر عدم بلوغه في الظهور و الوضوح مرتبة الأمر السابق و الدليل عليه السؤال عنه في جملة من الرّوايات و لو كان مثله لم يحتج إلى السؤال بوجه كما فيه.

منها صحيحة الحلبي على رواية الشيخ قدّس سرّه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر قال يعيد ذلك الشوط «2».

و فيما رواه الصدوق: يعيد الطواف الواحد، و توصيف الطواف بالوحدة قرينة على كون المراد به هو الشوط و قد استعمل كثيرا في الروايات في الشوط.

و منها صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر، قال: يقضي ما اختصر من طوافه «3».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1».

و منها رواية إبراهيم بن سفيان قال كتبت الى أبي الحسن الرّضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت و طافت في الحجر و صلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النّساء ثم أتت مني فكتب عليه السلام: تعيد «2».

و المستفاد من الجميع عدم جواز الاكتفاء بالطواف في الحجر بل اللازم ان يكون الحجر داخلا في الطواف كالبيت و عليه فلا إشكال في هذه الجهة.

الجهة الثانية في انّه لو طاف في الحجر في جميع الأشواط السبعة المعتبرة في الطواف فلا إشكال في بطلان طوافه و لزوم إعادته من رأس من دون فرق بين صورتي العمد و السهو لإطلاق السؤال في الروايات و ترك الاستفصال في الجواب و عليه فيترتب على تعمده ما يترتب على تعمد إبطال الطواف و على سهوه ما يترتب على إبطاله سهوا و قد مرّ الكلام في ذلك في أوّل مباحث الطواف فراجع.

و

امّا لو طاف من داخل الحجر شوطا واحدا- مثلا- ففيه احتمالات أربعة: بطلان ذلك الشوط فقط و لزوم إعادته بأجمعه من الحجر الى الحجر، و كفاية إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، و لزوم اعادة الطواف بجميع اشواطه و الفرق بين تجاوز النصف و عدمه و اللازم ملاحظة مفاد الروايات المتقدّمة فنقول:

امّا رواية الحلبي فموردها الاختصار في الشوط الواحد و مقتضى ظاهر الجواب لزوم اعادة نفس الشوط فقط غاية الأمر بتمامه من الحجر الى الحجر فيدل على بطلان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 366

..........

______________________________

المقدار الذي سلكه من الحجر الأسود إلى حجر إسماعيل أيضا و إطلاق السؤال يدل على انّه لا فرق بين تجاوز النصف و عدمه و قد عرفت انه لا فرق بين نقلي الشيخ و الصدوق لان المراد بالطواف بعد توصيفه بالوحدة هو الشوط الواحد فمفاد الرواية لزوم اعادة مجموع الشوط فقط لا مجموع الطواف.

و امّا رواية حفص فالسؤال فيها امّا يختصّ بالاختصار في الحجر في مجموع الطواف و امّا ان يكون شاملا للاختصار في بعض الأشواط أيضا، و يجري في جوابها احتمالان: أحدهما ان يكون قوله من طوافه بيانا للموصول فالمراد- ح- انه يقضي الطواف الذي اختصره و ثانيهما ان تكون كلمة «من» متعلقة بالاختصار فالمراد- ح- لزوم قضاء المقدار الذي اختصره فينطبق على الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة المتقدمة و الاحتمال الأوّل الذي تكون كلمة «من» بيانيّة خلاف الظاهر و ذلك لانه كان ينبغي التعبير ب يقضي طوافه كما لا يخفى فالتعبير الموجود شاهد على كون المراد هو

الاحتمال الثاني في كلمة «من» لكن في انطباقه على الاحتمال الثاني كلام يأتي التعرض له في ذيل البحث.

و امّا رواية معاوية بن عمّار فان كان المراد من السؤال هو الاختصار في جميع الأشواط كما هو ظاهره فمفادها لزوم اعادة الطواف من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود و ان كان المراد منه مطلقا شاملا للاختصار في بعض الأشواط فتدل على لزوم اعادة مجموع الطواف في بعض الأشواط أيضا.

و قد ظهر لك انه لا دلالة لشي ء من الروايات على التفصيل بين تجاوز النصف و عدمه و الظاهر ان منشأ احتماله هو التعليل الوارد في بعض روايات عروض الحيض بأنّها زادت على الثلث و قد مرّ انه لا يجوز التمسك بهذا العموم في جميع الموارد مع ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 367

..........

______________________________

رواية إبراهيم بن سفيان المتقدمة واردة في الشوط السابع و دالة على لزوم الإعادة فهذا التفصيل لا وجه له أصلا.

و امّا لزوم اعادة الطواف بجميع اشواطه فهو و ان كان يدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار بناء على ان يكون مورد السؤال فيها مطلقا و كذا رواية حفص بناء على ما عرفت الّا ان صحيحة الحلبي باعتبار ظهورها في عدم لزوم اعادة غير الشوط الذي وقع فيه الاختصار صالحة لتقييد الإطلاق على فرض ثبوته فإنه لا مجال لإنكار ظهور صحيحة الحلبي في لزوم اعادة خصوص الشوط الذي اختصر فيه و عدم لزوم اعادة الطواف بأجمعه و لا يكون منشأ هذا الظهور مسألة المفهوم التي تكون موردا للاختلاف على ما قرر في لأصول بل المتفاهم العرفي منها ذلك و الّا يلزم ان يكون التعبير بذلك الشوط في قل الشيخ و بالطواف

الواحد في نقل الصدوق غير مناسب بل دالّا على خلاف ما هو المقصود فلا شبهة في ظهورها في عدم لزوم اعادة مجموع الطواف و سبب هذا الظهور يتحقق تقييد إطلاق صحيحة معاوية على فرض ثبوت الإطلاق لها و عليه فلا وجه لهذا الاحتمال و ان كان أحوط فبقي من الاحتمالات الأربعة احتمالان و قد عرفت انّ ظاهر صحيحة الحلبي لزوم اعادة الشوط الذي وقع فيه الاختصار بجميع اجزائه حتى من الحجر الأسود إلى حجر إسماعيل مع انه وقع في نفسه صحيحا واجدا للشرائط و لا يتحقق الإخلال بالموالاة بدخول الحجر و الخروج منه و الانتهاء في ذلك الشوط الى الحجر و مع ذلك ظاهر الصحيحة لزوم اعادة الشوط بالإضافة الى ذلك الجزء أيضا.

و امّا صحيحة الحفص فالظاهر منها و ان كان تعلق قوله: من طوافه بقوله: اختصر، و يكون ظاهره البدوي لزوم الإعادة من موضع سلوك الحجر الّا انّ هنا نكتة ترشدنا الى ظهورها في إعادة جميع الشوط و هي ان كلمة «الاختصار» على ما يظهر من موارد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 368

[الخامس ان يكون الطواف بين البيت و مقام إبراهيم عليه السلام]

اشارة

الخامس ان يكون الطواف بين البيت و مقام إبراهيم عليه السلام و مقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب فلا يزيد عليه و قالوا انّ الفصل بينهما ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع فلا بد ان لا يكون الطواف في جميع الأطراف زائدا على هذا المقدار (1).

______________________________

استعمالاتها عند العرف انّما يكون مورد استعمالها ما إذا كان في البين أمر وجودي ينبغي ان يكون مشتملا على شي ء أخر و حيث انه لم يتحقق الاشتمال المزبور فيوصف ذلك الأمر الوجودي بالاختصار بلحاظ عدم انضمام ذلك الأمر اليه

و عدم اشتماله عليه و الّا فنفس الأمر العدمي لا يتصف بالاختصار بوجه و عليه فالاختصار فيما نحن فيه يتصف به الشوط أو مجموع الطواف بلحاظ وجود الشوط و شروعه من الحجر (بالفتح) الى الحجر (بالكسر) و عدم اشتماله على كون الحركة عند الوصول الى الحجر واقعة في خارجه و بعبارة أخرى الدخول في الحجر في نفسه لا يتحقق به الاختصار بحيث لو كان شروعه في الشوط بهذه الكيفية لكان متصفا به بل الشوط الذي ابتدأ به من الحجر الأسود و بلغ إلى محاذي الحجر إذا لم يشتمل على الحركة خارج الحجر يتصف بعنوان الاختصار و عليه فهذه الصحيحة أيضا ظاهرة في لزوم اعادة الشوط بجميع اجزائه و لو سلّمنا عدم الظهور فلا ينبغي الإشكال في عدم ظهورها في غيره بل غاية الأمر ثبوت الإجمال و الإبهام فيها و صحيحة الحلبي صالحة لرفع الإبهام و تبيين المراد من هذه الصحيحة و عليه فالظاهر الحكم بلزوم اعادة الشوط بنحو الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن.

(1) المشهور شهرة محققه اعتبار ان يكون الطواف بين البيت و المقام اي بهذا المقدار من الفصل في جميع الجوانب و قد نفي وجدان خلاف معتد به فيه في الجواهر بل حكى عن الغنية الإجماع عليه لكنه استظهر في ذيل كلامه عن الصدوق الفتوى بالعدم في حال الاختيار فضلا عن الاضطرار و حكى عن المختلف و التذكرة و المنتهي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

و المدارك الميل اليه و اختاره بعض الاعلام قدّس سرّه و المستند الوحيد للمشهور ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى و غيره عن محمد بن احمد بن محمد بن

عيسى عن ياسين الضرير عن حريز بن عبد اللّٰه عن محمد بن مسلم قال سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت قال كان الناس على عهد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلّها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ و لا طواف له «1». و لا مجال للإشكال في سند الرواية من جهة الإضمار بعد كون المضمر محمد بن مسلم الذي ليس من شأنه السؤال عن غير الامام عليه السلام نعم الاشكال فيه من جهة ياسين الضرر الذي لم يوثّق بل مجهول كما ذكره المجلسي قدّس سرّه في المرآة لكن استناد المشهور إليها بعد كونها مستندة وحيدة يجبر الضعف و تصير الرواية به معتبرة هذا من جهة السند.

و امّا من جهة الدلالة فالسؤال في نفسه يدل على مفروغية ثبوت الحدّ للطواف بالبيت عند السائل بحيث كان الخروج عنه موجبا لعدم تحقق الطواف بوجه غاية الأمر ان محطّ نظره استكشاف ذلك الحدّ و الامام عليه السلام قرّره على ذلك في الجواب و بيّن انّ الحدّ هو ما بين البيت و المقام في موضعه الفعلي الذي هو عبارة عن ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع و قد وقع فيها التأكيد على لزوم رعاية الحدّ و ان التباعد عنه موجب لعدم تحقق الطواف و

يكون بمنزلة من طاف خارج المسجد به و فيه التصريح بانّ الحدّ قبل

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 370

..........

______________________________

اليوم و اليوم واحد من جميع نواحي البيت غاية الأمر ان الفرق بين اليومين بعد اشتراكهما في لحدّ هو كون المقام داخلا في المطاف في عهد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و اليوم يكون خارجا عنه فالاختلاف انّما هو في هذه الجهة فما في الجواهر من التعبير بقوله:

«و كان وجه ما فيه من الاختلاف بين اليوم و عهده صلّى اللّٰه عليه و آله مع قوله عليه السلام و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد ..» ليس على ما ينبغي فإن الاختلاف ليس بين الأمرين المذكورين فيه بل بين اليومين فقط من جهة كون المقام داخلا في الطواف في ذلك اليوم و خارجا عنه في هذا اليوم و عليه فظاهر الرواية كون موضع المقام غير هذا الموضع الفعلي بل ملصقا بالبيت أو قريبا منه و عليه فيقع الكلام في انّ التغيير بيد من تحقق و في أيّ زمان كان و ما الوجه في تغييره خصوصا بعد كونه من الآيات البيّنات على ما في الكتاب العزيز و قد أمر فيه بلزوم الاتخاذ منه مصلّى و المراد منه هو الحجر الذي يكون ظاهرا ذراعا في ذراع و كان موضع قدم إبراهيم عليه السلام لبناء البيت بعد بناء جدرانه الى حدّ لا يمكن التكميل من غير القيام على الحجر أو مثله أو كان موضع قدمه حين الأذان بالحج المأمور من ناحية اللّٰه بقوله تعالى وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ بل عن العلوي و ابن جماعة

انه لمّا أمر بالنداء و اقام على المقام تطاول المقام حتى كان كاطول جبل على ظهر الأرض فنادى و لمّا بلّغ لم يتحمّل الحجر و غاص فيه رجلاه كما عن الاذر في صاب اخبار مكّة و الصدوق في علل الشرائع و الظاهر ثبوت كلا الوجهين لعدم المانع من الأمرين نعم هنا وجه ثالث بعيد و هو ما حكي عن ابن عبّاس من انه لمّا جاء بطلب ابنه إسماعيل فلم يجده قالت له زوجته انزل فأبى فقالت و عني اغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه و هو راكب فغسلت شقه ثم رفعته و قد غابت رجله فيه فوضعته تحت الشق الأخر و غسلته فغابت رجله الثانية فيه فجعله اللّٰه من الشعائر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 371

..........

______________________________

و قد ذكر الطبرسي في محكي مجمع البيان و الأزرقي في كتابه المذكور ان من جمله أحجار الجنة على وجه الأرض مقام إبراهيم و الحجر الأسود و هذا أيضا يؤيد الأمرين الأولين المرتبطين ببناء البيت أو الإعلام بالحجّ.

و الذي يتحصّل من ملاحظة التواريخ المختلفة و الروايات و بعض ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقام الاعتراض على من قبله من الخلفاء من التحريف و التغيير انّ موضع المقام كان في زمن الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله ملصقا بالبيت أو قريبا منه بحيث لا يمكن عبور الطائف من بينهما بل كان اللازم جعله داخلا في الطواف كالبيت و الظاهر انه كان قريبا من باب الكعبة بل مقتضى ما حكاه أزرقي عن أبي سعيد الخدري ان إبراهيم عليه السلام كان مأمورا أن يجعل المقام قبلة على معنى ان تكون صلوته خلفه بحيث كان

المقام واقعا بينه في حال الصلاة و بين الكعبة و قد تبعه إسماعيل في هذه الجهة بل نقل انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كلّما دخل مكة يقع في حال الصلاة مستقبلا للكعبة بالنحو المذكور اي وقوع المقام بينه و بين الكعبة.

أقول لعلّ استمرار السيرة على وقوع صلاة الجماعة في المسجد الحرام خلف المقام و خلوّ دائرة المطاف عن المأمومين مع عدم وقوع الطواف في حال إقامة الجماعة انّما هو لأجل التأسي بالنبي صلّى اللّٰه عليه و آله حيث كان يجعل المقام بينه و بين البيت في حال الصلاة بل أصل لزوم إيجاد صلاة الطواف خلفه مستقبلا للكعبة يؤيّد أنّ قداسة المقام قد بلغت حدّا له خطّ من الكعبة التي هي القبلة.

و كيف كان فالظاهر ان تغيير موضعه القبلي إلى موضعه الفعلي انّما وقع بيد الثاني و لعلّ الداعي له على ذلك ملاحظة انّ وقوع المقام في دائرة الطواف يوجب المشقة على الطائفين من ناحية و سرعة الانهدام على المقام من ناحية أخرى بل لو لم يثبت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 372

..........

______________________________

ما حكي عن أمير المؤمنين عليه السلام مما تقدم من توصيفه بالتحريف لا يكون وجه للحكم بحرمته من جهة انه لم ينهض دليل على حرمة تغيير المقام بالكيفية المذكورة و لعلّه لأجله لم يقع عمله موردا لاعتراض الصحابة و التابعين و ان جعل بعض علماء أهل السنة من المعاصرين ذلك دليلا على عدم صحة إسناد التغيير الى الثاني لكنه كما ترى.

و الانصاف انّ التحقيق في هذا المجال يحتاج الى تتبع زائد و دقة زائدة لكنه مضافا الى رواية محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على وقوع التغيير

بعد عهد الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و زمنه يكون في البين رواية صحيحة أخرى تدل على كون التغيير انّما وقع بيد الثاني و هي رواية زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام قد أدركت الحسين عليه السلام قال نعم أذكر و أنا معه في المسجد الحرام و قد دخل فيه السّيل و النّاس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السّيل، و يدخل الداخل فيقول هو مكانه قال فقال يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك اللّٰه تعالى يخافون ان يكون السّيل قد ذهب بالمقام فقال لهم: انّ اللّٰه تعالى جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقرّوا و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلّى اللّٰه عليه و آله مكّة ردّه الى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام فلم يزل هناك الى ان تولّى عمر فسئل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل انا كنت قد أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقام ائتني به فأتاه به فقاسه فردّه الى ذلك المكان «1».

و منه يظهر ان ما وقع منه في قصة سيل أم نهشل المذكورة في تاريخ البخاري كانت مسبوقة بما ذكر في الصحيحة ففي التاريخ المذكور ان سئل لم نهشل لما اتى

______________________________

(1) الفقيه 2: 158، الرقم 681.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 373

..........

______________________________

المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جفّ الماء أتوا بالمقام و الصفوة بالكعبة و كتبوا الى عمر بذلك فورد مكّة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام

و سئل أهل أحد عنده بمحلّ الحجر فقام المطلب بن وداعة السلمي و قيل رجل من آل عابد- و الأول أشهر- فقال انا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محلّه الى الحجر فأجلسه عمر عنده و قال له: ابعث فأتني بالمقياس فاتى به فوضع عمر المقام في محلّه الان.

و كيف كان فلا اشكال فيما يتعلق بالطواف في ان مقتضى الرواية المنجبرة ثبوت الحدّ له و هو مقدار ما بين الكعبة و بين المقام في موضعه الفعلي من جميع جوانب البيت و نواحيه.

و مقتضى إطلاق الرواية كإطلاق المتن تبعا للفتاوى انه لا فرق في اعتبار الحدّ المزبور بين صورتي الاختيار و الاضطرار لكن المحكي عن أبي على الإسكافي التفصيل و أجزاء الطواف خارج المقام مع الضرورة.

و مستنده في ذلك صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق بإسناده عن ابان عنه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الطواف خلف المقام فقال ما أحبّ ذلك و ما ارى به بأسا فلا تفعله الّا ان لا تجد منه بدّا «1». و هي و ان كانت خالية عن المناقشة من حيث السند الّا ان متنها غير خال عن الاضطراب فان الجمع بين قوله: ما أحبّ ذلك و قوله فلا تفعله و بين قوله ما ارى به بأسا الظاهر في عدم الكراهة فضلا عن الحرمة ممّا لا ينبغي و لكن دلالتها على الجواز في صورة الضرورة و اللابدية و ان كانت ناشئة عن الازدحام و كثرة الطّائفين ظاهرة و لأجله لا بد من الالتزام بكون الرواية معرضا عنها و الاعراض موجب لسقوطها عن الحجية و الاعتبار و لو لا ذلك لكان مقتضى القاعدة الجمع بين هذه الرواية و الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 374

[مسألة 12- لا يجوز جعل مقام إبراهيم عليه السلام داخلا في طوافه]

مسألة 12- لا يجوز جعل مقام إبراهيم عليه السلام داخلا في طوافه، فلو ادخله بطل، و لو أدخله في بعضه أعاد ذلك البعض و الأحوط إعادة الطواف بعد إتمام دوره بإخراجه (1).

[مسألة 13- يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره]

مسألة 13- يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره و قالوا بقي هناك ستة

______________________________

المتقدمة بتقييد إطلاقها بها و الحكم بالتفصيل بين صورتي الاختيار و الاضطرار الّا ان الاعراض يقتضي ان لا تصل النوبة الى ذلك كما هو ظاهر.

ثمّ انه هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت و حائط البناء الذي هو على المقام الأصلي أو بينه و بين نفس المقام التي هي عبارة عن الصخرة التي مرّت الإشارة إلى وصفها فيه وجهان و استظهر صاحب الجواهر الثاني و هو الحقّ لعدم مدخلية الحائط في عنوان المقام بوجه و الذي جعل حدّا في النص و الفتوى هو هذا العنوان كما انه لا ينبغي الإشكال في عدم تغير الحدّ بتغيير المقام فلو حوّل عن مكانه فرضا وجب الطواف في المقدار المخصوص فتدبّر.

(1) بعد ثبوت الحدّ للطواف على ما ذكرنا و كونه ما بين البيت و المقام لا إشكال في بطلان طواف من جعل المقام داخلا في طوافه في جميع اشواطه السبعة لخروجه عن الحدّ و قد صرحت الرواية المتقدمة بأن الطواف في خارج الحدّ اي و لو في جزء منه بمنزلة الطواف خارج المسجد الذي لا شبهة في بطلانه.

و امّا لو فرض ذلك في شوط واحد أو أزيد فاللازم اعادة ذلك المقدار الواقع خلف المقام أوّلا ثم ادامة الطواف و الإتيان بما يكون مترتبا عليه و متأخرا عنه و لا يلزم اعادة الشوط من رأس أي من الحجر الأسود لعدم الدليل على اللزوم و عليه فلا

يكون الطواف خلف المقام كالطواف من داخل الحجر حيث قام الدليل فيه على لزوم اعادة الشوط من رأس و لا تكفي إعادة ذلك المقدار نعم لا شبهة في ان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الجمع بين الإتمام بعد اعادة ذلك المقدار و بين اعادة الطواف رأسا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 375

اذرع و نصف تقريبا فيجب ان لا يتجاوز هذا الحدّ، و لو تخلف أعاد هذا الجزء في الحدّ (1).

[السادس: الخروج عن حائط البيت و أساسه]

السادس: الخروج عن حائط البيت و أساسه فلو مشى عليهما لم يجز و يجب جبرانه، كما انه لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران و اعادة ذلك الجزء، و لا بأس بوضع اليد على الجدار عند الشاذروان و الاولى تركه (2).

______________________________

(1) مستند الضيق بالمقدار المذكور هو الجمع بين الرواية المتقدمة الدالة على ان حدّ الطواف بين البيت و المقام و بين ما تقدم مما دلّ على ان الحجر لا يكون جزء من البيت بل يكون بجميع اجزائه خارجا عنه و عليه فاللازم ملاحظة الحدّ في جانبه من نفس البيت و استثناء مقدار الحجر الذي هو قريب من عشرين ذراعا فلا يبقي إلا ستة أذرع و نصف تقريبا و يتحقق الضيق جدّا.

هذا و الظاهر عندي عدم تحقق الضيق في ناحية الحجر بوجه و انّ مقدار المطاف يلاحظ من الحجر و ان كان خارجا عن البيت بجميع اجزائه و ذلك لانه لو كان محل الطواف ضيقا في هذه الناحية لكانت كثرة الابتلاء مقتضية بل موجبة للتعرض له صريحا و التنبيه عليه و لو في رواية واحدة مع انه لا يوجد ذلك في شي ء من الرّوايات و لم يتحقق التنبيه على ذلك و لو في

مورد فيكشف ذلك عن عدم تحقق الضيق أصلا و ان المقدار المذكور يلاحظ في ناحية الحجر من الحجر و ان كان خارجا عن البيت فتدبر.

(2) اعتبار هذا الأمر انّما هو لأجل دلالة مثل قوله تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ و الرواية الواردة في هذه الجهة على لزوم كون الطواف بالبيت في مقابل كونه على البيت أو في البيت و قد نفي الخلاف و الاشكال في ذلك في الجواهر و عليه فلو مشى على حائط البيت لم يجز و لم يحب ذلك المقدار جزء من الطواف و اللازم جبرانه و إعادته كما انه لو مشى على أساس البيت الذي يسمى بالشاذروان و هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته و بنائه لا يجزي لانه مما قطع الأصحاب بكونه من الكعبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 376

[السّابع: ان يكون طوافه سبعة أشواط]

اشارة

السّابع: ان يكون طوافه سبعة أشواط (1).

______________________________

و من أجزاء البيت كما عن المدارك بل المحكي عن غير الإمامية كالشافعية و الحنابلة و بعض متأخري المالكية نعم عن بعض الشافعية نفي كونه من البيت و جواز الطواف على الشاذروان لكن الثابت عند غيرهم و عندنا خلافه و ان الشاذروان من البيت فلا يجوز الطواف عليه و يغلب على الظن و ان كان التاريخ لا يؤيده بوجه ان الوجه في ثبوت الشاذروان رعاية استحكام حائط البيت لكونه من الحجر و يحتاج دوامه إلى أساس كان عرضه أكثر من عرض الجدار و ان كان يبعده عدم وجود الشاذروان في بعض نواحي البيت.

بقي في هذا الأمر فرعان:

الفرع الأوّل انه لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران و اعادة ذلك الجزء لانه و ان كان الحجر خارجا عن

البيت كما عرفت لكنه يلزم ان يعامل معه معاملة البيت في لزوم كون الطواف به و لازمة خروجه بجدرانه عن الطواف و وقوعه في خارجه و عليه فالمشي على جدران الحجر كالمشي على جدران البيت أو أساسه المسمّي بالشاذروان فاللازم الجبران و الإعادة.

الفرع الثاني انه هل يجوز وضع اليد على الجدار عند الشاذروان أم لا نفي البأس عنه في المتن و جعل الاولى تركه لكن عن التذكرة عدم جواز مسّ الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه بل لو كان كما لو وضع أحد رجليه اختيارا على الشاذروان و عليه فالحكم بعدم الجواز لو لم يكن بنحو الفتوى فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي و منه يظهر ان مقتضى الاحتياط عدم وضع اليد على جدار الحجر أو فوقه كما لا يخفى.

(1) أصل اعتبار ان يكون الطواف سبعة أشواط ممّا اتفق عليه علماء المسلمين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 377

[مسألة 14- لو قصد الإتيان زائدا عليها أو ناقصا عنها بطل طوافه]

مسألة 14- لو قصد الإتيان زائدا عليها أو ناقصا عنها بطل طوافه و لو أتمّه سبعا، و الأحوط إلحاق الجاهل بالحكم بل السّاهي و الغافل بالعامد في وجوب الإعادة (1).

______________________________

و استمرت السيرة العملية القطعية المتصلة بزمان المعصوم عليه السلام على رعايته و لأجله لم يقع التعرض له في الروايات و لم يقع في شي ء منها السؤال عن الكمية و مقدار الشوط كما وقع السؤال عنّ الحدّ- مثلا- على ما عرفت في رواية محمد بن المسلم المتقدمة الواردة في حدّ الطواف بل الروايات الواردة في هذا المجال قد وقع التعرض فيها لبعض فروع هذا الأمر و مسائله مثل الشك

بين الستة و السبعة أو الزيادة على السبعة أو القران بين أسبوعين و أشباهها نعم ورد في بعض الروايات الواردة في مقام بيان اعمال الحج و العمرة و مناسكهما التعرض للسبع بنحو الإجمال و العمدة ما مرّ من ان وضوحه اغني عن بيانه أو السؤال عنه فلا شبهة في أصل اعتبار هذا الأمر.

(1) في هذه المسألة أمران:

أحدهما انه لو كان المقصود من أوّل الشروع في الطواف الإتيان بالزيادة بعنوان الجزئية للطواف أو الإتيان بالناقص كذلك فطوافه باطل و ان كان المأتي به خارجا هي السبعة و ذلك لعدم تعلق القصد بما هو الواجب و هو الطواف سبعة أشواط فلم يتعلق النية بما هو جزء للحج أو العمرة و قد عرفت في أوّل مباحث واجبات الطواف لزوم رعاية النية المتعلقة بعنوان الطواف الواجب و عليه ففي الموردين ما وقع لم يقصد و ما قصده لم يقع فهو كما لو قصد الإتيان بصلاة الصبح- مثلا- ثلث ركعات أو ركعة واحدة فإنه لا يمكن ان يقع صحيحا بوجه.

ثانيهما انه لا شبهة في الحال الجاهل المقصر بالعامد في اعتبار الأمر المذكور الذي يترتب عليه البطلان مع نيّة غيره زيادة أو نقيصة و امّا الجاهل القاصر و الساهي و الغافل فهل يلحق به أم لا احتاط في المتن وجوبا بالإلحاق و لعلّ الوجه في عدم الفتوى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 378

[مسألة 15- لو تخيل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة]

مسألة 15- لو تخيل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة فقصد أن يأتي بالسبعة الواجبة و اتى بشوط أخر مستحبّ صحّ طوافه (1).

______________________________

بذلك انه لم ينهض دليل لفظي على إطلاق جزئية سبعة أشواط و مدخليتها في الطواف حتى يكون مقتضاه عدم الفرق بين

الموارد المذكورة بل قد عرفت ان عمدة الدليل هي السيرة العمليّة المستمرة و من الظاهر ان السيرة دليل لبي لا إطلاق له بل القدر المتيقن منها العالم و العامد و من بحكمه من الجاهل المقصر فلا يشمل غيرهما من الموارد.

هذا و لكنك عرفت في أوّل مباحث الطواف في البحث عن مقتضى القاعدة و انه هل هي الركنية أو عدمها ان التحقيق يقتضي المصير إلى الرّكنية بالمعنى الخاص الموجود في الحج و هو كون الإخلال به موجبا للبطلان إذا كان عن عمد سواء كان عالما أو جاهلا و لا يكون الإخلال الناشئ عن مثل النسيان موجبا له لكنه فيما إذا كان الدليل على الجزئية دليلا لفظيّا صالحا للتمسك بإطلاقه فلو فرض وجوده في المقام فاللازم التفصيل بين صورة الجهل و بين صورة النسيان و مثله و مع عدمه كما في المقام لا وجه لإلحاق شي ء منهما بالعالم العامد و عليه فالاحتياط في المقام استحبابي لا وجوبي كما في المتن فتدبّر.

(1) الوجه في صحة الطواف في مفروض المسألة ظاهر لانه لم يقصد بعنوان الطواف الواجب الذي هو جزء للعمرة أو الحجّ إلّا سبعة أشواط و اتى بها خارجا بهذا العنوان غاية الأمر أنه اعتقد على خلاف الواقع استحباب شوط أخر زائد على ما هو الواجب من السبعة و عمل على طبق هذا الاعتقاد و لا دليل على قدحه في الطواف الواجب بل وجود الزائد كالعدم و عليه فلا مجال للإشكال في صحة طوافه و ليس هذا الفرض مثل ما إذا زاد على سبعة أشواط عمدا أو سهوا فان مورد، هناك وقوع المجموع بعنوان الطواف الواجب بخلاف ما هنا حيث ان الزائد قد اتى به بعنوان الاستحباب.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 379

[مسألة 16- لو نقص من طوافه سهوا فان جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه]

مسألة 16- لو نقص من طوافه سهوا فان جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه الّا ان يتخلّل الفعل الكثير فح: الأحوط الإتمام و الإعادة، و ان لم يجاوزه أعاد الطواف لكن الأحوط الإتمام و الإعادة (1).

[مسألة 17- لو لم يتذكر بالنقص الّا بعد الرجوع الى وطنه مثلا]

مسألة 17- لو لم يتذكر بالنقص الّا بعد الرجوع الى وطنه مثلا- يجب مع الإمكان الرجوع الى مكّة لاستينافه، و مع عدمه أو حرجيّته تجب الاستنابة و الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 4، ص: 379

______________________________

(1) التفصيل المذكور في المتن بين ما إذا تجاوز النصف و بين ما إذا لم يتجاوز بالحكم بوجوب الإتمام في الصورة الاولى و وجوب اعادة الطواف من رأس في الصورة الثانية هو المشهور بل عن الرياض: لا يكاد يظهر فيه الخلاف الّا من جمع ممّن تأخر حيث قالوا: لم نظفر بمستند لهذا التفصيل بل الموجود في محكيّ التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهي انّ من طاف ستّة أشواط و انصرف فليضف إليها و لا شي ء عليه. و حكي عن صاحب المدارك الاستشكال في الحكم بالصحّة و اختصاصه بما إذا كان المنسيّ شوطا واحدا.

و ما ورد في هذا المجال روايتان:

إحديهما موثقة الحسن بن عطيّة قال سأله سليمان بن خالد و انا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام و كيف طاف ستة أشواط قال: استقبل الحجر و قال اللّٰه أكبر و عقد واحدا فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام يطوف شوطا فقال سليمان فإنه فاته ذلك حتى اتى أهله قال:

يأمر من يطوف عنه «1». و ذكر العلامة المجلسي قدّس سرّه في المرآة في مقام بيان المراد من قوله: استقبل الحجر .. انه كان منشأ غلطه انه حين ابتداء الشوط عقد واحدا فلمّا كملت الستّة عقد السبعة فظنّ الإكمال و لا إشكال في دلالة الرواية على

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 380

..........

______________________________

صحة الطواف في موردها و لكنه لا اشعار فيها بالاختصاص بما إذا كان المنسيّ شوطا واحدا لوجود الفرق بين ما إذا كان المورد مفروضا في كلام الامام عليه السلام و بين ما إذا كان مذكورا في كلام السّائل حيث انه يجري في الأوّل احتمال الاختصاص دون الثاني نعم حيث انه وقع في جملة من الموارد التفصيل بين صورتي التجاوز عن النصف و عدمه لا يبقى مجال للاستناد إليها بالإضافة إلى صورة عدم التجاوز أيضا و امّا ما في ذيل الرواية من قوله عليه السلام: يأمر من يطوف عنه فيجري فيه احتمال لزوم الاستنابة في جميع الطواف و احتمال لزوم الاستنابة في خصوص الشوط الواحد المنسي و قد عبّر عنه بالطّواف في الرواية في الجملة السّابقة.

ثانيتهما موثقة إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصّفا فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر انّه قد ترك بعض طوافه بالبيت قال: يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع الى الصّفا و المروة فيتمّ ما بقي «1». و كلمة «البعض» و ان كانت مطلقة بحسب اللغة شاملة للجزء القليل و الكثير من المركب المشتمل على أجزاء متعددة الّا انّها بحسب العرف

ظاهرة في الجزء القليل الذي يكون أقلّ من النصف نعم مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا خرج الى الصفا للسعي بعد الطواف بلا فصل أو أخّر السّعي حيث انّه يجوز تأخيره عن الطواف الى الليل كما سيأتي.

هذا و الرواية في المقام منحصرة بهاتين الرّوايتين و امّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت رجل طاف بالبيت و اختصر شوطا واحدا في الحجر قال: يعيد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 381

..........

______________________________

ذلك الشوط «1». فلا ترتبط بالمقام لان موردها، إذا طاف من داخل الحجر جهلا منه بلزوم كون الطواف واقعا خارجا عن الحجر و مورد البحث في المقام هو النسيان و لا يجب فيه اعادة مجموع الشوط حتى الأجزاء الواقعة صحيحة و عليه فالرواية لا تكون من روايات المقام و ان عدّها صاحب الجواهر منها.

و كيف كان فقد ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد نقل الروايات المتقدمة ما لفظه:

«قلت يمكن ان يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من النصوص في مسألة عروض الحدث في الأثناء بل قد تقدم في بحث ان الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة يعدلان الى الافراد و القران من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام ففي خبر إبراهيم بن إسحاق عمن سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال: تتمّ طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنّها زادت

على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحجّ «2». و خصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤيّد بما سمعت و فحوى ما تسمعه في المريض و غيره ممّا هو ظاهر في كون المدار في صحة الطواف تجاوز النصف و عدمه مضافا الى فتوى الأصحاب».

هذا و لكن الظاهر ان دعوى توسعة دائرة التعليل و عمومها لمثل المقام مما يكون الإخلال بالطواف و نقصه من ناحية الجزء لا من ناحية الشرط مشكلة جدّا بل يمكن ان يقال بأنه لا دليل على العموم في ناحية الشرط إذا كان الإخلال به اختياريّا كما إذا أحدث بعد التجاوز عن النصف اختيارا نعم فيما إذا عرض له الحدث من غير اختيار

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 382

..........

______________________________

سواء كان هو الأصغر و الأكبر مثل الجنابة غير الاختيارية العارضة له بعد التجاوز عنه في الطواف يكون مقتضى عموم التعليل جريان الحكم فيه و امّا في مثل المقام فلا يحصل الاطمئنان بالعموم المذكور و يمكن ان يقال بانّ ضمّ الروايتين الواردتين في المقام مع ملاحظة انّ رواية ابن عطيّة و ان كانت لا اختصاص له بخصوص ما إذا كان المنسيّ خصوص شوط واحد الّا انّ إلغاء الخصوصية منها ليس بمقدار يشمل ما إذا كان المنسيّ متجاوزا عن النصف بل يشمل ما إذا كان شوطين أو ثلاثة أشواط و رواية ابن عمّار يكون الظاهر من عنوان «البعض» المنسيّ من الطواف المتذكّر له في أثناء السعي هو البعض غير البالغ حدّ النصف على ما هو المتفاهم منه في الاستعمالات

العرفية فإنّ ضمّهما الى التعليل الذي يصلح لان يكون مؤيّدا و ان كانت صلاحيته للاستدلال به مخدوشة على ما عرفت ينتج صحة التفصيل الذي ذهب اليه المشهور.

هذا و لكن بعض الأعاظم قدّس سرّه على ما في تقريرات بحثه ناقش في الاستناد بعموم التعليل بوجوه عمدتها وجهان:

الوجه الأوّل ان التعليل الوارد في بعض روايات الحيض يكون بالتعبير بقوله عليه السلام:

لأنّها زادت على النصف و قد بين في محلّه ان خبر انّ المفتوحة يؤول إلى المصدر فيكون نظير قولنا أكرم زيدا لعلمه لا نظير قولنا أكرمه فإنه عالم و- ح- يكون ملاكا لا علّة و العلة التي يراد بها الموضوع يؤخذ بعمومها لان الحكم دائر مدارها وجودا و عدما بخلاف الملاك فان الحكم و ان كان لا يمكن ان يكون بلا ملاك الّا انه يمكن ان يكون الملاك موجودا و الحكم غير موجود لوجود مانع عنه نظير أن الصلاة لم تكن واجبة في صدر الإسلام مع كون الملاك ثابتا فيها و ذلك لوجود المانع و هذا بخلاف العلّة التي هي الموضوع فلا يمكن انفكاك الحكم عنها وجودا و عدما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 383

..........

______________________________

و يرد عليه انّ مرجع كلامه الى الفرق بين قوله: أكرم زيدا لانه عالم و بين قوله أكرم زيدا فإنه عالم مع انه لا فرق بينهما في المتفاهم العرفي بوجه و ان كان أحدهما مع اللام و انّ المفتوحة و الأخر مع الفاء و انّ المكسورة نعم يمكن قبول الفرق بين المثالين اللذين ذكرهما و امّا في المقام فلا و يمكن ان يكون الأوّل إلى المصدر المذكور في انّ المفتوحة لم يكن بمثابة ترجع الى كونه قائما مقام

المصدر في جميع الجهات و تمام الآثار فتدبر و كيف كان فالمناقشة في عموم التعليل من هذا الطريق لا تكون مقبولة بوجه.

الوجه الثاني تعارض عموم التعليل مع رواية حبيب بن مظاهر التي رواها عنه حمّاد بن عثمان قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال: بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت ثم قال اما انه ليس عليك شي ء «1». نظرا الى صراحتها في صحة الطواف مع قطعه لغسل انفه من الدّم مع انه لم يأت إلّا بشوط واحد فتخالف التعليل المذكور.

و لكنه أجاب عن هذا الوجه بضعف سند الرواية قال: فإنه مع قطع النظر عن أصل اسناد الصدوق قدّس سرّه الى حمّاد نقول: انه ضعيف بحبيب بن مظاهر فإنه لو كان المراد به الشهيد بالطف فلا إشكال في وثاقته لكنه لم يكن في زمان أبي عبد اللّٰه عليه السلام و هذا الحديث مرويّ عنه مع ان الراوي عنه هو حمّاد و هو كان في زمان أبي عبد اللّٰه عليه السلام فلا نعرف انّ حبيبا هذا من هو، الّا ان يقال ان المراد من أبي عبد اللّٰه عليه السلام هو الحسين بن على عليه السلام (و لأجله وصفه صاحب الوسائل بالحسين في نقل الرواية) و المراد من

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

حبيب بن مظاهر هو الشهيد بالطف و ان حماد بن عثمان في ذلك الزمان كان موجودا و بقي إلى زمان الصادق عليه السلام فهو

من المعمرين و لكن مع ذلك كلّه هذا صرف احتمال لا يوجب تصحيح الخبر فيتعين طرحه لضعف سنده.

أقول: كما انه لا يجدي في تصحيح الخبر كون حمّاد من أصحاب الإجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يراد به الّا مجرد كونه مجمعا على وثاقته و صحة روايته من حيث نفسه و امّا انه لا يحتاج الى النظر في حال من قبله في السّند فلا يستفاد من ذلك بوجه.

و يمكن ان يقال بأنه على تقدير الصحة أيضا لا تعارض بين الرواية و التعليل بعد كون مورده الحدث و الرواية واردة في الخبث و عليه فالعمدة في مستند المشهور ما ذكرنا.

بقي الكلام في المسألتين في أمرين:

الأمر الأوّل انه وقع في المتن بعد الحكم بوجوب الإتمام فيما إذا جاوز النصف استثناء صورة تخلل الفعل الكثير و احتاط فيه وجوبا بالإتمام و الإعادة و هذا الاستثناء غير موجود في كلام المشهور و الظاهر انه ليس المراد من تخلل الفعل الكثير ما يرجع الى الموالاة فإنه يمكن الإخلال بها من دون ان يتحقق الفعل الكثير و عليه فيقع الكلام في سند هذا الاستثناء.

و الظاهر ان مستنده رواية ابن عطية المتقدمة المشتملة على قول السائل فإنه فاته ذلك حتى اتى اهله و جوابه عليه السلام بقوله يأمر من يطوف عنه نظرا الى ان الرجوع الى الوطن و الأهل مستلزم للفعل الكثير عادة و الجواب ظاهر في لزوم الاستنابة في مجموع الطواف لا خصوص الشوط الواحد المنسيّ و حيث انه لم يقع الفتوى به من المشهور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 385

[مسألة 18- لو زاد على سبعة سهوا]

مسألة 18- لو زاد على سبعة سهوا فان

كان الزائد أقلّ من شوط قطع و صحّ طوافه.

و لو كان شوطا أو أزيد فالأحوط إتمام سبعة أشواط أخر بقصد القربة من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب و صلّي ركعتين قبل السّعي و جعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأول أو الثاني و صلي ركعتين بعد السعي لغير الفريضة (1).

______________________________

فاحتاط وجوبا بالجمع بين الأمرين.

هذا و لكن الاستظهار المذكور محل نظر بل منع لما عرفت من انه يحتمل ان يكون المراد هو طواف الشوط الواحد و قد عبر في الرواية عن الشوط الواحد بالطواف و عليه فالاحتياط المذكور استحبابي كما ذكرناه في التعليقة.

الأمر الثاني انه ربما يمكن ان يتخيل ان قوله عليه السلام في رواية ابن عطية: يأمر من يطوف عنه، ظاهر في جواز الاستنابة و لو مع القدرة على رجوعه بنفسه إلى مكة و عدم كونه مستلزما للحرج على خلاف ما إذا كان المنسي مجموع الطواف فان اللازم في المرتبة الأولى الرجوع بنفسه و مع عدم الإمكان أو استلزام الحرج تجوز الاستنابة.

و الظاهر بطلان هذا التخيل و عدم ثبوت الإطلاق في مثل المقام فان الرجوع الى الأهل في تلك الأزمنة كان ملازما لعدم إمكان الرجوع أو حرجيّته و عليه فلا مجال لدعوى الإطلاق و ترك الاستفصال بل الظاهر ثبوت الترتيب كما في المتن فتدبر.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل ما إذا زاد على سبعة أشواط سهوا و كانت الزيادة غير بالغة الى شوط كامل فيكون تذكره قبل البلوغ الى الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود و المحكي عن الشيخ و بني زهرة و البرّاج و سعيد و الفاضل و صريح المحقق في الشرائع بل المشهور كما في الجواهر هو ما في المتن من لزوم القطع

و صحة الطواف.

و الدليل عليه رواية أبي كهمس قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي فطاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

ثمانية أشواط قال ان ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه «1». و في نقل أخر زيادة: و قد أجزاء عنه و ان لم يذكر حتى بلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا و ليصل اربع ركعات «2».

و ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها و الاستناد إليها لكن في مقابل الرواية صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصلّ ركعتين «3». و حيث انّ الدخول في الثامن مطلق شامل لما إذا دخل فيه و أتمّه و ما إذا دخل فيه و لم يتمّه تكون رواية أبي كهمس المفصلة بين الفرضين مقيدة لإطلاقها و موجبة لاختصاصها بالأوّل و دعوى اختصاص الدخول في الثامن بما إذا لم يتمّه ممنوعة جدّا.

مع ان الروايات المتعددة الآتية في الفرع الثاني الدالة على الإتمام أربعة عشر أشواطا يكون موردها تحقق الطواف ثمانية أشواط و ظاهرها مدخلية التمامية المذكورة في الحكم بالإتمام و عدم تحققه بدونها فتكون قرينة على ان المراد بالدخول أيضا ذلك.

الفرع الثاني ما إذا كانت الزيادة المفروضة شوطا أو أزيد و الكلام فيه يقع من جهات:

الجهة الاولى في صحة الطواف المأتي به و عدم لزوم إعادته من رأس و بطلانه رأسا بحيث تجب إعادته كذلك فالمشهور هي الصحّة لكنه حكي عن الصدوق في المقنع انه قال: «و ان طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف و روى: يضيف

______________________________

(1) الوسائل

أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 4.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 387

..........

______________________________

إليها ستّة فيجعل واحدا فريضة و الأخر نافلة» و قد استفيد من كلامه ثبوت التخيير بين الأمرين لأنّه يعمل بجميع رواياته و لكن الظاهر عدم دلالة العبارة الّا على اختيار وجوب الإعادة و النسبة إلى الرواية تشعر بتمريضها و عليه فمرجع كلامه الى ترجيح الرواية الدالة على البطلان.

و حكي صاحب الجواهر قدّس سرّه عن بعض من قارب عصره من الناس الحكم ببطلان السبعة و الاعتداء بالثامن خاصة مكمّلا له ستة على انه الطواف الواجب.

و كيف كان فالبحث من هذه الجهة تارة فيما تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في المسألة و اخرى بلحاظ تلك الروايات.

امّا مقتضى القاعدة فقد ذكر صاحب الجواهر انه عبارة عن الفساد بالإضافة الى الثاني و الأوّل لعدم النية و لتحقق الزيادة و الظاهر صحة ما أفاده بالنسبة إلى الطواف الثاني و امّا بالنسبة إلى الطواف الأوّل فحيث ان الزيادة تكون سهوية يكون مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان عدم البطلان فالقاعدة لا تقتضي البطلان بوجه.

و امّا الرّوايات فطائفة كثيرة منها ظاهرة بل صريحة في الصحة مثل:

صحيحة أبي أيّوب قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: فليضم إليها ستّا ثم يصلّي اربع ركعات «1». و الظاهر اختصاص مورد السؤال بصورة النسيان و لا أقل من انها القدر المتيقن من إطلاقه مع ان الصحة في العمد تستلزم الصحة في السهو بطريق اولى.

و منها صحيحة رفاعة قال كان

عليّ عليه السلام يقول إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 388

..........

______________________________

قلت يصلي اربع ركعات قال يصلّي ركعتين «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال قلت له رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية أشواط قال يضيف إليها ستّة و كذلك إذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستّة «2». و التعبير بالاستيقان خصوصا بصورة التفريع ظاهر في ان مورد السؤال خصوص صورة النسيان هذا و الرواية واحدة و ان جعلها في الوسائل و في الكتب الفقهية روايات متعددة خصوصا مع كون الراوي عن محمد بن مسلم هو علا في الجميع و ان كان بينها اختلاف في التعبير في الجملة.

و منها رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سئل- و انا حاضر- عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط فقال: نافلة أو فريضة فقال فريضة فقال: يضيف إليها ستّة فإذا فرغ صلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم خرج الى الصفا و المروة فطاف بينهما فإذا فرغ صلّي ركعتين أخراوين فكان طواف نافلة و طواف فريضة «3».

و في مقابل هذه الروايات روايات أخر:

منها موثقة عبد اللّٰه بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السّعي «4».

و ربما يقال ان الظاهر منها الزيادة العمدية لأن الزيادة العمدية في الصلاة توجب البطلان غالبا و عليه فالنسبة بينهما و بين الروايات المتقدمة نسبة الخاص و العام فيخرج العامد منها و ينحصر

موردها بالنّاسي.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 12.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 15.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

هذا و لكنك عرفت اختصاصها في نفسها بالناسي خصوصا مع التعبير بالاستيقان في بعضها و عليه فموردهما مختلف و لا ارتباط بينهما حتى بنحو العموم و الخصوص.

و منها صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال: يعيد حتى يثبته «1».

و لأبي بصير رواية أخرى يحتمل اتحادها مع الاولى و في سندها إسماعيل بن مرار الذي يكون فاقدا للتوثيق الخاص بل من اسناد كتاب تفسير على بن إبراهيم القمي مع انّها مضمرة و ان كان الظاهر بلحاظ كونه مسبوقا بسؤال أخر كون مرجع الضمير مشخصّا قال- في حديث- قلت له فإنّه طاف و هو متطوع ثماني مرّات و هو ناس قال: فليتمّه طوافين ثم يصلي اربع ركعات، فأمّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط «2».

و لا خفاء في دلالتهما على وجوب الإعادة و البطلان في المقام خصوصا مع فرض خصوص النسيان في الرواية الثانية و عليه فالمعارضة متحققة بينهما و بين الروايات المتقدمة و حيث ان الشهرة الفتوائية موافقة للطائفة الاولى فلا بد من الأخذ بها و الحكم بالصحة و عدم لزوم الإعادة من رأس.

و من الغريب ما ذكره بعض الاعلام قدّس سرّه في مقام الجمع بين الطائفتين من ان الواجب إذا كان امرا واحدا و ورد عليه أمران مختلفان تقتضي القاعدة التخيير بين الأمرين فح ما ذكره

الصدوق من التخيير هو الصحيح ثم قال: هذا ما تقتضيه الصناعة و لكن حيث ان الأمر يدور بين التعيين و التخيير فالاحتياط يقتضي أن يتم الزائد و يجعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة عبارة الصدوق في المقنع على التخيير و الى انه لا معنى للتخيير بين الصحة و البطلان أصلا ان الاحتياط في الدوران بين التعيين و التخيير في الأخذ بالمعيّن انّما هو لأجل حصول العلم بكونه موافقا بالمأمور به و إتمام الزائد و جعله طوافا كاملا لا يتحقق به ذلك بعد احتمال بطلان الطواف رأسا و لزوم إعادته بجميع اشواطه فما أفاده في غاية الغرابة و التحقيق ما ذكرنا.

الجهة الثانية في انه بعد الفراغ عن صحّة الطواف الذي زيد عليه شوط واحدا و أزيد نسيانا بمقتضى القاعدة و الروايات المتقدمة يقع الكلام في لزوم الإكمال و الإتمام أربعة عشر أشواطا و استحبابه و عدم لزوم الإكمال فيجوز الاقتصار على المأتي به فيه وجهان حكي في الجواهر عن الفاضل و الشهيدين انهم قد صرّحوا باستحباب الإكمال و استظهره من المحقق في الشرائع و غيره ممّن عدّه في ذكر المندوبات و اختاره هو أيضا مستندا الى الاتفاق على عدم وجوب طوافين و التصريح في بعض الروايات الصحيحة بأن أحدهما فريضة و الأخر ندب بضميمة ان مقتضى الأصل بقاء الأوّل على وجوبه و من المستبعد انقلاب ما نواه واجبا للندب بالنية المتأخرة.

و ذكر بعض الاعلام قدّس سرّه ما حاصله

انه لا ريب في ان الأمر بالتكميل ليس امرا تكليفيّا وجوبيّا جزما لان الطواف ليس كالصلاة في وجوب المضي و حرمة القطع كما ادعي عليه الإجماع في الصّلاة و لا كأصل الحج و العمرة في وجوب الإتمام بل الطواف يجوز قطعه اختيارا و رفع اليد عنه و يذهب حيث شاء ثم يأتي به و يستأنفه برأسه من دون فرق بين ان يكون قبل الثلاثة أو بعدها و عليه فالأمر بالإكمال في الروايات لا يكون امرا وجوبيّا بل هو من الأمر في مقام توهم الحظر و المراد انه يصحّ له و يجوز له التتميم بإتيان البقية فالمستفاد منها صحة الطوافين خصوصا مع الأمر بإتيان أربع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 391

..........

______________________________

ركعات لكن لا يستفاد منها ان الأوّل واجب و الثاني مستحب أو العكس و المرجع هو أصالة عدم اشتراط صحة الطواف الأوّل بإتمام الطواف الثاني كما ان الأصل عدم انقلاب الطواف الأول من الوجوب الى الندب بل الأصل يقتضي بقائه على الوجوب.

أقول لا ينبغي الإشكال في انّ ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الإتمام أربعة عشر أشواطا أو اضافة الستة إلى الثمانية على الاختلاف في العبارة و لا بدّ في البين من وجود قرينة يرفع اليد بسببها عن الظهور المذكور و الّا لا مجال لرفعها عنه سواء قلنا بانّ مقتضى ظاهرها الوجوب الشرطي بمعنى مدخلية الإكمال في صحة الطواف الأول أو الوجوب التكليفي الذي مرجعه الى كون التكميل عقوبة مترتبة على اضافة مثل الشوط و لو سهوا كلزوم سجدتي السهو المترتب على الإتيان بالزيادة السهوية غير المبطلة في باب الصلاة حيث انه عقوبة مترتبة عليها.

و ما أفاده في الجواهر من الاتفاق على

عدم وجوب طوافين لا يكون قرينة على الخلاف فان مرجعه الى عدم لزوم طوافين في عمرة واحدة أو حجّ واحد بحيث كان كل منهما متّصفا بعنوان الجزئية لشي ء منهما و امّا مدخلية الطواف الثاني في صحة الطواف الذي هو جزء له أو وجوبه بعنوان العقوبة الخارجة عن حقيقة الحج أو العمرة فلا يقتضي الإجماع المذكور نفيه كما ان استدلال بعض الاعلام بما عرفت لا يكون بتامّ خصوصا مع جعله مقتضى الأصل عدم اشتراط صحة الطواف الأوّل بالإتمام فإن مرجعه الى وجود الاحتمال في هذا المجال و مع هذا الاحتمال إذا كان ظاهر الدليل موافقا له كيف يجوز رفع اليد عنه و حمله على كون الأمر فيه واردا في مقام توهم الحظر و جواز قطع الطواف في سائر الموارد بخلاف الصلاة لا يستلزم ان يكون الحكم في المقام أيضا ذلك على انه لا دلالة في الروايات على لزوم وقوع الإتمام و الإكمال فورا و ان كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 392

..........

______________________________

اللازم على تقدير كون الأوّل فريضة و الثاني نافلة ذلك لئلا يتحقق الفصل الطويل بين الطواف و صلوته.

و يؤيد بل يدل على وجوب الإكمال ما حكي عن الصدوق و والده و ابن الجنيد من ان طواف الفريضة هو الطواف الثاني على ما في بعض الروايات الصحيحة الآتية أيضا.

نعم في بعض الروايات المتقدمة ان أحد الطوافين نافلة و الأخر فريضة و هو مع كونه ضعيفا من حيث السند لا دلالة له على عدم لزوم الإكمال فإن كونه نافلة بمعنى كونه زائدة خارجة عما هو الجزء للحج أو العمرة و لا ينافي ذلك لزوم الإتيان به خصوصا إذا كان بعنوان العقوبة

لا بعنوان الشرطية بالشرط المتأخر لصحة الطّواف الأوّل.

ثم انّ هنا رواية صحيحة رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال انّ عليّا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليه ستّا ثم صلّي ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا و المروة فلمّا فزع من السّعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللتين ترك في المقام الأوّل «1».

لكنّها مضافا الى دلالتها على وقوع السهو من الامام المعصوم عليه السلام و هو خلاف معتقد الإمامية بالنسبة إلى أئمتهم عليهم السلام انّ ظاهر صدرها باعتبار قوله عليه السلام فترك سبعة هو رفع اليد عن السبعة و جعلها كالعدم و عليه فلا يلائم اضافة الركعتين الآخرتين بعد الفراغ عن السعي و حمل الترك على كون المراد به هو رفع اليد عنها بعنوان الجزئية لطواف الفريضة و جعلها طوافا نافلة خلاف الظاهر جدّا كما ان دعوى التفكيك في الرواية بين ما هو خلاف معتقد الشيعة بالحمل على التقية و بين الحكم المذكور فيها

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

برفع اليد عن السبعة و اضافة الستّة الظاهرة في كون الثاني هو طواف الفريضة ممّا لا مجال لها أصلا لأنه لا معنى للتفكيك بين الموضوع و الحكم و ليس المقام مثل ما إذا كانت رواية مشتملة على حكمين- مثلا- و كان اللازم حمل أحدهما على التقيّة حيث انّه يجوز التفكيك بينهما كما لا يخفى.

ثم الظاهر انّ هذه الرواية هي مستند القول المتقدم الذي حكاه صاحب الجواهر عن بعض الناس ممّن قارب عصره من الحكم ببطلان السبعة و الاعتداد بالثامن لكنك عرفت

ان البطلان و ان كان ظاهر رفع اليد عنها الا انه لا يلائم مع الإتيان بأربع ركعات كما في الرواية.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الظاهر هو وجوب الإكمال و الإتمام و على تقدير التنزل فاللّازم اختيار ما في المتن من انّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الإتمام بقصد القربة المطلقة المجامعة للوجوب و الاستحباب.

كما انه ظهر ممّا ذكرنا انه لم ينهض دليل على تعيين سبعة أشواط الفريضة و انها هي السبعة الأولى أو الثانية و ان كان يؤيد القول الثاني ان لازم القول الأوّل وقوع الفصل بين الطواف و صلوته بخلاف القول الثاني و لكن الظاهر عدم قدح هذا المقدار من الفصل و عليه فيتم ما في المتن أيضا من لزوم جعل الركعتين قبل السعي لطواف الفريضة من غير تعيين انه هو الطواف الأول أو الثاني و ان كان يؤيد الأوّل ان لازم الثاني تحقق الانقلاب بالإضافة إلى الأول لأن المفروض ان الإتيان به كان بنيّة الطواف الواجب و الأصل بقائه على هذا الوصف الّا مع قيام الدليل على خلافه و المفروض عدمه.

الجهة الثالثة في وجوب الركعتين فقط أو لزوم اربع ركعات ظاهر المتن هو الثاني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

و امّا الروايات فهي مختلفة فأكثرها ظاهرة في وجوب الأربع مثل رواية علي بن أبي حمزة و صحيحة زرارة المتضمنة لحكاية فعل على عليه السلام و خبر جميل الذي رواه ابن إدريس عن نوادر ابن أبي نصر البزنطي- و في إسناده ضعف- عنه انه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عمّن طاف ثمانية أشواط و هو يرى أنّها سبعة قال فقال انّ في كتاب عليّ عليه السلام انه إذا

طاف ثمانية أشواط يضمّ إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد قال:

و سئل عن الركعات كيف يصلّيهن أو يجمعهنّ أو ما ذا؟ قال يصلّي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصّفا و المروة فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للأسبوع الأخر «1».

و يدل على وجوب الأربع أيضا صحيحة أبي أيوب المتقدمة.

هذا و لكن ظاهر طائفة منها عدم وجوب أزيد من الركعتين مثل رواية رفاعة المتقدمة الصريحة في نفي وجوب الأربع و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين «2». بعد حمل الدخول على تمامية الشوط الثامن بقرينة لزوم إتمام أربعة عشر شوطا كما لا يخفى هذا و مقتضى القاعدة جعل هذه الطائفة قرينة على عدم لزوم الأربع و كون الركعتين الآخرتين صلاة مستحبة و عليه فلا مجال للموافقة مع ما في المتن حيث ان ظاهره وجوب الأربع.

ثم انه لو قلنا بوجوب الأربع فالظاهر انّ مقتضى إطلاق بعض ما يدل عليه من الروايات الصحيحة انه لا فرق بين الإتيان بالجميع قبل السعي و بين الإتيان بالأخيرة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 16.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 395

[مسألة 19- يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر]

مسألة 19- يجوز قطع الطواف المستحب بلا عذر، و كذا المفروض على الأقوى، و الأحوط عدم قطعه بمعنى قطعه بلا رجوع الى فوت الموالاة العرفية (1).

______________________________

بعده لو لم نقل بان ظاهره هو الإتيان بالجميع قبل السّعي و ذلك لأنّ ما ورد مما يدلّ على التفصيل و التفريق

مخدوش امّا من حيث السند و امّا من جهة المفاد فلا يصلح لتقييد الإطلاق بوجه.

و امّا لو قلنا باستحباب الصلاة الثانية و عدم وجوبها كما اخترناه فمع ملاحظة انّ التقييد و الإطلاق في باب المستحبات يغاير باب الواجبات حيث انّ الواجبات لا تكون ذات مراتب متفاوتة من حيث الشدة و الضعف و لأجله في صورة إحراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السّبب أو من غيرها لا محيص عن التقييد و حمل المطلق على المقيد و هذا بخلاف المستحبات التي يكون أكثرها ذا مراتب مختلفة من حيث الفضيلة قلة و كثرة فإنه لا مجال فيها لحمل المطلق على المقيد بعد إمكان الحمل على اختلاف مرتبتي الفضيلة إلّا في موارد إحراز عدم الاختلاف من هذه الجهة و مع ملاحظة أن جريان قاعدة التسامح في أدلة السنن لا يختص بما إذا كان الدليل الفاقد لشرائط الحجية دالّا على أصل استحباب شي ء بل يجري فيما إذا كان الدليل المذكور واردا في مقام بيان الكيفية أيضا و عليه فلا بد من الالتزام في المقام بأن أصل الإتيان بالصلاة الثانية و ان كان مستحبّا لكن الإتيان بها بعد الفراغ عن السعي أفضل لدلالة روايات متعدّدة عليه و ان كان كل واحدة منها غير خال عن الخدشة فيه كما عرفت.

(1) لا شبهة في انه يجوز قطع الطواف المستحب كصلاة النافلة و ان لم يكن مستندا الى عذر، و امّا الطواف الواجب فهل هو كالصلاة الواجبة حيث انه لا يجوز قطعها للإجماع على عدم جواز القطع بلا عذر أو انه كالطواف المستحب فيجوز قطعه كذلك قد قوىّ في المتن الثاني و المستند فيه مضافا الى القاعدة حيث انها لا تقتضي

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 396

..........

______________________________

عدم الجواز بوجه و لا يكون الطواف كأصل الحج أو العمرة حيث انه يجب إتمامهما بالشروع بل في موارد الفساد أيضا على ما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام لعدم نهوض دليل على المماثلة المذكورة الروايات المتعدّدة الواردة في هذا المجال مثل:

صحيحة صفوان الجمّال قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف، فقال يخرج معه في حالته ثم يرجع و يبني على طوافه «1». فان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين الطواف الواجب و المندوب لو لم نقل بظهوره في خصوص الطواف الواجب و من الواضح انه لا خصوصية للخروج مع الرجل في حاجته بعد عدم كونه عذرا و ضرورة فتدل على الجواز بدون مثل هذا الغرض أيضا كما ان الأمر بالخروج لا دلالة له على الوجوب لوقوعه في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه أزيد من الجواز و مرسلة سكين بن (عن خ ل) عمّار عن رجل من أصحابنا يكنّى أبا أحمد قال كنت مع أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الطواف و يده في يدي إذ عرض لي رجل له حاجة فأومأت إليه بيدي فقلت له: كما أنت حتى افرغ من طوافي فقال أبو عبد الهّٰ عليه السلام ما هذا؟ فقلت أصلحك اللّٰه رجل جاءني في حاجة فقال لي أ مسلم هو؟

قلت: نعم فقال لي اذهب معه في حاجته فقلت له أصلحك اللّٰه فاقطع الطّواف؟ قال نعم قلت و ان كنت في المفروض؟ قال: نعم و ان كنت في المفروض قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام من مشى مع أخيه

المسلم في حاجة كتب اللّٰه له ألف ألف حسنة و محي عنه ألف ألف سيئته و رفع له ألف ألف درجة «2».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 397

[مسألة 20- لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل أتمّه]

مسألة 20- لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل أتمّه و صحّ طوافه، و لو اتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرّابع فالأحوط إتمامه و إعادته (1).

______________________________

و رواية أبان بن تغلب قال كنت أطوف مع أبي عبد اللّٰه عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته فبينما أنا أطوف إذا أشار الىّ فرءاه أبو عبد اللّٰه عليه السلام فقال يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم قال فمن هو؟ قلت رجل من أصحابنا قال هو على مثل الذي أنت عليه؟ قلت نعم، قال: فاذهب إليه قلت و اقطع الطواف؟ قال نعم، قلت و ان كان طواف الفريضة قال: نعم فذهبت معه الحديث «1».

ثم ان الظاهر ان الاحتياط المذكور في المتن احتياط وجوبي و ان كان مسبوقا بالفتوى مرجعه الى لزوم رعاية الاحتياط في خصوص مورد واحد و هو ما إذا كان القطع موجبا لفوات الموالاة العرفية التي عرفت ان مقتضى الاحتياط اعتبارها في صحة الطواف و لكنه يرد عليه انّ الموالاة معتبرة في الحكم الوضعي و هي الصحّة و البحث هنا في جواز القطع و عدمه على سبيل الحكم التكليفي و لا ارتباط بين الأمرين فكما ان صلاة النافلة تعتبر فيها الموالاة لعدم صحتها بدونها و مع ذلك يجوز قطعها كذلك المقام فإنه لا

يستلزم اعتبار الموالاة عدم جواز القطع و لو بنحو الاحتياط الوجوبي اللّٰهم ان يكون مثل ذلك قرينة على كون المراد هو الاحتياط الاستحبابي فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فروض:

الفرض الأوّل ما لو قطع طوافه و لم يأت بالمنافي حتى مثل الفصل الطويل المانع عن تحقق الموالاة العرفية و الحكم فيه صحة الطواف و جواز الإتمام لأن المفروض عدم كون القطع موجبا لتحقق ما يخلّ بالصحّة و تقدح فيها مضافا الى دلالة صحيحة صفوان الجمال المتقدمة في المسألة السابقة حيث انّ القدر المتيقن من موردها هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 398

..........

______________________________

الفرض و قد حكم فيها بالصحة و جواز البناء على طوافه.

الفرض الثاني ما لو اتى بالمنافي الشامل لمثل الفصل الطويل بقرينة الصّدر و كان القطع بعد إتمام الشوط الرابع و قد احتاط فيه وجوبا بالإتمام و الإعادة و سيأتي وجهه.

الفرض الثالث ما يستفاد من المفهوم و هو ما لو كان القطع قبل إتمام الشوط الرابع و الظاهر ان مراد المتن البطلان فيه و لزوم الإعادة من رأس.

و قد ورد في الفرضين روايات:

منها صحيحة صفوان الجمال المتقدمة فإن مقتضى إطلاقها جواز البناء على الطواف و لو كان طواف الفريضة و كان قبل إتمام الشوط الرابع كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق في القطع بين صورة الإتيان بالمنافي و لا أقل من الفصل الطويل و صورة عدمه و منها صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف شوطا و شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة (حاجته ظ) قال ان كان طواف نافلة بنى عليه و ان

كان طواف فريضة لم يبن «1» و في رواية الكليني: لم يبن عليه:

و من الظاهر انه لا خصوصية للشوط أو الشوطين بل يجري الحكم فيما إذا طاف ثلاثة أشواط أيضا نعم لا مجال للتعدي إلى أربعة أشواط فما زاد بعد ملاحظة وجود الفرق في موارد كثيرة عرفت جملة منها كعروض الحدث أو الحيض في الأثناء.

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكي أعاد الطواف يعني الفريضة «2». و الرواية منقولة في الوسائل هكذا و ليس في الطبعتين الجديدتين المشتملتين على تعيين مصدر الروايات في الذيل و ما رد

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و الأربعون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 399

..........

______________________________

الاختلاف مع المتن إشارة إلى خلافه لكن الذي نقله صاحب المدارك عن الكليني بدل ثلاثة أشواط: «أشواطا» و لذا لم يفرق بين الشوط الرابع و ما دون.

و الظاهر ان قوله يعني الفريضة امّا ان يكون من الامام عليه السلام و لا ينافيه التعبير بصورة الفعل الغائب كما هو المتداول في الاستعمالات و امّا ان يكون من الحلبي بقرينة موجودة عنده ظاهرة في كون مراد الامام عليه السلام هو طواف الفريضة.

و مورد البحث في المقام و ان كان هي صورة القطع الّا ان لزوم اعادة الطواف في صورة الاشتكاء الذي هو أمر غير اختياري يستلزم الوجوب في صورة القطع الاختياري بطريق اولى.

و منها رواية إسحاق بن عمار- و في سندها سهل بن زياد عن أبي الحسن عليه السلام- في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر

معها على إتمام الطواف فقال ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه، و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب اللّٰه عليه فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما و يومين فان خلته العلّة عاد فطاف أسبوعا، و ان طالت علّته أمر من يطوف عنه أسبوعا و يصلّي هو ركعتين و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه و كذلك يفعل في السّعي و في رمي الجماد «1». و في رواية الشيخ: و يصلّي عنه و ترك لفظ «في السّعي» و الرواية مضافا الى ضعف سندها تكون باعتبار دلالتها على لزوم الاستنابة فيما إذا طاف أربعة أشواط ثم اعتل علة كذائية مخالفة للمشهور لكن بالنسبة إلى الثلاثة فما دون الدالة على لزوم اعادة الطواف من رأس مع حصول الفصل الطويل و بعض المنافيات عادة تدل على حكم الفرض الثالث.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 400

[مسألة 21- لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار]

مسألة 21- لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار فان كان بعد تمام الشوط الرّابع أتمّه بعد رفع العذر و صحّ و الّا أعاده (1).

______________________________

و كيف كان مقتضى الجمع بين الروايات الصحيحة الواردة في المقام هو تقييد إطلاق صحيحة صفوان من جهتين إحديهما الحمل على طواف الفريضة و ثانيتهما الحمل على ما بعد الشوط الرابع و في غيره تلزم الإعادة و لا يجوز البناء على طوافه و لعلّ الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن في الفرض الثاني منشأه احتمال كون صحيحة الحلبي واردة في مطلق الأشواط لا الثلاثة و عليه

فمقتضاها لزوم الإعادة في الطواف الواجب مطلقا كما عليه صاحب المدارك.

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة بالإضافة إلى عروض الحدث بلا اختيار في أثناء الطواف سواء كان هو الحيض أو الجناية أو الحدث الأصغر في المباحث السابقة مفصّلا و لا حاجة الى الإعادة لأنّها بلا فائدة و امّا عروض المرض فلم يتقدم البحث عنه و الدليل على التفصيل فيه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة في المسألة السّابقة و انجبار سندها و ان كان يمكن دعواها باستناد المشهور إليها و موافقتها لفتواهم الّا ان دلالتها على لزوم الاستنابة بمجرد الاعتلال الذي لا يقدر معه على إتمام الطواف إذا كان عروضه بعد الشوط الرابع مخالفة لفتواهم لان اللازم معه الصبر رجاء زوال العلة فإن ضاق الوقت و لم يتحقق زوالها تصل النوبة إلى الاستنابة أو الطواف به و عليه فيشكل الأمر بالنسبة إلى مستند المشهور نعم في محكي دعائم الإسلام و فقه الرّضا ما يكون موافقا لهم لكنه لم تثبت حجية مثلهما كما انه لو كان المستند صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة أيضا الدالة على لزوم الإعادة في صورة الاشتكاء في الأثناء فان لم تكن مشتملة على عدد الثلاثة فمقتضاها لزوم الإعادة مطلقا من دون فرق بين ما إذا لم يتم الشوط الرابع و بين ما إذا أتمّه و ان كانت مشتملة على العدد المذكور لا دلالة لها على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 401

[مسألة 22- لو شك بعد الطواف و الانصراف في زيادة الأشواط لا يعتني به]

مسألة 22- لو شك بعد الطواف و الانصراف في زيادة الأشواط لا يعتني به و بنى على الصحّة، و لو شك في النقيصة فكذلك على اشكال فلا يترك الاحتياط، و لو شك بعده في

صحتّه من جهة الشك في انه طاف مع فقد شرط أو وجود مانع بني على الصحّة إذا أحدث قبل الانصراف بعد حفظ السبعة بلا نقيصة و زيادة (1).

______________________________

نفي لزوم الإعادة بالإضافة الى ما بعد الشوط الرّابع.

و الظاهر ان يقال انّ مسألة المرض مستفادة من الروايات المفصلة الواردة في الحيض و في الحدث باعتبار كونه مثلهما في عدم كونه اختياريّا أوّلا و في كونه مانعا عن الإتمام بعد عروضه لان المفروض انّ المراد منه هي العلة التي لا يقدر معها على إتمام الطواف و يؤيده اشتمال بعض الروايات الواردة في الحيض على التعليل بأنّها جاوزت النصف كما لا يخفى.

و كيف كان فالمستفاد من مجموع ما ذكرنا بعد اعتضاد بعضه ببعض صحة التفصيل على ما في المتن تبعا للمشهور.

(1) البحث في هذه المسألة في فرعين:

الفرع الأوّل الشك في الكمية بعد الانصراف و الشك فيها قد يكون في خصوص الزيادة و قد يكون في خصوص النقيصة و قد جمعهما مثل المحقق في الشرائع في عبارة واحدة حيث قال: و من شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت. و قد نفي الخلاف فيه في الجواهر بل ادعي الإجماع عليه في أثناء كلامه و فسّر الانصراف في الذيل بان المدار فيه هو العرف قال و لعلّ منه ما إذا اعتقد انه أتمّ الطواف و ان كان هو في المطاف و لم يفعل المنافي خصوصا إذا تجاوز الحجر امّا قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف كان عند الحجر أو بعده أو خارجا عن المطاف أو فعل المنافي كما صرّح به في كشف اللثام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 402

..........

______________________________

و كيف كان فالدليل على عدم الاعتناء بالشك

في الزيادة في الصورة المفروضة مضافا الى أصالة عدم حدوث الزيادة و الإتيان بها قاعدة الفراغ الجارية في مثل المقام و يدل عليه بالخصوص صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة لم يدرأ سبعة طاف أم ثمانية فقال: امّا السبعة فقد استيقن و انما وقع و همه على الثامن فليصل ركعتين «1».

و امّا عدم الاعتناء بالشك في النقيصة و ان استشكل فيه في المتن بل نهي عن ترك الاحتياط المتحقق بإعادة الطواف من رأس فيدل عليه مضافا الى قاعدة الفراغ بعد كون المفروض صورة الانصراف و من الواضح انه لا فرق في جريانها بين الشك في الزيادة و الشك في النقيصة و ان كان مقتضى الاستصحاب موافقا لها في الأوّل دون الثاني بعض الروايات الصحيحة بعد التدبر في مفادها و الدقة في مدلولها مثل صحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه قلت ففاته قال ما ارى عليه شيئا و الإعادة أحبّ الىّ و أفضل «2».

و رواية محمد بن مسلم- التي يأتي البحث في سندها مفصّلا؟؟؟- قال سألته أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة قال فليعد طوافه قيل انّه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء «3».

فانّ الظاهر ان مورد السؤال الأوّل في الروايتين خصوصا بقرينة التفريع بالفاء هو كون الشك بين الستّة و السبعة حادثا عند تمامية الطواف قبل الانصراف عنه و الحكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف

الباب الثالث و الثلاثون ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

بالإضافة إليه هو البطلان و وجوب اعادة الطّواف من رأس و مورد السؤال الثاني الذي قد عبر عنه بالفوت في الاولى و بالخروج و الفوت في الثانية هو الانصراف بعد التمامية و الخروج عن دائرة المطاف و الحكم فيه هي الصحة و عدم ثبوت شي ء عليه غاية الأمر دلالة الأولى على ان الإعادة أحبّ و أفضل.

و حمل مورد السؤال الثاني على صورة كون الرجوع الى مكّة لإعادة الطواف حرجيّا عليه و امّا بالإضافة إلى حدوث الشك و عروضه فمورده نفس مورد السؤال الثاني يدفعه مضافا الى ان اللازم في هذه الصورة الاستنابة بعد فرض كون الطواف باطلا و لا يلائمه قوله ما ارى عليه شيئا أو ليس عليه شي ء فان الظاهر منه انه لا يجب عليه شي ء حتى الاستنابة كما لا يخفى انه لا يناسب ذلك مع الحكم باستحباب الإعادة و أفضليتها خصوصا لو قلنا بانّ نفي الحكم في مورد الحرج انّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة كما لعلّه غير بعيد على ما حقق في محلّه.

و كيف كان التأمل في الروايتين يقضي بان مدلولهما في الجواب عن السؤال الثاني الحكم بالصحة و عدم وجوب الإعادة في مفروض المقام فلا مجال للإشكال في الحكم خصوصا مع تفريع النهي عن ترك الاحتياط عليه كما في المتن.

الفرع الثاني الشك في الكيفية و انّ ما وقع منه من الطواف هل وقع صحيحا واجدا للشرائط و فاقدا للموانع أم كان فاقدا لبعض الشرائط أو واجدا لبعض الموانع فمقتضى أصالة الصحة الجارية في جميع موارد

الشك و الفساد بعد تمامية العمل و وقوعه هي الصحة من دون فرق بين العبادات و المعاملات و قد وقع التصريح في المتن بأنه إذا أحدث بعد حفظ السبعة بلا زيادة و لا نقيصة قبل الانصراف و شك في الصحة يكون طوافه محكوما بالصحّة فإذا شك في وقوعه مع الوضوء- مثلا- فيحكم بذلك لكنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 404

[مسألة 23- لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود في انّه زاد على طوافه]

مسألة 23- لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود في انّه زاد على طوافه بني على الصحّة. و لو شك قبل الوصول في انّ ما بيده السابع أو الثامن- مثلا- بطل. و لو شك في آخر الدّور أو في الأثناء أنه السّابع أو السّادس أو غيره من صور النقصان بطل طوافه (1).

______________________________

لا يستلزم جواز الإتيان بصلاة الطواف مع الشك في الوضوء بل لا بد من إحرازه بالإضافة إليها كما في مثل صلاة العصر بالإضافة إلى صلاة الظهر التي شك في وقوعها مع الطهارة فإن اللازم تحصيلها لصلاة العصر.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول ما لو شك بعد الوصول الى الحجر الأسود قبل الانصراف في انه زاد على طوافه أم لا و الحكم فيه هو البناء على الصحة و يدل عليه مضافا الى أصالة عدم الزيادة و عدم الإتيان بها صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة السّابقة فإنّ موردها اما ان يكون أعم من المقام و من المسألة السابقة فتدل على الصحة في كليهما و امّا ان يكون خصوص المقام فتدل على الصحة في المسألة السّابقة بالأولوية فإنه إذا كان الشك في الزيادة عند الوصول الى الحجر الأسود غير قادح في صحة الطواف فالشك فيها بعد الانصراف لا يقدح بطريق اولى.

الفرع

الثاني ما لو شك قبل الوصول في انّ ما بيده السابع أو الثامن- مثلا- بان كان أمره دائرا بين ستة أشواط و نصف و بين سبعة أشواط و نصف ففي المتن الحكم بالبطلان تبعا لصاحبي المسالك و الجواهر بل المحكي عن الغنية أيضا لكن في محكيّ المدارك:

فيه منع تأثير احتمال الزيادة كما سيجي ء في مسألة الشك في النقصان.

و استدل على البطلان بحصول التردّد بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا و القطع المحتمل للنقيصة كذلك.

و أورد عليه بعدم كون الدوران بين المحذورين لأن الأصل عدم الزيادة و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 405

..........

______________________________

الإتيان بالزائد فلا اثر لهذا الدوران فان النقص مطابق للأصل كما ان عدم الزيادة موافق للأصل.

و قد استدل على البطلان بوجوه بعض الاعلام قدّس سرّهم و قال بعد ذكرها ان هذه الوجوه أحسن ما يستدل به لمذهب المشهور و لم أر من استدلّ بها الأوّل ما يستفاد من صحيحة الحلبي- المتقدمة- من ان العبرة بالتيقن بالسبع لقوله عليه السلام: امّا السبعة فقد استيقن و انّما وقع وهمه على الثامن و يظهر منه ان السبع لا بد من القطع به و من المفروض ان السبع غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستّة و نصف و بعبارة أخرى يستفاد من الصحيحة ان استصحاب عدم الزائد غير حجة في باب الطواف كما انه غير حجة في باب اعداد الصلاة و ركعاتها.

و يرد عليه مضافا الى التهافت بين هذا الكلام و بين ما أفاده في الفرع الأوّل من ان مقتضى أصالة عدم الإتيان بالشوط الثامن و صحيحة الحلبي هي الصحة و عدم البطلان فان مقتضى ذلك هي كون الرواية مؤيدة

لأصالة عدم الزيادة و دالة على اعتبارها ان المستفاد من الصحيحة انه لا بد و ان يكون السبع متيقنا و لا يعتني باحتمال الزائد و وقوع الوهم عليه و هذا المعنى يتحقق في المقام بتكميل الشوط الذي بيده فإنه بعد التكميل يصير السبع متيقنا و الوهم واقعا على الثامن و دعوى كون الطاهر من الرواية هو حصول التيقن في زمن حدوث الشك مدفوعة بأنه لا إشعار في الرواية بذلك فضلا عن الدلالة فإن مفادها مدخلية التيقن بالسبع في صحة الطواف و هذا يتحقق مع إكمال الشوط كما هو واضح.

الثاني موثقة أبي بصير التي في سندها إسماعيل بن مرار الذي يكون موثقا بالتوثيق العام قال قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

سبعة أم ثمانية قال يعيد طوافه حتى يحفظ الحديث «1». نظرا الى ان مفادها لزوم كون الطائف حافظا للسّبع و محرزا له و في المقام غير محرز و غيرها حافظ له نظير اعتبار الحفظ في الركعتين الأوّليين.

و يرد عليه ان المراد من الحفظ اللازم بعد ملاحظة مورد الرواية هل هو الحفظ بالإضافة إلى الزيادة أو الحفظ بالنسبة إلى النقيصة أو الحفظ بلحاظ كلتيهما.

فان كان المراد هو الاحتمال الأوّل فهو ينافي ما أفاده في الفرع الأوّل و هو الشك بين السبعة و الثمانية عند الوصول الى الحجر الأسود من الحكم بالصحة لعدم تحقق الحفظ بالإضافة إلى الزيادة.

و ان كان المراد و الاحتمال الثاني فلزوم الحفظ فيه لا يستلزم البطلان في المقام حيث انه لا يكون هنا احتمال النقيصة بوجه فانّ المراد بالنقيصة المحتملة هي النقيصة من جهة عدد الأشواط

لا نقص الشوط و عدم الوصول الى الحجر الأسود و من الواضح عدم تحقق احتمال النقيصة بالمعنى المذكور في المقام.

و ان كان المراد و الاحتمال الثالث الذي هو مورد الرواية لدوران الأمر بين الستّة و السبعة و الثمانية فيرد عليه ان البطلان فيه أيضا لا يستلزم البطلان في المقام بعد عدم ثبوت احتمال النقيصة بوجه.

و قد ظهر من جميع ذلك انه لا مجال للاستدلال بهذا الوجه أيضا لإثبات البطلان في المقام.

الثالث الروايات- الآتية- الواردة في الشك بين الست و السّبع الدالة على بطلان الطواف فإنّ إطلاقها يشمل بعد الفراغ من الشوط و وصوله الى الحجر الأسود كما أنه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

يشمل الأثناء و قبل الوصول اليه فلو تجاوز عنه بمقدار خطوات و شك ان ما في يده سادس أو سابع فلم يحرز و لم يحفظ الطواف فان الطواف اسم للمجموع و يصدق انه طاف و لم يدر ستّة طاف أو طاف سبعة و ان لم يصل الى الحجر و لم يتم الشوط بل تخصيص حصول الشك بين الستّة و السبعة بحين الوصول الى الحجر تخصيص بالفرد النادر إذ إنما الشك غالبا يحصل في الأثناء و قبل الوصول الى الحجر.

و الاستدلال بهذا الوجه من الغرائب فإنّ المفروض في الفرع الثاني صورة وجود احتمال الزيادة بالنسبة إلى عدد الأشواط و لا يكون في البين احتمال النقيصة من هذه الجهة و ان كان نفس الشوط ناقصا لم يكمل بعد و لم يصل الى الحجر الأسود الّا انه بملاحظة العدد المعتبر في أشواط الطواف و هي السبعة لا يكون احتمال النقيصة

موجودا بوجه فأمره دائر كما صرح به في فرض المسألة بين ستة و نصف و سبعة و نصف فهنا نقصان أحدهما متيقن الوجود و ثانيهما متيقن العدم امّا الأوّل فبالاضافة الى الشوط الذي بيده حيث انه يكون في أثنائه و يعلم بعدم إكماله و امّا الثاني فبالنسبة إلى العدد حيث انه يعلم بعدم النقيصة بل الشك انّما هو بملاحظة الزيادة حيث انه يحتمل كون ما بيده الذي لم يكمل بعد هو الشوط الثامن.

و عليه فالاستدلال لحكم هذا الفرض بالروايات التي يكون موردها خصوص صورة احتمال النقيصة من جهة عدد الأشواط لأن موردها صورة الشك بين الستّة و السبعة مما لا ينبغي ان يصدر من متفقة فضلا عمن له شأن في الفقه و الفقاهة و من الواضح انّ دعوى ثبوت الإطلاق لها و عدم الاختصاص بالفرد النادر و هو حدوث الشك عند الوصول الى الحجر الأسود لا تقتضي ثبوت الحكم المذكور فيها بالنسبة الى غير موردها و هو ما إذا كان أحد طرفي الشك احتمال النقيصة بالنسبة إلى عدد الأشواط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 408

..........

______________________________

و الظاهر وقوع الخلط بين النقصين و تحقق الاشتباه في البين.

و قد انقدح من جميع ما ذكر هنا عدم تمامية شي ء من الوجوه الثلاثة التي قد جعلت أحسن ما يستدل به للمشهور كما انك عرفت عدم تمامية الدليل الذي ذكره صاحب المسالك و ارتضاه صاحب الجواهر فلم ينهض إلى الان دليل على البطلان و الظاهر ان الإسناد إلى المشهور أيضا غير تامّ فإن العبارة المذكورة في الشرائع هكذا: و من شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت، و ان كان في أثنائه فان كان شكّا

في الزيادة قطع و لا شي ء عليه، و ان كان في النقصان استأنف في الفريضة.

فإن الظاهر ان المراد من الشك في العدد بعد الانصراف أعم من الشك في الزيادة أو في النقيصة أو في كلتيهما و قد حكم فيه بالصحة و عدم الالتفات لفرض كون حدوث الشك بعد الانصراف و امّا قوله: و ان كان في أثنائه فالظاهر بقرينة المقابلة مع قوله بعد الانصراف انّ المراد منه هو قبل الانصراف سواء كان عند تمام الشوط و الوصول الى الحجر الأسود أو قبل تمام الشوط و قد حكم فيه بالقطع و انه لا شي ء عليه و معناه هي صحة الطواف و ان كان التعبير بالقطع لا يلتئم مع إتمام الشوط و امّا الفرض الثالث الذي حكم فيه فقط بالبطلان في طواف الفريضة هو الشك في النقصان الحادث قبل الانصراف سواء كان بعد تمام الشوط أو قبله.

و عليه فلا يستفاد من العبارة المذكورة الحكم بالبطلان في الفرع الذي هو محل الكلام لكن التأمل في كلام صاحب الجواهر في شرح العبارة يقضي بكونه قد حملها على خلاف ما تقتضيه الدقة في العبارة فراجعه بأجمعه تجد صدق ما ذكرنا و قد ظهر مما ذكرنا عدم ثبوت الشهرة على البطلان و لا نهوض دليل عليه فما في المتن محل اشكال بل منع فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 409

..........

______________________________

الفرع الثالث ما لو شك في أخر الدّور أو في الأثناء أنه السابع أو السادس أو غيره من صور النقصان و المشهور فيه بطلان الطواف و لزوم الاستيناف من رأس و حكي العلامة عن المفيد انه قال: من طاف بالبيت فلم يدرأ ستا طاف أو سبعا فليطف

طوافا أخر ليستيقن انه طاف سبعا، و الظاهر ان مراده من الطواف الأخر هو الشوط الأخر لا الاستيناف و حكاه أيضا عن على بن بابويه و الحلبي و أبي على و اختاره صاحب المدارك و مستندهم أصالة عدم الزيادة و قبلها بعض الروايات التي يأتي التعرض لها اللّٰه تعالى و امّا يدل على المشهور فعدّة من الرّوايات مثل:

ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيّابة عن حمّاد عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة قال فليعد طوافه قيل انّه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء «1». قال صاحب الوسائل بعد نقل الرّواية: «أقول عبد الرحمن الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي بحران و تفسيره هنا بابن سيّابة غلط كما حقّقه صاحب المنتقي و غيره».

و الوجه في عدم رواية موسى بن القاسم عن ابن سيابة هو ان موسى بن القاسم من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام و ابن سيابة من أصحاب الصادق عليه السلام و من البعيد جدّا روايته عنه مع اختلاف الطبقة بهذه الكيفية مع ان موسى بن القاسم روى كثيرا عن ابن أبي بحران و روايته عن ابن سيابة و هو عن حماد منحصرة بهذه الرّواية.

هذا مع انه لا يترتب على هذا البحث ثمرة مهمة بعد كون ابن أبي نجران موثقا بالتوثيق الخاص و ابن سيابة موثقا بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص:

410

..........

______________________________

و لم يعارضه قدح خاص و احتمال كون ذكر عبد الرحمن مستندا الى غلط النسّاخ و اشتباه الكتاب كما احتمله بعض الاعلام في غاية البعد.

و ما رواه أيضا بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل لم يدر أ ستّة طاف أو سبعة قال:

يستقبل «1». و قد استشكل في السند لأن النخعي مردّد بين الثقة و غيره لكن أجيب عنه بان الطاهر كونه لقبا لأبي أيّوب الدرّاج و هو ثقة و موسى بن القاسم روى عنه في غير هذا المورد مع ان المحكي أن الكليني رواها و ليس في السّند النخعي.

و صحيحة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام انّي طفت فلم أدر أ ستّة طفت أم سبعة فطفت طوافا أخر فقال هلّا استأنفت قلت: طفت و ذهبت قال: ليس عليك شي ء «2».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة قال:

يستقبل «3».

و رواية أبي بصير قال قلت له: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية قال: يعيد طوافه حتى يحفظ الحديث بناء على كون وجوب الإعادة لتحقق الحفظ انّما هو لأجل وجود احتمال النقيصة في البين لعدم كون احتمال الزيادة قادحا على ما عرفت.

و غير ذلك من الروايات الدالة على البطلان من رأس في مفروض المسألة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4،

ص: 411

..........

______________________________

و امّا القول بالبناء على الأقل و الإتيان بالمشكوك فقد استدل عليه بطائفة من الروايات.

منها ما رواه الصدوق بإسناده عن رفاعة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال: يبني على يقينه «1». بناء على كون المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأقل الذي هو المتيقن في الدوران بين الأقلّ و الأكثر و اللازم- ح- الإتيان بالمشكوك و عدم بطلان الطواف.

و يرد عليه أوّلا انه لم يثبت كون المراد منه ذلك بل يحتمل قويّا ان يكون المراد منه هو لزوم الحفظ الذي قد وقع التعبير به في بعض الروايات المتقدمة متفرعا على الحكم بالبطلان و لزوم الإعادة و قد وقع مثل هذا التعبير في الشك في أعداد ركعات الصلاة الذي يكون حكمه البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و الإتيان بصلاة الاحتياط نظرا الى ان الطريق المحصل لليقين بالفراغ هي هذه الطريقة التي علّمها الشارع و عليه فالبناء على اليقين في المقام انّما يتحقق يرفع اليد عن الطواف المشكوك و الإتيان بسبعة أشواط بنحو اليقين هذا و لو لم يثبت ظهور الرواية فيما ذكرنا يكفي مجرد احتماله المساوي للاحتمال الأخر في عدم تمامية الاستدلال بها على البطلان و ثانيا انه على تقدير تسليم ظهور الصحيحة في مرام المستدل نقول انّها مطلقة من جهة طواف الفريضة و النافلة و إطلاقها قابل للتقييد بطواف النافلة بسبب الروايات المتقدمة الظاهرة أكثرها في طواف الفريضة و قد وقع التصريح بالتفصيل في جملة من الروايات و ان كان بعضها غير خال من ضعف السند.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 412

..........

______________________________

و منها ذيل موثقة محمد بن مسلم المتقدمة «1» و صحيحة منصور بن حازم «2» و صحيحة معاوية بن عمار «3» المشتمل بعد حكم الامام عليه السلام بما ظاهره وجوب اعادة الطواف في الشك بين الستة و السبعة على السؤال عن الخروج و الفوت و الجواب بأنه ليس عليه شي ء أو ما ارى عليه شيئا و في الصحيحة الثانية اضافة قوله عليه السلام و الإعادة أحبّ الىّ و أفضل.

بتقريب انّ مورد السؤال الثاني لا يكون مغايرا لمورد السؤال الأول و هو حدوث الشك حين الوصول الى الحجر الأسود قبل تحقق الانصراف غاية الأمر ان خصوصية السؤال الثاني انّما هي بلحاظ الخروج و الفوت و عليه فالحكم بأنه ليس عليه شي ء ظاهر في ان الحكم بالإعادة في الجواب عن السؤال الأول انّما يكون المراد به الاستحباب و يؤيده قوله- ع- و الإعادة أحبّ الىّ .. و عليه فالروايات الثلاثة بلحاظ ذيلها يكون الظاهر منها الاستحباب و لازمة عدم بطلان الطواف بالشك المذكور و لو كان حدوثه قبل الانصراف.

و يرد على الاستدلال بها انه على هذا التقدير كان اللازم الحكم في الجواب بلزوم الإتيان بالشوط المشكوك كما هو مدّعى المستدل و لا مجال لعدم التعرض لما هو الوظيفة الواجبة و التعرض مكانه لحكم استحبابي و ليس في الرواية فرض الإتيان بالشوط المشكوك و عليه فالروايات بهذا المعنى مما لم يقل بمفادها أحد من الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

فاللازم حمل الذيل فيها على كون المراد من السؤال فيه هو السؤال عن حكم صورة حدوث الشك بعد الانصراف و عليه فالفرق بينه و بين مورد السؤال الأول انّما هو في كون المراد منه هو حدوث الشك قبل الانصراف الذي هو محل البحث و الكلام في المقام فلا دلالة للذيل على كون المراد من الصدر الظاهر في بطلان الطواف و لزوم إعادته هو استحباب الإعادة كما هو ظاهر و منها صحيحة منصور بن حازم المتقدمة التي جعلناها من أدلة المشهور فانّ صاحب المدارك قد استدل بها لمذهبه و هو البناء على الأقلّ مع انّ مورد السؤال الأول فيها هو الشك بين الستّة و السبعة و البناء على الأقل و اضافة شوط أخر مشكوك الوجود و الجواب مشتمل على التوبيخ و الاعتراض بقوله عليه السلام هلّا استأنفت الظاهر في البطلان و وجوب الإعادة ظهورا قويّا لا يبلغ ظهور صيغة الأمر في الوجوب مرتبته بوجه و لا يقبل الحمل على الاستحباب و لكنه مع ذلك استفاد منها صاحب المدارك عدم وجوب الإعادة و لزوم البناء على الأقل بقرينة الذيل الدال على انه ليس عليه شي ء فيما إذا طاف و ذهب بعد ملاحظة أنّ الذهاب بمجرده لا يصلح لان يكون مصحّحا للطواف الواقع باطلا فلا بد و ان لا يكون الحكم فيه البطلان و لزوم الإعادة من رأس.

هذا و التحقيق ان يقال انه لا مجال للإشكال في ظهور الرواية في كون مورد السؤال الثاني متّحدا مع مورد السؤال الأول من جهة كون ظرف حدوث الشك بين الستّة و السبعة قبل الانصراف و بمجرد الوصول الى الحجر الأسود غاية الأمر اضافة فرض الذهاب عقيب الطواف المذكور الذي بنى فيه

على الأقل و طاف شوطا أخر لكن اختلاف الحكمين و الجوابين غاية الاختلاف و عدم إمكان التصرف في الحكم الأوّل بالحمل على الاستحباب يستدعي الالتزام بأحد أمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 414

..........

______________________________

امّا ان يقال باختلاف مورد السؤالين و ان مورد السؤال الأوّل هو الشك قبل الانصراف و مورد السؤال الثاني هو الشك الحادث بعد الانصراف و الذهاب و قد فسرنا الرواية في بعض المباحث المتقدمة بهذا النّحو و عليه فلا مانع من اختلاف الحكمين بالكيفية المذكورة.

و امّا ان يقال بان مورد السؤال الثاني صورة الجهل بالوظيفة و الإتيان بالطواف بالنحو المذكور الذي لا يكون صحيحا بوجه و الجهل في باب الطواف و ان كان ملحقا بالعلم بخلاف النسيان الّا انه لا مانع من الالتزام بالصحة في بعض صور الجهل بعد قيام الدليل عليه و دلالة الرواية الصحيحة و هو خصوص صورة الشك بين الستّة و السبعة و فوت زمان التدارك بالذهاب و الخروج الى بلده و أهله و قد حكى عن صاحب الحدائق قدّس سرّه انه ادعى عدم النزاع و الخلاف على الصحة في هذه الصورة و انّ محل الخلاف انما هو مع الحضور و حكى التصريح بهذا التفصيل عن العلامة المجلسي قدّس سرّه.

و لكن صاحب الجواهر ادّعى الإجماع على الخلاف و انه يجب حمل الصحيح على ارادة كون الشك بعد الفراغ قال: و ان أبيت فالطرح و إيكال علمه إليهم عليهم السلام خير من ذلك.

هذا و الظاهر عدم ثبوت الإجماع بهذا النحو لمعارضة دعواه بادعاء صاحب الحدائق نفي الخلاف في الصحة في هذه الصورة و قد اختاره العلامة المجلسي قدّس سرّه مع ان خصوص هذه الصورة لم يكن

موردا لتعرض كثير من الفقهاء حتى يتحقق فيه الإجماع فالإنصاف انه لا مجال لدعوى الإجماع و لكنه مع ذلك يكون الالتزام بالأمر الأوّل أرجح و أوفق بالفتاوى فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الفرع فيما إذا كان الشك في الأقل من الستّ و السبع كما لو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 415

[مسألة 24- كثير الشك في عدد الأشواط لا يعتني بشكه]

مسألة 24- كثير الشك في عدد الأشواط لا يعتني بشكه، و الأحوط استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط، و الظنّ في عدد الأشواط في حكم الشكّ (1).

______________________________

شك بين الثلاث و الأربع و الحكم فيه أيضا البطلان امّا لأنّ الجميع بعد الإكمال ينتهي إلى الشك بين الستّة و السبعة الذي كان الحكم فيه البطلان و امّا لدلالة روايات معتبرة على البطلان في خصوصه أيضا مثل:

موثقة جنان بن سدير قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام ما تقول في رجل طاف فأوهم قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام اىّ الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف و ان كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل عليه السلام عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة قال طواف نافلة أو فريضة؟ قيل أجنبي فيهما جميعا قال ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت و ان كان طواف فريضة فأعد الطواف «2».

و غيرهما من الرّوايات.

و بمثلهما ظهر ان الحكم بالبطلان في الشك في النقيصة يختص بطواف الفريضة و امّا طواف النافلة فلا يبطل بالشك المذكور بل الظاهر

ان الحكم فيه هو البناء على الأقل الذي هو مقتضى أصالة عدم الإتيان بالزائد و ان حكى عن جماعة جواز البناء على الأكثر أيضا نظرا الى مثل المرسلة المتقدمة و الأمر سهل.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لحكم عنوانين:

الأوّل كثير الشك في عدد الأشواط و صرّح في المتن بأنه لا يعتني بشكّه و الوجه فيه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 416

..........

______________________________

انّ ما دلّ على انه لا شك لكثير الشك لا يختص بباب الصلاة و الشك في عدد ركعاتها سواء كان الشك موضوعا للحكم بالبطلان كما في الشك في صلوتي الصبح و المغرب أم موضوعا للحكم بالبناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط بعد تمامية الصّلاة و مقتضى إطلاق مثل هذا الدليل الشمول للطواف أيضا غاية الأمر أنه احتاط في المتن استحبابا بالإضافة إلى استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط و الوجه فيه قلة الابتلاء بالطواف بخلاف الصّلاة مع الفرق بينهما أيضا بعدم جواز التكلم في الصلاة و جوازه في الطواف و اثر هذا الفرق إمكان الاستعلام من الحافظ و إمكان إخراجه من الغفلة على تقديرها في الطواف دون الصلاة و كيف كان فالعمدة ما عرفت من ثبوت الإطلاق لما دل على انه لا شك لكثير الشك مع ملاحظة حكومته على الأدلة الدالة على ترتب الحكم على الشك كما قد حقق في محله.

الثاني الظن في عدد الأشواط و في المتن انه بحكم الشك لكنه ذكر المحقق في الشرائع ان لا بأس ان يقول الرجل على غيره في تعداد الطواف لأنه كالامارة. و

الظاهر ان مقصوده من الأمارة هي العلامة التي تفيد الظن غالبا و حكى مثله صاحب الجواهر قدّس سرّه عن القواعد و غيرها و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع.

و العمدة في الحكم بجواز التعويل المذكور بعدم لزوم إحراز حجية الظن الذي يكون مقتضى الأصل في مشكوكة الحجية منه العدم و حجيته في باب ركعات الصلاة انّما هي لأجل قيام الدليل عليها و لا ملازمة بين الصلاة و الطواف من هذه الجهة روايتان واردتان في المقام:

إحديهما رواية سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الطواف أ يكتفي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

الرجل بإحصاء صاحبه فقال نعم «1».

و سعيد الأعرج من رجال صفوان الذين يروي عنهم و قد اشتهر ان كل من يروي عنه فهو ثقة و لكنه لم يثبت كما في البزنطي و ابن أبي عمير و لذا وصفه كاشف اللثام بالجهالة.

ثانيتهما رواية الهذيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتكلّ على عدد صاحبه في الطواف ا يجزيه عنها (عنهما ظ) و عن الصّبي فقال نعم الا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله «2». و لكن هذه الرواية أيضا ضعيفة بالهذيل و قد ذكر صاحب الجواهر ان النص و الفتوى قد جعلت الأحكام المذكورة للشك في الطواف على وجه يظهر منه عدم اندراج المظنون معه في الحكم المذكور قال و لا ينافيه ما تقدم في بعض النصوص من قوله عليه السلام: حتى تثبته أو حتى نحفظه لإمكان القول بان الظن إثبات له و حفظ له.

و هذا الكلام منه عجيب جدّا ضرورة ان المراد من الشك في الطواف الذي جعل

موضوعا للأحكام المذكورة هو عدم العلم الشامل للظن أيضا و يدل عليه صحيحة صفوان قال سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم احفظوا الطواف فلمّا ظنّوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم معي ستة أشواط قال ان شكّوا كلّهم فليستأنفوا، و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في يديه فلينبوا «3». و رواه الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان قال سألت أبا الحسن عليه السلام ثم ذكر مثله الّا انه قال: قال واحد معي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و الستون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السّادس و الستون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و الستون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 418

[مسألة 25- لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف قطع و اتى به]

مسألة 25- لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف قطع و اتى به ثم أعاد السعي. و لو علم نقصان طوافه قطع و أتمّ ما نقص و رجع و أتمّ ما بقي من السّعي و صحّ لكن الأحوط فيها (فيه ظ) الإتمام و الإعادة لو طاف أقل من أربعة أشواط و كذا لو سعى أقلّ منها فتذكّر (1).

______________________________

سبعة أشواط و قال الأخر معي ستة أشواط و قال الثالث معي خمسة أشواط فإن قرينة المقابلة بين الشك و اليقين في الرواية و الحكم باختلاف حكمها تقتضي ان يكون المراد بالشك هو عدم العلم و ان المناط في جواز البناء و عدم لزوم الاستيناف هو العلم غاية الأمران الاطمئنان و الظن المتاخم لليقين علم بنظر العرف فيجوز البناء معه و امّا مجرد الظن فهو داخل في الشك الذي يترتب عليه لزوم الاستيناف و بذلك كلّه تظهر

تمامية ما في المتن و لم تثبت شهرة على خلافه لعدم تعرض كثير لتحرير المسألة كما في الجواهر كما انه ظهر انه لا فرق بين أسباب حصول الظن و لو كان السبب هو اخبار الغير المفيد للظنّ.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل ما لو تذكر في حال السعي انه ترك الطواف رأسا و الحكم فيه وجوب قطع السعي و الإتيان بالطواف و اعادة السعي من رأس و يدل عليه مضافا الى الرواية الآتية في الفرع الثاني صحيحة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل بدأ بالسّعي بين الصفا و المروة قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السّعي قلت ان ذلك قد فاته قال عليه دم الا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك «1». و مقتضى إطلاق السؤال بعد وضوح عدم شموله لصورة العلم و العمد عدم الفرق بين صورة الجهل و فرض النسيان الذي هو محلّ البحث و الكلام فعلا كما ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الستون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 419

..........

______________________________

مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صورة رفع النسيان في أثناء السعي و بين صورة رفعه بعده و على اىّ فالرواية تدل على البطلان في المقام.

ثم انه قد جعل في الوسائل صحيحة منصور روايتين مع وضوح اتحادهما و ان كان بينهما الاختلاف في التعبير و في الاشتمال على السؤال الثاني و عدمه.

الفرع الثاني ما لو تذكر في أثناء السعي نقصان الطواف و عدم تماميّته و قد افتى فيه في المتن بلزوم إتمام كليهما غاية الأمر لزوم إتمام الطواف أوّلا و السعي ثانيا

لكنه احتاط استحبابا بالجمع بين الإتمام و الإعادة لو كان الطواف أقل من أربعة أشواط و كذا في السعي لو كان التذكر قبلها هذا و لكنه قال المحقق في الشرائع لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتمّ طوافه ان كان تجاوز النصف ثم تمّم السّعي. و مقتضاه لزوم اعادة الطواف من رأس لو لم يتجاوز النصف و المسألة خلافية بالإضافة إلى الطواف و الى السعي كليهما فظاهر عبارة الشرائع التفصيل المزبور في خصوص الطواف و ان الحكم في السّعي هو لزوم الإتمام مطلقا كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و التحرير و المنتهي لكن المحكي عن المبسوط و القواعد لزوم استيناف السعي في صورة استيناف الطواف. و ظاهر محكي النهاية و التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهي و النافع إطلاق إتمام الطواف كما في المتن.

و المستند الوحيد في هذا الفرع موثقة إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد ترك من طواف بالبيت قال يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتم ما بقي، قلت فإنه بدء بالصفا و المروة قبل ان يبدأ بالبيت فقال يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة، قلت فما فرق بين هذين؟ قال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 420

..........

______________________________

لأنّ هذا قد دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه «1». و قد حكاها صاحب الجواهر مع الاختلاف في بعض العبارات.

و لا شبهة في ظهور الموثقة في إطلاق

الحكم بالإتمام بالإضافة إلى الطواف و السعي كليهما كما في المتن فان كلمة «من» في قوله قد ترك من طوافه انّما هي للتبعيض و إطلاق البعض يشمل ما لو كان المتروك أقلّ أو أكثر كما ان قوله: فبينما هو يطوف يشمل ما لو كان التذكر قبل الشوط الرابع أو بعده، و الشبهة الموجبة لسؤال الفرق انّما هي بالإضافة إلى السّعي لعدم الفرق بين الفرضين بالنسبة إلى الطواف بعد كون الحكم فيه الرجوع للإتيان بما نقص أو بالجميع في فرض عدم الإتيان بشي ء من اشواطه فالسؤال انّما هو بالنسبة إلى السعي حيث ان الحكم فيه في الأوّل الإتمام و في الثاني الاستيناف و الجواب متضمن لبيان الفرق بالإتيان بشي ء من الطواف في الأوّل و عدم الإتيان بشي ء منه في الثاني.

و كيف كان فالموثقة ظاهرة فيما في المتن فيقع الكلام- ح- في مستند التفصيل المتقدّم المذكور في عبادة الشرائع و يظهر من الجواهر انّ الوجه في ذلك أمران:

أحدهما الاستظهار من كلمة الشي ء التي وقعت في السؤال الأول على وفق نقله حيث نقله هكذا: ثم ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي ء ان المراد منها هي الأقل من النصف.

و يرد عليه مضافا الى عدم وجود هذا التعبير في نقل الوسائل كما عرفت منع الاستظهار المذكور بالإضافة إلى الموثقة و ذلك بملاحظة التقليل الواقع في ذيلها بالنسبة إلى الصورتين فان قوله قد دخل في شي ء من الطواف لا يكون المراد من

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثالث و الستون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 421

..........

______________________________

الشي ء المذكور فيه هو الأقل من النصف ضرورة أن الأقلية لو لم تكن منافية لذلك لا تكون

مناسبة له بوجه فلا محالة يكون المراد من الشي ء المستعمل في التعليل أعم من الأكثر و الأقل فيصير ذلك قرينة على كون المراد به في الصدر على تقديره أيضا ذلك.

ثانيهما التعليل الواقع في بعض روايات عروض الحيض في الأثناء الدالة على الصحة إذا عرض بعد الشوط الرابع معلّلا بأنها جاوزت النصف فإنه يستفاد منه و من مثله ضابطة كلية عامة و هي ان حصول الاختلال من جهة وجود المانع أو فقد الشرط إذا كان بعد الشوط الرابع لا يؤثر في بطلان الطواف و لزوم الإعادة من رأس و هذه الضابطة حاكمة على إطلاق الموثقة و موجبة لتقييده بصورة التجاوز عن النصف و توجب التفصيل بين الفرضين كما في الشرائع.

و الجواب عنه ما عرفت من عدم تمامية استفادة التعميم بهذا النحو من التعليل المذكور غاية الأمر استفادة التعميم بالإضافة إلى حدث الجنابة بل و الحدث الأصغر و امّا دلالته على التوسعة بحيث يكون صالحا لتقييد إطلاق الموثقة مع وروده في مقام البيان جوابا عن سؤال السائل فمحلّ نظر بل منع.

و على ما ذكرنا فالتفصيل لا يكون له مستند قابل للاتكال عليه بل الحكم ثابت بنحو الإطلاق كما في المتن غاية الأمر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالجمع بين الإعادة و الإتمام في صورة الأقل من النصف خروجا من خلاف مثل المحقّق كما ان هذا الاحتياط ثابت في السعي فيما إذا كان التذكر قبل الشوط الرابع لأجل بعض الأقوال المتقدمة بالنسبة الى الاستيناف و الّا فالضابطة المذكورة على تقدير صحتها موردها الطّواف و لا يجري في السّعي بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 422

[مسألة 26- التكلم و الضحك و إنشاء الشعر لا تضرّ بطوافه لكنّها مكروهة]

مسألة 26- التكلم و الضحك و إنشاء الشعر لا تضرّ

بطوافه لكنّها مكروهة، و يستحب فيه القراءة و الدّعاء و ذكر اللّٰه تعالى (1).

______________________________

(1) امّا كراهة الأمور المذكورة فيدل عليها مثل رواية محمد بن فضيل عن محمد بن علىّ الرّضا عليه السلام في حديث قال طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه الّا بالدعاء و ذكر اللّٰه و تلاوة القرآن قال: و النافلة يلقي الرجل أخاه المسلم فيسلّم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به «1».

و امّا استحباب الأمور المذكورة فيدل عليه روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال طف بالبيت سبعة أشواط و تقول في الطواف اللهم اني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض، و أسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، و أسألك باسمك الذي تهتزّ له أقدام ملائكتك و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبّة منك، و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمّد صلّى اللّٰه عليه و آله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و أتممت عليه نعمتك ان تفعل بي كذا و كذا ما أحببت من الدعاء و كلّما انتهيت الى باب الكعبة فصلّ على النبيّ و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ و قل في الطواف اللّٰهم إني إليك فقير و انّي خائف مستجير فلا تغير جسمي و لا تبدل اسمي «2».

و رواية أيّوب أخي أديم قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام القراءة و انا أطوف أفضل أو ذكر اللّٰه تبارك و تعالى قال القراءة قلت

فان مرّ بسجدة و هو يطوف قال يومئ برأسه الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و الخمسون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 423

[مسألة 27- لا يجب في حال الطواف كون صفحة الوجه الى القدّام]

مسألة 27- لا يجب في حال الطواف كون صفحة الوجه الى القدّام بل يجوز الميل الى اليمين و اليسار و العقب بصفحة وجهه، و جاز قطع الطواف و تقبيل البيت و الرجوع لإتمامه، كما جاز الجلوس و الاستلقاء بينه بمقدار لا يضرّ بالموالاة العرفيّة و الّا فالأحوط الإتمام و الإعادة (1).

______________________________

الكعبة «1». و غيرهما من الروايات الكثيرة المنقولة في الأبواب المختلفة في الوسائل.

(1) أقول امّا عدم وجوب كون صفحة الوجه في حال الطواف الى القدّام فلانّ المعتبر فيه على ما عرفت كون الكعبة على يسار الطائف و وقوع الطواف على هذا الحال و هذا لا يفرق فيه بين ان تكون صفحة الوجه الى القدام أو الى غيره من الجهات الثلاثة و بهذا يتحقق الفرق بين الطواف و بين الصلاة حيث انه يعتبر فيها ان يكون مقاديم البدن بأجمعها التي منها صفحة الوجه بل هي عمدتها و لذا يكون الميل بها عن القبلة موجبا للبطلان خصوصا إذا كان بحيث يرى خلفه و هو الذي قد عبّر عنه بالالتفات و امّا في الطواف فلا يعتبر الا كون الكعبة على اليسار و لا فرق فيه بين حالات صفحة الوجه بوجه.

و امّا جواز قطع الطواف لتقبيل البيت و استلام الحجر و الرجوع لإتمامه فيدل عليه الروايات الكثيرة الدالة على استحباب استلام الحجر ابتداء و انتهاء و في كل شوط و على استحباب تقبيل جميع أجزاء البيت سيّما المستجاز فانّ لازم ذلك

قطع الطواف في تلك الحال لعدم كون الكعبة واقعة على يساره فيها و الرجوع بعده لإتمام الطّواف.

و امّا جواز الجلوس و الاستلقاء بينه فيدل عليه مضافا الى انه ربما لا تكون ادامة الطواف و عدم الاستراحة بينه ميسورة خصوصا بالإضافة إلى الهرم و المريض انّ ما يمكن ان يكون قادحا في ذلك هو اعتبار الموالاة في الطواف و المفروض في المسألة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الخامس و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 424

[القول في صلاة الطواف]

[مسألة 1- يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له]

مسألة 1- يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له، و تجب المبادرة إليها بعده على الأحوط، و كيفيتها كصلاة الصّبح و يجوز فيها الإتيان بكلّ سورة الّا العزائم و يستحب في الأولى التوحيد و في الثانية الجحد و جاز الإجهار بالقراءة و الإخفات (1).

______________________________

صورة عدم الإضرار بالموالاة العرفية و الّا ففي صورة الإضرار حيث يكون أصل اعتبار الموالاة بنحو الاحتياط الوجوبي كما تقدم بحثه في شرائط الطواف يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي الجمع بين الإتمام و الإعادة كما أفيد في المتن فتدبّر.

(1) في صلاة الطواف جهات من الكلام تعرض لأكثرها في هذه المسألة:

الجهة الاولى في أصلّ وجوبها فقد ذكر المحقق في الشرائع: و هما واجبتان في الطواف الواجب و قال في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة بل عن الخلاف نسبته إلى عامة أهل العلم و ان حكي فيه عن الشافعي قولا بعدم الوجوب ناسبا له الى قوم من أصحابنا لكن لا نعرفهم بل في الرياض عنه الإجماع مع انّ فيه و في السرائر نقل قول بالاستحباب و في التذكرة نسبة ذلك الى شاذ كالمحكيّ عن ابن إدريس».

و يدل على الوجوب

الكتاب و السنّة:

امّا الكتاب فقوله تعالى في سورة البقرة وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى نظرا الى ظهوره أوّلا في وجوب الاتخاذ المذكور و ثانيا في ان المراد من المصلّي محل الصلاة المعهودة في الشريعة فيدل على وجوب الصلاة عند مقام إبراهيم و حيث انه قام الإجماع على عدم وجوب صلاة غير صلاة الطواف عنده و على عدم لزوم إيقاع الصلاة الواجبة مثل اليومية في المسجد الحرام عند المقام ضرورة جواز الإتيان بها في أي موضع شاء من المسجد الحرام فتظهر دلالة الآية على وجوب صلاة الطواف عند المقام و احتمال كون المراد بالمصلّي محل الدعاء يدفعه عدم استعمال لفظة الصلاة في القرآن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 425

..........

______________________________

في غير الصلاة المعهودة في الشريعة نعم قد استعمل فيه لكن مع اضافة كلمة على بعدها كما في قوله تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ و في الموارد المتعدّدة الأخرى و امّا بنحو الإطلاق فلم يستعمل إلّا في المعني المعهود كما ان جعله بمعنى محل الصلاة المعهودة و حمل الأمر على الاستحباب بحيث كان المراد استحباب الإتيان بسائر الصلوات عند المقام يدفعه ما عرفت من الظهور في الوجوب و يؤيّده ما حكي عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله من انه صلّاهما و تلا قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى بل قيل انّها نزلت عليه حين فعلهما كما أنه يؤيده بل يدلّ عليه استشهاد الامام عليه السلام على ما في بعض الروايات بهذه الآية على بعض الجهات و الأحكام المتعلقة بصلاة الطواف و قد مرّ غير مرّة ان الاستشهاد يغاير التفسير فان مبني الأوّل على ظهور الآية

في نفسها في ذلك على حسب الظهور اللفظي و المتفاهم العرفي و مبني الثاني على بيان المراد من الآية و ان كان مخالفا لما هو ظاهرها كما لا يخفى.

و امّا الروايات فيدل على الوجوب طوائف كثيرة مثل ما دلّ على الأمر بالصلاة بعد الطواف و قد وقع في بعضها التعبير بأنّها فريضة و الروايات الواردة في مقام بيان اعمال الحج و العمرة و ما ورد في نسيان صلاة الطواف و انه يعود و يصلّ إذا لم يكن فيه مشقة و إذا كان كذلك كما إذا كان بعد رجوعه إلى اهله و محلّه يصليهما فيه نعم ما ورد مما يدل على لزوم إيقاعها عند مقام إبراهيم لا دلالة له على الوجوب لأن القائل بالاستحباب أيضا يقول بذلك فلزوم إيقاعها عنده يرجع الى الشرطية كشرطية الطهارة في الصلاة المندوبة و عليه لا وجه لجعل هذه الطائفة في عداد الطوائف المذكورة بعد استفاضة تلك الطوائف بل قد نفي البعد عن تواترها.

و نقتصر من الروايات على ذكر رواية واجدة باعتبار دلالتها على جملة من الجهات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 426

..........

______________________________

الآتية أيضا و هي صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصلّ ركعتين و اجعله اماما و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّٰه أحد و في الثانية قل يا ايّها الكافرون ثم تشهد و احمد اللّٰه و اثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و اسئله ان يتقبل منك و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصلّيهما في أيّ الساعات (ساعة

في) شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرع فصلّهما «1». و لا خفاء في ظهور صدرها و ذيلها في الوجوب و ان كان الذيل أظهر بلحاظ التعبير بالفريضة و التفريع عليها بالحكم بعدم كراهة الإتيان بها في أيّ ساعة من ساعات الليل و النهار مع وضوح كراهة النوافل في بعض تلك السّاعات و الصدر ظاهر في الوجوب بلحاظ صيغة افعل الظاهرة فيه في نفسها.

و قد استدل القائل بعدم الوجوب بعد المناقشة في دلالة الآية ببعض ما أشرنا اليه مع الجواب مضافا الى الأصل الذي لا مجال له بعد دلالة الآية و الروايات الكثيرة و ببعض الروايات مثل ما رواه النسائي في سننه من انّ الأعرابي قال للنبي عليه السلام بعد قوله صلّى اللّٰه عليه و آله ان الإسلام هي الصلوات الخمس اي الصلوات اليومية المفروضة: هل علىّ غير الخمس فقال صلّى اللّٰه عليه و آله لا الّا ان تتطوّع.

و بصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام فرض اللّٰه الصّلاة و سنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على عشرة أوجه صلاة السفر و الحضر و صلاة الخوف على ثلاثة أوجه و صلاة كسوف الشمس و القمر و صلاة العيدين و صلاة الاستسقاء و الصلاة على الميت «2».

______________________________

(1) أورد صدرها في الوسائل في باب 71 من أبواب الطواف ح- 3 و ذيلها في باب 76 ح- 3.

(2) مصدر روايت ذكر نشدة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

أقول امّا الرواية الأولى فمضافا الى عدم تمامية سندها عدم تمامية دلالتها أيضا لوضوح ثبوت غير الصلوات اليومية من الصلوات المفروضة و لو كان المراد خصوص

الصلوات المفروضة التي لا تترك بحال و لا يكون وجوبها مشروطا بعنوان خاص فلا يقدح خروج صلاة الطواف بعد وضوح اختصاص وجوبها بمن طاف في الحج أو العمرة و امّا الاستثناء الواقع فيها فقد احتمل السيوطي في شرح النسائي ان يكون المراد انه في الصلاة التي يتطوع بها إذا تحقق الشروع يجب الإتمام نظير الحج الذي يجب إتمامه و ان كان أصله غير واجب و عليه يكون الاستثناء متصلا كما انه احتمل بل استظهر ان يكون الاستثناء منقطعا و المراد ان الواجب ليس الّا الخمس و امّا التطوع فهو يدور مدار اختيارك من دون ان يكون هناك فرض.

و امّا الرواية الثانية فهي أيضا غير تامة الدلالة من جهة عدم التعرض لعشرة أوجه فيها مضافا الى عدم كون صلاة الاستسقاء من الصلوات الواجبة.

و كيف كان فمثل هذه الرواية لا تصلح للنهوض في مقابل الكتاب و السنّة الدالين على وجوب صلاة الطواف خصوصا الروايات المستفيضة بل المتواترة فلا ينبغي الإشكال في الوجوب.

الجهة الثانية في وجوب المبادرة إلى الإتيان بها عرفا بعد الفراغ عن الطواف و قد احتاط وجوبا في المتن في رعاية المبادرة و قد عبّر المحقق في الشرائع عن صلاة الطواف بقوله: «و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان في الطواف الواجب» و استفيد من هذه العبارة لأجل التعبير باللازم لزوم المبادرة إلى الصلاة و انّها متممة للطواف مع انه من الواضح انه ليس المراد من اللازم الّا مجرد التبعيّة الراجعة إلى ترتبها على الطواف و تأخرها عنه و امّا الوجوب فضلا عن المبادرة فلا دلالة له عليه و يؤيده بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

يدل عليه الحكم

بالوجوب في خصوص الطواف الواجب بعد هذا التعبير الجاري في مطلق الطواف أعم من الواجب و المستحب و كيف كان لا دلالة لهذا التعبير على لزوم المبادرة و لم أر التعرض لهذه الجهة لا في كلام المحقق و لا في الجواهر نعم ذكر في ذيل شرح المسألة الخامسة قوله: «ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص ..»

و امّا الروايات فيدل على وجوب المبادرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الجهة الأولى بلحاظ قوله عليه السلام في الصّدر إذا فرغت من طوافك فاتت مقام إبراهيم عليه السلام و صلّ ركعتين و أظهر منه قوله عليه السلام في الذيل و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك السّاعة الركعتان فليصلّهما قبل المغرب «1». اي قبل صلاة المغرب.

و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن ركعتي طواف الفريضة قال: لا تؤخّرها ساعة إذا طفت فصلّ «2».

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في وجوب المبادرة العرفية و عدم جواز تأخير الصلاة عن الطواف و الظاهر ان المراد من الوجوب هو الوجوب الشرطي الذي مرجعه إلى شرطية المبادرة في صحة الصّلاة و كون الإخلال بها موجبا للبطلان كسائر الأوامر و النواهي الواردة في العبادات و المعاملات حيث انّها ظاهرة في الإرشاد إلى الشرطية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 429

..........

______________________________

و المانعيّة

كقوله عليه السلام لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه و لا تبع ما ليس عندك و عليه فليس الإخلال بالمبادرة موجبا لمخالفة حكم تكليفي نفسي بل موجبا لعدم وقوعها صحيحة أصلا ثم ان هنا بعض الروايات الدالة على كراهة الإتيان بصلاة الطواف في بعض حالات الشمس كاحمراره و طلوعه أو عدم جواز الإتيان بها بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصّلاة و هذه الروايات مضافا الى ثبوت المعارض لها كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و الروايات الأخر لا تنافي أصل الحكم بوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الفراغ عن الطواف فان البحث في هذه الجهة راجع الى نفس صلاة الطواف من حيث هي و هذا لا ينافي ثبوت الكراهة بل عدم الجواز في بعض الموارد و الحالات و لا بأس بالتعرّض لما يدل على عدم الجواز و هي صحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة يصلّي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال لا «1».

و نقل في الوسائل عن الشيخ انه حملها على تأخير ركعتي الطواف عن الفريضة الحاضرة و الظاهر انه ليس مراد الشيخ صورة تضيق وقت الحاضرة كما استفاده بعض الاعلام قدّس سرّه بل كلامه يشمل صورة السعة أيضا و لذا أورد عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بانّ فيه منعا ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به لأنهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الأخر بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص اتجه- ح- تقديمها على الفريضة كما هو واضح.

هذا و لكن تعارضها في

موردها صحيحة ابن مسلم المتقدمة الدالة على وجوب الإتيان بصلاة الطواف قبل صلاة المغرب التي دخل وقتها فاللازم في مقام الجمع امّا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

حمل صحيحة ابن يقطين على خصوص صورة تضييق وقت الحاضرة بقرينة صحيحة ابن مسلم حيث ان موردها صورة سعة وقت صلاة المغرب و عدم تضيّقها و امّا الحكم بالتعارض و التساقط ثم الرجوع الى صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الإتيان بها في أيّ ساعة من ساعات الليل و النهار من دون كراهة في البين فضلا عن عدم الجواز و الروايات الدالة على ان صلاة الطواف من جملة أربع صلوات أو خمس التي تصلي في كل حال هذا و لكنك عرفت انّ مثل صحيحة ابن يقطين لا يكون دليلا على الخلاف ففي أصل المسألة و هو لزوم المبادرة في صلاة الطواف من حيث هي.

ثم انه ورد في بعض الرّوايات ما يدل على انّ الناس قد أخذوا من الحسنين عليهما السلام شيئا واحدا مثل موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين إلّا الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة «1».

لكن في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ما لعلّه ينافي ما في الموثقة قال سألت الرّضا عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال لا فذكرت له قول بعض آبائه ان النّاس لم يأخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السلام الّا الصلاة بعد العصر بمكّة فقال نعم و لكن إذا رأيت النّاس يقبلون على شي ء فاجتنبه فقلت ان هؤلاء يفعلون فقال

لستم مثلهم «2».

قال المجلسي قدّس سرّه في شرح الحديث: «اي على تجسس شي ء فإنهم يتجسّسون و يمنعون عن صلاة الطواف في ذلك الوقت و ذلك علامة التشيع عندهم قال فإن العامة أيضا يفعلون فقال لستم مثلهم لأنكم معروفون بالتشيع فإذا فعلتم احتجوا عليكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السادس و السبعون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 431

[مسألة 2- الشك في عدد الركعات موجب للبطلان]

مسألة 2- الشك في عدد الركعات موجب للبطلان، و لا يبعد اعتبار الظنّ فيه، و هذه الصلاة كسائر الفرائض في الاحكام (1).

______________________________

بخلاف بعض العامّة فإنهم يعلمون انهم يوافقونهم في المذهب كذا خطر بالبال».

هذا و لكن الظاهر ثبوت الإشكال في مفاد الصحيحة من جهة دلالة الموثقة على ان ما أخذوا عن الحسنين عليه السلام كان بالنسبة إلى صلاة طواف الفريضة مع ان مورد السؤال في الصحيحة كان هي صلاة طواف التطوع و من جهة انّ المحكي عن آبائه عليه السلام فيها لا اشعار فيها بالاختصاص بصلاة الطواف و من جهة الحكم بعدم الجواز رأسا و الحكم بوجوب الاجتناب.

الجهة الثالثة في استحباب قراءة سورة التوحيد في الركعة الاولى من صلاة الطواف و سورة قل يا ايها الكافرون في الركعة الثانية و هو المشهور و يدل عليه صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة و لا مجال لتوهم كون ظاهرها بيان الكيفية و انّه لا بد و ان يؤتى بها كذلك بعد وقوعها في عداد المستحبات الكثيرة المذكورة فيها و عدم الفتوى بالتعين من أحد من الأصحاب مضافا الى خلو الروايات الواردة في مقام البيان عن ذكر هذه الخصوصية و لا موقع لحمل المطلق على المقيد في

باب المستحبات بعد ثبوت المراتب فيها غالبا.

الجهة الرابعة جواز الإجهار بصلاة الطواف و الإخفات لخلوّ الروايات الواردة في مقام البيان عن التعرض لتعين احدى الخصوصيتين مع انها لا تكون من الصلوات اللّيلية التي يؤتى بها جهرا و لا من الصلوات النهارية التي يؤتى بها إخفاتا لوقوعها في جميع الساعات من ساعات الليل و النهار من دون كراهة فيجوز الإجهار بها و الإخفات و الجمع بينهما أيضا كما لا يخفى.

(1) صلاة الطواف الواجب بمنزلة فريضة الصبح فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 432

[مسألة 3- يجب ان تكون الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام]

مسألة 3- يجب ان تكون الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام و الأحوط الذي لا يترك خلفه، و لو تعذّر الخلف للازدحام اتى عنده من اليمين أو اليسار، و لو لم يمكنه ان يصلّي عنده يختار الأقرب من الجانبين و الخلف، و مع التساوي يختار الخلف و لو كان الطرفان أقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لا يبعد الاكتفاء بالخلف لكن الأحوط إتيان صلاة أخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية، و الأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكن بعدها الى ان يضيق وقت السّعي (1).

______________________________

الصلوات المفروضة وجودا و عدما كما انه يترتب عليها ما يترتب على فريضة الصبح من البطلان في الشك في عدد الركعات كما انه يعتبر الظنّ فيه كما يعتبر الظن في عدد ركعات مطلق الصلوات حتى مثل فريضة الصبح و بالجملة صلاة الطواف الواجب باعتبار كونها صلاة مفروضة يعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من طهارة البدن و اللباس و الطهارة من الحدثين و استقبال القبلة و غيرها و باعتبار كون ركعاتها

اثنتين يجري فيها ما يجري في فريضة الصبح لعدم اختصاص شي ء من الأدلة بخصوص الفرائض اليومية و لا بخصوص صلاة الصبح فتدبّر.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الاولى في لزوم ان تكون صلاة الطواف الواجب عند مقام إبراهيم عليه السلام و هو المشهور كما في الجواهر لكنه جعل المشهور موفقا لما في عبارة المحقق في الشرائع حيث قال في المسألة الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن فان منعه رخام صلّ ورائه أو الى أحد جانبيه و حكى عن الخلاف جواز فعلهما في غيره بل عنه الخلاف عن أجزاء الصلاة في غيره و عدم وجوب الإعادة، و عن الصدوقين جواز فعلهما في سائر مواضع المسجد في خصوص طواف النّساء و الظاهر ان مستندة ما في فقه الرضا الذي لم يثبت اعتباره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 433

..........

______________________________

و كيف كان العمدة في المقام قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى و يجري فيه احتمالات:

الأوّل ان تكون كلمة «من» للتبعيض يعني انه يجب اتخاذ بعض المقام مصلّى و إيجاد الصلاة في ذلك البعض.

و يرد عليه انه لا يجتمع مع حمل المقام على معناه الظاهر و هي الصخرة التي قام عليها إبراهيم عليه السلام و فيها آثار قدمه و تكون ذراعا في ذراع و ذلك لان الصخرة المذكورة لا يكون جميعا قابلا لان يتخذ مصلّى فضلا عن بعضها فهو يغاير ما إذا قيل اتخذ من المسجد محلا للعبادة و اشتغل بالعبادة فيه فإنه قابل للتبعيض نوعا و تكون أبعاضه صالحة لوقوع العبادة فيها بخلاف المقام.

الثاني ان تكون كلمة «من» بمعنى «في» و دالة على الظرفية يعني يجب

ان تكون الصخرة المعهودة ظرفا للصلاة بعد الطواف حكى ذلك عن كشف اللثام حيث قال: «لا بأس عندي بإرادة نفس الصّخرة و حقيقة الظرفية بمعنى انه ان أمكن الصلاة على نفسها فعل لظاهر الآية فان لم يمكن كما هو الواقع في هذه الأزمنة صلّى خلفه أو الى جانبيه».

و يرد عليه مضافا الى انّ الظرفية لا تجتمع مع ما عرفت من كون الصخرة ذراعا في ذراع لعدم إمكان وقوعها بهذه المساحة ظرفا للصلاة التي تحتاج إلى هيئة السجود أيضا و لا تكون الهيئة المعتبرة فيها منحصرة بالهيئة القيامية أو المقعودية أو الركوعية التي لا تحتاج الى ظرف وسيع انه لم ينقل عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و غيره الصلاة على نفس الصخرة و لو كانت واقعة لبانت.

الثالث ان تكون كلمة «من» للابتداء و معنى الآية- ح- انه يجب الابتداء من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

المقام و الشروع منه لاتخاذ المصلّي و مرجعه الى جعل المقام محلا يصلي اليه فتدل على لزوم كونه بحياله و واقعا خلفه.

و يرد عليه انه لا يستلزم جعل كلمة «من» للابتداء وقوع المقام امام المصلّي و قدامه لأنّ الشروع منه كما يتحقق بآخر اجزائه لمن جاء من قبل البيت و ناحية الكعبة كذلك يتحقق بأوّل اجزائه كمحاذاة الحجر الأسود في بدء الطواف و ختمه على ما تقدم و من المعلوم ان الشروع من الجزء الأوّل لا يستلزم وقوع الصلاة خلف المقام و كونه امامه.

الرّابع ان تكون الكلمة بمعنى «عند» بان تكون للاتصال و القرب و معني الآية- ح- انه يجب ان يتخذ مصلى قرب المقام و عنده و دعوى انّ لازمة جواز الصلاة

في جميع جوانب المسجد الحرام لقربها من المقام مدفوعة بأنه حيث يكون الخطاب متوجّها الى من كان في المسجد و فارغا عن الطواف و الإتيان باشواطه لا يبقي- ح- احتمال كون جميع المسجد قريبا من المقام و الّا لكان اللازم التعبير بلزوم اتخاذ المصلى من المسجد فالأمر في الآية مع ملاحظة ما ذكرنا لا ينطبق الّا على حوالي المقام مما يقرب المقام نعم يرد على هذا الاحتمال ان حمل كلمة «من» على معني «عند» يكون من الحمل على المعني المجازي و لكن الجواب ان ظهور كلمة مقام إبراهيم عليه السلام في الصخرة أقوى من ظهور كلمة «من» فالظاهر انه لا محيص عن حمل الآية على هذا المعنى.

و مقتضى إطلاقه انه لا فرق بين الخلف و بين اليمين و اليسار و بين القدام لان الجميع مشترك في قرب المقام و كون المصلّي عنده لكن في الروايات ما يظهر منه تعين الخلف مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة الاولى المشتملة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 435

..........

______________________________

قوله عليه السلام إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم و صلّ ركعتين و اجعله اماما و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرّضا عليه السلام أصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو السّاعة أو حيث كان على عهد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله قال حيث هو الساعة «1».

فإنّ السؤال ظاهر في مفروعية لزوم كون صلاة الطواف خلف المقام الّا ان يقال بأنه حيث كان محطّ السؤال هو المقام من حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّٰه عليه السلام فيمكن ان يكون ذكر الخلف باعتبار انه

أحد مصاديق الأراضي القريبة من المقام و المتصلة به فتدبر.

نعم يظهر من بعض الروايات التي وقع فيها الاستشهاد بالآية و الدالة على تعيّن الخلف كون الآية في نفسها ظاهرة فيه لان لازم الاستشهاد و الاستدلال ظهور الآية بنفسها فيه و الّا لا يبقي مجال للاستشهاد مثل مرسلة صفوان بن يحيى عمن حدّثه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال ليس لأحد ان يصلّى ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقول اللّٰه- عزّ و جلّ- وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة «2».

و رواية أبي عبد اللّٰه الأبزاري التي رواها عنه عبد اللّٰه بن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسيّ فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال: يعيدهما خلف المقام لأنّ اللّٰه تعالى يقول

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الواحد و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و السبعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 436

..........

______________________________

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى عني بذلك ركعتي طواف الفريضة «1».

لكن الرّوايتين ضعيفتان بإرسال الاولى و لا يجبره كون المرسل صفوان لأنّ مراسيله كمراسيل غيره في عدم الحجية و جهالة الأبزاري و لا يجبره كون الرّاوي عنه من أصحاب الإجماع لما تقدم تحقيقه.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم تنهض رواية معتبرة على تعين الخلف مع اشتمالها على الاستشهاد بالآية الشريفة فالإنصاف أنّ الآية مطلقة من حيث الجهات الأربع القريبة للمقام لكن الروايات المعتبرة تدل على تقييد إطلاقها و لازمة كون الروايات مفسرة للآية لا دالة على ظهورها بنفسها في ذلك على

ما ذكرنا فالظاهر ان تعين الخلف انّما هو على سبيل الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

ثم انك عرفت انه قد وقع التعبير في كلام المحقق بلزوم كون صلاة الطواف في مقام إبراهيم و قد وقع هذا التعبير في كلمات جماعة من الفقهاء المتقدمين عليه و المتأخرين عنه لكن كلام غير المحقق قابل للتوجيه بان المراد بالظرفية هو الاتصال و القربية بأن يكون المراد من كلمة «في» هو «عند» و امّا كلام المحقق بلحاظ التفريع المتقدم لا يقبل هذا التوجيه بوجه و لعلّ المراد من مقام إبراهيم عليه السلام في كلامه هو البناء الموجود في زمانه و بعده المشتمل على الصخرة الذي يمكن وقوع الصلاة فيه و لا يبعد ان يكون حقيقة عرفية فيه و عليه ففي صورة منع الرخام ينتقل الى وراء البناء أو أحد جانبيه فيرتفع الاشكال كما ان الظاهر ان المراد بنفي الخلاف الذي تقدم نقله عن الخلاف في أوّل البحث في هذه الجهة هو هذا المعنى فتدبّر.

الجهة الثانية في صورة تعذر الخلف للازدحام أو لغيره و البحث في هذه الجهة تارة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثاني و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 437

..........

______________________________

من حيث احتمال سقوط وجوب صلاة الطواف و اخرى من حيث انه بعد فرض عدم السقوط لا بد من رعاية الاتصال و القريبة من جهة اليمن و اليسار امّا من الحيثية الأولى فالظاهر ان اعتبار الخلفية و إمامية مقام إبراهيم انّما هو بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته و يدلّ عليه مضافا الى التسالم بين الأصحاب بل بين المسلمين ما يدل على عدم سقوط الصلاة في صورة النسيان أو الجهل

و لو كان تذكره أو علمه بعد انتهاء الاعمال و الخروج من مكة بل رجوعه الى محلّه و بلده كما سيأتي في المسألة الآتية فإن عدم السقوط في الصورتين يستلزم العدم في المقام بطريق اولى.

و امّا من الحيثية الثانية فربما يخطر بالبال انّ تقييد إطلاق الآية الدال على لزوم كون الصلاة عند المقام بالتقريب المتقدم في الجهة الأولى بما دلّ على تعين لزوم الخلف و كون المقام اماما انّما هو على نحو الإطلاق الذي مرجعه الى تعين الخلف في صورة الإمكان و سقوط اعتبار كونها عنده في صورة العدم فيسقط اعتبار الاتصال بالكلية فيما إذا لم يتمكن من الخلف و لكن الظاهر بطلان هذا التوهم و انّ محدودة التقييد منحصرة بصورة التمكن يعنى انّ اعتبار الخلفية انّما هو في خصوص صورة التمكن و امّا في صورة العدم فإطلاق الآية باق على حاله و مقتضاه لزوم كون الصلاة واقعة عند المقام غاية الأمر خروج الخلف للتعذر و القدّام للتسالم على عدم الجواز فيبقى اليمين و اليسار على حالهما فاللازم إيقاع الصّلاة في أحد الطرفين مع رعاية القرب و كونها عند المقام.

الجهة الثالثة فيما إذا لم يتمكن من الصلاة عند المقام بوجه و في هذه الجهة بعد وضوح عدم سقوط الصّلاة لما عرفت و عدم إمكان رعاية كونها عنده لفرض عدم التمكن يقع الكلام في لزوم رعاية الأقرب فالأقرب من ناحية و في ترجيح الخلف على أحد الطرفين من ناحية أخرى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

و قد وردت في هذه الجهة رواية رواها الكليني بسند صحيح و الشيخ بسند ضعيف فيه احمد بن هلال مضافا الى أمية بن على مع اختلاف

يسير في التعبير عن حسين بن عثمان قال رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد «1».

و الظاهر ان صلوته عليه السلام قريبا من ظلال المسجد كان منشأها كثرة الناس و الازدحام كما في الرواية الأخرى التعبير به لكن لم يعلم ان ظلال المسجد في ذلك الزمان بعد توسعة المسجد الحرام في الأزمنة المتأخرة كانت خارجة عن دائرة كون الصلاة عنده أم غير خارجة عنها كما انه لم يعلم ان صلوته عليه السلام بحيال المقام هل كانت لأجل تعين الخلف أو انه انّما يكون باعتبار كونه احدى الجهات الثلاثة الّتي لا بد و ان تقع الصّلاة فيه خصوصا بعد كون الحاكي غير الامام و لا يكون لفعله عليه السلام إطلاق و عليه فلا يستفاد من الرّواية إلّا مجرّد الجواز دون التعيّن.

و امّا رعاية الأقرب فالأقرب بعد الخروج عن كونها عنده خصوصا بالنسبة إلى اليمين و اليسار حيث ان ظاهر المتن لزومها و ان نفي البعد عن الاكتفاء بالخلف و لو كان غيره أقرب فلم ينهض دليل عليه لان مستنده قاعدة الميسور التي هي ممنوعة صغرى و كبرى بل الظاهر انه مع عدم التمكن من كون الصلاة عنده لا فرق بين القريب و الأقرب كما انه لا فرق بين الخلف و بين أحد الطرفين كما ان الظاهر انّ الاحتياط المذكور في المتن الذي يكون المراد به هو الاحتياط الوجوبي و مورده صورة عدم التمكن من الصلاة عند المقام لا مجال له فإنّه بعد الإتيان بما هو مقتضى الوظيفة بعد الإتيان بالطواف لا وجه لوجوب إعادتها و لو على سبيل الاحتياط الّا ان يقال انّ الوجه

______________________________

(1) الوسائل أبواب

الطواف الباب الخامس و السبعون ح- 1- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 439

[مسألة 4- لو نسي الصلاة اتى بها أينما تذكر عند المقام]

مسألة 4- لو نسي الصلاة اتى بها أينما تذكر عند المقام، و لو تذكر بين السّعي رجع و صلّي ثم أتمّ السّعي من حيث قطعه و صحّ.

و لو تذكر بعد الاعمال المترتّبة عليها لا تجب إعادتها بعدها. و لو تذكر في محلّ يشق عليه الرجوع الى المسجد الحرام صلّى في مكانه و لو كان بلدا آخر، و لا يجب الرجوع الى الحرم و لو كان سهلا، و الجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الاحكام (1).

______________________________

فيه احتمال ان يكون الحكم بجواز الصلاة خارجة عن دائرة كونها عنده مختصّا بصورة عدم التمكن من كونها عنده الى ان يضيق وقت السعي و لكنه مخالف للمبادرة العرفية المعتبرة في صلاة الطواف بعد الفراغ عنه فتدبّر جيّدا.

(1) أقول امّا أصل وجوب الإتيان بصلاة الطواف بعد التذكر و ارتفاع النسيان عند المقام فقد نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر الّا ما يحكي عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر بل استظهر الإجماع عليه كما في محكيّ كشف اللثام و يدلّ عليه- مضافا الى انه مقتضى القاعدة- روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة قال فليصلّهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «1». بناء على كون المراد بالبلد المذكور في فرض الامام عليه السلام في ذيل الرواية هو بلد مكّة كما هو الظاهر و على ان المراد بقضائهما هو الإتيان بهما في محلّهما الذي هو

خلف المقام كما في ذهن السائل و هذا هو الظاهر أيضا.

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصّفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح قال يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «1».

و الظاهر إنّ المراد من الركعتين هما الركعتان لكل طواف فيكون المجموع أربعا و لزوم الرجوع الى المقام مع كون التذكر بالأبطح الذي هو خارج من مكة و قريب منها دليل على لزوم الإتيان بهما عند المقام مع كون التذكر في البلد بطريق اولى و مثلها رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلى اربع ركعات قال يرجع فيصلّى عند المقام أربعا «2». و قد جعلها في الوسائل روايتين مع ان الراوي فيهما واحد و الراوي عنه أيضا واحد هذا و قد ورد فيما إذا تذكر الترك بمنى روايات متعارضة فبعضها يدل على وجوب الرجوع الى المقام لقضاء صلاة الطواف مثل صحيحة أحمد بن عمر الحلال قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى قال يرجع الى مقام إبراهيم عليه السلام فليصلّهما «3».

و بعضها ظاهر في جواز الإتيان بهما بمنى بل وجوبه مثل صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد

اللّٰه عليه السلام انه سأله عن رجل نسي ان يصلّي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السلام حتى اتى منى قال: يصلّيهما بمنى «4». قال صاحب الوسائل: أقول حمله الشيخ و غيره على من يشق عليه الرجوع.

و رواية هشام بن المثنى- التي رواها الشيخ و الكليني عنه- قال نسيت أن أصلي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 7.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 12.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 441

..........

______________________________

الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكّة فصلّيتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال: ا فلا صلّاهما حيث ما ذكر «1». و نسخ التهذيب مختلفة من جهة كون الراوي هو هشام بن المثنى الذي لم يوثق أو هاشم بن المثنى الذي ذكره النجاشي و وثّقه و المذكور في الاستبصار هو الأوّل و كذلك الكافي و الوافي و الوسائل كما عرفت.

و رواية هشام بن المثنى و حنّان قالا طفنا بالبيت طواف النساء و نسينا الركعتين فلما مرنا «مررنا» بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد اللّٰه عليه السلام فسألناه فقال: صلياهما بمنى «2».

هذا و قد جعل بعض الاعلام قدّس سرّه صحيحة أبي بصير- يعني ليث المرادي- شاهدة للجمع بين الطائفتين قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّٰه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل قال: ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه و

لا امره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «3».

قال: فالجمع بينهما بما ذكر ليس جمعا تبرعيّا بل الجمع بذلك على القاعدة.

و يرد عليه انه بعد ما جعل صورة التذكر بمنى مغايرة لما إذا كان الخروج خروجا ارتحاليّا قاصدا به الرجوع الى اهله و دياره كيف يجعل صحيحة أبي بصير الواردة في الارتحال الذي يكون ظاهره هو الارتحال بقصد الرجوع الى الأهل و الديار شاهدة للجمع بين الروايات المتعارضة الواردة فيما إذا كان التذكر بمنى مع ان المتذكر بمنى

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 17.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 442

..........

______________________________

يرجع الى مكّة لإنشاء الرجوع منها غالبا و يكون البلد مقصدا له كذلك بخلاف المرتحل الذي لم يبق له بمكّة مقصد و هدف.

و لعلّ التعرض لخصوص التذكر بمنى باعتبار استحباب الرجوع الى مكّة يوم العيد بعد تمامية مناسك مني للطوافين و السّعي ثم الرجوع الى منى للمبيت و رمي الجمار الثلاث في اليومين بعد الأضحى و عليه فربما يتفق نسيان صلاة الطواف و التذكر بمنى بعد الرجوع إليها و عليه فلا مجال لجعل صحيحة أبي بصير شاهدة للجمع بوجه.

و الذي ينبغي ان يقال في هذه الجهة انه في هذا المورد وردت رواية صالحة للجمع و هي رواية عمر بن البراء عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتّى اتى منى انه رخّص له ان يصليهما بمنى «1». فان التعبير بالترخيص ظاهر في ان الحكم الاوّلي هو الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة عند لكن

الشارع رخّص في ان يصلّيهما بمنى و عليه فالظاهر ان المكلف مخير بين الأمرين غاية الأمر ان الرجوع الى المقام أرجح و اولى فالأمر بالرجوع في صحيحة الحلال المتقدمة محمول على الاستحباب و التوبيخ في رواية هشام بن المثنى انّما هو لأجل اعتقاده لزوم الرجوع الى مكة للإتيان بالصلاة مع انّ الامام عليه السلام كان حاضرا في منى و لم يكن الحكم هو اللزوم بل كان يجوز له الإتيان بالصلاة بمنى و الّا لكان اللازم الحكم بإعادة الصلاة لوقوعها في غير محلّها و هو منى في المورد المفروض.

نعم الإشكال في هذه الجهة انّما هو من أجل عدم دلالة الفتاوى على ذلك بل ظاهرها انه لا فرق بين الصورتين و المفروضتين في كلام بعض الاعلام من وجه التفصيل بين وجود المشقة في الرجوع و عدمها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 443

..........

______________________________

ثم انّ ظاهر صحيحة أخرى لعمر بن يزيد التفصيل فيما إذا مضي من مكة قليلا و لازمة- ح- عدم المشقة في الرجوع بين الرجوع للإتيان بالصلاة بنفسه و بين الاستنابة و أمر بعض الناس بالصلاة عنه حيث روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكّة قال ان كان قد مضي قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه «1».

فانّ ظاهرها التخيير بين الأمرين و لذا أورد صاحب الحدائق على المشهور بهذه الرواية حيث انه لا يكون من التخيير في كلامهم في هذه الصورة عين و لا اثر مع ان الرواية ظاهرة فيه.

لكنه أجاب بعض الاعلام قدّس سرّه عن هذا الإيراد بما يرجع محصّله ان

حرف «أو» و ان كان ظاهرا في التخيير و لكن الظاهر منه هنا عطفه على مجموع الجزاء و الشرط لا خصوص الجزاء و المعنى ان من مضي و خرج قليلا ان كان متمكنا من الرجوع فليصل بنفسه بعد الرجوع و ان لم يتمكن يستنيب قال و هذا النحو من الاستعمال شائع نظير ما إذا قيل إذا دخل الوقت توضّأ أو تيمّم يعني إذا دخل الوقت و كان متمكنا من الماء يتوضّأ، و ان دخل الوقت و لم يكن متمكنا من الماء يتيمّم ..

هذا و امّا جواز الاستنابة في صورة الارتحال من مكّة و مشقة الرجوع التي عرفت ان مقتضى الرّوايات المتعددة فيها لزوم الصلاة حيث يذكر بالمباشرة فلم يتعرض له الكثير نعم وقع التصريح به في محكيّ التحرير بل التذكرة و لا مجال لدعوى انّ عدم التعرض ليس لأجل عدم الجواز بل لأجل التعرض لأحد طرفي الواجب التخييري و لعلّ النكتة فيه سهولة الإتيان به بالإضافة إلى الطرف الأخر و الوجه في عدم صحة هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 444

..........

______________________________

التوجيه كونه مخالفا للظاهر جدّا.

و كيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة و بين الروايات التي ظاهرها تعيّن التوكيل و الاستنابة هو الحمل على التخيير مثل: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين قال: يصلّي عنه «1».

و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من

المسلمين «2». و لكن الظاهر ان المراد منه ما افاده بعض الاعلام في تفسير رواية عمر بن يزيد المتقدمة بل هذه الرواية أظهر لأنه لا تصل النوبة إلى قضاء الوليّ قبل موت المكلف فهذه الرواية لا ارتباط لها بما نحن فيه بل موردها المسألة الآتية و هي قضاء الولي صلاة الطواف عن الميت.

و رواية ابن مسكان قال حدثني من سأله عن الرجل ينسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكّل «3».

فانّ مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على التخيير و لذا انفينا البعد عن جواز الاستنابة في التعليقة على المتن.

بقي في هذه المسألة أمور:

الأمر الأوّل لو تذكر ترك صلاة الطواف في أثناء السعي فالمشهور هو لزوم القطع و الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة ثم إتمام السعي من حيث قطع من دون فرق بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 13.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

الأشواط أصلا و عن الصّدوق جواز الإتيان بالصلاة بعد إكمال السعي أيضا و يظهر من صاحب الوسائل في عنوان الباب و يدل على المشهور روايات كثيرة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه «1». و المراد من قوله طاف بين .. هو الشروع فيه لا الفراغ عنه بقرينة الجواب كما ان الظاهر ان المراد من قوله يعود الى مكانه هو

لزوم العود الى المسعى لإتمام السعي و إكماله.

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسي ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك قال ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه «2».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة قال: يعلم ذلك الموضع ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه «3».

و مستند الصدوق ما رواه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه رخّص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام «4». و لكن حيث انّ في سند الصدوق الى محمد ابن مسلم مناقشة فلا تصلح هذه الرواية لإثبات شي ء في مقابل ما تقدم.

الأمر الثاني انّ مقتضى جميع الروايات الواردة في المسألة الدالة على الزوم الرجوع

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 4.

(4) الوسائل أبواب الطواف الباب السابع و السبعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 446

[مسألة 5- لو مات و كان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء]

مسألة 5- لو مات و كان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء (1).

______________________________

الى المسجد و المقام في بعض و عدم لزومه بل تكفي صلوته حيث يذكر أو تجوز الاستنابة انّ ما يلزم ان يقضي هي نفس الصلاة التي تركها نسيانا و امّا الأعمال المترتبة على الصلاة المتأخرة عنها فلا تجب إعادتها

حتى لو تذكر في أثناء السعي من ان مقتضى النص و فتوى المشهور لزوم الرجوع الى المقام و الإتيان بالصلاة ثم العود الى المسعى لإكمال السعي و إتمامه.

الأمر الثالث المحكي عن الشهيد في الدروس انه قال: لو نسي الركعتين رجع الى المقام فان تعذر فحيث شاء من الحرم فان تعذر فحيث أمكن من البقاع و ذكر صاحب الجواهر انه لا موافق له على هذا التفصيل و لا دليل كما اعترف به بعضهم.

الأمر الرّابع انّ الجاهل بوجوب صلاة الطواف التارك لها بحكم النّاسي و يدل عليه صحيحة جميل بن درّاج عن أحدهما عليه السلام انّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة النّاسي. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قسمي الجاهل القاصر و المقصّر و عليه فيجري في الجاهل بكلا قسميه ما تقدم من الأحكام بالإضافة إلى النّاسي من دون فرق بينهما.

(1) يدل على وجوب قضاء الولي صلاة الطواف عن الميت فيما لو تركها زمن حياته نسيانا أو جهلا مضافا الى بعض الإطلاقات الدالّة على انّه يقضي عنه اولى الناس بميراثه ما عليه من صلاة أو صيام كصحيحة حفص صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين «1».

بناء على ما مرّ من ان المراد منها وجوب إتيانه بنفسه في حال الحياة و قضاء الولي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الرابع و السبعون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 447

[مسألة 6- لو لم يتمكن من القراءة الصحيحة و لم يتمكن من التعلّم]

مسألة 6- لو لم يتمكن من القراءة الصحيحة و لم يتمكن من التعلّم

صلّي بما امكنه و صحّت، و لو أمكن تلقينه فالأحوط ذلك و الأحوط الاقتداء بشخص عادل لكن لا يكتفي به كما لا يكتفي النائب (1).

______________________________

عنه بعده و عطف رجل من المسلمين على الوليّ انّما هو باعتبار كون إتيان الغير مبرئ لذمة الميت أيضا سواء كان تبرعا أو بالأجرة.

(1) من لم يتمكن من القراءة الصحيحة تارة لا يكون متمكّنا من التعلم أيضا و اخرى يكون متمكّنا منه ففي الصورة الاولى لا إشكال في صحة صلوته لأنّ وظيفته لا تكون الّا هذا المقدار الذي يتمكن منه و قد تقدم في باب التلبية حكم تلبية الأخرس و ما ورد من انّ تلبيته و تشهده و قرائته القران في الصلاة هو تحريك لسانه و إشارته بإصبعه و بعض الروايات الأخر الدالة على انه قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح.

و في الصورة الثانية لا إشكال في ان وظيفته التعلم و تصحيح القراءة و تحسينها مقدمة للإتيان بالمأمور به التي هي الصلاة الصحيحة في صورة الإمكان فإن أهمل و تسامح حتى ضاق الوقت فمقتضى إطلاق المتن انه يصلّي بما امكنه و تصحّ صلوته و لكن احتاط بالتلقين في صورة إمكانه و ظاهره هو الاحتياط الوجوبي و الوجه فيه انه مع التلقين تتحقق الصلاة من نفسه مباشرة و مع القراءة الصحيحة و لا يكون فيه أية شبهة.

و امّا الاقتداء ففيه شبهة عدم مشروعية الجماعة في صلاة الطواف و لذا لم ينقل فيها قول و لا فعل من المعصوم عليه السلام مع انه انّما يفيد بالنسبة إلى القراءة الساقطة عن المأموم و امّا بالإضافة إلى سائر الأذكار خصوصا التشهد و التسليم فلا يجدي بوجه كما

ان النيابة و ان كانت ثابتة في مثل المريض و الكسير الّا انّ ثبوتها في غير المتمكن من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 4، ص: 448

..........

______________________________

القراءة الصحيحة لم يقم عليه دليل لكن مقتضى الاحتياط الجمع بين الأمور الثلاثة و لا ينبغي ترك هذا الاحتياط بوجه.

هذا تمام الكلام في البحث عن الطواف و صلاته و به يتم الجزء الرابع من كتاب الحج من تفصيل الشريعة الذي هو شرح لكتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخمينى قدّس سرّه وفقني اللّٰه تبارك تعالى بمنّه و لطفه لإتمام الجزء الأخير من كتاب الحج و سائر أجزاء الكتاب و ان كانت الموانع الجسمية و الرّوحية كثيرة لكن نعم اللّٰه التي لا تعد و آلائه التي لا تحصى كما نطق به الكتاب العزيز توجب الرجاء الواثق بالوصول الى هذا الأمر إن شاء اللّٰه تعالى و كان ذلك في يوم السبت الذي هو اليوم السابع و العشرون من ذي حجة الحرام من سنة 1415 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.